بعد انتهاء اليوم الدراسي، وإن لم يكن الجو ممطراً كعادته في ولاية سياتل، أنتظر وبعض الأمهات، اللاتي أعتبرهن صديقات ورفيقات للدرب، نتبادل الوصفات، ونثرثر حول تربية الأولاد، وما نفع وما لم يعد ينفع الصغار، وكان يوم ميلاد ابني، كان يرتدي حُلَّه جديدة وربطة عنق، لأنه تصادف مع يوم التصوير السنوي بالمدرسة، رغم سعادته بيوم ميلاده السادس، لكن تسلَّل له شعور الإحباط، لأنه لم يتلق الهدايا، ولم يسمع أغنية عيد الميلاد رغم انتظاره طيلة العام.
ولست وحدي، فهذا حال جُل أبناء المغتربين، إن لم يكن كلهم، فعرضت إحدى الأمهات الواقفات معي أن تغني له أغنية، وطربنا لصوتها العذب القوي، صوت ينساب بين حنايا القلب، لتطرب له الأذن، كما ينساب عبير الزهور لينعش حواسنا بالهواء العليل، وأصبحت عادة، نقف حولها كلما كان الجو مشمساً، تجمعنا وتغني لنا الأغنيات، نصفق لها وتتعالى الضحكات.
وذات مرة زادت هي في الغناء، وتبيَّنت من أنها تغني "للسيد المسيح"، وليس هذا فقط، بل تغني للرب، وتصفه بـ"الرب الأب"، الأمر الذي يتعارض مع عقيدتي تماماً، وإيماني بالله الواحد الأحد، فحدَّثتها بيني وبينها على استحياء، أنه لا داعي لذلك النوع من الأغاني، لأن ابني والجميع أحبَّ صوتها، وسيردِّد ما غنَّت دون وعيٍ، وهذا يتنافى على الأقل مع ما أعلِّمه لابني، كنت أحاول أن أبدو لطيفه ومتساهله وOpen Minded، لأننا نحن العرب جهلة، ومحدودو الأفق، ومتعصبون، وأنا أعلم أنها تفكر هكذا، والجميع يفكر هكذا، وأنا نفسي أفكر كذلك، فلا بأس أن أوضِّح لها أنني لا أقصد شيئاً، ولا أمانع أن تغني، ولكن لنبتعد عن كلمة "الرب الأب"
Oh, Lord ..Oh, father
ولنغني معاً شيئاً آخر، وكنت موقنة أنها سترحب بما قلتُ لأنها المتفتحة الذكية، النابهة، المتحضرة، الأميركية، التي ليست مثلي من أصل عربي، جاهلة، متعصبة، ضيقة الأفق، ولست "أوبن مينديد" بالقدر الكافي كما تعلمون.
ولَكَمْ أدهشني "قدر فاهي المفتوح عن آخره" ردة فعلها الهوجاء، هاجت وماجت وثارت، بل ووجدتها تناقشني، وتحاول إثنائي عن معتقدي الخاطئ بأن الله واحد! أتذكر صوتها الذي احتدّت نبرته وهي تخبرني أننا أبناء الله، وهو ربنا، وأبونا، وعلينا أن ندرك تلك الحقيقة ونعيها جيداً.
فما كان من عقلي إلا أن أسترجع مناقشاتها الطويلة معي عن تفتّحها وتحضّرها، ونسخة القرآن التي في بيتها، ونسخة التوراة التي تقرأ منها، وتشاركني ما وجدته مشتركاً بينها وبين القرآن، ولسان حالي يردد: أين كل هذا؟!!
حِدتها أثارت حِدتي أنا أيضاً، رغم محاولاتي أن أحافظ على هدوئي، أحسست أنها ربما غلبتني، وغلبت حجتي، وربما تزعزَع إيماني، وربما هذه هي فرصتي، فرصتي لأن أدافع عما أؤمن به، وحتي لو اختلفنا فلنختلف باحترام، وليقدم كل منا الحجج.
وقلت بثقة الواثق "الضعيف": الإله يجب أن يكون إلهاً، منزهاً عما يتشبه به مع مخلوقاته، هو ليس بحاجة لزوجة وابن وعائلة، هو ليس بحاجة لنا أصلاً، ولسنا بأبنائه، وعيسى عليه السلام ليس ابنه، فلو كان ابنه لِمَ تركه يُصلب؟ مع العلم أنه لم يُصلب من الأساس!! وحماه الله، ورفعه الله إليه كما رفع إلياس عليه السلام من قبله، ومعجزاته وقدراته كانت مثيلة لأنبياء آخرين، مثل إبراهيم عليه السلام الذي أحيا الطير، ومثل محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أطعم ألفاً من أهل الخندق من صاع شعير.
ولم أقل إلا تلك الكلمات، إلا ووجدت إحدى الجالسات، وكانت مسلمة أيضاً "وصديقتها الصدوقة" تردّ عليها بقوة وبغضب، غير متناسبين مع الموقف "فلم تكن المناقشه معها علي أي حال".
وبعدها استأذنت السيدة الأميركية وانصرفت لحالها، وتملَّكني الشعور بالندم، ظللت أردد: كان بإمكاني السكوت، كان بإمكاني أن أكون "أوبن مينديد" أكثر من ذلك، لم يكن هناك داع للمناظرة وجلب الأمور لنقطة اللارجعة، ولكنني وجدت السيدة المسلمه تشكرني، تشكرني كثيراً على ما فعلت. وقالت لي: "أشكرك.. أشكرك أنك صددتِها وأوقفتِها عند حدها.
استغلت ظروفي، وكانت تعرض عليَّ المال والمساعدة، ولا تمانع أبداً إن تركت أبنائي معها حتى أعود من العمل، ولكني وجدت أبنائي يرددون كلامها وأغنياتها، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل في عيد ميلاد ابنتي أهدتها تمثالاً للمسيح، وفي الكريسماس أيضاً أغدقت عليها العطايا، وابنتي تعلقّت بها كثيراً وبحكاياتها وغنائها وتردده.
أنا أحب المسيح، وهو نبي الله، وأقدره، لكن هو ليس ابن الله، وسانتا والكريسماس وكل هذا ليس من أعيادنا، فلتحتفل به هي. لِمَ أحتفل به أنا؟ ولِمَ يتعين عليَّ أن أحتفظ بتمثال المسيح في بيتي، لو كان أصلاً هو المسيح نفسه؟.
أعلم جيداً أن العمل كمبشر وداعية للتنصير أمر أصبح سهلاً ومربحاً، خصوصاً أن الإسلام الآن لم يصبح الدين الأفضل على الإطلاق، خصوصاً بعد حملات تشويه الإسلام والمسلمين القائمة على قدم وساق في الصحافة العالمية والإعلام عموماً، ولكن ليس لهذه الدرجة، ليس باستغلال حاجة الناس وضعفهم، بعد نزوحهم من بلادهم التي دمّرتها الحروب، وتقديم يد العون الزائف لهم، أملاً في ترك دينهم، ولا أعلم ما الذي يخيفهم من الإسلام! "لكم دينكم ولي دين".
وسئمت ممن يذكرون حروب الأرمن ومجازر السلطان عبدالحميد الثاني ضد مسيحيي الأرمن، ومع هذا لا أذكر لهم محاكم التفتيش في قشتالة، وأستغرب كيف كانت الحكومة تخصِّص من يتلصَّص على عوام المسلمين في بيوتهم، ويبحث إن كانوا ما زالوا يتبعون دينهم القديم، أم تحوّلوا تماماً إلى المسيحية؟ ومع كل هذا الضغط رحلوهم لبلادهم بعدما قتلوا ثلاثة أرباعهم، والباقي قد مات في طريق العودة.
ولكني فرضت حسن النية، وحاولت التواصل مع السيدة المورمونية، كي أخبرها أن ما حدث دون قصد، وأن الله لم يخلقنا مختلفين كي نتنازع حول اختلافاتنا، بينما لنتحدّاها ونسمو بها عن روح العداء، فما وجدتُ إلا الحظر والبلوك... وعجبي!
ولست وحدي، فهذا حال جُل أبناء المغتربين، إن لم يكن كلهم، فعرضت إحدى الأمهات الواقفات معي أن تغني له أغنية، وطربنا لصوتها العذب القوي، صوت ينساب بين حنايا القلب، لتطرب له الأذن، كما ينساب عبير الزهور لينعش حواسنا بالهواء العليل، وأصبحت عادة، نقف حولها كلما كان الجو مشمساً، تجمعنا وتغني لنا الأغنيات، نصفق لها وتتعالى الضحكات.
وذات مرة زادت هي في الغناء، وتبيَّنت من أنها تغني "للسيد المسيح"، وليس هذا فقط، بل تغني للرب، وتصفه بـ"الرب الأب"، الأمر الذي يتعارض مع عقيدتي تماماً، وإيماني بالله الواحد الأحد، فحدَّثتها بيني وبينها على استحياء، أنه لا داعي لذلك النوع من الأغاني، لأن ابني والجميع أحبَّ صوتها، وسيردِّد ما غنَّت دون وعيٍ، وهذا يتنافى على الأقل مع ما أعلِّمه لابني، كنت أحاول أن أبدو لطيفه ومتساهله وOpen Minded، لأننا نحن العرب جهلة، ومحدودو الأفق، ومتعصبون، وأنا أعلم أنها تفكر هكذا، والجميع يفكر هكذا، وأنا نفسي أفكر كذلك، فلا بأس أن أوضِّح لها أنني لا أقصد شيئاً، ولا أمانع أن تغني، ولكن لنبتعد عن كلمة "الرب الأب"
Oh, Lord ..Oh, father
ولنغني معاً شيئاً آخر، وكنت موقنة أنها سترحب بما قلتُ لأنها المتفتحة الذكية، النابهة، المتحضرة، الأميركية، التي ليست مثلي من أصل عربي، جاهلة، متعصبة، ضيقة الأفق، ولست "أوبن مينديد" بالقدر الكافي كما تعلمون.
ولَكَمْ أدهشني "قدر فاهي المفتوح عن آخره" ردة فعلها الهوجاء، هاجت وماجت وثارت، بل ووجدتها تناقشني، وتحاول إثنائي عن معتقدي الخاطئ بأن الله واحد! أتذكر صوتها الذي احتدّت نبرته وهي تخبرني أننا أبناء الله، وهو ربنا، وأبونا، وعلينا أن ندرك تلك الحقيقة ونعيها جيداً.
فما كان من عقلي إلا أن أسترجع مناقشاتها الطويلة معي عن تفتّحها وتحضّرها، ونسخة القرآن التي في بيتها، ونسخة التوراة التي تقرأ منها، وتشاركني ما وجدته مشتركاً بينها وبين القرآن، ولسان حالي يردد: أين كل هذا؟!!
حِدتها أثارت حِدتي أنا أيضاً، رغم محاولاتي أن أحافظ على هدوئي، أحسست أنها ربما غلبتني، وغلبت حجتي، وربما تزعزَع إيماني، وربما هذه هي فرصتي، فرصتي لأن أدافع عما أؤمن به، وحتي لو اختلفنا فلنختلف باحترام، وليقدم كل منا الحجج.
وقلت بثقة الواثق "الضعيف": الإله يجب أن يكون إلهاً، منزهاً عما يتشبه به مع مخلوقاته، هو ليس بحاجة لزوجة وابن وعائلة، هو ليس بحاجة لنا أصلاً، ولسنا بأبنائه، وعيسى عليه السلام ليس ابنه، فلو كان ابنه لِمَ تركه يُصلب؟ مع العلم أنه لم يُصلب من الأساس!! وحماه الله، ورفعه الله إليه كما رفع إلياس عليه السلام من قبله، ومعجزاته وقدراته كانت مثيلة لأنبياء آخرين، مثل إبراهيم عليه السلام الذي أحيا الطير، ومثل محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أطعم ألفاً من أهل الخندق من صاع شعير.
ولم أقل إلا تلك الكلمات، إلا ووجدت إحدى الجالسات، وكانت مسلمة أيضاً "وصديقتها الصدوقة" تردّ عليها بقوة وبغضب، غير متناسبين مع الموقف "فلم تكن المناقشه معها علي أي حال".
وبعدها استأذنت السيدة الأميركية وانصرفت لحالها، وتملَّكني الشعور بالندم، ظللت أردد: كان بإمكاني السكوت، كان بإمكاني أن أكون "أوبن مينديد" أكثر من ذلك، لم يكن هناك داع للمناظرة وجلب الأمور لنقطة اللارجعة، ولكنني وجدت السيدة المسلمه تشكرني، تشكرني كثيراً على ما فعلت. وقالت لي: "أشكرك.. أشكرك أنك صددتِها وأوقفتِها عند حدها.
استغلت ظروفي، وكانت تعرض عليَّ المال والمساعدة، ولا تمانع أبداً إن تركت أبنائي معها حتى أعود من العمل، ولكني وجدت أبنائي يرددون كلامها وأغنياتها، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل في عيد ميلاد ابنتي أهدتها تمثالاً للمسيح، وفي الكريسماس أيضاً أغدقت عليها العطايا، وابنتي تعلقّت بها كثيراً وبحكاياتها وغنائها وتردده.
أنا أحب المسيح، وهو نبي الله، وأقدره، لكن هو ليس ابن الله، وسانتا والكريسماس وكل هذا ليس من أعيادنا، فلتحتفل به هي. لِمَ أحتفل به أنا؟ ولِمَ يتعين عليَّ أن أحتفظ بتمثال المسيح في بيتي، لو كان أصلاً هو المسيح نفسه؟.
أعلم جيداً أن العمل كمبشر وداعية للتنصير أمر أصبح سهلاً ومربحاً، خصوصاً أن الإسلام الآن لم يصبح الدين الأفضل على الإطلاق، خصوصاً بعد حملات تشويه الإسلام والمسلمين القائمة على قدم وساق في الصحافة العالمية والإعلام عموماً، ولكن ليس لهذه الدرجة، ليس باستغلال حاجة الناس وضعفهم، بعد نزوحهم من بلادهم التي دمّرتها الحروب، وتقديم يد العون الزائف لهم، أملاً في ترك دينهم، ولا أعلم ما الذي يخيفهم من الإسلام! "لكم دينكم ولي دين".
وسئمت ممن يذكرون حروب الأرمن ومجازر السلطان عبدالحميد الثاني ضد مسيحيي الأرمن، ومع هذا لا أذكر لهم محاكم التفتيش في قشتالة، وأستغرب كيف كانت الحكومة تخصِّص من يتلصَّص على عوام المسلمين في بيوتهم، ويبحث إن كانوا ما زالوا يتبعون دينهم القديم، أم تحوّلوا تماماً إلى المسيحية؟ ومع كل هذا الضغط رحلوهم لبلادهم بعدما قتلوا ثلاثة أرباعهم، والباقي قد مات في طريق العودة.
ولكني فرضت حسن النية، وحاولت التواصل مع السيدة المورمونية، كي أخبرها أن ما حدث دون قصد، وأن الله لم يخلقنا مختلفين كي نتنازع حول اختلافاتنا، بينما لنتحدّاها ونسمو بها عن روح العداء، فما وجدتُ إلا الحظر والبلوك... وعجبي!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/shama-helmy-omran/-_14716_b_19029114.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات