مع اقتراب كل موعد انتخابي، تبدأ الأصوات بالتعالي والمناداة؛ إما بضرورة التصويت والمشاركة في العملية الانتخابية، وإما بوجوب مقاطعة الانتخابات وتبني سياسة العزوف، التي هي مشاركة في حد ذاتها، وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد، بل يصل بهم الأمر إلى التطاول على بعضهم البعض؛ فالمشاركون في الانتخابات يتهمون الممتنعين عن التصويت بالتخلف، والطرف الآخر يرد عليهم بخيانة الشعب والتطبيل للنظام.
رغم أن كل واحد منهم بفعلته هذه يخرق أهم مبدأ من مبادئ الديمقراطية، ألا وهو حرية التعبير واحترام الآخر.
هذا وفي الوقت نفسه، يشهد العالم العربي موجة من الحراك الاجتماعي لاقتحام الديمقراطية أو ما يعرف بالموجة الخامسة، التي تميزت بكل أنواع العنف والانتهاكات التي تمس بالحقوق الإنسانية، بل وقد أدخلت المجتمع الدولي في دوامة من الصراعات والنزاعات ممهدة الطريق لإعادة رسم التوازنات الإقليمية والدولية، دون أن تبرز ملامح نجاح عملية التحول الديمقراطي، بل إن هذه الأحداث أو ما يسمى في الأوساط الإعلامية بــ "الربيع العربي" دفع إلى إعادة النظر في بعض المفاهيم والمسلّمات، مثل الديمقراطية التي أصبحت الهدف المنشود والعقيدة الراسخة للأفراد والشعوب.
لكن، ورغم اعتبار الديمقراطية النموذج المفضل (وليس الأفضل) لحكم الشعب، تبقى الديمقراطية كمفهوم مختلفة عنها كممارسة، وهي قابلة للنقد وليست حقيقة مطلقة.
بيد أنه في ظل عجز المفكرين العرب من وضع نظرية قيادة بديلة، تبقى الديمقراطية الخيار المستحب.
وفي السياق نفسه، وكما جرت عليه العادة، دائماّ ما أجبرت التغيرات والتحولات الجيوبوليتيكية والصراعات -على مر القرون- على إعادة النظر في بعض المسلّمات وإعادة صياغة مفاهيم جديدة للظواهر بصفة أكثر واقعية وبراغماتية؛ حتى تكون هذه المفاهيم أكثر فاعلية ومحاكاة للواقع.
إذاً، فالإشكال المطروح هنا يتمحور حول الديمقراطية؛ أهي غاية في حد ذاتها أم وسيلة -فقط-لتحقيق غاية أخرى؟
لنفترض أن الديمقراطية هي غاية في حد ذاتها، هذا يستوجب ضبط مفهوم الديمقراطية على أساس الشكل النهائي المرجو. ببساطة تصبح الديمقراطية عبارة عن نظام حكم يستمد من الشعب ويمارس من خلال الشعب وموجه للشعب.
وحتى يتحقق هذا يجب أن تصبح الديمقراطية ثقافةً ونمط حياة، تبدأ من الفرد مروراً بالجماعة؛ لتنعكس على الدولة ككل. والغاية من هذه العملية هي ضمان حقوق الأفراد في مختلف المجالات الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية والسياسية. الأمر الذي -حسب منظوري- سينعكس على المستوى المعيشي للأفراد والرفاه الاجتماعي؛ وإلا لم توسيع مجالات الحقوق الفردية؟
أما الافتراض الثاني، فهو أن الديمقراطية وسيلة لتحقيق غاية أخرى وهدف أسمى -له جانب لا أدركه-وجانب آخر مرتبط بالمجال الاقتصادي وما ينجر عنه من رفع مستوى الإنتاجية وتحسن الدخل الفردي والمستوى المعيشي... إلخ.
انطلاقاً من الفرضين السابقين، نلاحظ أن الديمقراطية هي عبارة عن مسار تطوري يتبع مجموعة من الخطوات، سواءً كانت الديمقراطية غاية أم وسيلة تبقى هذه العملية نتاج اختيار جماعي واعٍ وليس مجرد اختيار عشوائي؛ فالديمقراطية تتطلب الاستماع لصوت الكل واحترام صوت الأغلبية -من بين الأمور التي تعاب عليها أنها تجبرنا على الاستماع لرأي الحمقى-لكن ما يزيد خطورة الوضع ليس تلك النقاشات الروتينية - العادية التي يقحم فيها الحمقى أنفسهم، بل إذا كنا بصدد التخطيط لمستقبل مشترك، ففي ظل أغلبية جاهلة ليس فقط بمبادئ الديمقراطية بل كذلك بمسؤولياتها وما يترتب عنها من واجبات، فكيف يُترك تقرير مصير أمةٍ لصندوقٍ قد يُملأ بأصوات الأغبياء!
في هذه الحالة تصبح الديمقراطية غوغاء ولا تخدم صالح البلد، بل تخدم مصالح أغلبية جاهلة (يجدر الإشارة إلى تعدد أشكال الجهل)، هذا بالنسبة إلى الشعب.
من ناحية أخرى غياب مؤشرات الإرادة السياسية للرقي بالمجتمع والتغيير الإيجابي، تصبح العملية الانتخابية مجرد اللّاحدث؛ فالمشاركة أو العزوف وجهان لعملة واحدة، وتصبح أمراً غير ذي أهمية بل مضيعة للوقت والمال وهدراً للطاقات البشرية.
وعليه، يصبح لزاماً علينا إحداث تغيير في سلم الأولويات حسب معطيات الواقع؛ إذ إن مسألة ترتيب الأولويات هي مسألة نسبية وظرفية.
وتصبح مهمة بناء مجتمع متماسك، قوي، واعٍ ومسؤول هي مهمة الأفراد، والمجتمع المدني والسوق، وليس مهمة السلطة السياسية وحدها.
بل يمكن الاستفادة من النظام السياسي القائم مهما كانت درجة انفتاحه أو انغلاقه، لفرض واقع جديد يحميه الدستور القائم (رغم تعرض الدستور للنقد إلا أنه لا يمكن نُكران كونه قطع أشواطاً لا بأس بها، أضف إلى ذلك أن المادة القانونية مليئة بالثغرات التي تزيد من هامش تحرك الأفراد والمؤسسات بشرط الحذر والذكاء الشديدين).
والمقصود هنا هو الاستفادة من الوضع الراهن وتحويل السلبيات إلى إيجابيات بدل الجلوس مكتوفي الأيدي والتنصل من المسؤوليات والاكتفاء بالنقد من أجل النقد.
فحسب المنظور الماركسي، الإنسان مادي بطبعه وعالم أفكاره خاضع للواقع الذي يعيشه، وعلاوةً على ذلك فإن للمجتمعات القدرة على إنتاج وإعادة إنتاج نفسها وعوالمها من خلال بلورة عالم مادي، وبالتالي يصبح الواقع الجديد نتيجة الحراك المجتمعي أو على الأقل يمكن القول إنه خيار وحرية مجتمعية، وهذا هو السبيل لخلق براديغم جديد دون اللجوء إلى العنف.
أما حسب المنظور الليبرالي، فالأسواق لها خاصية ديناميكية تجذب جميع أطياف المجتمع لبناء اقتصاد قوي على أساس عقد اجتماعي جديد بين الأفراد، إذ لا يرى الليبراليون صلة ضرورية بين عملية النمو الاقتصادي والتطورات السياسية -فصل الاقتصاد عن السياسة-.
لكن، هذا الطرح يمكن الاستفادة منه كحل مؤقت؛ فالسياسة هي التي تضمن الديمومة.
وبالتالي، تصبح التنمية الثقافية - الاقتصادية خطوة أولى بديلة عن "التحول الديمقراطي" من أجل تحقيق الرفاه الفردي والاجتماعي (وهو الهدف المنشود) ثم تأتي التنمية السياسية كخطوة لاحقة من أجل تحقيق الحكم الراشد.
وعليه، فإن التغير إن لم يأت من الصندوق، الأسرة، المدرسة أو الشارع، يأتي من السوق.
رغم أن كل واحد منهم بفعلته هذه يخرق أهم مبدأ من مبادئ الديمقراطية، ألا وهو حرية التعبير واحترام الآخر.
هذا وفي الوقت نفسه، يشهد العالم العربي موجة من الحراك الاجتماعي لاقتحام الديمقراطية أو ما يعرف بالموجة الخامسة، التي تميزت بكل أنواع العنف والانتهاكات التي تمس بالحقوق الإنسانية، بل وقد أدخلت المجتمع الدولي في دوامة من الصراعات والنزاعات ممهدة الطريق لإعادة رسم التوازنات الإقليمية والدولية، دون أن تبرز ملامح نجاح عملية التحول الديمقراطي، بل إن هذه الأحداث أو ما يسمى في الأوساط الإعلامية بــ "الربيع العربي" دفع إلى إعادة النظر في بعض المفاهيم والمسلّمات، مثل الديمقراطية التي أصبحت الهدف المنشود والعقيدة الراسخة للأفراد والشعوب.
لكن، ورغم اعتبار الديمقراطية النموذج المفضل (وليس الأفضل) لحكم الشعب، تبقى الديمقراطية كمفهوم مختلفة عنها كممارسة، وهي قابلة للنقد وليست حقيقة مطلقة.
بيد أنه في ظل عجز المفكرين العرب من وضع نظرية قيادة بديلة، تبقى الديمقراطية الخيار المستحب.
وفي السياق نفسه، وكما جرت عليه العادة، دائماّ ما أجبرت التغيرات والتحولات الجيوبوليتيكية والصراعات -على مر القرون- على إعادة النظر في بعض المسلّمات وإعادة صياغة مفاهيم جديدة للظواهر بصفة أكثر واقعية وبراغماتية؛ حتى تكون هذه المفاهيم أكثر فاعلية ومحاكاة للواقع.
إذاً، فالإشكال المطروح هنا يتمحور حول الديمقراطية؛ أهي غاية في حد ذاتها أم وسيلة -فقط-لتحقيق غاية أخرى؟
لنفترض أن الديمقراطية هي غاية في حد ذاتها، هذا يستوجب ضبط مفهوم الديمقراطية على أساس الشكل النهائي المرجو. ببساطة تصبح الديمقراطية عبارة عن نظام حكم يستمد من الشعب ويمارس من خلال الشعب وموجه للشعب.
وحتى يتحقق هذا يجب أن تصبح الديمقراطية ثقافةً ونمط حياة، تبدأ من الفرد مروراً بالجماعة؛ لتنعكس على الدولة ككل. والغاية من هذه العملية هي ضمان حقوق الأفراد في مختلف المجالات الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية والسياسية. الأمر الذي -حسب منظوري- سينعكس على المستوى المعيشي للأفراد والرفاه الاجتماعي؛ وإلا لم توسيع مجالات الحقوق الفردية؟
أما الافتراض الثاني، فهو أن الديمقراطية وسيلة لتحقيق غاية أخرى وهدف أسمى -له جانب لا أدركه-وجانب آخر مرتبط بالمجال الاقتصادي وما ينجر عنه من رفع مستوى الإنتاجية وتحسن الدخل الفردي والمستوى المعيشي... إلخ.
انطلاقاً من الفرضين السابقين، نلاحظ أن الديمقراطية هي عبارة عن مسار تطوري يتبع مجموعة من الخطوات، سواءً كانت الديمقراطية غاية أم وسيلة تبقى هذه العملية نتاج اختيار جماعي واعٍ وليس مجرد اختيار عشوائي؛ فالديمقراطية تتطلب الاستماع لصوت الكل واحترام صوت الأغلبية -من بين الأمور التي تعاب عليها أنها تجبرنا على الاستماع لرأي الحمقى-لكن ما يزيد خطورة الوضع ليس تلك النقاشات الروتينية - العادية التي يقحم فيها الحمقى أنفسهم، بل إذا كنا بصدد التخطيط لمستقبل مشترك، ففي ظل أغلبية جاهلة ليس فقط بمبادئ الديمقراطية بل كذلك بمسؤولياتها وما يترتب عنها من واجبات، فكيف يُترك تقرير مصير أمةٍ لصندوقٍ قد يُملأ بأصوات الأغبياء!
في هذه الحالة تصبح الديمقراطية غوغاء ولا تخدم صالح البلد، بل تخدم مصالح أغلبية جاهلة (يجدر الإشارة إلى تعدد أشكال الجهل)، هذا بالنسبة إلى الشعب.
من ناحية أخرى غياب مؤشرات الإرادة السياسية للرقي بالمجتمع والتغيير الإيجابي، تصبح العملية الانتخابية مجرد اللّاحدث؛ فالمشاركة أو العزوف وجهان لعملة واحدة، وتصبح أمراً غير ذي أهمية بل مضيعة للوقت والمال وهدراً للطاقات البشرية.
وعليه، يصبح لزاماً علينا إحداث تغيير في سلم الأولويات حسب معطيات الواقع؛ إذ إن مسألة ترتيب الأولويات هي مسألة نسبية وظرفية.
وتصبح مهمة بناء مجتمع متماسك، قوي، واعٍ ومسؤول هي مهمة الأفراد، والمجتمع المدني والسوق، وليس مهمة السلطة السياسية وحدها.
بل يمكن الاستفادة من النظام السياسي القائم مهما كانت درجة انفتاحه أو انغلاقه، لفرض واقع جديد يحميه الدستور القائم (رغم تعرض الدستور للنقد إلا أنه لا يمكن نُكران كونه قطع أشواطاً لا بأس بها، أضف إلى ذلك أن المادة القانونية مليئة بالثغرات التي تزيد من هامش تحرك الأفراد والمؤسسات بشرط الحذر والذكاء الشديدين).
والمقصود هنا هو الاستفادة من الوضع الراهن وتحويل السلبيات إلى إيجابيات بدل الجلوس مكتوفي الأيدي والتنصل من المسؤوليات والاكتفاء بالنقد من أجل النقد.
فحسب المنظور الماركسي، الإنسان مادي بطبعه وعالم أفكاره خاضع للواقع الذي يعيشه، وعلاوةً على ذلك فإن للمجتمعات القدرة على إنتاج وإعادة إنتاج نفسها وعوالمها من خلال بلورة عالم مادي، وبالتالي يصبح الواقع الجديد نتيجة الحراك المجتمعي أو على الأقل يمكن القول إنه خيار وحرية مجتمعية، وهذا هو السبيل لخلق براديغم جديد دون اللجوء إلى العنف.
أما حسب المنظور الليبرالي، فالأسواق لها خاصية ديناميكية تجذب جميع أطياف المجتمع لبناء اقتصاد قوي على أساس عقد اجتماعي جديد بين الأفراد، إذ لا يرى الليبراليون صلة ضرورية بين عملية النمو الاقتصادي والتطورات السياسية -فصل الاقتصاد عن السياسة-.
لكن، هذا الطرح يمكن الاستفادة منه كحل مؤقت؛ فالسياسة هي التي تضمن الديمومة.
وبالتالي، تصبح التنمية الثقافية - الاقتصادية خطوة أولى بديلة عن "التحول الديمقراطي" من أجل تحقيق الرفاه الفردي والاجتماعي (وهو الهدف المنشود) ثم تأتي التنمية السياسية كخطوة لاحقة من أجل تحقيق الحكم الراشد.
وعليه، فإن التغير إن لم يأت من الصندوق، الأسرة، المدرسة أو الشارع، يأتي من السوق.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/myriam-el_kadi-/-_14144_b_18636398.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات