الخميس، 22 فبراير 2018

ثورة الـ76: ثورة الأطباء الشبان في تونس

ثورة الـ76: ثورة الأطباء الشبان في تونس

انحدر تعامل هياكل الدولة في تونس اليوم مع شباب البلاد إلى مستوى سياسة التجاهل والاستخفاف، صحبة التقاعس عن التعامل الجدّي مع تحديات أساسية تواجه أهم القطاعات.

ومصداق ذلك ليس فيما يجري هذه الأيام مع الأطباء الشبان فحسب، بل يمتد أيضاً للإضرابات التي سبقت من قبل المهندسين الشبان مثلاً ولمعاناة الفئات الشبابية المختلفة، وبالذات العاطلة عن العمل من أصحاب الشهادات العليا، الذين قضوا ما بين الأشهر إلى السنوات الأخيرة على أعتاب الوزارات، في اعتصاماتٍ واحتجاجات لا تُحصى، دون أن يلقوا غير نفس المماطلة مغمضة العينين، مغلقة الأذنين في كل مرة، من قِبل السلط المعنية.

حركة أو ثورة الـ76، برقمَيْها، ليست سوى ترميز عن 7 سنوات مرت منذ بداية تحرك الأطباء الشبان، بالموازاة مع مرور 6 وزراء، منهم مَن أمضى اتفاقات وقام بمصادقات على ما لم يرضَ خليفته في الوزارة الاعتراف به أو مواصلة السير فيه، في غيابٍ صادم لاستمرارية مؤسسات الدولة.



2018-02-18-1518976463-2188422-27751560_10213937769771203_2208834841089533046_n.jpg



وتبعاً لهذا الظرف، وجدت المنظمة التونسية للأطباء الشبان نفسها مدفوعة للتصعيد، نيابةً عن منظّريها ما بين أطباء شبان، داخليين أو مقيمين، إضافة إلى طلبة الطب، وذلك بإعلان مسيرة وطنية يوم الإثنين 19 فبراير/شباط، متعهدة بمواصلة التحرك في نسق تصاعدي، إلى حين تحقيق كل مطالبها، دون أي مجال للتراجع، مؤكدة أن مناورات المسؤولين في وزارة الصحة لن تزيدها إلا وحدة وعزماً على التشبث أكثر بالمطالب، شأنها في ذلك شأن ما ينادي به الأطباء الشبان في الجزائر الشقيقة في احتجاجات شملت كل الجهات، منذ شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2017.



نفس المطالب المشروعة التي يجرّها ويحملها الأطباء الشبان في جعبتهم منذ سنوات

عودة سريعة على جملة هذه المطالب التي يناضل من أجل تحقيقها الأطباء الشبان التونسيون اليوم تحيلنا إلى أربعة مطالب أساسية:

1. الالتزام بالحفاظ على الشهادة الوطنية للدكتور في الطب وإسنادها في آجالها المتعارف عليها مع إنهاء سنوات التعليم الأساسية، في ظل ظهور مشروع تعديل إصلاح الدراسات الطبية لسنة 2011 المطروح، والذي يبطل هذه الشهادة ويستحدث صَهرها مع شهادة ختم الاختصاص، والتي لا تسندُ سوى بعد 9 إلى 11 سنة بعد البكالوريا، مما يلغي، إضافة لذلك، إمكانية تكوين الأطباء الشبان في إطار بحوث ما بعد الدكتوراه أو إمكانية التوجه نحو الميدان البحثي أو العمل في الخارج.

2. إرساءٌ نهائي لنظام أساسي خاص بالأطباء الداخليين والمقيمين، ومنه، ضرورة توفر تأطير ملموس من قِبل الأطباء الكبار وعدم السماح مُستقبلاً بعمل الأطباء لأكثر من 24 ساعة متتالية مع تمكينهم من "راحة أمان" إثرها، قصد تفادي وقوع الأخطاء الطبية.

3. يدعو الأطباء الشبان إلى تمتيعهم، كسائر فئات الشعب، بشروط الإعفاء فيما يخص الخدمة المدنية دون تمييز، بما يحفظ كرامتهم كمواطنين.

4. رصد الاعتمادات اللازمة للتطوع لسد الشغور الحاصل بالمستشفيات الجامعية اليوم والناتج عن الفرض غير المدروس لمنظومةٍ جديدةٍ لم يكن للأطباء الشبان كلمة فيها، مع فتح ملف أجور الأطباء الشبان من جنسيات غير تونسية (موريتانيين، فلسطينيين وأفارقة من جنوب الصحراء)، والذين درسوا بكليات الطب التونسية ويزاولون مهامهم كمتربصين داخليين أو مقيمين بالمستشفيات التونسية؛ حيث يتقاضون ثلث الأجر الذي يتقاضاه التونسيون مقابل ساعات عمل مماثلة.


2018-02-18-1518976616-148353-27752602_10215381709920963_8683420907120054674_n.jpg


ويجدر التنويه بحقيقة أن المطالبة بتحقق أعلاه ليست وليدة الأيام القليلة الماضية، باعتبار أن مسيرة النضال تعود لما يقترب من السبع سنوات الآن، دون الوصول لتنفيذٍ ملموس للاتفاقات التي وُقعت في السابق ما بين الممثلين النقابيين والوزارة.

وآخرها المصادقة على مشروع قانون يضم عدداً من المطالب والاقتراحات منذ ما يزيد عن السنة، أُرسِل على أثرها إلى رئاسة الحكومة التي أبدت ملاحظاتٍ شكلية بسيطة حوله. ولم يتم بعدها مواصلة الإجراءات التي شهدت ركوداً تاماً، لا تباطؤاً فحسب.



ما وراء المماطلة والتسويف

ذلك وقد انطلق آخر التحركات في شكل إضراب احتجاجي عن العمل والتربص والنشاط الجامعي في كل من تونس العاصمة، سوسة، المنستير، صفاقس والأقسام الراجعة لها بالنظر، بشكل يومي، منذ السادس من الشهر الجاري والذي لا يزال مستمراً إلى الآن.

وذلك على خلفية إعلام مصدر ممثل عن رئاسة الحكومة لوفد المنظمة التونسية للأطباء الشبان بأن وزارة الصحة هي المتسببة في تعطل تنفيذ الاتفاقات السابقة، وبأنها هي المسؤولة عن تكوين الأطباء، وبالتالي عن قيادة مبادرة إصلاح تعليم الطب وإصدار القانون الأساسي للأطباء الداخليين والمقيمين.

الشيء الذي أغلق الباب أمام إمكانية تملصها المستقبلية من هذه المسؤولية كاملة. وقد بات معروفاً الساعة أن أكبر مستفيد من بقاء الأوضاع المتدهورة على ما هي عليه هي قلةٌ من الأطباء الكبار المتنفذين، الذين يستغلون المنظومة لاستعباد مَن هم في طور التكوين من الأطباء الشبان؛ حيث يجد هؤلاء الشبان أنفسهم بصدد القيام بغالبية العمل المطلوب في المستشفيات العمومية بمفردهم، ما يسمح لـ"الكبار" بمزاولة نشاطاتهم التكميلية في القطاع الخاص بكل أريحية، غير ملتفتين لجودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطن البسيط في المستشفيات الحكومية.

فتسير الأمور نحو مزيد إعياء المنظومة الصحية العمومية المتهالكة، وقد بلغ التدهور القاع ودوّت صافرات الإنذار حتى بحّ صوتها.

ولن يؤدي تحسين أوضاع عمل الأطباء الشبان، الداخليين والمقيمين، ووضعهم القانوني سوى إلى تضييق الخناق على المصالح الشخصية الضيقة لأولئك.



مطالبُ تحشدُ مساندة علنية من أهل القطاع والرأي العام


2018-02-18-1518976717-6152254-27749848_10212654796019209_3257070558699938249_n.jpg


وعموماً، بدأت التحركات الأخيرة للأطباء الشبان تلقى آذانا مصغية متفهمة من قِبَل الرأي العام، الذي صار يعي بوضوح أكثر الفرق بين خور المنظومة بالمستشفيات العمومية وعلاقته بتراجع مستوى الخدمات الصحية، وبين الإطار الطبي وبالذات الأطباء الشبان فيما يخص تحديد المواقع والمسؤوليات.

ويتمظهر ذلك بالأساس في رسائل التشجيع والمساندة التي يتبناها جزء هام من الشارع التونسي مؤخراً، إضافة للمساندة العلنية التي يجدها التحرك من قِبَل النقابة العامة للأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان للصحة العمومية، والتي نددت في بيان لها بـ"عدم جدية سلطة الإشراف في تعاملها مع مطالب الأطباء الشبان المشروعة" وحمّلتها "مسؤولية تأزيم وضع الصحة العمومية برفضها احترام اتفاقياتها الممضاة مع الأطباء المقيمين والداخليين والمواصلة في سنّ القرارات الفجائية واللاقانونية كحجز شهادة الدكتوراه".

كما ذكرت النقابة العامة أن "الأطباء الشبان هم مستقبل الصحة في تونس وهم من سوف يسهرون على صحة المواطنين علماً أنهم عبروا عن وطنيتهم وقدموا تضحيات في كل الفترات العسيرة السابقة، فهم الذين يعملون ليلاً ونهاراً في أقسى ظروف العمل من أجل ضمان صحة وسلامة المواطن".

واعتبرت أن "السياسات المتخذة في السنوات الأخيرة، وعدم الاستجابة لأبسط المطالب المشروعة والمتفق عليها، أدى لمزيد تدهور المنظومة الصحية، وزرع اليأس بين الجيل الجديد من الأطباء مما دفع عدداً كبيراً منهم للهجرة."

وهنا يحضرنا تأكيد الكاتب العام للمجلس الوطني لعمادة الأطباء التونسيين أن 45 بالمائة من الأطباء المرسمين بالعمادة خلال سنة 2017 قد غادروا البلاد.


2018-02-18-1518976771-1548791-28056346_10215381698200670_8744003170331466811_n.jpg


وختاماً، لعل أهم نقطة تحوّل يسجلها الملاحظون في مسار محاولات الإصلاح في الميدان الصحي اليوم في تونس، تتمثل في أخذ الأطباء الشبان على عاتقهم الدفاع بأنفسهم عن مطالبهم، التي تندرج، كخطوة أولى، تحت لواء مطالب القطاع الحقيقية بصفة أشمل.

وذلك بعد قرارهم إحداث هذه المنظمة المستقلة، على قدم من المساواة مع سائر المنظمات النقابية الوطنية.

ويبقى السؤال: متى تفك باقي الثروة البشرية الشبابية للبلاد ارتباطها السلبي بالأداء الهاوي واللامسؤول لعدد كبير من الإدارات وسلطات الإشراف المسيرة لأكثر القطاعات الحيوية في البلاد، وتبادر باسترداد حقها في الفعل وفي منظومات عقلانية مُحترمة، تدرك حقيقة دورها في خلق مناخ عمل جاذب لا طاردٍ لطاقاته الشابة، وتقدر حق كل مواطن في خدمات تصون كرامته وإنسانيته؟




ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/eya-hnia/-76-_b_19269754.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات