الأربعاء، 31 يناير 2018

كتاب أحلامي

كتاب أحلامي

تأخذني الحياة في غمرة الدراسة والمشاكل وبعض المسؤوليات الصغيرة، أدخل في دوامة تلو الأخرى، وأعيد ترتيب أوراقي يوماً بعد يوم، معي دائماً حقيبة سفر بعضها مرتّب والأشياء الأخرى مبعثرة، أضع قائمة ما أفعله يومياً ولا أفعل معظمه، وأعيد النظر إلى أهدافي كل حين، ولا أجد مهرباً في كل مرحلة سوى كتاب أقضي معه الوقت وربما رواية أشارك شخصياتها بعضاً من مشاكلهم أتطلع إلى النجاة معهم، أحب الكلام اللطيف، أحب الذين يكتبون ليخفّفوا وقع الأيام على القلوب.

أبحث عن كتاب لعلّه يزيدني حكمة، أبحث عنه لكي أخاطبه ويخاطبني كأنه صديقي، أريده أن يأخذني في نزهة حول العالم، قد نبدأ بمكة المكرمة والمدينة الحبيبة ونزور معهم المسجد الأقصى ونستشعر بدء البعثة ونشر الدعوة ونعيش معهم الغزوات ونستمع معاً لأصوات المعارك ورمي الرماح وقعقعة السيوف ونشم معاً رائحة التاريخ الزكي.

وسنحدد معاً خطة ما لتحرير الأقصى من قيوده، ربما تأخذني الحماسة أن أشارك في علاج المرابطين هناك على أبوابه، قد أتركه فترة ونعود أدراجنا وننتقل معاً إلى غابات إفريقيا وعادات وتقاليد غير مألوفة لنا وقصصهم وأساطيرهم.

ونتعلم في كل رحلة مصطلحات جديدة نفتخر بها إذا عدنا إلى بيتنا وبين أصدقائنا، في رحلات أخرى قد نزور الأسرى في أفكارهم وحزانى القلوب والجالسين على أرصفة الطرق يبكون أحلامهم الضائعة، نشاركهم حزنهم ونربت على قلوبهم بأن الحاضر خير والأفضل قادم، وأن قليلاً من الأمل لن يضر، ونستمع لشكوى المحبين لعلنا نجد حلاً لتلك المشاكل، ثم ننصرف إلى الجريمة الكاملة.

ونبحث مع هيروكل بوارو عن القاتل، أفشل بالتأكيد في تخمين المجرم وينجح هو، نجد في رفعت إسماعيل كثيراً من حكمة الأيام بالطبع فهو عجوز عاصر أجيالاً وأجناساً وأشكالاً وألواناً، نبحث في أحد كتب تنمية الذات عن كيفية اكتساب عادة جديدة، أو التخلص من أخرى سيئة، أو كيف نكتسب أصدقاء حقيقيين، نبحث عن رسائل الحب ورسائل الحرب، لعلنا نجد حرباً شبيهة بحربنا مع ذاتنا علَّنا نعلن انتصارنا عليها ذات يوم.

أعيش الأيام وأحاول التمسك بحبال نجاتي فيها، وأمر على كتاب آخر يعطيني لمحة عن المشكلات التي قد تحدث بيني وبين شريك الحياة وكيفية تفاديها، لا تملك الكتب الوسيلة دوماً لحل المشكلات -هكذا أرى- ولكن هي خبرة يعطيها لك كاتبها تعلمها أو رآها أو عاشها بنفسه لعلها تعطيك لمحة عما يجب فعله، أما عن تربية الأطفال فهذا الجانب الشاق الذي دائماً أخشاه؛ نظراً لقراءة الواقع الذي نعاصره من مستقبل صعب؛ ملامحه غير بيّنة، ولكن يظل الأمل فيهم ونسعى لننصلح حتى يكونوا قادرين على إصلاح ما أفسدناه نحن عمداً أو بلا قصد.

لست أحلم بأن أمسك كتابا أقرأه فقط، أحلم بكتاب أعيش معه كل هذا كصديق لي، كتاب ينقلني لكتاب آخر، يعطيني صموداً أكثر وصلابة؛ لكي أواجه ما ألاقيه وأراه.

ربما أنتبه لقصة حبيبَين مركونة على أحد الأرفف يعلوها التراب، تلك القصة تروي واقعاً قاسياً مؤلماً يحمل أسرار قلوب دثرها الزمن في أيامه، وأخفاها عن العيون، وفراقاً لم يملكا الخيار فيه، قد يعطيني كتابي الإجابة الوافية لكل تلك التساؤلات التي تؤرق رأسي حول علّة وجودي شخصياً في هذا الكون، ومن أين أبدأ؟ وكيف أجد الطريق المستقيم؟ وإذا وجدته كيف لا أحيد؟

لا أعلم منذ متى أحببت القراءة، ولا أعلم أي مجال بعينه أفضّله عن الآخر، أعلم أني أبحث دوماً عن كتاب أقرأه وأعيش معه وأصادقه، وأحب قول شوقي حين قال:

أنا من أبدل بالكتب الصحابا ** لم أجد وفياً لي إلا الكتابا
صاحب إن عبته أو لم تعب ** ليس للواجد للصاحب عابا
كلما أخلقته جددني ** وكساني من حلي الفضل ثيابا

أنا لا أعلم بعد ما هو كتاب أحلامي، في كل مرة أحدده وأنبهر بأحد الكتب أتراجع بعد مدة، ولكن تبقى فائدته وقيمته المعرفية كما هي، ربما لم أعثر على كتاب أحلامي أو لعلّه كتاب سأكتبه أنا يوماً ما أروي فيه عن أحاديثي وقصصي وانتصاراتي التي لا يعبأ لها أحد سواي.



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/alzahraa-ashraf-abdallah/-_14860_b_19120882.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات