الثلاثاء، 23 يناير 2018

متى استعبدتم (الشرقيّين) وقد ولدتهم أمّهاتهم أحراراً؟!

متى استعبدتم (الشرقيّين) وقد ولدتهم أمّهاتهم أحراراً؟!

في العادة أُعلِّم طُلّاب محاضراتي وبرامجي أن يُراجعوا (ما هو مألوفٌ بالضرورة)، على وزن (معلومٍ من الدين بالضرورة).

فطيلة مسيرة حياتي ذات الـ48 سنة وجدتُ أنّ أكثر المألوف يذهب بالبشر لتقزيم عقولهم ونُدرة البحث عن مخارج لحلول مشكلاتهم.

بل تأخذُ المألوفات كثيراً بأرواح وعقول وقلوب الناس إلى السجون..فتُحبَس الأفكار الطازجة وتهبط بالمعنويّات و تؤلّب القلوب كالقِدرِ المغليّ فوق النار.

ومن ضمن ما وجدتُهُ مألوفاً.. مدلول وتعبير (الرجُل الشرقي)!

فإنّني أرى هذا المدلول سخيفاً... جغرافيّاً باعتبار الشرق جغرافيا وثقافة..وتعبيريّاً؛ لأنّه لا يُحدّد لا الجغرافيا ولا الثقافة!

ولنترك سفسطائيتي ونقفز لما أردته لقارئ هذا المقال.

الحبس ضمن تابوهات المألوفات يحوّل عقول البشر للتلّقي غير القابل للنقاش، حتى إنّهم كثيراً ما يلبسون أثواباً شائعة تهدم استقلالية خياراتهم في الحياة، وهو الحقّ الأول الذي منحه الله للعباد..استقلالية الخيارات.

وتأتينا كلّ حينٍ موجة من موجات المألوفات تنتشر كالنار في عقولٍ كالقشّ؛ فتخترقها بسرعة وغزارة أفقيّاً ورأسيّاً، كما هو حادثُ في أيامنا هذه عن (الرجل الشرقي) وصفاته.

وتنفعل المشاعر وتكثر المقالات والتدوينات وتلوكُ الألسنة ما ليس له دلائل في غير عقول من كَتَبَ ومن حوله من الثائرين.

الرجل الشرقي هُوَ هُوَ المرأة الشرقيّة، هم من الشرق غير مُحدّد الجغرافيا ويرفعون علم المألوف عن علم الاستقلال على رؤوسهم.

التصنيفات والتعميمات هنا تذهب بالنقاشات والاستنتاجات مذاهب السطوة على رؤوس السطحيين من البشر.

وهذا خطرٌ داهم في أمّتنا يزيد الجراح ويُدمّر بيوتاً آمنة تسطو عليها قوّة الإعلام ومواقع التواصل بتنوّعها وسهولة اختراق رؤوس السطحيين بها.

هو رجلٌ شرقيٌّ بتعريفكم ولكنّه اختار حُرّاً ألا يُطبّق مدلولات مقالاتكم وأحكامكم ووصفاتكم المألوفة.

هي امرأةٌ مصريّة ولا تريدكم أن تحبسوها في ثوب (النِكديّة)؛ لأنّها ترتديه قسراً فكريّاً وتتلبسها الحالة السجنية!

اخرجوا خارج شرنقة التصنيف وفرض المدلولات والمعاني؛ لأنّها تدفع ضعفاء الاختيار إلى تبنّي ما هو سيّئ ضمن إطار هذه المدلولات.

فيجدكم الرجل الشرقي تصفونه بأنّه سي السيّد وتُقحمون الفكرة في عقله كأنها لا فرار منها؛ فيُقرّر أن يُصبِح سي السيّد فعلاً وقولاً؛ لأن غيره كثيرين سي السيّد، ولن يكون وحده فيُسخرَ منه!

وتتحوّل علاقته بامرأته لمقارنات وأحكام عليها بزعم: (اعملي زيّ الباقيين من النساء واسمعي كلام جوزك)؛ لأنّ المطارق لا تبرح تطرُقُ عقله إن لم يفعل ذلك!

وتُمسي علاقة المرأة الشرقيّة بزوجها تمرُّداً وفعلاً لما هو ليس مألوفاً..لغرض وحيد فقط أنّه غير مألوف، وتريد أن تخرج من بوتقة سي السيّد الذي أقنعوها أنّه موجودٌ في كلّ بيت (الرجل الشرقيّ)، وتتلاعب بها منتديات (المُتمرّدات) على السوشيال ميديا وتُقنعها بالمبدأ الفاشل يقيناً (طنّشيه. . تعيشي.. تنتعشي)!

وفي النهاية لا بتطنّش ولا بتعيش ولا بتنتعش و مواقع الاستشارات الزواجيّة تخبركم بأزمات اتبّاع هذا المبدأ المُستجدّ.

نحن بكامل إرادتنا المسلوبة لا نُتيح الخيارات للبيوت لتقول ما ينفعها وتفعل ما هو أصلح لها بغير تابوهات وأحكام مُسبّقة.

وكثيرون منّا يساهمون بحسن نوايا في هذه الجريمة متكاملة الأركان، فتنتشر النديّة في بيوتنا وتُصبح الحروب دائرة تؤجّجها تصنيفات ومدلولات من اختراع البشر لا يملكون عليها أبحاثاً اجتماعيّة حقيقية، ولا لديهم مشاهدات يومية فاحصة حتى يُقرّروا أنّها ظاهرة.

قد يكون المقال غير مُشبعٍ لأصحاب الإثارة والقلوب المُتمرّدة، ولكنّه صفعة على وجه القولبة والتصنيف، وهذا ما أردتُ وصوله لكم.



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/drkhaled-mohamed-elhaddad/story_b_19063368.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات