السبت، 23 ديسمبر 2017

قُتل الراقص على رؤوس الثعابين ولم تمت ثعابينه!

قُتل الراقص على رؤوس الثعابين ولم تمت ثعابينه!


إِنَّ الأَفاعي وَإِن لانَت مَلامِسُها ** عِندَ التَقَلُّبِ في أَنيابِها العَطَبُ
هكذا ألهم شيطان الشعر عنترة بن شداد شطري بيته الشهير وإن كانت التجارب هي من حنكته للإبداع، فمثل هذا الوصف ما زال أقوى من عشرات الكتب والمقالات التي تتحدث عن السياسة وقذارتها وتقلباتها.

قُتل "الراقص على رؤوس الثعابين"، هكذا وصف صالح نفسه، ولم تكن عنترية فارغة منه، كجعجةِ من يحسبون أنفسهم على قائمة صانعي السياسة ومحركي اﻷحداث في الشرق السقيم، فالحاوي الذي طالما رقص على رؤوس الثعابين هو الذي جعل السياسة لا تؤخذ بالرتب واﻷلقاب، والشاويش الذي لم يتعدَّ مرحلة التعليم الأساسي وبدأ حياته صف ضابط صغيراً، عرف من أين تؤتى الحيلة، وكيف تحققها الوسيلة، لقطف ثمار الغاية، فالشاويش الصغير لم يمر عليه الكثير حتى اكتسب طموح الديكتاتورات العرب وجينات المدرسة الميكافيلية الكلاسيكية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي في عهد ما تسمى القومية العربية.

فصالح الذي طالما تغنى بالقومية تارة والتعددية تارة، كان من أنجب من جاءت بهم هذه المدرسة التي لا تعرف سوى فلسفة التنكيل والطريق الواحد والحاكم بأمره، وفلسفة كل شيء ونقيضه في الوقت نفسه، فلسفة تبديل المواقف في طرفة عين؛ حليف وعدو؛ سلام وحرب؛ وفاء وخيانة؛ اتفاقات، واغتيالات وتصفية خصوم؛ وابتزاز وسرقة ونهب؛ وادعاء البطولة من منابر الخيانة وصناعة أعداء تحكمهم قبضته الفولاذية من أقبية أجهزته اﻷمنية، ليدير مشهداً إقليمياً، لطالما أرعب ساسة إقليميين، ادّعوا الحنكة والقدرة.

سياسة صالح مع المملكة العربية السعودية والخليج :


لم يكن صالح على وفاق مع المملكة؛ بسبب الاختلاف المذهبي العقائدي والقبلي والتوجهات السياسية لصالح، التي كانت تأخذ منحنىً مغايراً تماماً في كثير من اﻷحيان عكس سياسة ثلاثة عقود. ففي العقود الثلاثة الماضية، لم تستطع المملكة ترويض صالح، فصالح الذي بدأ حياته شاويشاً، ولم يذهب لقاعات هارفارد وكمبردج ولم يحصل على تعليم ما فوق اﻷساسي ولا شهادة جامعية- استطاع التلاعب بملوك آل سعود محور سياسة الخليج ومركز الثراء، حيثما شاء وأينما شاء ومتى شاء، دون جهد يُذكر.

فالرجل الذي عاش حياة القبلية، عرف مكامن قوتها وضعفها، كذلك عرف المملكة وأوتارها الحساسة وكيفية العزف على مكامن الوجع فيها، فكان أكبر ما جاء به في هذا المجال شيئاً اشتُهر به كل طاغية عربي؛ وهو صناعة العدو والتحكم فيه ومحاربته، وإقناع الجميع بأنك تقاتل ﻷجلهم لابتزازهم، وكانت أشهر أوراقه في هذا المجال جماعة الحوثي، وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب.

صناعة العدو والتحكم فيه:
أدرك صالح مبكراً سوق صناعة الإرهاب، فصنع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ومقره اليمن؛ ليسير في فلك بوش الابن ويتاجر بسوقه، مقدماً نفسه كمحارب للتطرف والعنف والإرهاب، وأصبحت تصريحاته أكثر اتزاناً في علاقاته مع اﻷميركان، الأمر الذي بدأ كأنه تحالف، فالرجل عرف كيف يأمن بطش اﻷميركان.

وفي بداية اﻷلفية الثانية، بدأ صالح يعزف بجماعة الحوثي الشيعية، المدعومة من إيران، على مكامن قلق وخوف المملكة، حيث العدو الوجودي للمملكة وحيث إيران وحلفاؤها، وشنَّ ست حروب على مدينة صعدة معقل الحوثيين، وقتل زعيمهم حسين بدر الدين الحوثي، وخرب مدينتهم، لكنه لم يقضِ عليهم؛ حتى لا تتوقف حنفية أموال النفط السعودية التي تمول حربه المقدسة ضد الحوثيين، ذراع إيران التي تهدد وجودية المملكة.

قبض صالح مليارات الدولارات كغنيمة من وراء صناعته جماعة الحوثي، ولم يكن الراقص فوق رؤوس الثعابين -كما وصف نفسه- يظن يوماً أنه يتذوق علقم ما صنع، فصالح الذي لدغته أصغر أفاعيه وأشدها مكراً وسُمّاً، فقضت عليه في غفلة من خيانة بعض رجالاته له رغم حذره الشديد للغاية، فقتلته شر قتلة.

صالح وسياسة الرقص على رؤوس الثعابين:
اشتُهر صالح بتغيير جلده كالحرباء، والتنقل بين الحلفاء والجلوس على المائدة الرابحة أوراقها، دون التقيد بأي قيود إلا قيد مصلحته الخاصة، واشتُهر بانقلابه على حلفائه وتصفيتهم إن استشعر خطرهم، فصالح الذي تحالف مع السعودية ضد إيران والحوثيين، عاد وانقلب على حليفته الأبرز السعودية مع إيران عدوها الوجودي، ثم عاد وانقلب على الحوثيين وإيران؛ ليتحالف مع المملكة ضدهم، فكان هذا سبباً كافياً أيضاً لينقلب عليه حلفاء الأمس ويقتلوه شر قتلة رغم علمهم أنهم يخسرون أحد أبرز أوراقهم داخل اليمن.

ما أسباب هرولة السعودية للتصالح مع صالح؟
أدرك صالح أن تحالفه مع الحوثي لم يعد يجدي، وأنهم يسعون للتخلص منه، فوجَّه حلفاءه من الحوثيين بقصف دولة الإمارات بصاروخ كروز استهدف مفاعل براكة النووي في أبوظبي، ثم وجَّه بضرب عمق الرياض، مُظهراً بغضه للسعودية وفي قرارة نفسه كان يعلم أن هذا الصاروخ وغيره مما أُطلق على أهداف حيوية بالمملكة سيحرك المياه الراكدة بينه وبين حلفائه السابقين داخل المملكة، وهو ما يمهد للانقلاب على الحوثي واستعادة سلطته المفقودة في صفقةٍ ما مع المملكة، أهم ما فيها القضاء على الحوثيين وإيران باليمن.

وفي هذا الإطار، كشفت "النيويورك تايمز" أن صاروخ الحوثيين من طراز "بركان-2 سكود"، الذي أطلق أوائل نوفمبر/تشرين الثاني باتجاه مطار الملك خالد بالرياض، سقط في قلب المطار على مدرج الإقلاع، وعلى بُعد كيلومتر من قاعة الركاب.

وعكس ما قالته السعودية وقاله ترامب، فإن نظام باتريوت للدفاع الجوي أطلق 5 صواريخ لاعتراضه، وكلها فشلت في اعتراضه؛ فجسم الصاروخ الحاوي للوقود والذي لا يحمل متفجرات، انفصل تلقائياً قبل 20 كيلومتراً من بلوغ الهدف، وسقط في قلب العاصمة، فاعتبرت السلطات السعودية أن الصاروخ سقط بعيداً عن هدفه بالمطار بسبب صواريخ باتريوت.

ولكن الفحص كشف أن جسم الصاروخ لم تعترضه الباتريوت، والرأس المتفجر سقط على بُعد 100 متر من المدرج، مما أزعج الرياض كثيراً؛ فدفعها لقبول عرض صالح، الذي سيكون أهم سبب في مقتله بعد أقل من 3 أيام من انقلابه على إيران والحوثي.


مقتل علي عبد الله صالح:

كان لغرور صالح أثر في مقتله، فصالح الذي لم ير في عينه قط لحظة قلق من الحوثي، تلك اﻷفعى الصغيرة التي ربَّاها واعتنى بها وموَّلها وسرَّب لها اﻷسلحة والمال، والتي عدَّها مطية له يستدعيها متى شاء ويركلها متى شاء أن يقتلها، فقتلوه قبل أن يقتلهم!

أخطأ الرجل حين ظن أن حنجرة الحوثي لا تستطيع ابتلاعه، فتم اختراق بطانته وغدر به من حيث أمن، وكان طمعه وجشعه هما سبب قتله. قُتل داهية اليمن ولم يكن يعلم أن اللعب مع إيران يختلف تماماً عن اللعب مع السعودية، وهذا ما كلفه حياته.

لكنّ خطأ الشاطر بألف، فالراجل الذي تملّكته نشوة امتلاك أوراق اللعبة السياسية في كثير من مراحلها طيلة 40 عاماً، ظن أن لا إيران، ولا الحوثي في اليمن، ولا حتى التحالف، إن اجتمعوا ما كانوا ليقدروا عليه؛ ﻷنه الرجل المحنك الذي صنع ميدان اللعبة منذ البداية. وللحق، كان من أبرز السياسيين العرب الطغاة، وكان شهيراً بسياسة التناقضات، حيث تكمن المصلحة وتغيُّر أدوار الصيد، وترتيب اﻷوراق.

لكنّ نقطة تحوّل -حسبها صغيرة- لعب فيها القدر بالقضاء عليه، والحظ لمصلحة الحوثي، فلو فشل هذا الكمين الذي تسبب في مقتله لاتخذت الحرب مساراً لتكسير عظام دول إقليمية في حلبة هذا الصراع العفن، لكن صالح قتلته لعبته العفنة واحترقت معه أوراقه.

ومع احترامي لعقلية الرجل، إلا أنني أكره شخصه حد احتراقه في جهنم وحده؛ بسبب ما اقترفه من جرائم، ويتبقى السؤال: أعَقمت السعودية أن تلد مثل صالح ليكون بديلاً عن سياسة الكبسة؟!



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/ammar-ahmed-halfaya/story_b_18792136.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات