توصَّلت مصر -في ما يبدو أنَّه تنكُّرٌ لإدارة ترامب- إلى اتفاقٍ مبدئي يسمح للطائرات الحربية الروسية باستخدام مجالها وقواعدها الجويين، وفقاً لما أعلنه الطرفان أمس، الخميس 30 نوفمبر/تشرين الثاني، وفق ما ذكر تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
وإذا ما جرى التوصُّل لاتفاقٍ نهائي بهذا الصدد، سيمنح الاتفاق روسيا أكبر وجود لها في مصر منذ عام 1973، حين طردت القاهرة الخبراء العسكريين التابعين للاتحاد السوفييتي وأصبحت بدلاً من ذلك أقرب حلفاء واشنطن العرب.
وقدَّمت الولايات المتحدة لمصر أكثر من 70 مليار دولار من المساعدات في العقود الأربعة التالية لذلك، بمعدل بلغ أكثر من 1.3 مليار دولار سنوياً في السنوات الأخيرة. وتُبرّر تلك التكلفة جزئياً بحجة أنَّ تلك المساعدات تؤمِّن استخدام الجيش الأميركي للمجال الجوي والقواعد المصرية.
ووصف المحللون المصريون والأميركيون الاتفاق المبدئي بأنَّه آخر الإشارات على تداعي النفوذ الأميركي بعد تقليص الرئيس دونالد ترامب بصمته العسكرية والدبلوماسية في المنطقة والعالم.
فقال ماتيو سبينس، نائب مساعد وزير الدفاع السابق لشؤون سياسة الشرق الأوسط إبَّان إدارة أوباما، التي واجهت انتقاداتٍ مماثلة لسياستها تجاه المنطقة: "النفوذ يمقت الفراغ، وحين تنسحب الولايات المتحدة لا يمكن أن نُكوِّن انطباعاً بأنَّ العالم سيقف وينتظرنا. الخطر، والواقع، هو أنَّ بلداناً أخرى ستستغل الفرصة التي تسنح حين تختار أميركا الانسحاب".
من الناحية العملية، سيثير وجود المقاتلات الروسية في مصر الشكوك حول الأمن العملياتي لأفراد الجيش الأميركي ويتطلَّب تنسيقاً مع الطائرات الأميركية الموجودة في نفس المجال الجوي.
وقال أندرو ميلر، المسؤول البارز السابق بوزارة الخارجية الأميركية الذي يعمل الآن في منظمة مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط: "إنَّها مشكلة كبرى للعلاقات الدفاعية بين الولايات المتحدة ومصر".
لم يكن من الواضح مدى علم واشنطن بالاتفاق. ولم تستبدل إدارة ترامب بعد السفير الأميركي في القاهرة، الذي انتهت ولاية الثلاث سنوات الخاصة به في يوليو/تموز الماضي.
ولم يقل إدغار فاسكيز، المتحدث باسم وزارة الخارجية، سوى "إنَّنا على علم بتلك التقارير ونراقب الوضع".
وجاءت الأنباء حول الاتفاق المبدئي في الوقت الذي تَقلَّص فيه السلك الدبلوماسي الأميركي بشدة وتواجه السياسة الخارجية الأميركية تحدياتٍ من كل الجهات.
إذ اختبرت كوريا الشمالية صاروخها ذا المدى الأطول حتى الآن أمس، في تحدٍّ للتحذيرات الشديدة من جانب ترامب، وفي وقتٍ لا يزال فيه منصبا مساعد وزير الخارجية الأميركي لشرق آسيا والسفير الأميركي لدى كوريا الجنوبية شاغرين.
وانتقدت رئيسة الوزراء البريطانية والبرلمان البريطاني -أوثق حلفاء واشنطن- علناً ترامب لترويجه مقاطع فيديو من مجموعة يمينية متطرفة بريطانية على الإنترنت تُشوِّه المسلمين.
وفي الشرق الأوسط، لا تمتلك الإدارة مساعداً لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، أو سفراء لدى السعودية أو تركيا أو الأردن أو مصر أو قطر. وأمس الخميس، طفت على السطح خطة من البيت الأبيض للإطاحة بوزير الخارجية ريكس تيلرسون، الذي أشرف على الاستقالات الجماعية لكبار الدبلوماسيين في الوقت الذي شاهد فيه تركته وهي تُقوَّض جرَّاء التناقضات أو الاستخفافات القادمة من المكتب البيضاوي.
وكانت إدارة أوباما قد تعرَّضت لانتقاداتٍ من حلفائها بسبب انسحابها من الشرق الأوسط، خصوصاً لفشلها في التدخُّل بقوة كافية ضد حكومة الأسد السورية المدعومة من إيران وروسيا في حربها الأهلية ضد المعارضة التي تتحدى حكمه.
وفي ظل حكم ترامب، قلَّصت الولايات المتحدة دعمها للمعارضة السورية بصورةٍ أكبر، وتراجعت عن هدفها السابق بعزل الأسد من السلطة وجلست في مقعدٍ خلفي وراء موسكو في عملية السلام السورية.
وتقدَّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مُوسِّعاً نفوذ موسكو في الشرق الأوسط وساعياً لاستعادة النفوذ المفقود بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة واتساع الحضور العسكري الأميركي في أنحاء الخليج العربي ومناطق أخرى.
ونفَّذت روسيا حملة جوية مكثفة في سوريا حصَّنت الأسد، وعزَّزت موقعه كزبونٍ لروسيا، وحمت القاعدة البحرية الروسية على ساحل البحر المتوسط السوري.
وسَعَت روسيا لإحراز نجاحاتٍ مع حلفاء أميركا أيضاً. ففي سبتمبر/أيلول، وافقت على بيع ما قيمته ملياري دولار من الصواريخ المتطورة إلى تركيا، عضوة حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي تصادمت مع روسيا من قبل على خلفية سياستها في سوريا.
وفي أكتوبر/تشرين الأول، وافقت روسيا على بيع ما قيمته 3 مليارات دولار من الصواريخ للسعودية، وهي حليفة وثيقة أخرى للولايات المتحدة على الجانب الآخر من الصراع السوري.
يقول جمال عبدالجواد سلطان، الباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، وهو مؤسسة بحثية مُموَّلة من الدولة في القاهرة، إنَّه في ظل ما يبدو من تراجع واشنطن، "فإنَّ عدداً قليلاً جداً من دول المنطقة مُستعد للاعتماد فقط على التحالف مع الولايات المتحدة كسياسةٍ لضمان أمنها، إن كان هناك أي دولة مستعدة لفعل ذلك بالأساس".
وعلى النقيض من ذلك، يقول سلطان إنَّ "روسيا أثبتت أنَّها فعّالة جداً، وكان ذلك جذَّاباً للدول في مختلف أنحاء المنطقة".
وفي مطلع الخمسينيات، حاولت مصر في عهد جمال عبدالناصر بناء تحالفاتٍ متوازنة مع الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. لكن سرعان ما فقدت واشنطن صبرها حيال سياسة عدم الانحياز التي اتبعها عبدالناصر وخطاباته المناهضة للاستعمار، ووقعت مصر تماماً في المعسكر السوفييتي حتى السبعينيات، حين بدَّل الرئيس أنور السادات ولاءه إلى الغرب.
ويُعيد الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، الذي تولَّى السلطة في انقلابٍ عسكري أطاح برئيسٍ إسلامي عام 2013، تنشيط تحالفات الحرب الباردة بين القاهرة وموسكو. ويعتقد المسؤولون الأميركيون أنَّه ربما يحاول الضغط على واشنطن لاستمرار تسليمه المزيد من المساعدات، وهي الاستراتيجية التي تختلف عن استراتيجية عبدالناصر في التعامل مع الأطراف الدولية المتنافسة.
لكن المسؤولين الأميركيين سخروا من فكرة أنَّ روسيا قد تُقدِّم ذلك النوع من الدعم العسكري الذي تعهَّد به الاتحاد السوفييتي في الماضي، ناهيك عن استبدال العتاد، والتدريب، والصيانة التي يعتمد فيها المصريون على واشنطن.
فقال سبينس، المسؤول السابق بوزارة الدفاع: "كثيراً ما وضعت مصر روسيا كبديلٍ للتعاون الأميركي، وكان موقفنا بشكلٍ ما هو: حظاً موفقاً مع ذلك".
لكن حين علَّقت إدارة أوباما مؤقتاً المساعدات العسكرية لمصر في 2013 رداً على عمليات إطلاق النار الجماعي من قبل الحكومة على أكثر من 1000 من معارضي السيسي السياسيين، زار الأخير موسكو واتفق على شراء مقاتلات، ومروحيات، وصواريخ من روسيا بقيمة 3.5 مليار دولار.
والعام الماضي، أجرى البلدان مناوراتٍ مشتركة لمكافحة الإرهاب، وأجرى المظليون الروس تدريباتٍ مشتركة مع المظليين المصريين في مصر.
ووقَّعت مصر أيضاً اتفاقاً مبدئياً مع روسيا لبناء محطة طاقة نووية في مصر، رغم أنَّه لا توجد إشارات على أي عمليات بناء.
وتعاون السيسي وبوتين بصورةٍ ملموسة أكثر لدعم حليفهما المشترك في ليبيا، اللواء خليفة حفتر، الذي يتخذ من شرق ليبيا على الجانب الآخر من الحدود المصرية مقراً له. ووفقاً لمسؤولين أميركيين مطّلعين على الوضع، أنشأت روسيا وجوداً عسكرياً محدوداً في منطقةٍ مصرية نائية بالصحراء الغربية لدعم اللواء حفتر.
ووضع دعم مصر وروسيا للواء حفتر إيَّاهما في تعارضٍ مع الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى، التي دعمت حكومة الوفاق في طرابلس في محاولةٍ لإنهاء أي صراعٍ أهلي تعاني منه ليبيا.
ولم يتضح على الفور ما الذي تأمل مصر الحصول عليه مقابل سماحها لروسيا باستخدام مجالها وقواعدها الجوية. ولم تمنح مسوّدة الاتفاق التي نشرتها موسكو أمس لمصر سوى حقوق مماثلة لاستخدام المجال الجوي والقواعد الجوية الروسية، ما يشير إلى أنَّ روسيا سعت للحصول على مزايا مجانية تدفع الولايات المتحدة ثمناً باهظاً مقابلها منذ عقود.
وتكهَّن بعض المحللين بأنَّ القاهرة ربما تأمل في إقناع موسكو بإعادة الرحلات الجوية السياحية التي قطعتها لمخاوف أمنية بعد إسقاط المسلحين طائرة روسية مستأجرة كانت في طريقها لمغادرة منتجع شرم الشيخ المصري قبل عامين.
وربما تأمل مصر أيضاً في إقناع روسيا بالمضيّ قدماً في الاتفاق المبدئي من أجل إنشاء محطة طاقةٍ نووية. فقال ميلر، المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية: "هناك تاريخ طويل من الاتفاقات المبدئية الروسية التي يستغرق تطبيقها أبد الدهر، أو لا تُطبَّق على الإطلاق".
وأشارت وسائل الإعلام الروسية المملوكة للدولة إلى أنَّ الاتفاق قد يساعد حملة موسكو العسكرية في سوريا، وهي المنطقة الأخرى التي وجد فيها السيسي وبوتين أرضيةً مشتركة.
وقد نظر رعاة مصر من الدول الخليجية، السعودية والإمارات، إلى المعركة ضد حكومة الأسد باعتبارها حرب وكالة ضد حليفة الأسد الإقليمية، إيران. لكنَّ السيسي أظهر في بعض الأحيان تعاطفاً مع الأسد كرجلٍ قوي زميل يدافع عن الوضع الراهن ويقاتل الإسلام السياسي.
وقال فلاديمير فيتين، رئيس مركز الشرق الأدنى والأوسط التابع للمعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية، إنَّ الوصول إلى المطارات المصرية سيسمح لمقاتلات الجيش الروسي بإعادة التزوُّد بالوقود في طريقهم إلى سوريا، وذلك وفقاً لتقريرٍ نشرته وكالة ريا نوفوستي الروسية المملوكة للدولة.
وإذا ما جرى التوصُّل لاتفاقٍ نهائي بهذا الصدد، سيمنح الاتفاق روسيا أكبر وجود لها في مصر منذ عام 1973، حين طردت القاهرة الخبراء العسكريين التابعين للاتحاد السوفييتي وأصبحت بدلاً من ذلك أقرب حلفاء واشنطن العرب.
وقدَّمت الولايات المتحدة لمصر أكثر من 70 مليار دولار من المساعدات في العقود الأربعة التالية لذلك، بمعدل بلغ أكثر من 1.3 مليار دولار سنوياً في السنوات الأخيرة. وتُبرّر تلك التكلفة جزئياً بحجة أنَّ تلك المساعدات تؤمِّن استخدام الجيش الأميركي للمجال الجوي والقواعد المصرية.
ووصف المحللون المصريون والأميركيون الاتفاق المبدئي بأنَّه آخر الإشارات على تداعي النفوذ الأميركي بعد تقليص الرئيس دونالد ترامب بصمته العسكرية والدبلوماسية في المنطقة والعالم.
فقال ماتيو سبينس، نائب مساعد وزير الدفاع السابق لشؤون سياسة الشرق الأوسط إبَّان إدارة أوباما، التي واجهت انتقاداتٍ مماثلة لسياستها تجاه المنطقة: "النفوذ يمقت الفراغ، وحين تنسحب الولايات المتحدة لا يمكن أن نُكوِّن انطباعاً بأنَّ العالم سيقف وينتظرنا. الخطر، والواقع، هو أنَّ بلداناً أخرى ستستغل الفرصة التي تسنح حين تختار أميركا الانسحاب".
من الناحية العملية، سيثير وجود المقاتلات الروسية في مصر الشكوك حول الأمن العملياتي لأفراد الجيش الأميركي ويتطلَّب تنسيقاً مع الطائرات الأميركية الموجودة في نفس المجال الجوي.
وقال أندرو ميلر، المسؤول البارز السابق بوزارة الخارجية الأميركية الذي يعمل الآن في منظمة مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط: "إنَّها مشكلة كبرى للعلاقات الدفاعية بين الولايات المتحدة ومصر".
السفير الأميركي في القاهرة
لم يكن من الواضح مدى علم واشنطن بالاتفاق. ولم تستبدل إدارة ترامب بعد السفير الأميركي في القاهرة، الذي انتهت ولاية الثلاث سنوات الخاصة به في يوليو/تموز الماضي.
ولم يقل إدغار فاسكيز، المتحدث باسم وزارة الخارجية، سوى "إنَّنا على علم بتلك التقارير ونراقب الوضع".
وجاءت الأنباء حول الاتفاق المبدئي في الوقت الذي تَقلَّص فيه السلك الدبلوماسي الأميركي بشدة وتواجه السياسة الخارجية الأميركية تحدياتٍ من كل الجهات.
إذ اختبرت كوريا الشمالية صاروخها ذا المدى الأطول حتى الآن أمس، في تحدٍّ للتحذيرات الشديدة من جانب ترامب، وفي وقتٍ لا يزال فيه منصبا مساعد وزير الخارجية الأميركي لشرق آسيا والسفير الأميركي لدى كوريا الجنوبية شاغرين.
وانتقدت رئيسة الوزراء البريطانية والبرلمان البريطاني -أوثق حلفاء واشنطن- علناً ترامب لترويجه مقاطع فيديو من مجموعة يمينية متطرفة بريطانية على الإنترنت تُشوِّه المسلمين.
وفي الشرق الأوسط، لا تمتلك الإدارة مساعداً لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، أو سفراء لدى السعودية أو تركيا أو الأردن أو مصر أو قطر. وأمس الخميس، طفت على السطح خطة من البيت الأبيض للإطاحة بوزير الخارجية ريكس تيلرسون، الذي أشرف على الاستقالات الجماعية لكبار الدبلوماسيين في الوقت الذي شاهد فيه تركته وهي تُقوَّض جرَّاء التناقضات أو الاستخفافات القادمة من المكتب البيضاوي.
وكانت إدارة أوباما قد تعرَّضت لانتقاداتٍ من حلفائها بسبب انسحابها من الشرق الأوسط، خصوصاً لفشلها في التدخُّل بقوة كافية ضد حكومة الأسد السورية المدعومة من إيران وروسيا في حربها الأهلية ضد المعارضة التي تتحدى حكمه.
وفي ظل حكم ترامب، قلَّصت الولايات المتحدة دعمها للمعارضة السورية بصورةٍ أكبر، وتراجعت عن هدفها السابق بعزل الأسد من السلطة وجلست في مقعدٍ خلفي وراء موسكو في عملية السلام السورية.
وتقدَّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مُوسِّعاً نفوذ موسكو في الشرق الأوسط وساعياً لاستعادة النفوذ المفقود بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة واتساع الحضور العسكري الأميركي في أنحاء الخليج العربي ومناطق أخرى.
ونفَّذت روسيا حملة جوية مكثفة في سوريا حصَّنت الأسد، وعزَّزت موقعه كزبونٍ لروسيا، وحمت القاعدة البحرية الروسية على ساحل البحر المتوسط السوري.
وسَعَت روسيا لإحراز نجاحاتٍ مع حلفاء أميركا أيضاً. ففي سبتمبر/أيلول، وافقت على بيع ما قيمته ملياري دولار من الصواريخ المتطورة إلى تركيا، عضوة حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي تصادمت مع روسيا من قبل على خلفية سياستها في سوريا.
وفي أكتوبر/تشرين الأول، وافقت روسيا على بيع ما قيمته 3 مليارات دولار من الصواريخ للسعودية، وهي حليفة وثيقة أخرى للولايات المتحدة على الجانب الآخر من الصراع السوري.
يقول جمال عبدالجواد سلطان، الباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، وهو مؤسسة بحثية مُموَّلة من الدولة في القاهرة، إنَّه في ظل ما يبدو من تراجع واشنطن، "فإنَّ عدداً قليلاً جداً من دول المنطقة مُستعد للاعتماد فقط على التحالف مع الولايات المتحدة كسياسةٍ لضمان أمنها، إن كان هناك أي دولة مستعدة لفعل ذلك بالأساس".
وعلى النقيض من ذلك، يقول سلطان إنَّ "روسيا أثبتت أنَّها فعّالة جداً، وكان ذلك جذَّاباً للدول في مختلف أنحاء المنطقة".
وفي مطلع الخمسينيات، حاولت مصر في عهد جمال عبدالناصر بناء تحالفاتٍ متوازنة مع الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. لكن سرعان ما فقدت واشنطن صبرها حيال سياسة عدم الانحياز التي اتبعها عبدالناصر وخطاباته المناهضة للاستعمار، ووقعت مصر تماماً في المعسكر السوفييتي حتى السبعينيات، حين بدَّل الرئيس أنور السادات ولاءه إلى الغرب.
ويُعيد الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، الذي تولَّى السلطة في انقلابٍ عسكري أطاح برئيسٍ إسلامي عام 2013، تنشيط تحالفات الحرب الباردة بين القاهرة وموسكو. ويعتقد المسؤولون الأميركيون أنَّه ربما يحاول الضغط على واشنطن لاستمرار تسليمه المزيد من المساعدات، وهي الاستراتيجية التي تختلف عن استراتيجية عبدالناصر في التعامل مع الأطراف الدولية المتنافسة.
لكن المسؤولين الأميركيين سخروا من فكرة أنَّ روسيا قد تُقدِّم ذلك النوع من الدعم العسكري الذي تعهَّد به الاتحاد السوفييتي في الماضي، ناهيك عن استبدال العتاد، والتدريب، والصيانة التي يعتمد فيها المصريون على واشنطن.
فقال سبينس، المسؤول السابق بوزارة الدفاع: "كثيراً ما وضعت مصر روسيا كبديلٍ للتعاون الأميركي، وكان موقفنا بشكلٍ ما هو: حظاً موفقاً مع ذلك".
لكن حين علَّقت إدارة أوباما مؤقتاً المساعدات العسكرية لمصر في 2013 رداً على عمليات إطلاق النار الجماعي من قبل الحكومة على أكثر من 1000 من معارضي السيسي السياسيين، زار الأخير موسكو واتفق على شراء مقاتلات، ومروحيات، وصواريخ من روسيا بقيمة 3.5 مليار دولار.
والعام الماضي، أجرى البلدان مناوراتٍ مشتركة لمكافحة الإرهاب، وأجرى المظليون الروس تدريباتٍ مشتركة مع المظليين المصريين في مصر.
ووقَّعت مصر أيضاً اتفاقاً مبدئياً مع روسيا لبناء محطة طاقة نووية في مصر، رغم أنَّه لا توجد إشارات على أي عمليات بناء.
دعم مشترك للواء حفتر
وتعاون السيسي وبوتين بصورةٍ ملموسة أكثر لدعم حليفهما المشترك في ليبيا، اللواء خليفة حفتر، الذي يتخذ من شرق ليبيا على الجانب الآخر من الحدود المصرية مقراً له. ووفقاً لمسؤولين أميركيين مطّلعين على الوضع، أنشأت روسيا وجوداً عسكرياً محدوداً في منطقةٍ مصرية نائية بالصحراء الغربية لدعم اللواء حفتر.
ووضع دعم مصر وروسيا للواء حفتر إيَّاهما في تعارضٍ مع الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى، التي دعمت حكومة الوفاق في طرابلس في محاولةٍ لإنهاء أي صراعٍ أهلي تعاني منه ليبيا.
ولم يتضح على الفور ما الذي تأمل مصر الحصول عليه مقابل سماحها لروسيا باستخدام مجالها وقواعدها الجوية. ولم تمنح مسوّدة الاتفاق التي نشرتها موسكو أمس لمصر سوى حقوق مماثلة لاستخدام المجال الجوي والقواعد الجوية الروسية، ما يشير إلى أنَّ روسيا سعت للحصول على مزايا مجانية تدفع الولايات المتحدة ثمناً باهظاً مقابلها منذ عقود.
وتكهَّن بعض المحللين بأنَّ القاهرة ربما تأمل في إقناع موسكو بإعادة الرحلات الجوية السياحية التي قطعتها لمخاوف أمنية بعد إسقاط المسلحين طائرة روسية مستأجرة كانت في طريقها لمغادرة منتجع شرم الشيخ المصري قبل عامين.
وربما تأمل مصر أيضاً في إقناع روسيا بالمضيّ قدماً في الاتفاق المبدئي من أجل إنشاء محطة طاقةٍ نووية. فقال ميلر، المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية: "هناك تاريخ طويل من الاتفاقات المبدئية الروسية التي يستغرق تطبيقها أبد الدهر، أو لا تُطبَّق على الإطلاق".
وأشارت وسائل الإعلام الروسية المملوكة للدولة إلى أنَّ الاتفاق قد يساعد حملة موسكو العسكرية في سوريا، وهي المنطقة الأخرى التي وجد فيها السيسي وبوتين أرضيةً مشتركة.
وقد نظر رعاة مصر من الدول الخليجية، السعودية والإمارات، إلى المعركة ضد حكومة الأسد باعتبارها حرب وكالة ضد حليفة الأسد الإقليمية، إيران. لكنَّ السيسي أظهر في بعض الأحيان تعاطفاً مع الأسد كرجلٍ قوي زميل يدافع عن الوضع الراهن ويقاتل الإسلام السياسي.
وقال فلاديمير فيتين، رئيس مركز الشرق الأدنى والأوسط التابع للمعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية، إنَّ الوصول إلى المطارات المصرية سيسمح لمقاتلات الجيش الروسي بإعادة التزوُّد بالوقود في طريقهم إلى سوريا، وذلك وفقاً لتقريرٍ نشرته وكالة ريا نوفوستي الروسية المملوكة للدولة.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2017/12/01/story_n_18698270.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات