الثلاثاء، 9 يناير 2018

من هم المهدَّدون بإسقاط الجنسية؟ قانون جديد ينزع الهوية المصرية عن قائمة طويلة من المعارضين بينهم مرسي وأبو تريكة وحقوقيون

من هم المهدَّدون بإسقاط الجنسية؟ قانون جديد ينزع الهوية المصرية عن قائمة طويلة من المعارضين بينهم مرسي وأبو تريكة وحقوقيون

تسعى السلطات المصرية إلى إقرار قانون يتضمن إسقاط الجنسية عن مواطنين، في حالات تتعلق بصدور أحكام بالإدانة في جرائم تضر بأمن البلاد، وسط تخوفات من أن يتحول لأداة تلاحق المعارضة، وتحوِّل معارضين إلى "بدون (لفظ يطلق على عديمي الجنسية)".

وفي 18 ديسمبر/كانون الأول 2017، وافق قسم التشريع بمجلس الدولة (هيئة قضائية معنيَّة بمراجعة القوانين)، على مشروع قانون تعديل بعض أحكام قانون الجنسية المصرية، والذي تضمن إضافة حالة جديدة لحالات إسقاط الجنسية تتعلق بصدور حكم بالإدانة في جريمة مضرة بأمن الدولة من جهة في الخارج.

ويوضح خبراء قانونيون أن تعديلات القانون تعني اشتماله المدانين في قضايا "إرهاب" و"تخابر" و"تمويل أجنبي"، وهي قضايا تشهدها محاكم مصرية ويحاكم فيها مئات المعارضين والحقوقيين.

وبينما يشدد قانونيون وسياسيون، على أن مشروع القانون "غير دستوري أو قانوني"، يعده مؤيدون للنظام بـ"المناسب لمحاربة الإرهاب ولاستقرار الوطن".



مفارقة حكومية





ثمة مفارقة في مشروع قانون الجنسية، تتمثل بموافقة الحكومة عليه، في سبتمبر/أيلول 2017؛ تمهيداً لطرحه على مجلس النواب، رغم أن الحكومة نفسها، سبق أن رفضت التعديلات ذاتها في يناير/كانون الثاني 2017؛ لـ"عوارها الدستوري"، أعقبه رفض برلماني للتعديلات نفسها.

وأيضاً، حذر رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب (البرلمان)، كمال عامر، آنذاك من أن "إسقاط الجنسية يخالف المواثيق الدولية الموقِّعة عليها مصر، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويضر بالأمن القومي، ويفتح باب تصويب السهام ضد مصر".

وخلال العام الماضي (2017)، نظر القضاء الإداري (هيئة قضائية مختصة بالفصل في المنازعات الإدارية)، قضايا عديدة لسياسيين وإعلاميين معارضين للنظام الحاكم، تطالب بإسقاط الجنسية عنهم.



أبرز المهدَّدين بالقانون





يأتي على رأس المهدَّدين بتعديلات قانون الجنسية، قيادات وأنصار جماعة الإخوان المسلمين (تدرجها الحكومة إرهابية)، الذين يحاكمون في قضايا "إرهاب وتخابر مع جهات ودول أجنبية"، وعلى رأسهم الرئيس السابق محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً بمصر، والمرشد العام للجماعة محمد بديع.

ويهدد القانون أيضاً حقوقيين بارزين بمصر من بينهم جمال عيد، وهو ناشط حقوقي ومحامٍ مصري بارز، سبق أن قررت محكمة مصرية منعه هو وحقوقيين آخرين، من السفر والتصرف في أموالهم، منتصف سبتمبر/أيلول 2016، على خلفية تحقيقات في إطار قضية يُتهمون فيها بتلقيهم "تمويلاً أجنبياً" من جهات خارجية بالمخالفة لأحكام القانون.

وتحت مقصلة القانون الجديد يقع أيضاً سياسيون بارزون، من بينهم المرشح الرئاسي السابق أيمن نور، مؤسس حزب غد الثورة (ليبيرالي/معارض)، وآخرون من مختلف التوجهات السياسية، بجانب اللاعب الدولي السابق لكرة القدم محمد أبو تريكة، المدرَج على قائمة الإرهاب؛ إثر اتهامه بـ"الانضمام إلى جماعة إرهابية"، في إشارة إلى جماعة الإخوان.



ردة حضارية





"هذا القانون لا يتوافق مع الدساتير أو القوانين، ولا القيم الإنسانية".. بهذه الكلمات، يصف أحمد مكي، وزير العدل المصري السابق، مشروع قانون الجنسية.

ويقول مكي إن "تعديلات قانون الجنسية، ليست مسيئة إلى تاريخ مصر كله، وإنما مفهوم الإنسان، وهو ردة حضارية.. المفروض السعي لإلغاء عدم التجنيس وليس العكس، فلكل مواطن حق في وطنه".

وعن تأثير تلك التعديلات على المعارضة المصرية، يرى مكي أنها "لن تؤذي المعارَضة، التي تسعى إلى الفرار من مصر؛ إثر التضييق المفروض عليها حالياً".

ويشير وزير العدل السابق (2 أغسطس/آب 2012–21 أبريل/نيسان 2013)، إلى أن القانون في حال إقراره، يعطي المعارض المصري في الخارج، فرصة وإمكانية بأن يعتبر نفسه لاجئاً سياسياً مطارَداً في البلد الهارب إليه ويستحق اللجوء.

وبشأن آليات مواجهة تلك التعديلات، يوضح مكي: "يمكن مواجهة ذلك بمواجهة فلسفة الحكم كله والنظام كاملاً"، دون مزيد من التوضيح.



إشكاليتان لقانون الجنسية





الخبير القانوني المصري عزت غنيم، يطرح إشكاليتين حال إقرار القانون؛ الأولى تتمثل في أن أقصى ما يمكن فعله الآن الطعن في عدم دستوريته، أمام المحكمة الدستورية (أعلى هيئة قضائية بمصر).

ويرى غنيم أنه "من المتوقع أن تضع المحكمة الدستورية الطعن في الأدراج (أي تجميده)، إلا إذا صدر قرار من السلطة بفتح الموضوع، وهو أمر لن يحدث؛ ومن ثم عدم الإقرار بعدم دستورية القانون".

والإشكالية الثانية، بحسب غنيم، تتمثل في أنه "في حالة صدور قرار بإسقاط الجنسية (حال إقرار القانون) عن أحد الأفراد، فسيتم التوجه إلى محكمة القضاء الإداري".

ويوضح: "ستكون الإشكالية هنا؛ هل محكمة القضاء الإداري ستحكم بناء على الرؤية الدستورية للقانون، القاضية بأنه لا يحق إسقاط جنسية أي مصري بأية صورة من الصور، أم ستحكم طبقاً للقانون الذي تم وضعه".

ومشيراً إلى مخاطر القانون، يقول الخبير القانوني إنها "تتمثل في تجريد المواطن من حقه في الأوراق الثبوتية الرسمية كبطاقة الهوية الشخصية، وجواز السفر وشهادة الميلاد؛ ومن ثم تجريده من الحق في التعليم والصحة والتملك، ومصادرة ما يملك لصالح الدولة؛ ومن ثم سيصبح المُواطن المسحوبة منه جنسيته بدوناً".

ويُحذر غنيم من أن إقرار القانون سيمثل "استمراراً لحالات الانتهاكات الممنهجة التي تستهدف المعارضين في بمصر بمختلف توجهاتهم، عبر آليات الاتهامات المطاطة، التي من بينها الإضرار بأمن الوطن، في ظل إصدار أحكام قضائية مبنيَّة على محاضر التحريات الشرطية، ووجود محاكم مختصة بقضايا الإرهاب بجانب أخرى عسكرية"، بحسب قوله.



مكايدة





يشدد السياسي المصري مجدي حمدان، نائب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية (ليبيرالي)، على أن تعديلات قانون الجنسية تعد "مخالفة صريحة للدستور".

حمدان اعتبر التعديلات "نوعاً من المكايدة السياسية للنظام تجاه جماعة الإخوان المسلمين، والمتعاطفين معها، والنظام يعتبر المعارَضة إرهابية ويجب التنكيل بها".

ويرى أن تعديلات القانون "تتشابه مع ما يقوم به الكيان الصهيوني (إسرائيل) من ترحيل واستبعاد للفلسطينيين من أراضيهم".

ويتهم حمدان النظام المصري بأنه "لا يعلم معني المعارَضة، ولا يدرك مفهوم الديمقراطية، ويخشي من الصوت الآخر؛ لإدراكه أن الصوت الآخر قوي بحجته".
ويدعو السياسي المصري إلى مواجهة القانون بـ"تكاتف القوى المعارضة، ونسيان الاختلافات المرجعية بينها".

وفي السياق ذاته، هاجم حزب الوسط (إسلامي) تعديلات القانون، محذراً "من ثغرات تخوِّل للسلطة سحب الجنسية من المختلفين معها بدعاوى يسهل تأويلها واستغلالها بغرض الانتقام السياسي، بجانب زيادة التوتر والانقسام المجتمعي والتطرف".

وفي بيان وصلت إلى "الأناضول" نسخة منه، مؤخراً، دعا "الوسط" إلى "عدم تمرير القانون الباطل دستوريّاً والجائر حقوقيّاً".



ضرورة قانونية





في مقابل الرفض السابق لتعديلات قانون الجنسية، يرى مؤيدون لها أنها "ضرورة قانونية ودستورية، على الطريق الصحيح".

الخبير الأمني الأكاديمي المتخصص بالقانون علاء عبد المجيد، يرى في تصريحات صحفية، أن "إسقاط الجنسية في قضايا الإرهاب قرار سليم"، معتبراً أن "من يتورط في هدم الوطن لا يستحق جنسيته".

وفي السياق ذاته، يقول أستاذ القانون بأكاديمية الشرطة (رسمية) نبيل مصطفى خليل، إن "من حق النظام اتخاذ إجراءات تكفل له الحفاظ على هوية الدولة وسحب الجنسية ممن يهدف إلى المساس بنظامها، أو تعطيل النظام الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي لها بالقوة".

ويشدد في تصريحات صحفية على أن "القانون دستوري ولا شبهة فيه".

ومن المقرر أن تبدأ مناقشة التعديل القانوني المقترح لقانون الجنسية، في وقت لاحق من العام الجاري، لم يحدَّد بعدُ، بمجلس النواب المصري.

وإذا أقر البرلمان القانون المقترح، فإنه يُرسله بعد ذلك إلى رئيس الجمهورية ليصدِّق عليه، ثم يُنشر في الجريدة الرسمية ليصبح بعدها ساري التنفيذ.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2018/01/09/story_n_18960418.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات