"جوجل" هذا العملاق الذي صار "أعلم أهل الأرض"، صاحبنا في هذا الفضاء الإلكتروني المتفجّر بالأسئلة، رفيق دربنا الذي لا يخفى عليه شيء مما تصل إليه عناكبه، "عناكب جوجل" أو زواحفه تلك التي يُطلقها لتجوب المواقع وتتغلغل في أصقاع الصفحات؛ لتأتي إليك بالإجابات وتحل لك الألغاز والإشكاليات، حتى بتنا نسأله كـ"مُتفقهٍ عالم" في النوازل والملمات (كيف أساعد سوريا؟ - كيف أتخلص من خوفي؟ - كيف أترشح لمنصب سياسي؟ - كيف أصنع يافطة لمظاهرة؟)، هكذا كانت أسئلة الناس حول العالم لجوجل في 2017، عام السؤال بـ"كيف؟" كما سمّاه.
هذه الأسئلة الإشكالية، التي تعصف بوجدان الناس وتؤرق أحلامهم وتدق أبواب أعتى العقول، وجدت متسعاً لها عبر مُحرك البحث الأشهر في العالم "جوجل"، فهو لا يرد سائلاً حتى وإن لم يحز إجابة، لا يقول له اسكت، اصمت، اخرس، بل يحاول دائماً مساعدته ليكون حاضراً في كل تفاصيل حياته، فجوجل كشركة عملاقة عمرها حوالي 20 عاماً، أتت لتسهل لك الوصول لصفحات الويب المختلفة، فلعلك لا تتذكر مثلاً العنوان الإلكتروني أو رابط الوصول لهنا؛ مكان ما تقف الآن "مدونات الجزيرة"، إلا أن جوجل يعرف ويوصّلك بنا مباشرة، ولعلك لا تدري أين موقف الأتوبيس بالحي المجاور لك، إلا أن خرائط جوجل ترسم العالم، وقد تظل يوماً كاملاً تبحث عن كتاب في مكتبتك المزدحمة بالكتب، إلا أنه بضغطة زر تستطيع الولوج لتفاصيل كاملة عن عشرات الملايين من الكتب.
ومع كل هذا يظل جوجل ليس مصدراً للمعلومة، ثانياً، جوجل ليس مصدراً للمعلومات هي شركة للإعلانات، تقوم بتنظيم وترتيب المعلومات ودراسة اختيارات ورغبات الأفراد لتسهيل وصولهم للمنتجات والسلع والخدمات، كل ذلك بهدف زيادة الأرباح والإنتاجية والاستهلاك، فهي شركة ربحية وليست مؤسسة خيرية.
فيما يقول البعض إن جوجل طريقة جديدة كلياً للتفكير، فقد صار جوجل العدسة التي نرى العالم من خلالها! فلا نستطيع الحركة عبر الإنترنت والتنقل من موقع لآخر من دونه، بل ستضيع المعلومات والبيانات وتتوه إن لم يكن هناك من يُنظمها، بل يتساءل أحدهم مازحاً: "ماذا لو أغلق جوجل؟ كيف سنبحث عن سبب إغلاق جوجل بدون وجود جوجل؟!".
إذا، لا تزال الأسئلة تحاصرنا ولا يزال جوجل عنده إجابة، في مصر كان أحد أكثر الأسئلة التي سألها المصريون لجوجل باستخدام أداة الاستفهام "كيف" في 2017، هو "كيف أكون سعيداً؟"، وفي الجزائر "كيف تلعب الحوت الأزرق؟"، وفي السودان "كيف أعرف أن زوجي يحبني؟"، وفي العراق "كيف تعرف برجك؟"، وفي بلاد الحرمين "كيف أسوي فلتر سناب؟"، بل وحتى في الكيان الصهوني "كيف أغفو وأذهب في النوم بسرعة؟"، فالناس في كل مكان يسألون عما يشغلهم، عن همومهم اليومية وقضاياهم الحياتية.
لم تظهر في أسئلتنا لجوجل أسئلة مثل: "كيف يسقط الحكم العسكري؟ كيف نصنع محطة طاقة نووية؟ كيف نربي أولادنا؟ كيف نحرر القدس؟"، فهل أصابنا جوجل بالغباء؟ لربما ظننا أنه يجعلنا أكثر ذكاءً حيث يملك الإجابات، إلا أننا نحن من لا نملك الأسئلة! لا يكفي فقط أن يملك جوجل قاعدة بيانات ومعلومات هائلة، بل من المهم أن يكون لدينا شغف للعلم والمعرفة والفهم والإدراك والانتباه، حتى الانتباه لجوجل ذاته! فإن كنا نريد أن نُخزن المعلومات لنسترجعها ونتذكرها، فجوجل يقول: لا تشغلوا بالكم بالتذكر والاسترجاع، فأنا دائماً موجود! أنتم دائماً على اتصال بكل المعلومات والأفكار والبيانات التي تريدون، لا تجهدوا أنفسكم في عناء البحث أو تفتيش الذاكرة، لا تقرأوا كتاباً كاملاً للحصول على معلومة، لا تشاهدوا سلسلة أفلام وثائقية لفهم حدث صغير، لا تطلعوا، لا تفكروا، اسألوني أنا موجود!
حتى صارت اللمحات والمقاطع القصيرة والقراءات السريعة والمعلومات المقتضبة القاصرة هي مَن تصنع وجودك، فأنا أجوجل إذاً أنا موجود! وفجأة يتبدد وهم الوجود مع أول معركة، معركة شخصية تنهزم فيها أمام ذاتك فتُفتّش في علم النفس والطب النفسي عن سبب الهزيمة، معركة وطنية تُسرق منك أرضك أو عرضك فتبحث في كتب التاريخ والسير عن رواية التاريخ قبل أن يُزيّفوها، معركة أممية بعد أن تنهار أمام الواقع فتبحث عن شفاء الوحي ونور السماء المُسطّر في أمهات المصادر والمراجع والتراث.
هذه المعارك ستُفاجئك! ستفزعك، ستضعك أمام حقيقة أن العلم والمعرفة لا تصنعهما نواصي وسائل التواصل الاجتماعي ولا تُثريهما دوامة جوجل، ففي كل مرة تلح عليك الشبكات الاجتماعية بأسئلة تافهة ساذجة، ثم تستجيب لها فتسأل جوجل، وعنده تجد إجابة توصلك لسؤال سطحي جديد وهكذا دواليك، متوالية من الأسئلة السطحية وإجابات القشور و"الشواشي"، عندها تكتشف أنك في فقاعة إلكترونية من الصخب المسمم، ووقتها ستعرف أنه عليك أن توجد نفسك، وهذا بأن لا تغرق في حرب ركوب الأمواج الإلكترونية، أو بيع وقتك مجاناً لوسائل التواصل الاجتماعية.
لا بد للمعلومة والفكرة والمعنى أن يستقر في ذهنك ووجدانك، وعلى هذا الضجيج اللعين أن يتوقف، وهذا لن يكون إلا بأن تستخدم جوجل لا أن يستخدمك، ولا تجعل وسائل التواصل الاجتماعي تصنع لك أسئلتك عن ذاتك وحياتك وعالمك كأسئلة تافهة ساذجة، ثم يدعي جوجل أنه يفهم "بالضبط" ما تعنيه، بل عليك أولاً أن تعي بالضبط ما تريده!
تقول ماريان وولف، متخصصة في علم النفس التنموي: "والخطورة في جعل هذا "العقل الافتراضي" هو مصدر المعلومة، وهو وسيلة التفكير، قد يُضعف قدرتنا على هذا النوع من القراءة العميقة التي اعتمد عليها من سبقنا، فعندما نقرأ من خلال "العالم الافتراضي"، فنحن نميل إلى أن نصبح "أجهزة فك تشفير المعلومات"، لن تكون لنا قدرة على تفسير النص وإقامة تواصل عقلي ثري، كما نفعل عندما نقرأ بعمق وبدون تشتت".
هذه الأسئلة الإشكالية، التي تعصف بوجدان الناس وتؤرق أحلامهم وتدق أبواب أعتى العقول، وجدت متسعاً لها عبر مُحرك البحث الأشهر في العالم "جوجل"، فهو لا يرد سائلاً حتى وإن لم يحز إجابة، لا يقول له اسكت، اصمت، اخرس، بل يحاول دائماً مساعدته ليكون حاضراً في كل تفاصيل حياته، فجوجل كشركة عملاقة عمرها حوالي 20 عاماً، أتت لتسهل لك الوصول لصفحات الويب المختلفة، فلعلك لا تتذكر مثلاً العنوان الإلكتروني أو رابط الوصول لهنا؛ مكان ما تقف الآن "مدونات الجزيرة"، إلا أن جوجل يعرف ويوصّلك بنا مباشرة، ولعلك لا تدري أين موقف الأتوبيس بالحي المجاور لك، إلا أن خرائط جوجل ترسم العالم، وقد تظل يوماً كاملاً تبحث عن كتاب في مكتبتك المزدحمة بالكتب، إلا أنه بضغطة زر تستطيع الولوج لتفاصيل كاملة عن عشرات الملايين من الكتب.
ومع كل هذا يظل جوجل ليس مصدراً للمعلومة، ثانياً، جوجل ليس مصدراً للمعلومات هي شركة للإعلانات، تقوم بتنظيم وترتيب المعلومات ودراسة اختيارات ورغبات الأفراد لتسهيل وصولهم للمنتجات والسلع والخدمات، كل ذلك بهدف زيادة الأرباح والإنتاجية والاستهلاك، فهي شركة ربحية وليست مؤسسة خيرية.
فيما يقول البعض إن جوجل طريقة جديدة كلياً للتفكير، فقد صار جوجل العدسة التي نرى العالم من خلالها! فلا نستطيع الحركة عبر الإنترنت والتنقل من موقع لآخر من دونه، بل ستضيع المعلومات والبيانات وتتوه إن لم يكن هناك من يُنظمها، بل يتساءل أحدهم مازحاً: "ماذا لو أغلق جوجل؟ كيف سنبحث عن سبب إغلاق جوجل بدون وجود جوجل؟!".
إذا، لا تزال الأسئلة تحاصرنا ولا يزال جوجل عنده إجابة، في مصر كان أحد أكثر الأسئلة التي سألها المصريون لجوجل باستخدام أداة الاستفهام "كيف" في 2017، هو "كيف أكون سعيداً؟"، وفي الجزائر "كيف تلعب الحوت الأزرق؟"، وفي السودان "كيف أعرف أن زوجي يحبني؟"، وفي العراق "كيف تعرف برجك؟"، وفي بلاد الحرمين "كيف أسوي فلتر سناب؟"، بل وحتى في الكيان الصهوني "كيف أغفو وأذهب في النوم بسرعة؟"، فالناس في كل مكان يسألون عما يشغلهم، عن همومهم اليومية وقضاياهم الحياتية.
لم تظهر في أسئلتنا لجوجل أسئلة مثل: "كيف يسقط الحكم العسكري؟ كيف نصنع محطة طاقة نووية؟ كيف نربي أولادنا؟ كيف نحرر القدس؟"، فهل أصابنا جوجل بالغباء؟ لربما ظننا أنه يجعلنا أكثر ذكاءً حيث يملك الإجابات، إلا أننا نحن من لا نملك الأسئلة! لا يكفي فقط أن يملك جوجل قاعدة بيانات ومعلومات هائلة، بل من المهم أن يكون لدينا شغف للعلم والمعرفة والفهم والإدراك والانتباه، حتى الانتباه لجوجل ذاته! فإن كنا نريد أن نُخزن المعلومات لنسترجعها ونتذكرها، فجوجل يقول: لا تشغلوا بالكم بالتذكر والاسترجاع، فأنا دائماً موجود! أنتم دائماً على اتصال بكل المعلومات والأفكار والبيانات التي تريدون، لا تجهدوا أنفسكم في عناء البحث أو تفتيش الذاكرة، لا تقرأوا كتاباً كاملاً للحصول على معلومة، لا تشاهدوا سلسلة أفلام وثائقية لفهم حدث صغير، لا تطلعوا، لا تفكروا، اسألوني أنا موجود!
حتى صارت اللمحات والمقاطع القصيرة والقراءات السريعة والمعلومات المقتضبة القاصرة هي مَن تصنع وجودك، فأنا أجوجل إذاً أنا موجود! وفجأة يتبدد وهم الوجود مع أول معركة، معركة شخصية تنهزم فيها أمام ذاتك فتُفتّش في علم النفس والطب النفسي عن سبب الهزيمة، معركة وطنية تُسرق منك أرضك أو عرضك فتبحث في كتب التاريخ والسير عن رواية التاريخ قبل أن يُزيّفوها، معركة أممية بعد أن تنهار أمام الواقع فتبحث عن شفاء الوحي ونور السماء المُسطّر في أمهات المصادر والمراجع والتراث.
هذه المعارك ستُفاجئك! ستفزعك، ستضعك أمام حقيقة أن العلم والمعرفة لا تصنعهما نواصي وسائل التواصل الاجتماعي ولا تُثريهما دوامة جوجل، ففي كل مرة تلح عليك الشبكات الاجتماعية بأسئلة تافهة ساذجة، ثم تستجيب لها فتسأل جوجل، وعنده تجد إجابة توصلك لسؤال سطحي جديد وهكذا دواليك، متوالية من الأسئلة السطحية وإجابات القشور و"الشواشي"، عندها تكتشف أنك في فقاعة إلكترونية من الصخب المسمم، ووقتها ستعرف أنه عليك أن توجد نفسك، وهذا بأن لا تغرق في حرب ركوب الأمواج الإلكترونية، أو بيع وقتك مجاناً لوسائل التواصل الاجتماعية.
لا بد للمعلومة والفكرة والمعنى أن يستقر في ذهنك ووجدانك، وعلى هذا الضجيج اللعين أن يتوقف، وهذا لن يكون إلا بأن تستخدم جوجل لا أن يستخدمك، ولا تجعل وسائل التواصل الاجتماعي تصنع لك أسئلتك عن ذاتك وحياتك وعالمك كأسئلة تافهة ساذجة، ثم يدعي جوجل أنه يفهم "بالضبط" ما تعنيه، بل عليك أولاً أن تعي بالضبط ما تريده!
تقول ماريان وولف، متخصصة في علم النفس التنموي: "والخطورة في جعل هذا "العقل الافتراضي" هو مصدر المعلومة، وهو وسيلة التفكير، قد يُضعف قدرتنا على هذا النوع من القراءة العميقة التي اعتمد عليها من سبقنا، فعندما نقرأ من خلال "العالم الافتراضي"، فنحن نميل إلى أن نصبح "أجهزة فك تشفير المعلومات"، لن تكون لنا قدرة على تفسير النص وإقامة تواصل عقلي ثري، كما نفعل عندما نقرأ بعمق وبدون تشتت".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات "هاف بوست" لا تعبّر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/ahmed-dabour/-_14696_b_19012820.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات