- لماذا ينبغي تفكيك الفصائل الإسلامية سلسلة من المقالات أتناول فيها الأسباب التي تُحتِّم الخلاص من تلك الفصائل لانعدام جدواها. وقد تناولت في مقالتين سابقتين، 1 و2، ما شهدته مصر من صراع دار ما بين نظامي عبدالناصر والسادات، من جهة، وبين الفصائل من جهة أخرى. وفي مقالتي هذه سوف أتناول حقبة مبارك التي بدأت في الرابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول 1981.
- ويروق لي أن أبدأ بتناول أمر الفصيل الذي أثَّر بنهجه على المناخ السياسي المصري في وقت من الأوقات، إنه فصيل الجماعة الإسلامية.
- (ولو دارت بنا الأيام مرة أخرى لما وافقنا على قتل السادات، خصوصاً بعد الأحداث التي ترتَّبت على ذلك، حيث جاء حسني مبارك، الذي كان خطيئة من خطايا السادات. فالآن نترحَّم على السادات لما رأيناه من مبارك).
وردَت هذه الكلمات في حوار أجرته جريدة الراي الكويتية عام 2011 مع الشيخ علي الشريف، القيادي بالجماعة الإسلامية، ومسؤول تنظيمها باليمن. الذي كشف عن تعرُّض مبارك لأكثر من اثنتي عشرة محاولة اغتيال، على يد عناصر من الجماعة الإسلامية، كان آخرها محاولة الاغتيال التي وقعت في أديس أبابا 1995، بعدها أعلنت الجماعة عن مبادرة وقف العنف، في الخامس من يوليو/تموز عام 1997. تلك المبادرة التي نتجت عن مراجعات فقهية وفكرية قامت بها القيادات التاريخية للجماعة من داخل محبسهم.
- وهنا أقول، لقد دخلت الجماعة الإسلامية مرحلة الموت الإكلينيكي في اللحظة التي أعلنت فيها عن مراجعات نبذ العنف. وذلك لأسباب ثلاثة.
أولها، نسبية القناعات بين عموم القيادات المتحكمة في مصير الجماعة، ومن هنا يسهُل التباين في تقييم الواقع والتعاطي معه، ومن ثم تتعدد الرؤى والآراء نتيجة انعدام التجانس الذي أحدثه زلزال المراجعات.
والثاني، اهتزاز الثقة لدى أتباع الجماعة، والسبب في ذلك أنه عند التعامل مع أي حدث يجِدُّ على الساحة سوف يقوم العقل الجمعي للأتباع بعملية استدعاء لما كان في الماضي من تنظير وحماس وممارسات، يتبعه استدعاء لمشهد المراجعات، ومن هنا ينتج الصراع الداخلي "داخل الفرد ذاته".
وأما الثالث "وهو الأخطر والأهم"، فيتمثل في عدم الدفع بشخصيات جديدة تقود الجماعة، يتناسب فكرها مع المرحلة الجديدة، وذلك مع تراجع الجيل المؤسس الذي سلك مسلك العنف وتراجع عنه، وانحصار دوره في التوجيه عن بُعد، بما لديه من تراكمات سابقة. وذلك ما كان سيؤثر، نسبياً، على مَحو الصورة الذهنية المترسِّخة لدى الأجهزة الأمنية، ثم لدى أتباع وأعضاء الجماعة، ثم لدى أطياف المجتمع كافة، عن تاريخ وممارسات الجماعة. فليس من السهولة بمكان أن ينسى المصريون بمختلف انتماءاتهم مشهد اغتيال السادات، ثم ما تبعه من مهاجمة مديرية أمن أسيوط ومراكز الشرطة واحتلال المدينة. مروراً باغتيال رفعت المحجوب عام 1990. ثم محاولة اغتيال مبارك 1995. ثم مقتل ثمانية عشر سائحاً يونانياً بالقرب من أهرامات الجيزة عام 1996. ثم مذبحة الأقصر التي راح ضحيتها ثمانية وخمسون سائحاً عام 1997، وقد شهد العام نفسه مقتل تسعة من السائحين الألمان وسط القاهرة. إلى آخر ذلك من عمليات القتل والتخريب، التي لم تُحقق أية مكاسب، بل هي الذرائع التي تبيح التنكيل بالشعب كله على السواء، بحجة محاربة العنف والإرهاب.
- أنتقل إلى فصيل آخر، وهو فصيل الإخوان المسلمين.
- وأستهلّ الحديث عن علاقة جماعة الإخوان المسلمين بنظام مبارك، بما ذكره الكاتب الصحفي الراحل "عبدالله كمال"، في كتابه "وثائق نيوتن". يقول: الإخوان المسلمون خاضوا الانتخابات مرات في عهد مبارك، كانوا جماعةً محظورةً، كوادرهم كانت جزءاً من النظام، النظام ليس مجموعة مَن يحكمون، النظام هو القواعد والقوانين التي تدير الدولة، وتقبل أن تدخل في معادلاتها.
شكري مصطفى كان واضحاً جداً مقارنة بالإخوان، خرج من النظام وذهب إلى الصحراء، حيث أسس "جماعة التكفير والهجرة". الذي عمل مع النظام، جلس مع السادات، اتصل بمبارك، تفاوض مع حكمه سراً وعلناً، خاض انتخاباته، وقف في برلمانه، استجوب الحكومة أكثر من مرة، قدم أعضاؤه طلبات إلى الوزراء ليوقّعوا عليها، ويقدِّموا خدمات لأنصار الإخوان.
- بطبيعة الحال، منا من يتفق ومنا من يختلف مع رأي الكاتب عبدالله كمال، وهذا باختلاف التوجهات والأيديولوجيات، وأيضاً باختلاف العقول. ولكنني سوف أستدعي المواقف ذات الدلالة القوية، التي تتسق نسبياً مع هذا الرأي.
أول هذه المواقف يتمثل في بيعة الإخوان لمبارك، وذلك في مجلس الشعب المصري عام 1987، حينما وقف رئيس الهيئة البرلمانية المستشار مأمون الهضيبي، ليعلن عن بيعة جماعة الإخوان لمبارك، قائلاً "وجدناك شريفاً فبايعناك، ووجدناك أميناً فبايعناك، ووجدناك وطنياً فبايعناك".
ثاني هذه المواقف يتمثل في الصفقة التي عُقِدَت ما بين نظام مبارك وجماعة الإخوان المسلمين عام 2005. فخلال حوار نشرته جريدة المصري اليوم بتاريخ 24 أكتوبر/تشرين الأول 2009، مع مرشد عام الجماعة الراحل الأستاذ محمد مهدي عاكف، سأله المحاور: هل تم عرض صفقة عليك من قبل؟ فأجاب عاكف، حدث ذلك عام 2005، حيث زارني أحد المسؤولين الكبار، وكان هناك حديث عن سفر الرئيس مبارك إلى أميركا، وقال أرجو ألا تقوموا بأي شوشرة على زيارة الرئيس هناك، وأبديت استعداداً، وجاء للقائي مرتين، وطلبت في إحداهما أن يحضر اللقاء معنا نوابي، وبالفعل تم اللقاء وكتبنا فيه بنوداً كثيرة واتفقنا عليها، ثم ذهب والتزم بما اتفقنا، وقبل انتخابات 2005، كان هناك عدد من الإخوان في السجن، وعلى رأسهم عصام العريان.
وكانوا يريدون الانتخابات لهم، وطلبوا ألا يكون هناك زخم فيها، وقلت وأنا أيضاً أريد ذلك، وقمت بترشيح 150 شخصاً، وأوفيت بما وعدت به في اللقاء الذي تم بيني وبين الأمن، واتفقنا أن تسير الأمور بشكل عادي، وبدأ الإخوان المرشحون يعقدون الندوات وينظمون المسيرات في الشوارع، وجميع من في السجون أفرج عنهم، وفوجئت باكتساحهم في المرحلتين الأولى والثانية، وفي المرحلة الثالثة قال لي شخص ما، إن شارون اتصل بجورج بوش، وإن الأخير اتصل بمبارك، فأبلغوني أنه لن ينجح أحد في المرحلة الثالثة، على الرغم من أننا كنا نتوقع أن ينجح 50 مرشحاً، وتحديداً في المنصورة والشرقية، وهما من معاقل الإخوان، وتم ذبحنا في المرحلة الثالثة.
- ثالث هذه المواقف، يتمثل في دلالة التوصيف الذي أطلقه الدكتور محمد بديع مرشد عام الجماعة، وذلك في الرابع عشر من أبريل/نيسان 2010، خلال حوار تلفزيوني مع الإعلامية منى الشاذلي، حين قال بديع واصفاً مبارك "مبارك والد لكل المصريين".
وأضاف: "احترامنا لموقع الرئاسة نابع من أن المصريين يحرصون على أن يكون رئيسهم شخصية محترمة، لهذا نطالبه بأن ينظر إلى أبنائه في السجون، الذين ظلمتهم الأجهزة الأمنية".
هكذا كانت بعض المواقف التي عنونت لطبيعة العلاقة ما بين النظام والفصيل. وبطبيعة اللعبة، فقد تخلَّل عصر مبارك، الذي امتدَّ ليصل إلى ثلاثين عاماً، بعض المظاهر التي لا تخلو من الصراع المشروط، يتمثل ذلك في السماح لجماعة الإخوان بخوض الانتخابات البرلمانية "رغم أنها الجماعة المحظورة"، أو المنافسة في الانتخابات النقابية والاتحادات الطلابية.
هذا كله مع رحلات الذهاب إلى السجون والإياب إلى المعارضة، المشروطة مرة أخرى، بحسب ما يقتضيه الواقع الداخلي والخارجي.
- هكذا كان شأن الفصائل الإسلامية في عصر مبارك، ذلك العصر الذي كان عُنوانه "الفساد المقنن" الذي لم يترك مجالاً ولا مؤسسة ولا قطاعاً إلا ودمره تدميراً.
وذلك ما عاناه وعاينه المجتمع كله، وما زال يعاني بسببه حتى اليوم، وذلك أيضاً ما أشار إليه الدكتور عبدالخالق فاروق، الخبير في الشؤون الاقتصادية والإدارة المحلية، في دراسته التي تناولت الفساد في عصر مبارك، بعنوان: "دور التشريع في بناء دولة الفساد"، مفاد هذه الدراسة، أن مبارك ورجاله ما تركوا شيئاً في مصر إلا وأفسدوه بالقانون.
- ومن خلال ما سبق ذكره أقول، ينبغي تفكيك تلك الفصائل. ففصيل الجماعة الإسلامية انتهج العنف في عصر السادات، ثم في عصر مبارك، ثم تراجع. وأما جماعة الإخوان فقد احتواها النظام "الذي حظرها"، ووضع لها خطاً تتحرك تحته، وغير مسموح لها بتجاوزه بأي حال من الأحوال.
والسؤال: ما الذي عاد على الشعب المصري من هذين الفصيلين؟ وغيرهما أيضاً من الفصائل التي سرعان ما يلفظها المجتمع بأسره لانحرافها الواضح، كجماعة التكفير والهجرة، والتوقف والتبين، وجماعة الشوقيين... إلخ، والجواب، لا شيء.
لذا أكرر ما قلته من قبل، أن النظام يفعل كل ما يريد، نعم، فمبارك حكم البلاد بقانون الطوارئ وأفسد في مصر طولاً وعرضاً، وما استطاعت الفصائل أن توقف فساده، ولقد جلس الشعب على مقعد المتفرج ليشاهد الجولة مترقباً متى ستنتهي، بعد أن تم عزله عن قضاياه.
وما زال الأمر كذلك، رغم أن المصريين قد خرجوا بكل طوائفهم يطالبون برحيل النظام الفاسد، وذلك ما قد كان يوم الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011، ليتنحَّى مبارك بالفعل، كي تدخل مصر في جولة جديدة من جولات لعبة النظام والفصيل.
وأرجئ الحديث عن ذلك لمقالتي القادمة.
المصادر:
- حوار الشيخ علي الشريف، جريدة الراي الكويتية- يونيو 2011.
- صراع على الشرعية، الإخوان المسلمون ومبارك 1982-2007. إخوان ويكي
ikhwanwiki.
- إسلاميون وبعد.. حوار الدكتور ناجح إبراهيم على قناة الميادين يناير 2015.
- بعد مراجعاتهم للأفكار المتطرفة "توقعات بالإفراج عن قيادات الجماعة الإسلامية" المصرية مع تحديد إقامتهم، جريدة الشرق الأوسط، 11 فبراير 2002 العدد 8476.
- وثائق نيوتن. للكاتب عبدالله كمال.
- حوار محمد مهدي عاكف- المصري اليوم.
- حوار د. محمد بديع. برنامج العاشرة مساء على فضائية دريم.
- الكذب والتقية عند الإخوان. بقلم ثروت الخرباوي. مارس 2015 العربية نت.
دور التشريع في بناء دولة الفساد. دراسة للدكتور عبدالخالق فاروق.
- ويكيبيديا الموسوعة الحرة.
- ويروق لي أن أبدأ بتناول أمر الفصيل الذي أثَّر بنهجه على المناخ السياسي المصري في وقت من الأوقات، إنه فصيل الجماعة الإسلامية.
- (ولو دارت بنا الأيام مرة أخرى لما وافقنا على قتل السادات، خصوصاً بعد الأحداث التي ترتَّبت على ذلك، حيث جاء حسني مبارك، الذي كان خطيئة من خطايا السادات. فالآن نترحَّم على السادات لما رأيناه من مبارك).
وردَت هذه الكلمات في حوار أجرته جريدة الراي الكويتية عام 2011 مع الشيخ علي الشريف، القيادي بالجماعة الإسلامية، ومسؤول تنظيمها باليمن. الذي كشف عن تعرُّض مبارك لأكثر من اثنتي عشرة محاولة اغتيال، على يد عناصر من الجماعة الإسلامية، كان آخرها محاولة الاغتيال التي وقعت في أديس أبابا 1995، بعدها أعلنت الجماعة عن مبادرة وقف العنف، في الخامس من يوليو/تموز عام 1997. تلك المبادرة التي نتجت عن مراجعات فقهية وفكرية قامت بها القيادات التاريخية للجماعة من داخل محبسهم.
- وهنا أقول، لقد دخلت الجماعة الإسلامية مرحلة الموت الإكلينيكي في اللحظة التي أعلنت فيها عن مراجعات نبذ العنف. وذلك لأسباب ثلاثة.
أولها، نسبية القناعات بين عموم القيادات المتحكمة في مصير الجماعة، ومن هنا يسهُل التباين في تقييم الواقع والتعاطي معه، ومن ثم تتعدد الرؤى والآراء نتيجة انعدام التجانس الذي أحدثه زلزال المراجعات.
والثاني، اهتزاز الثقة لدى أتباع الجماعة، والسبب في ذلك أنه عند التعامل مع أي حدث يجِدُّ على الساحة سوف يقوم العقل الجمعي للأتباع بعملية استدعاء لما كان في الماضي من تنظير وحماس وممارسات، يتبعه استدعاء لمشهد المراجعات، ومن هنا ينتج الصراع الداخلي "داخل الفرد ذاته".
وأما الثالث "وهو الأخطر والأهم"، فيتمثل في عدم الدفع بشخصيات جديدة تقود الجماعة، يتناسب فكرها مع المرحلة الجديدة، وذلك مع تراجع الجيل المؤسس الذي سلك مسلك العنف وتراجع عنه، وانحصار دوره في التوجيه عن بُعد، بما لديه من تراكمات سابقة. وذلك ما كان سيؤثر، نسبياً، على مَحو الصورة الذهنية المترسِّخة لدى الأجهزة الأمنية، ثم لدى أتباع وأعضاء الجماعة، ثم لدى أطياف المجتمع كافة، عن تاريخ وممارسات الجماعة. فليس من السهولة بمكان أن ينسى المصريون بمختلف انتماءاتهم مشهد اغتيال السادات، ثم ما تبعه من مهاجمة مديرية أمن أسيوط ومراكز الشرطة واحتلال المدينة. مروراً باغتيال رفعت المحجوب عام 1990. ثم محاولة اغتيال مبارك 1995. ثم مقتل ثمانية عشر سائحاً يونانياً بالقرب من أهرامات الجيزة عام 1996. ثم مذبحة الأقصر التي راح ضحيتها ثمانية وخمسون سائحاً عام 1997، وقد شهد العام نفسه مقتل تسعة من السائحين الألمان وسط القاهرة. إلى آخر ذلك من عمليات القتل والتخريب، التي لم تُحقق أية مكاسب، بل هي الذرائع التي تبيح التنكيل بالشعب كله على السواء، بحجة محاربة العنف والإرهاب.
- أنتقل إلى فصيل آخر، وهو فصيل الإخوان المسلمين.
- وأستهلّ الحديث عن علاقة جماعة الإخوان المسلمين بنظام مبارك، بما ذكره الكاتب الصحفي الراحل "عبدالله كمال"، في كتابه "وثائق نيوتن". يقول: الإخوان المسلمون خاضوا الانتخابات مرات في عهد مبارك، كانوا جماعةً محظورةً، كوادرهم كانت جزءاً من النظام، النظام ليس مجموعة مَن يحكمون، النظام هو القواعد والقوانين التي تدير الدولة، وتقبل أن تدخل في معادلاتها.
شكري مصطفى كان واضحاً جداً مقارنة بالإخوان، خرج من النظام وذهب إلى الصحراء، حيث أسس "جماعة التكفير والهجرة". الذي عمل مع النظام، جلس مع السادات، اتصل بمبارك، تفاوض مع حكمه سراً وعلناً، خاض انتخاباته، وقف في برلمانه، استجوب الحكومة أكثر من مرة، قدم أعضاؤه طلبات إلى الوزراء ليوقّعوا عليها، ويقدِّموا خدمات لأنصار الإخوان.
- بطبيعة الحال، منا من يتفق ومنا من يختلف مع رأي الكاتب عبدالله كمال، وهذا باختلاف التوجهات والأيديولوجيات، وأيضاً باختلاف العقول. ولكنني سوف أستدعي المواقف ذات الدلالة القوية، التي تتسق نسبياً مع هذا الرأي.
أول هذه المواقف يتمثل في بيعة الإخوان لمبارك، وذلك في مجلس الشعب المصري عام 1987، حينما وقف رئيس الهيئة البرلمانية المستشار مأمون الهضيبي، ليعلن عن بيعة جماعة الإخوان لمبارك، قائلاً "وجدناك شريفاً فبايعناك، ووجدناك أميناً فبايعناك، ووجدناك وطنياً فبايعناك".
ثاني هذه المواقف يتمثل في الصفقة التي عُقِدَت ما بين نظام مبارك وجماعة الإخوان المسلمين عام 2005. فخلال حوار نشرته جريدة المصري اليوم بتاريخ 24 أكتوبر/تشرين الأول 2009، مع مرشد عام الجماعة الراحل الأستاذ محمد مهدي عاكف، سأله المحاور: هل تم عرض صفقة عليك من قبل؟ فأجاب عاكف، حدث ذلك عام 2005، حيث زارني أحد المسؤولين الكبار، وكان هناك حديث عن سفر الرئيس مبارك إلى أميركا، وقال أرجو ألا تقوموا بأي شوشرة على زيارة الرئيس هناك، وأبديت استعداداً، وجاء للقائي مرتين، وطلبت في إحداهما أن يحضر اللقاء معنا نوابي، وبالفعل تم اللقاء وكتبنا فيه بنوداً كثيرة واتفقنا عليها، ثم ذهب والتزم بما اتفقنا، وقبل انتخابات 2005، كان هناك عدد من الإخوان في السجن، وعلى رأسهم عصام العريان.
وكانوا يريدون الانتخابات لهم، وطلبوا ألا يكون هناك زخم فيها، وقلت وأنا أيضاً أريد ذلك، وقمت بترشيح 150 شخصاً، وأوفيت بما وعدت به في اللقاء الذي تم بيني وبين الأمن، واتفقنا أن تسير الأمور بشكل عادي، وبدأ الإخوان المرشحون يعقدون الندوات وينظمون المسيرات في الشوارع، وجميع من في السجون أفرج عنهم، وفوجئت باكتساحهم في المرحلتين الأولى والثانية، وفي المرحلة الثالثة قال لي شخص ما، إن شارون اتصل بجورج بوش، وإن الأخير اتصل بمبارك، فأبلغوني أنه لن ينجح أحد في المرحلة الثالثة، على الرغم من أننا كنا نتوقع أن ينجح 50 مرشحاً، وتحديداً في المنصورة والشرقية، وهما من معاقل الإخوان، وتم ذبحنا في المرحلة الثالثة.
- ثالث هذه المواقف، يتمثل في دلالة التوصيف الذي أطلقه الدكتور محمد بديع مرشد عام الجماعة، وذلك في الرابع عشر من أبريل/نيسان 2010، خلال حوار تلفزيوني مع الإعلامية منى الشاذلي، حين قال بديع واصفاً مبارك "مبارك والد لكل المصريين".
وأضاف: "احترامنا لموقع الرئاسة نابع من أن المصريين يحرصون على أن يكون رئيسهم شخصية محترمة، لهذا نطالبه بأن ينظر إلى أبنائه في السجون، الذين ظلمتهم الأجهزة الأمنية".
هكذا كانت بعض المواقف التي عنونت لطبيعة العلاقة ما بين النظام والفصيل. وبطبيعة اللعبة، فقد تخلَّل عصر مبارك، الذي امتدَّ ليصل إلى ثلاثين عاماً، بعض المظاهر التي لا تخلو من الصراع المشروط، يتمثل ذلك في السماح لجماعة الإخوان بخوض الانتخابات البرلمانية "رغم أنها الجماعة المحظورة"، أو المنافسة في الانتخابات النقابية والاتحادات الطلابية.
هذا كله مع رحلات الذهاب إلى السجون والإياب إلى المعارضة، المشروطة مرة أخرى، بحسب ما يقتضيه الواقع الداخلي والخارجي.
- هكذا كان شأن الفصائل الإسلامية في عصر مبارك، ذلك العصر الذي كان عُنوانه "الفساد المقنن" الذي لم يترك مجالاً ولا مؤسسة ولا قطاعاً إلا ودمره تدميراً.
وذلك ما عاناه وعاينه المجتمع كله، وما زال يعاني بسببه حتى اليوم، وذلك أيضاً ما أشار إليه الدكتور عبدالخالق فاروق، الخبير في الشؤون الاقتصادية والإدارة المحلية، في دراسته التي تناولت الفساد في عصر مبارك، بعنوان: "دور التشريع في بناء دولة الفساد"، مفاد هذه الدراسة، أن مبارك ورجاله ما تركوا شيئاً في مصر إلا وأفسدوه بالقانون.
- ومن خلال ما سبق ذكره أقول، ينبغي تفكيك تلك الفصائل. ففصيل الجماعة الإسلامية انتهج العنف في عصر السادات، ثم في عصر مبارك، ثم تراجع. وأما جماعة الإخوان فقد احتواها النظام "الذي حظرها"، ووضع لها خطاً تتحرك تحته، وغير مسموح لها بتجاوزه بأي حال من الأحوال.
والسؤال: ما الذي عاد على الشعب المصري من هذين الفصيلين؟ وغيرهما أيضاً من الفصائل التي سرعان ما يلفظها المجتمع بأسره لانحرافها الواضح، كجماعة التكفير والهجرة، والتوقف والتبين، وجماعة الشوقيين... إلخ، والجواب، لا شيء.
لذا أكرر ما قلته من قبل، أن النظام يفعل كل ما يريد، نعم، فمبارك حكم البلاد بقانون الطوارئ وأفسد في مصر طولاً وعرضاً، وما استطاعت الفصائل أن توقف فساده، ولقد جلس الشعب على مقعد المتفرج ليشاهد الجولة مترقباً متى ستنتهي، بعد أن تم عزله عن قضاياه.
وما زال الأمر كذلك، رغم أن المصريين قد خرجوا بكل طوائفهم يطالبون برحيل النظام الفاسد، وذلك ما قد كان يوم الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011، ليتنحَّى مبارك بالفعل، كي تدخل مصر في جولة جديدة من جولات لعبة النظام والفصيل.
وأرجئ الحديث عن ذلك لمقالتي القادمة.
المصادر:
- حوار الشيخ علي الشريف، جريدة الراي الكويتية- يونيو 2011.
- صراع على الشرعية، الإخوان المسلمون ومبارك 1982-2007. إخوان ويكي
ikhwanwiki.
- إسلاميون وبعد.. حوار الدكتور ناجح إبراهيم على قناة الميادين يناير 2015.
- بعد مراجعاتهم للأفكار المتطرفة "توقعات بالإفراج عن قيادات الجماعة الإسلامية" المصرية مع تحديد إقامتهم، جريدة الشرق الأوسط، 11 فبراير 2002 العدد 8476.
- وثائق نيوتن. للكاتب عبدالله كمال.
- حوار محمد مهدي عاكف- المصري اليوم.
- حوار د. محمد بديع. برنامج العاشرة مساء على فضائية دريم.
- الكذب والتقية عند الإخوان. بقلم ثروت الخرباوي. مارس 2015 العربية نت.
دور التشريع في بناء دولة الفساد. دراسة للدكتور عبدالخالق فاروق.
- ويكيبيديا الموسوعة الحرة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/zakaria-abdlfattah-elshehamy/story_b_19033876.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات