لم يكن مفاجئاً إعلان الولايات المتحدة الأميركية، مطلع العام الجاري، أنها تعمل مع ما يطلق عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتي يشكل عمودها الفقري الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني التركي (المصنف إرهابياً في تركيا وحلف الناتو)، تشكيل قوة حدودية جديدة قوامها 30 ألف مقاتل، للانتشار على الحدود السورية مع تركيا شمالاً، والعراق باتجاه الجنوب الشرقي، وعلى طول وادي نهر الفرات، فقد أعاد إعلان واشنطن هذا إلى الأذهان ما تحدث عنه طلال سلو، الناطق المنشق عما يسمّى "قوات سوريا الديمقراطية"، التي يشكل تنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي (بي يي دي) ذراع منظمة حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) التركية، عمودها الفقري، وسلّط الضوء على خفايا تقديم الولايات المتحدة الأسلحة لمسلحي التنظيمين، تحت ستار التشكيل الجديد.
ووفقاً لتصريحات سلو التي تناقلتها معظم وسائل الإعلام العربية والعالمية، السبب الأساسي لهذه التسمية هو اتفاق الولايات المتحدة مع قيادة "بي كا كا"؛ حيث كان هناك توجّه أميركي إلى دعم الأكراد بالسلاح والعتاد، ولئلا يحدث صدمة لدى الرأي العام، بخصوص تقديم الدعم للأكراد فقط، شكّلوا "قوات سوريا الديمقراطية"، وكان السلاح يُرسل إلى هذا التشكيل الجديد، قبل إعلانه بتسميته هذه.
ومما كشفه سلو أن المبعوث الأميركي للتحالف الدولي ضد "داعش" بريت ماكغورك، هو مَن كان يضع هذه الأفكار، ففي أثناء عمليات تحرير الرقة، طلب تشكيل قوة باسم التحالف العربي، وتمثلت مهمة هذه القوات فقط في تسلّم الأسلحة. وتم تسلّم كميات كبيرة من الأسلحة بالفعل، ولم توزّع على العرب والتركمان والسريان فعلياً سوى أسلحة خفيفة. وحمل التحالف اسم العرب، إلا أنّه لم يملك شيئاً، والمجلس العسكري لدير الزور (يتبع "قسد")، كانت مهمته التوقيع فقط.
الواضح أن واشنطن عندما اتخذت الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني التركي حليفاً لها في الحرب على "داعش"، أطلقت عليه تسمية قوات سوريا الديمقراطية، بعد أن أدخلت فيه وجوهاً عربية، لا تملك من أمرها شيئاً، بهدف إعطائه طابعاً سورياً شاملاً، أمام الإعلام والرأي العام العالمي، وأيضاً من جهة إضفاء شرعية، باعتباره طرفاً سورياً معارضاً.
ومن جهة ثانية، لإلغاء كل ماضي الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني، وإلباسه ثوباً جديداً لتسويقه دولياً، وهذا ما بات واضحاً عندما مارست أميركا ضغوطاً على وفد الهيئة العليا للمفاوضات، في جولات جنيف أخيراً، في محاولات لإشراك تلك التوليفة في محادثات جنيف السورية، وبات معروفاً أن ذريعة محاربة "داعش" في تشكيل هذه المجموعة لا تنطلي على أحد، فلو اختارت واشنطن أي فصيل سوري ودعمته، لاستطاع أيضاً محاربة الإرهاب.
ليس خافياً على أحد أطماع بعض أكراد سوريا إلى إيجاد تواصل جغرافي بين منطقة عفرين وبقية المناطق السورية التي ينتشرون فيها، ما من شأنه إقامة حزامٍ يفصل تركيا عن كامل أراضي الجمهورية العربية السورية، خصوصاً مدينة حلب، ذات الأهمية الاستراتيجية الكبرى، وهو ما يشكل تهديداً واضحاً لوحدة أراضي سوريا، ويهدد، في الوقت نفسه، أمن تركيا القومي. وسريعاً ما أثار الإعلان الأميركي عن تسليح مجموعة جديدة، بمسمى جديد، غضب تركيا.
تدرك واشنطن جيداً مخاوف أنقرة؛ لذلك كانت دوماً تراوغ، وتعمل على تضليل حليفتها تركيا، كما سبق عندما قدمت تطميناتٍ بأن نسبة القوات الكردية المشاركة في "قوات سوريا الديمقراطية" التي شاركت في معركة منبج لا تزيد عن الخُمُس، لكن الأتراك ومعظم السوريين يعلمون جيداً أن التركيبة الفعلية لهذه المجموعة المسلّحة مغايرة لما يقدّمه الأميركيون من معلومات.
ووجدت واشنطن من الأطماع الكردية في سوريا فرصةً لاستكمال ما بدأته سابقاً في العراق، على الرغم من أن هناك اختلافاً كبيراً بين البلدين، ولا سيما فيما يخص العامل الكردي.
ثمة حديث يدور حول أن الأكراد في سوريا يشكلون القومية الثانية، وقد يكون هذا كلام حق يُراد به باطل؛ لإسقاط الحالة الكردية في شمال العراق على أكراد سوريا، من دون الأخذ بالاعتبار فوارق كبيرة بين الحالتين، وهي أنهم في سوريا لا يمتلكون المقومات التي لدى نظرائهم شمالي العراق، ديموغرافياً وجغرافياً.
وسبق أن أشار المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، إلى أن نسبة أكراد سوريا 5%، ولا تمتلك أي تواصل جغرافي بين المناطق الرئيسية التي تقطنها (القامشلي - عين العرب - عفرين)، بالإضافة إلى أنه، حتى المناطق التي هي فيها أكثرية، لا تشكل أغلبية مطلقة.
ومن هنا، تلاقت مصالح واشنطن مع الأطماع التي وجدت فرصة تاريخية من خلال الفوضى التي اجتاحت سوريا، بظهور تنظيمات إرهابية متطرفة، للتقدم ووراثة الأراضي التي كانت تحت سيطرة "داعش"، إلا أنهم توسعوا أكثر من إمكاناتهم، وبشكل يتجاوز حجمهم الحقيقي، وفي مناطق عربية تاريخياً، مثل مدينة منبج، وأخرى ليس لهم أي وجود فيها على الإطلاق قبل حرب "داعش"، مثل مدينة تل رفعت وبلدات أخرى محيطة.
ومن سوء حظ واشنطن أن وجود أي مجموعات مسلحة (يخدم مصالحها) معارضة لدمشق على أراضي سوريا لا يخدم موسكو.
وهذا يجعل عملية غصن الزيتون التركية في عفرين تسعد موسكو، فهي لا تريد أن تدعم، وبشكل علني، أي محاولات لإيقاف التمدد الانفصالي، ولا سيما أنهم يقفزون بين الحبال، ويخدمون أهداف أميركا أكثر من روسيا.
كما يعد اليوم غياب "داعش" عامل انتفاء لحاجة واشنطن الكبيرة لهم، فهي بحاجة قوة لتنفذ مخططاتها، وليس لكيان مصطنع تحرسه أميركا في وسط محيطٍ، بات رافضاً له، بعد انكشاف نواياهم، ولا سيما في ظل إصرار تركي على وحدة أراضي سوريا، وعدم التراجع أمام ما يهدد أمنها القومي.
يبقى القول: إن أي تقسيم أو فدرلة في سوريا هو بمثابة قنبلة موقوتة، ستطال كامل دول المنطقة، ولاحقاً روسيا، فنحن في جغرافيا تتداخل مع التاريخ، ويختلط فيها ما هو ديني بما هو عرقي.
- تم نشر هذه التدوينة في موقع العربي الجديد
ووفقاً لتصريحات سلو التي تناقلتها معظم وسائل الإعلام العربية والعالمية، السبب الأساسي لهذه التسمية هو اتفاق الولايات المتحدة مع قيادة "بي كا كا"؛ حيث كان هناك توجّه أميركي إلى دعم الأكراد بالسلاح والعتاد، ولئلا يحدث صدمة لدى الرأي العام، بخصوص تقديم الدعم للأكراد فقط، شكّلوا "قوات سوريا الديمقراطية"، وكان السلاح يُرسل إلى هذا التشكيل الجديد، قبل إعلانه بتسميته هذه.
ومما كشفه سلو أن المبعوث الأميركي للتحالف الدولي ضد "داعش" بريت ماكغورك، هو مَن كان يضع هذه الأفكار، ففي أثناء عمليات تحرير الرقة، طلب تشكيل قوة باسم التحالف العربي، وتمثلت مهمة هذه القوات فقط في تسلّم الأسلحة. وتم تسلّم كميات كبيرة من الأسلحة بالفعل، ولم توزّع على العرب والتركمان والسريان فعلياً سوى أسلحة خفيفة. وحمل التحالف اسم العرب، إلا أنّه لم يملك شيئاً، والمجلس العسكري لدير الزور (يتبع "قسد")، كانت مهمته التوقيع فقط.
الواضح أن واشنطن عندما اتخذت الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني التركي حليفاً لها في الحرب على "داعش"، أطلقت عليه تسمية قوات سوريا الديمقراطية، بعد أن أدخلت فيه وجوهاً عربية، لا تملك من أمرها شيئاً، بهدف إعطائه طابعاً سورياً شاملاً، أمام الإعلام والرأي العام العالمي، وأيضاً من جهة إضفاء شرعية، باعتباره طرفاً سورياً معارضاً.
ومن جهة ثانية، لإلغاء كل ماضي الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني، وإلباسه ثوباً جديداً لتسويقه دولياً، وهذا ما بات واضحاً عندما مارست أميركا ضغوطاً على وفد الهيئة العليا للمفاوضات، في جولات جنيف أخيراً، في محاولات لإشراك تلك التوليفة في محادثات جنيف السورية، وبات معروفاً أن ذريعة محاربة "داعش" في تشكيل هذه المجموعة لا تنطلي على أحد، فلو اختارت واشنطن أي فصيل سوري ودعمته، لاستطاع أيضاً محاربة الإرهاب.
ليس خافياً على أحد أطماع بعض أكراد سوريا إلى إيجاد تواصل جغرافي بين منطقة عفرين وبقية المناطق السورية التي ينتشرون فيها، ما من شأنه إقامة حزامٍ يفصل تركيا عن كامل أراضي الجمهورية العربية السورية، خصوصاً مدينة حلب، ذات الأهمية الاستراتيجية الكبرى، وهو ما يشكل تهديداً واضحاً لوحدة أراضي سوريا، ويهدد، في الوقت نفسه، أمن تركيا القومي. وسريعاً ما أثار الإعلان الأميركي عن تسليح مجموعة جديدة، بمسمى جديد، غضب تركيا.
تدرك واشنطن جيداً مخاوف أنقرة؛ لذلك كانت دوماً تراوغ، وتعمل على تضليل حليفتها تركيا، كما سبق عندما قدمت تطميناتٍ بأن نسبة القوات الكردية المشاركة في "قوات سوريا الديمقراطية" التي شاركت في معركة منبج لا تزيد عن الخُمُس، لكن الأتراك ومعظم السوريين يعلمون جيداً أن التركيبة الفعلية لهذه المجموعة المسلّحة مغايرة لما يقدّمه الأميركيون من معلومات.
ووجدت واشنطن من الأطماع الكردية في سوريا فرصةً لاستكمال ما بدأته سابقاً في العراق، على الرغم من أن هناك اختلافاً كبيراً بين البلدين، ولا سيما فيما يخص العامل الكردي.
ثمة حديث يدور حول أن الأكراد في سوريا يشكلون القومية الثانية، وقد يكون هذا كلام حق يُراد به باطل؛ لإسقاط الحالة الكردية في شمال العراق على أكراد سوريا، من دون الأخذ بالاعتبار فوارق كبيرة بين الحالتين، وهي أنهم في سوريا لا يمتلكون المقومات التي لدى نظرائهم شمالي العراق، ديموغرافياً وجغرافياً.
وسبق أن أشار المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، إلى أن نسبة أكراد سوريا 5%، ولا تمتلك أي تواصل جغرافي بين المناطق الرئيسية التي تقطنها (القامشلي - عين العرب - عفرين)، بالإضافة إلى أنه، حتى المناطق التي هي فيها أكثرية، لا تشكل أغلبية مطلقة.
ومن هنا، تلاقت مصالح واشنطن مع الأطماع التي وجدت فرصة تاريخية من خلال الفوضى التي اجتاحت سوريا، بظهور تنظيمات إرهابية متطرفة، للتقدم ووراثة الأراضي التي كانت تحت سيطرة "داعش"، إلا أنهم توسعوا أكثر من إمكاناتهم، وبشكل يتجاوز حجمهم الحقيقي، وفي مناطق عربية تاريخياً، مثل مدينة منبج، وأخرى ليس لهم أي وجود فيها على الإطلاق قبل حرب "داعش"، مثل مدينة تل رفعت وبلدات أخرى محيطة.
ومن سوء حظ واشنطن أن وجود أي مجموعات مسلحة (يخدم مصالحها) معارضة لدمشق على أراضي سوريا لا يخدم موسكو.
وهذا يجعل عملية غصن الزيتون التركية في عفرين تسعد موسكو، فهي لا تريد أن تدعم، وبشكل علني، أي محاولات لإيقاف التمدد الانفصالي، ولا سيما أنهم يقفزون بين الحبال، ويخدمون أهداف أميركا أكثر من روسيا.
كما يعد اليوم غياب "داعش" عامل انتفاء لحاجة واشنطن الكبيرة لهم، فهي بحاجة قوة لتنفذ مخططاتها، وليس لكيان مصطنع تحرسه أميركا في وسط محيطٍ، بات رافضاً له، بعد انكشاف نواياهم، ولا سيما في ظل إصرار تركي على وحدة أراضي سوريا، وعدم التراجع أمام ما يهدد أمنها القومي.
يبقى القول: إن أي تقسيم أو فدرلة في سوريا هو بمثابة قنبلة موقوتة، ستطال كامل دول المنطقة، ولاحقاً روسيا، فنحن في جغرافيا تتداخل مع التاريخ، ويختلط فيها ما هو ديني بما هو عرقي.
- تم نشر هذه التدوينة في موقع العربي الجديد
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/basel-elhaj-gasem/story_b_19183590.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات