الثلاثاء، 13 فبراير 2018

لماذا ينبغي تفكيك الفصائل الإسلامية؟ "6" الإخوان والسلفيون والشيعة

لماذا ينبغي تفكيك الفصائل الإسلامية؟ "6" الإخوان والسلفيون والشيعة

- لا شك في أن ملف الشيعة كان من أهم الملفات التي تسببت في تفجير الخلافات ما بين جماعة الإخوان المسلمين من جهة، وبين التيار السلفي، بما يمثله من علماء ودعاة وكيانات، من جهة أخرى، وبخاصة بعد وصول الدكتور محمد مرسي إلى الحكم.

- يقول السلفيون: إن جماعة الإخوان تنفي الخلاف العقدي ما بين مذهب أهل السنة والجماعة وبين المذهب الرافضي (الذي يجيز سب وتكفير الصحابة)، والدليل على هذا النفي تَمثل في رغبة الجماعة في فتح باب العلاقات مع الدولة الإيرانية على مصراعيه، وبخاصة بعد زيارة مرسي لإيران في أغسطس/آب 2012، لحضور قمة منظمة دول عدم الانحياز، ثم زيارة الرئيس الإيراني إلى مصر في فبراير/شباط 2013 (وهو أمر لم يفعله ولم يسمح به مبارك طيلة حكمه)، وقد رأى السلفيون أن ذلك يمثل خطراً على عقيدة المسلمين في مصر، إذْ إن الشيعة الروافض ما دخلوا بلداً إلا ودمروه.

- كرر السلفيون هذا الكلام، في وقت التزمت فيه الجماعة الصمت، فلا خرجت مؤسسة الرئاسة ببيان قاطع، وقتئذ، أو حتى مكتب إرشاد الجماعة أو حزب الحرية والعدالة، لتوضيح الأمر، بل إنهم التزموا الصمت تجاه القضية، وما زالوا على حالتهم هذه حتى يومنا هذا.

- وإنني في هذه المقالة سوف أنقل روايتين؛ الأولى تبرئ جماعة الإخوان، والثانية تثبت ما قاله السلفيون في حقهم. وحتى نستطيع ترجيح صحة رواية على أخرى، سوف أتطرق لعرض سطور من سجل العلاقة التاريخية ما بين الإخوان والدولة الإيرانية.

- أما الرواية الأولى، التي نشر تفاصيلها موقع الدكتور محمد بن عبدالمالك الزغبي، فتقول: كشف المفكر الكويتي الدكتور عبدالله النفيسي، النائب السابق بمجلس الأمة الكويتي، أن وزير الخارجية الإيراني علي صالحي أثناء زيارته لمصر في يناير/كانون الثاني 2013، التقى بالرئيس المصري وقتئذ محمد مرسي، وعرض عليه ثلاثين مليار دولار، وإرسال خمس ملايين سائح إيراني إلى مصر سنوياً، وكذلك إعادة تشغيل ألفي مصنع مُعطّل، بواسطة خبراء إيرانيين، ثم لتفتح مصر سفارة لها في طهران مقابل أن تفتح إيران سفارة لها في القاهرة.

فرد مرسي قائلاً: وماذا تريدون في المقابل؟ فقال صالحي: نريد أن نتسلم كل المساجد التي بناها الفاطميون لإعادة ترميمها وإدارتها من جانب إيران، ونريد إصدار جريدتين باللغة الفارسية في مصر، وأضاف صالحي: وعليكم إرسال عشرين ألف طالب مصري "سنوياً" للدراسة في "قُم".

- وأما الرواية الثانية، فقد وردت في ثنايا حوار صحفي أجرته جريدة اليوم السابع، مع القيادي الإخواني السابق سامح عيد، والمنشور بتاريخ 24 يناير/كانون الثاني 2018. قال القيادي الإخواني رداً على سؤال يتعلق بعلاقة جماعة الإخوان بالشيعة في فترة حكم محمد مرسي: "إيران عرضت مائة مليار دولار في عهد الإخوان من أجل أن يكون للشيعة تواجد في مصر، وفتح الباب لهم عن طريق السياحة الدينية، والجماعة رحبت حينها بأن يكون هناك لوبي شيعي إيراني داخل مصر، إلا أن ذلك توقف بعد الخلاف الذي دار بينهم وبين التيار السلفي، كما أنه جرى الترتيب بين خيرت الشاطر وقيادات الإخوان مع عناصر إيرانية قيادية على أن يتم تنفيذ تجربة الحرس الثوري في مصر، وتجهيز مجموعات عسكرية وإقامة المعسكرات في سيناء، إلا أنه بفضل القوات المسلحة المصرية التي أوقفت كل هذه الاتفاقيات، فالجماعة دبرت أن يكون هناك جيش مواز بحجة أن تستخدمه في مواجهة ليبيا وسوريا والعراق، والادعاء بنصرة القدس".

- بعد سرد الروايتين، أقول: ربما يشعر بعضنا بالحيرة، إذْ إن الرواية الأولى تنصف جماعة الإخوان، وأما الرواية الثانية فتضعهم موضع المتهم الذي ينبغي عليه أن يوضح للشعب المصري حقيقة ما تضمنته من سيناريوهات مخيفة.

ولكن أثبتت لنا الأحداث أن الجماعة تراوغ أحياناً؛ لأنها ترى المراوغة تصب في مصلحة الجماعة. وأقول: إن راوغت الجماعة فإن التاريخ لا يراوغ.

ففي السطور التالية سوف أتطرق للعلاقة التاريخية التي تربط الجماعة بطهران، بعدها قد تزول الحيرة، وقد نُرجِّح صدق رواية على أخرى.

- ولتكن البداية منذ أن أعلنت جماعة الإخوان المسلمين تأييدها للثورة الإيرانية التي قام بها آية الله الخميني عام 1979؛ حيث قابلت الجماعة تلك الثورة بحماس وتأييد على أوسع نطاق عبر مواقف عديدة، وكان أهمها البيان الذي وجهه التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، للمسؤولين عن الحركات الإسلامية في كافة أنحاء العالم، ولقد وصف البيان من يعادي الثورة الإيرانية أنه واحد من أربعة (فإما مسلم لم يستطع أن يستوعب عصر الطوفان الإسلامي وما زال يعيش في زمن الاستسلام، فعليه أن يستغفر الله ويحاول أن يستكمل فهمه بمعاني الجهاد والعزة في الإسلام. وإما عميل يتوسط لمصلحة أعداء الإسلام على حساب الإسلام متشدقاً بالأخوة والحرص عليها.
وإما مسلم إمعة يحركه غيره بلا رأي له ولا إرادة.. وإما منافق يداهن بين هؤلاء وهؤلاء).

وتحت عنوان (خميني بين آمال المسلمين ومؤامرات الصليبية والشيوعية، احتلت صورة الخميني غلاف مجلة الإخوان الرئيسية في مارس/آذار 1979.

ثم بادرت أمانة سر التنظيم الدولي للإخوان المسلمين إلى الاتصال بالمسؤولين الإيرانيين بغية تشكيل وفد من الإخوان لزيارة إيران والتهنئة بالثورة، وتَدارس سبل التعاون.

وبالفعل، عينت إيران ضابطاً للاتصال بالتنظيم الدولي للإخوان، في سويسرا في الرابع عشر من مايو/أيار 1979، لدراسة القرارات في شأن العلاقة مع إيران وبعض القرارات السريعة.

وكان منها، تشكيل وفد من الإخوان لزيارة إيران وتقديم التهاني بمناسبة نجاح الثورة الإيرانية والإطاحة بالشاه، وقد تشكل الوفد من عبدالرحمن خليفة، مراقب الإخوان المسلمين في الأردن، جابر رزق ممثلاً عن الإخوان المسلمين في مصر، سعيد حوَّى ممثلاً عن الإخوان في سوريا، غالب همت من الإخوان في سوريا، عبدالله سليمان العقيل ممثلاً عن الإخوان في السعودية.

وقد تمت الزيارة بالفعل في يونيو/حزيران 1979، ونُشرت أخبارها في الصحف الإيرانية الصادرة بالعربية، ومعها صور لأعضاء الوفد وهم يزورون القيادة الإيرانية.

- أما جماعة الإخوان المسلمين في الأردن فقد أصدرت بياناً عن موقف الإخوان من الثورة الإيرانية، تقول فيه: "كان من أولويات طموحات إمامنا الشهيد حسن البنا، رحمه الله، أن يتجاوز المسلمون خلافاتهم الفقهية والمذهبية، ولقد بذل رحمه الله جهوداً دؤوبة للتقريب بين السنة والشيعة، تمهيداً لإلغاء جميع مظاهر الاختلاف بينهما، ولقد كان له في هذا السبيل صلات وثيقة بكثير من رجال الشيعة الموثوقين، كالإمام آية الله كاشاني، والشهيد الثائر نواب صفوي، والإمام كاشف الغطاء، في العراق، وغيرهم. ولقد رأى الإخوان المسلمون أن قيام الثورة الإسلامية في إيران يفتح الباب مجدداً لاستكمال ما بدأه الإمام الشهيد حسن البنا رضي الله عنه، في محاولة تحقيق تغيير جذري في العلاقة بين السنة والشيعة".

- وهكذا توالت بيانات التأييد لثورة الخميني في إيران من جماعة الإخوان المسلمين، سواء من مكتب الإرشاد في مصر أو من أفرع الجماعة في مختلف البلدان.

- بل إن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، كلا، فأكابر القيادات والكوادر داخل جماعة الإخوان في مصر وخارجها لم يتوقفوا عن الثناء على تلك الثورة؛ لتصورهم أنها الأمل القادم لإنقاذ الإسلام والمسلمين.

- فهذا هو المرشد الراحل للجماعة في مصر عمر التلمساني، يقول، في مقال نشرته مجلة الدعوة في العدد 105 يوليو/تموز 1985، بعنوان "شيعة وسنة": "التقريب بين الشيعة والسنة واجب الفقهاء الآن. وقال: ولم تفتر علاقة الإخوان بزعماء الشيعة، فاتصلوا بآية الله الكاشاني واستضافوا في مصر "نواب صفوي"، كل هذا فعله الإخوان لا ليحملوا الشيعة على ترك مذهبهم، ولكن فعلوه لغرض نبيل يدعو إليه إسلامهم وهو محاولة التقريب بين المذاهب الإسلامية إلى أقرب حد ممكن". ويقول التلمساني أيضاً: "وبعيداً عن كل الخلافات السياسية بين الشيعة وغيرهم، فما زال الإخوان حريصين كل الحرص على أن يقوموا بشيء من التقارب المحسوس بين المذاهب المختلفة في صفوف المسلمين". وبمثل هذه الكلمات أيدت كوادر وقيادات الإخوان، على مستوى العالم، ثورة الخميني.

- وهنا قد يقول قائل: ربما كان تأييد جماعة الإخوان للشيعة وقت الثورة، رغبة في التقريب لأجل العودة إلى المنهج الصحيح، ثم لما اتضح أمر الخميني ومن سار على دربه بعد ذلك تغير الموقف، ذلك لأن الخميني له فتاوى شهيرة تُكفر الصحابة، وعلى رأسهم سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر رضي الله عنهما، فضلاً عن تكفيره لأهل السنة والجماعة. أقول: كلا، فما زال موقف الجماعة من الشيعة كما هو، وهذا هو مرشد الجماعة الراحل محمد مهدي عاكف، الذي أجرى مداخلتين على قناتي المنار والجزيرة عام 2006، وقت اشتعال الحرب ما بين إسرائيل وحزب الله الشيعي الموالي لإيران، وقد دافع عاكف عن الشيعة دافعاً واضحاً، نافياً وجود خلاف ما بين مذهب أهل السنة ومذهب الروافض، واصفاً من يقول بالخلاف بالجهل وعدم الفهم، بل ووصف الاختلاف بين المذهبين بالترهات والخزعبلات.

- وأخير، إن جماعة الإخوان لم تخرج حتى الآن ببيان قاطع تنفي فيه ما وُجِّه إليها من اتهامات تخص علاقتها بالشيعة، وأن الجماعة كانت تنوي فتح الباب أمامهم في مصر على مصراعيه. لولا أن تصدى لها علماء مصر من أمثال الشيخ الحويني والشيخ محمد حسان والشيخ مصطفى العدوي والشيخ أحمد النقيب والشيخ محمد إسماعيل المقدم، وغيرهم من علماء وأنصار التيار السلفي في مصر.

ثم إن الجماعة لا تترك حدثاً يقع على ظهر الأرض إلا وعلقت عليه، في حين أنها التزمت الصمت تجاه ما شهدته إيران من مظاهرات خرجت تطالب بسقوط نظام الملالي، في ديسمبر/كانون الأول 2017. وفي ذلك دلالة، لا تتسع المساحة لذكرها تفصيلاً.

- ومن ثم أقول: ينبغي تفكيك تلك الفصائل التي أنشئت باسم الإسلام، وهي توالي ألد أعداء المسلمين، وهذا بما يقوله هم، لا بقول خصومهم وحسب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:

- موقف علماء المسلمين من الشيعة والثورة الإسلامية، تأليف الدكتور عز الدين إبراهيم.
-حوار القيادي الإخواني يوسف عيد، اليوم السابع.
- موقع الدكتور محمد بن عبدالمالك الزغبي، عن علاقة الشيعة بمرسي.
- الإخوان المسلمون والشيعة.. بين الرؤية الشرعية والممارسة السياسية (الجزء السادس)، إخوان ويكي.
- مداخلة المرشد محمد مهدي عاكف على قناتي الجزيرة والمنار، يوتيوب.
- نداء إلى الغافلين، محاضرة للشيخ أبو إسحاق الحويني.
- حقيقة معتقد الشيعة الروافض، محاضرة للشيخ الحويني.


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/zakaria-abdlfattah-elshehamy/story_b_19196300.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات