الثلاثاء، 26 ديسمبر 2017

عود إلى ذي بدء: سوريا إلى أين؟

عود إلى ذي بدء: سوريا إلى أين؟

بعد انقضاء أكثر من ستة أعوام على اندلاع الثورة السورية ضد نظام الاستبداد، التي بدأت سلمية عبر التظاهرات الاحتجاجية ورفع المطالب المشروعة وتدعو إلى إجراء الإصلاحات وتوفير الحرية والكرامة للمواطنين، ولكن بعد الموقف الرافض من السلطة ومواجهة المتظاهرين المسالمين بالحديد والنار، تحولت إلى المقاومة، خاصة بعد انشقاق الآلاف من مراتب الجيش السوري وانضمامهم إلى صفوف الشعب، وتوسعت صفوف الثوار في كل المناطق السورية، عندما التحم الجيش الحر بالحراك الوطني الثوري من الشباب والفئات الشعبية، واتخذت معارضة النظام شكلاً مؤسساتياً آخر أكثر وضوحاً بالأهداف وعلاقات سياسية بالدول المحيطة والمجتمع الدولي.

عمل نظام الأسد كل شيء من أجل صيانة نفسه من السقوط، بعد أن انشق ما يقارب ثلث جيشه، وانهارت مؤسسات النظام، وفقد السيطرة على أكثر من 80% من الأراضي السورية، فحاول استمالة جماعات الإسلام السياسي إلى جانبه، وأخرج قادة الإسلاميين من السجون والمعتقلات تماماً كما فعله نوري المالكي بالعراق، عندما حرر السجناء الإسلاميين والإرهابيين، وكان أبو بكر البغدادي من بينهم، وكما يظهر فقد تمت هذه العمليات بالتنسيق مع نظام طهران الذي قدم الدعم بدوره لمنظمات القاعدة وتشجيعها للتوجه إلى سوريا والعراق؛ حيث كان تعزيز قدرات إرهابيي القاعدة ومن ثم داعش يخدم مصالح إيران على ضوء توجهاتها الطائفية، ومحاولة بسط نفوذها، ومن أجل خلق المشاكل والمتاعب للمسلمين السّنّة الذين كانوا المتضرر الأول من إرهاب الجماعات الإسلامية، خصوصاً داعش.

فتح نظام الأسد الحدود للإيرانيين والروس وميليشيات حزب الله اللبناني ولأكثر من 15 ميليشيا مذهبية إيرانية وعراقية ولبنانية وأفغانية، مما أدى إلى مقتل أكثر من مليون سوري، وتشريد ونزوح أكثر من نصف الشعب السوري، وداس على السيادة الوطنية، ووضع سوريا رسمياً تحت احتلال دولتين، والكثير من الميليشيات المسلحة، كل ذلك من أجل الحفاظ على منصبه ونظامه.

نتيجة تصرفات النظام أصبح مصير سوريا بيد الخارج، ولم يعد القرار بيد السوريين لا المعارضين ولا الموالين، وبسبب ضعف النظام تحول إلى ألعوبة بيد الروس والإيرانيين بطبيعة الحال، وبسبب الاحتلال العسكري الروسي وبناء قواعد عسكرية في العديد من المناطق، فإن الروس هم القوة الرئيسية التي يمكنها تقرير مصير البلاد واللاعب الرئيسي الآن، ولا شك أن اللعبة الدولية تقضي بضرورة إيجاد نوع من التفاهم مع أميركا، وهذا ما تم في اجتماع فيتنام بين بوتين وترامب حول قرارات مؤتمرات أستانا بشأن مناطق (خفض التصعيد)، وتقاسم النفوذ، والتشارك في تقرير مصير سوريا والنظام.

وقد طرأ تطور جديد في العامين الأخيرين بشأن المسألة السورية بعد التفاهمات التي حصلت بين روسيا ودول الخليج ومصر، وكما شاهدنا فإن مؤتمر الرياض 2 (للمعارضة السورية) شهد تراجعاً سياسياً لمصلحة الروس ونظام الأسد؛ حيث تم ضم منصتي موسكو والقاهرة القريبتين لروسيا ولنظام الأسد كما تمت إضافة 8 أعضاء منهما إلى الوفد المفاوض بجنيف، الذي يبلغ العشرين، وعملت الدولة المضيفة على دعوة 140 شخصاً غالبيتهم الساحقة موالية أو قريبة للسياسة السعودية بعد استبعاد العشرات من الأعضاء المحسوبين على قطر وتركيا، وشمل البعض من الحضور إغراءات لإقناعهم واستمالتهم.

كما يظهر فإن اجتماع جنيف 8 لن يحقق شيئاً لا من حيث تحقيق السلام ولا من حيث حل الأزمة السورية والإعمار، وعلى ما يبدو فإن السيناريو الأقرب إلى التحقيق هو التحاق الذاهبين إلى جنيف إلى اجتماع سوتشي، الذي يمهّد له الروس منذ حوالي العام باسم (مؤتمر الشعوب السورية)، والذي استبدل بعد رفض المعارضة وتركيا وإيران والنظام إلى (المؤتمر الوطني السوري) من أجل البحث في صياغة دستور سوري جديد، وتشكيل حكومة ائتلافية للمرحلة الانتقالية، مع الحفاظ على جميع مؤسسات النظام، وصولاً إلى إجراء انتخابات بالمستقبل إلى جانب إعادة الإعمار.

وكما أرى فإن الحل المطروح من جانب الروس وشركائهم لا يحقق طموحات الشعب السوري، ولن يحقق السلام الدائم، ولن يحل قضايا سوريا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقومية، خصوصاً القضية الكردية؛ لأن الحل المطروح يتفق مع مصالح الأطراف الخارجية ويثبت نفوذها ويخدم أجندتها.

قلنا مراراً: إن الطريق إلى الحل الدائم والعادل يمر بإسقاط نظام الاستبداد وكل مؤسساته ورموزه، ويستدعي عقد المؤتمر الوطني السوري الجامع لكل المكونات من أجل المراجعة وتحديد آفاق المستقبل، ووضع خارطة طريق لإعادة بناء سوريا ديمقراطية تعددية تشاركية تستند إلى قوميتيه الرئيسيتين العربية والكردية وسائر المكونات، والتوافق الوطني بعيداً عن إذعانات وضغوط المحتلين وطرد الميليشيات الأجنبية وتحقيق المصالحة وإعادة الإعمار.

أمام كل السيناريوهات المحتملة من حرب وسلام وما بينهما حول مصير سوريا، يبقى الوضع الكردي في أسوأ أحواله؛ حيث فشلت الأحزاب الكردية المتصارعة بمختلف مسمياتها في تمثيل إرادة الشعب الكردي، أو طرح المشروع الوطني الكردي، وشق الطريق نحو التفاعل مع الثورة والحركة الديمقراطية السورية، والانخراط بقوة في العملية السياسية بكل ضعفها وعيوبها، وبالرغم من عظمة شأن الوطنيين المستقلين والحراك الشبابي والمدني في الساحة الكردية نوعية وعدداً، والتي تشكل بمجموعها الكتلة التاريخية الحاسمة كحالة مرشحة لقيادة النضال الوطني الكردي مستقبلاً فإنها وحتى اللحظة لم تتوافر شروط إنجاز سيرورتها التنظيمية، واستكمال بناء قيادتها المركزية بعد قطع أشواط مهمة على الطريق.




ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/salah-badradin/-_14385_b_18805522.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات