السبت، 13 يناير 2018

ما الذي تعلمته من فلسطين عن العنصرية الأميركية؟ مغني الراب فيك منسا: لست معادياً لليهود وهذا انطباعي بصفتي رجلاً أسود

ما الذي تعلمته من فلسطين عن العنصرية الأميركية؟ مغني الراب فيك منسا: لست معادياً لليهود وهذا انطباعي بصفتي رجلاً أسود

زار مغني الراب الأميركي فيك منسا مدينة القدس، ومن هناك كتب في مجلة Time الأميركية عن قوم مدفوعين بالكرامة والكبرياء، جُعِلوا أغراباً في وطنهم.




نص المقال






سافرتُ الصيف الماضي إلى فلسطين مع مجموعة من الفنانين الأفارقة الأميركيين والعلماء والناشطين، في رحلةٍ نظمتها منظمة "دريم ديفندرز" الحقوقية. لستُ معادياً للسامية، والآراء المُعبَّر عنها في هذه المقالة ليست بأي شكلٍ من الأشكال هجوماً على معتنقي الديانة اليهودية.

فكلماتي انعكاسٌ لتجاربي في رحلتي، وانتقادي يتعلق بمعاملة المدنيين الفلسطينيين على يد إسرائيل، لا أكثر ولا أقل. بصفتي رجلاً أسود في أميركا، فإنَّ وضع صورةٍ نمطية عن جماعةٍ ما بأنَّهم مجرمون هو أمرٌ أكثر من مألوف بالنسبة لي، تماماً كما الحال مع كوني غير مرغوبٍ بي في شوارع مدينتي، ومعاملتي بشكلٍ مختلف بسبب عرقي من قبل قوات إنفاذ القانون.

بدت عيناها كما لو كانت تبكي منذ ثلاثين عاماً. وسماع مطالباتها المشبوبة للحصول على الحرية من وراء الجدران المُتشققة في بلدتها في القدس القديمة لا يترك لي شكاً في أنَّها كانت كذلك بالفعل. نورا محاصرة في صراعٍ قانوني مرير حول منزل أسرتها منذ الثمانينيات.
وأُجهِدَت خارج وداخل غرف المحاكم الإسرائيلية، أحياناً وهي تحمل أطفالها، على ذراعيها وفي رحمها. وُلِدَت نورا في ذلك البيت. وأولادها ولدوا في هذا البيت. والآن تمسكها به هو كفاحٌ من أجل حياتها ذاتها.

لقد وصلت إسرائيل إلى مدىً لا يصدق في محاولة إخلاء بيتها وتسكين مستوطنين يهود بدلاً منها. فعند نقطةٍ ما، أغلقت الحكومة الإسرائيلية الباب الأمامي لبيتها، مجبرةً إياها على القفز من نافذة ارتفاعها عشرة أقدام اتساعها أكبر بقليل من اتساع باب بيوت الكلاب. وبينما كانت تقودنا إلى الفناء الذي تشارك فيه نافذةً مع مستوطنين يعيشون جانبها، ألقى جيرانها الجدد الذين كانوا يجلسون فوق رؤوسنا مباشرةً شبكة من القمامة والأحجار على عائلتها. أي نوع من حسن الضيافة هذا؟

منزل نورا ليس سوى ضحيةٍ واحدة حزينة من ضحايا الحرب في الصراع المستمر بين إسرائيل وفلسطين، التي ارتُكِبَت فيها أعمال عنف بشعة من قبل الطرفين اليهود والعرب.
جروح الجانبين عميقة. ولا أدَّعي معرفتي بكل تفصيلة من تفاصيل الاضطراب طويل المدى الذي اجتاح إسرائيل وفلسطين؛ وليس من المشكوك فيه أيضاً أنَّ شجرات العائلات الممتدة والمترابطة قد قُطِعَت أوصالها بسبب وحشية هذا الصراع. بإمكاني فقط أن أتكلم عن التجارب التي مررت بها هناك، عن إهانة نقاط التفتيش حيثُ لا يُكتفى بنزع ممتلكات الفلسطينيين وإنَّما كرامتهم أيضاً. ورأيتُ أثناء مشيي في شوارع المدينة القديمة صبياً فلسطينياً مُلقى في مواجهة الجدار يفتشه جنودٌ إسرائيليون بعتادهم العسكري الكامل، يحملون بنادق هجومية وأصابعهم على الزناد. وأخبرنا مرشدنا أنَّه من المرجح أن يكون الصبي متهماً بإلقاء الحجارة، وهي تهمة عقوبتها أربع سنوات إجبارية في السجن. خُذ دقيقةً لتأمل هذه المعلومة: إلقاء الأحجار، هو تهمة عقوبتها الحد الأدنى الإجباري لأحكم السجن. وفي الطريق المزدحم ذاته رأينا صورةً مدهشة لمدني إسرائيلي يمر عبر مجموعة أطفالٍ فلسطينيين ويحمل بندقية من طراز آر-15 ويرتدي في قدميه زوجاً من الشباشب. مدى ازدواجية المعايير ها هنا مذهل.


وخارج القدس مباشرةً زرنا معسكراً بدوياً، حيثُ أخبرنا مجموعةٌ من المسلمين أنَّ مدرستهم الابتدائية قد هُدمِتَ 10 مرات، إلى جانب اقتحام المستوطنين المسلحين الذين يعيشون في التلال في الأعلى للمدرسة ونهبها. البدو بطبيعتهم مجتمع متنقل يُفضل الحياة في الخيام، ويطلبون الحرية فحسب لممارسة أبسط حقوق الإنسان؛ لكن حتى هذا الأمر قد مُنعوا منه بشكل قاطع؛ فالألواح الشمسية التي تبرعت بها مؤسساتٌ أوروبية واضطلعت ببنائها للمعسكر دمرتها الحكومة الإسرائيلية، مستشهدةً بعدم وجود إذن للبناء. حتى الألعاب التي تبرعت بها مؤسسةٌ إيطالية لأطفال المعسكر صودرت. وقال لنا أحد المسنين يعاني مرضاً جلدياً في وجهه بالعربية: "الآن وقد رأيتم بأعينكم، عودوا إلى بلادكم واشرحوا ما رأيتم. اضغطوا على الحكومة الأميركية لتضغط على إسرائيل".


وهنا يكمن غرض هذه المقالة. إنَّني أكتب لأُعلِم كل من سيسمعني عن الإنكار الغادر لحقوق الإنسان الخاصة بالشعب الفلسطيني الذين يعيش تحت الاحتلال. ومشاهد القمع والإساءة هذه ستظل محفورة في ذاكرتي للأبد.

إنَّ أوجه الشبه بين تجربة السود في أميركا والتجربة الفلسطينية مذهلة. لمَّا كنتُ أُحملق في خزان المياه المليء بالديدان في قمة بيتٍ آيلٍ للسقوط في مخيم عايدة للاجئين، لم أستطع منع نفسي من التفكير في منطقة فلينت بميشيغان، والمياه الصدئة الملوثة بالرصاص التي تنهمر من صنابيرها. وعندما نظرتُ إلى "جدار الفصل" الذي يبلغ طوله 25 قدماً، بدا التفاوت الاقتصادي شديد الوضوح. يبدو الجانب الإسرائيلي من الجدار أشبه بالكابيتول في سلسلة أفلام "Hunger Games"، أما الجانب الفلسطيني فيبدو كما لو كان صوراً فوتوغرافية التقطها مُصور حرب. يشبه الأمر كما لو كانت الأجزاء الأكثر نسياناً وإحباطاً من جنوب شيكاغو قد فُصِلَت عن حي غولد كوست الفاخر بوسط المدينة بجدارٍ إسمنتي. المنظر وحده مثيرٌ للعواطف، وبكى الكثير من الناس على هذا السطح. لا يمكن للسخط أن يصف شعوري عندما أفكر في الحشرات التي تعوم في خزان الماء هذا، بينما عبر الجدار فحسب ثمة مستوطنة إسرائيلية ذات حوض سباحة بحجم أحواض السباحة الأوليمبية.

رأيتُ في قرية من قرى الضفة الغربية تُدعى النبي صالح أكثر الصور توضيحاً لهذه الجرائم ضد الإنسانية التي سوف أتعرض لها حال بقائي في فلسطين. انخرط أهل قرية النبي صالح في مقاومة غير عنيفة طويلة المدى للقانون العسكري، واستجاب جيش الدفاع الإسرائيلي لذلك بوحشيةٍ قُصوى. جلسنا في صمتٍ وشاهدنا سلسة على يوتيوب صورها قرويون للجنود وهم يروعون المدنيين المتظاهرين، لا سيما النساء والأطفال.


يُظهر الفيديو المئات من عبوات الغاز المُسيل للدموع المعدنية تنهمر على المتظاهرين السلميين، والنساء المسنات وهن يتلقين لكماتٍ في الوجه، والأطفال يُضرَبون ويُعتقلون، وحتى قروياً أزيل وجهه حرفياً بسبب قذيفة غاز أُطلقت على مسافة قريبة. ومزح مضيفنا قائلاً: "هذا هو الـ4 من شهر يوليو/تموز (عيد الاستقلال الأميركي) الخاص بنا. لدينا ألعاب نارية، وقنابل غاز". لكن من الصعب أن تجد القدرة على الضحك عند سماع ذلك.

كما هو الحال مع مجتمع السود في أميركا، فإنَّ استخدام السجن والتمييز العنصري واستهداف الشباب بصفتها وسائل لفرض السيطرة أمور سائدة في الضفة الغربية المحتلة. الفارق الأساسي الذي أراه بين القمع الذي نتعرض له في أميركا والقمع الذي يتعرض له الفلسطينيون هو درجة الوضوح وفجاجة وجه التمييز في الضفة الغربية المحتلة.


مهما يكن تصورنا عن الدولة البوليسية المجازية التي نعيش فيها في أميركا السوداء، فإنَّ القانون العسكري أمرٌ حقيقي للغاية وملموس في فلسطين. وعندما أُفكر في الشباب الذين رأيتهم يُعتَقَلون على جوانب الطريق، عقلي يذهب إلى خليف براودر، وهو صبي في الـ16 من العمر اعتُقِلَ لثلاث سنوات دون محاكمة في ريكرز آيلاند، بزعم سرقته حقيبة ظهر.


وبعد أن استهلكته القسوة التي سلبته طفولته، شنق خليف نفسه بملاءة سرير بعد سنتين من إطلاق سراحه. قابلتُ في فلسطين أطفالاً بعمر الـ12 أخبروني أنَّهم قد اعتقلوا من قبل جيش الدفاع الإسرائيلي. وفي أي وقتٍ من الأوقات، يكون هناك مئاتٌ من الأطفال الفلسطينيين معتقلين في سجونٍ إسرائيلية، كثيرٌ منهم تحت سن الـ16. ذكَّرني هذا الأمر بذكرياتٍ مرعبة لتجاربي الأولى مع الشرطة كوني طفلاً أسود في أميركا؛ أجبرنا ضباطٌ على الاستلقاء على الأرض بأسلحةٍ نارية مصوبة تجاهنا، بسبب جريمة الهوية الخاطئة الشائعة.

لمرةٍ واحدة في حياتي لم أشعر أنَّني زنجي. إذ بينما كنتُ أجلس مرتاحاً على أحد المقاهي، محدقاً في مجموعةٍ من الجنود الإسرائيليين وهم يتحرشون بمراهقٍ فلسطيني، كان من الواضح من هو الزنجي. ومن المفارقات أنَّ جواز سفري الأميركي منحني مرتبةً أعلى في التراتبية الاجتماعية للقدس أكثر مما منحني في شيكاغو. ومع ما قد يُظهره هذا الكلام من تبلدٍ في الشعور، شعرتُ بشيءٍ من الراحة لكوني لستُ تحت طائلة القمع للحظة، وإن كانت لحظة قصيرة.


بينما كنا نجلس في بيت امرأةٍ مسنة في الخليل، كانت المشاعر في الغرفة عالقة في الهواء كالغاز المُسيل للدموع. واعترفت لنا المرأة: "كل يوم معاناة". شهدت هذه المرأة قتل 18 من أبناء شعبها أمام منزلها، وسُجِنَت 25 مرة، وضربت في مواجهة الجدار على يد جنود، بل حتى أُجبِرَت على خلع ملابسها الإسلامية عند نقطة تفتيش قريبة. انحدرت دمعةٌ وحيدة من إحدى عينيها بينما كانت تحكي لنا كيف تركها زوجها لأنَّها رفضت ترك المنزل. وما تزال ترفض تسليم البيت. قالت لنا: "هذا بيتي. لقد حماني وسوف أحميه".

يبدو هذا موقفاً شائعاً بين الفلسطينيين، موقفٌ مُظلِم ومؤلم، لكنَّه مدفوعٌ بالكرامة والكبرياء. لقد جُعِلوا أغراباً في وطنهم، ومواطنين من الدرجة الثانية في موطن أجدادهم، لكنَّهم يرفضون أن يكونوا مجرد ذكرى. إنَّهم يقاتلون كما لو أنَّ وجودهم متوقفٌ على ذلك، لأنَّه متوقفٌ فعلاً على ذلك. وكل ما يطلبونه منا أن نحكي قصتهم.
.


فيك منسا هو مغني راب أميركي من شيكاغو، رُشِّحَ من قبل لجائزة غرامي


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2018/01/13/story_n_18994318.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات