إبراء للذمة
عدت إلى مذكرات الأستاذ سالم الفلاحات بعد سنة من قراءتي الأولى لها، وكنت قد تمنيت في تعليقي الأول عليها أن يستفيد منها الإسلاميون الحركيون، وخاصة الإخوان في الأردن وفلسطين.
كما تمنيت على الدارسين المعنيين بتقدم الحركات الإسلامية قراءتها مرات عديدة، والعكوف عليها للاستفادة من هذه التجربة التي بدأت بالإخوان المسلمين، وانتهت إلي شيء أقرب إلى الإخوة الأعداء، وهنا أثني على ما فعله أبو هشام الذي لم نعتد من جماعته كتابة تاريخهم، رغم أن هذه أمانة مطلوب أن تستفيد منها الأجيال.
على أنني أرجح أن يكون أبو هشام قد كتب إبراء لذمته في وقت ناله الكثير من التشويه الذي يؤسف له، ومن أشد الأسف أن تكون قضية فلسطين التي اتخذتها أنظمة عربية ستاراً لاستمرار حالة الطوارئ وتكميم الأفواه أصبحت عند الإخوان أيضا ستاراً للصراع على السلطة في الجماعة، والحقيقة أن الكتاب مع ميله لتفهم الاتجاهات المتعارضة داخل حركة الإخوان في الأردن، إلا أنه ذكر ما لأي أحد وما عليه في ظني بحياد مقبول.
وقبل أن أعلن أنني سمعت مقتطفات من هنا وهناك عما كان يجري وراء الكواليس وجدت أنني بعد قراءة كتاب الأستاذ سالم مطمئن إلى روايته هو للأحداث، رغم أنني أقر أنني لا أعرف عن هذه الشئوون الكثير، التقيت الأستاذ سالم في مناسبات عدد أصابع اليد وحظيت في معظمها بحوار ثري مع الرجل، وانطباعي الذي بقي أن الرجل شديد الدماثة والتواضع، ورغم أن ذلك شيء قد يشترك فيه مع معظم من هم في موقعه، إلا أنك تحس أن هذه الصفات أصيلة في الرجل لا يدخلها أي تكلف، ولكن أبو هشام يتميز عن الآخرين بجاذبية آسرة تجعلك تحبه، وترتاح لحديثه، ولا يعني هنا أنني إذ أطمئن إلى روايته أن لي رأياً سلبياً بالضرورة في التيار الآخر، فقد التقيت مثلاً الأستاذ زكي بني رشيد في مناسبات شبيهة، ولفت نظري بأنه يملك رؤية واضحة للسياسة الإقليمية والمحلية يفتقر لمثلها كثير من المشايخ الذين يتصدرون للحديث باسم الحركة الإسلامية في الأردن.
وبالطبع حين تحاور الأستاذ سالم الفلاحات، فإنك تجد أنه رغم تأهيله الشرعي المشيخي، إلا أنه يتميز بوعيه السياسي وثقافته التي تنعكس إيجاباً على تفكيره السياسي والمجتمعي مع وعي لأهمية التخطيط ووضوح الرؤية وضرورتها للحركات الإسلامية.
يبدأ الكتاب بمقدمة ليست طويلة عن حركة الإخوان في الأردن، ثم يفصل ما قام به في الفترة القصيرة التي كان فيها مراقباً عاماً، وألحظ توجهه للانفتاح على تيارات المجتمع ونشاطه الكبير فيه، ما أظن أن نشاطه وتوجهه في موضوع توسيع دور جماعته في المجتمع كان متميزاً عن كل من سبقه ومن تلاه من قادة، ويبدو في الخطابات التي نقلها ومراسلاته أنه يمتلك أسلوباً أدبياً راقياً يطعمه بالآيات والأحاديث والأشعار، من غير أن يحيد عن وضوح فكرته، وللأسف فقد انتهت فترته كما انتهت فترات المراقبين قبله بما يشبه الانقلاب، ولكن الرجل لم يقض في موقعه إلا سنتين ولم يأخذ فرصته، وأجزم أنه لو كان أحد في غير تواضعه ونكرانه لذاته لما أمكن إخراجه من موقعه بمثل السهولة التي تخلى فيها الرجل عن موقعه، فغيره قضى عقوداً من الزمن، وفي عهد أبو هشام حدثت تطورات إيجابية في التشريعات الداخلية التنظيمية عند الإخوان، مثل فصل رئاسة مجلس الشوري عن المراقب، وكذلك تعزيز استقلالية القضاء داخل الحركة، وللأسف فإن جهد الرجل الذي تفانى فيه بعد تركه موقع المراقب، والذي كان غزيراً وحكيماً واصلاحياً وملحاحاً فسره على أن الرجل يدرك ثأره ممن أخرجه من موقع المراقب، وما رحموا الرجل الذي كان يتقطع ألماً على الإخوان الذين تحولوا من إخوان مسلمين إلى الإخوة الأعداء، جاء الكتاب هذا ليقول الرجل كلمته للتاريخ.
الذين قرأوا كثيراً في تاريخ حركة الإخوان يلحظون أنهم عبر تاريخهم لم يحلوا أي صراع على السلطة أو على غيرها بينهم بطريقة حميدة، وأنت تستغرب من حركة تنسب نفسها للإسلام وتقول إنها جماعة تربوية وتراثها التربوي حافل بالتزهيد في السلطة، والحث على الابتعاد عن الهوى المتبع، وعن إعجاب كل برأيه، وأنت هنا ترى وفي غير هذا الموضع أيضاً أن الصراعات بينهم لم تكن إلا محتقنة بالهوى والحرص على السلطة، وباستخدام النفوذ الذي تعطيه مواقع البعض في المؤسسات التي يقيمونها، مما يتيح للبعض مقايضة المال والنفوذ، وتستغرب ما يحدث لهم، فعندما يدخل أحد إلى تنظيمهم يمتلئ قلبه بقراءة القرآن والمأثورات والحرص على الطاعات، وهؤلاء يبقون من أفضل الناس في المجتمع، لكن بعضهم تدخل عليه طفرات تجعله قادراً على فنون المعاريض، وتأويل الكلام المقدس في القرآن والحديث والتورية.
وكم عجبت من أساليب هؤلاء -وقد أشار الكتاب إليها- فهو عند المواجهة يأتيك بنصف الحقيقة، أما النصف الآخر فهو تعاريض وتورية وتأويل، وأنت تعجب فلا تستطيع أن تقول إن ذلك كذب ولكنه بعيد عن الحقيقة، فإذا استنتجت ما هو واضح من مجافاة للحقيقة، كنت الملوم... وجاءك الكلام المعلب الذي لا يراد به أحياناً إلا إعاقة الإصلاح مثلاً.....
الصحابة اقتتلوا في صفين، وكيف تدخل إلى النوايا وترتكب ظن السوء؟! وفيما عرضه أبو هشام الكثير، والغريب أن هذا ليس جديداً.. فما نُقل في الكتاب عن عبد الله عزام الذي لقي ربه شهيداً من ربع قرآن شهادة تدين هذه الفئة المتنفذة في إخوان الأردن حتى لكأنك ترى أن عزام لم يترك الأردن -وكان سهلاً عليه أن ينطلق نحو فلسطين- إلا هرباً من هؤلاء الإخوان لا هرباً من النظام ولا من الجاهلية.
هل وصلنا إلى النهاية؟
تمنيت يوم قرأت المذكرات على أبو هشام أن يتابع الجهد المميز والأدبيات التي نتجت عن جهده في اللجنة المركزية للإصلاح، التي هدفت إلى أن تخرج ربيعاً أردنياً لا عنف فيه ولا دماء، بل تنتج دستوراً وبناءً ومجتمعاً متماسكاً، بل قلت إن متابعة هذا الهدف أمانة في عنق الأستاذ سالم لا بد أن يكملها، وعقبت يومها بأن الميكانيكيات القديمة التي أخطأت الهدف أولاً لا يمكن الاعتماد عليها؛ إذ لا بد من التحرر من كهنة التنظيم، لكي لا تتعثر ثانية.
وإنني أرى اليوم الأستاذ الفلاحات بين المؤسسين لحزب الشراكة والإنقاذ، ولن أستغرب أن يكون هو العقل المفكر وهذا فعل طيب؛ إذ يبدو لي أنه وكالعادة لم تقم حركة الإخوان بالاستفادة من مراجعات الأستاذ الفلاحات، فضلاً عن الاستجابة لها، وهنا كان لا بد للفكر النير والجهد أن ينطلق ليحقق ما يؤمل منه، ولا يمكن أن أفسر تباعد الرجل عن أن يكون في المقعد الأول للحزب إلا دفعاً لتهمة سيلقيها القاعدون عليه؛ ليقولوا إنه يتطلع لرئاسة، ويعلمون في قرارة أنفسهم أنه ليس ذلك الرجل الباحث عن الأضواء.
ولعل هذا الحزب يسير إلى نفس النجاح الذي حققته كل الأحزاب الإسلامية التي خرجت من رحم حركاتها الأصلية، كما حدث في تركيا، استفادت هذه الأحزاب من تجربة الحركة الأم، وتخففت مما أثقل الحركات الأصلية من أخطاء، وما احتشد عليها من أعداء، واستفادت من مساحة الاجتهاد التي تتيحها لها الموازنات الشرعية الصحيحة وفقه المقاصد الشرعية، تلك المقاصد التي استفاد منها المغاربة في اجتهاداتهم السياسية.
إن الديناميكية الاجتهادية التي أدت إلى توالد تجارب حزبية ناجحة من تجارب حزبية لم تحقق أهدافها رغم ما كان كان لها من فضل التأسيس، لكنها افتقرت إلى الدراية في التعامل مع الواقع.
هذه الديناميكية هي ما حرمت حركة الإخوان المسلمين نفسها منه، وقد نشأ هذا للأسف عن فهم مغلوط أُسبغ فيها على الحزب -وهو وسيلة- قداسة الفكرة الأصلية الممتدة من الإسلام، ولعل التاريخ يذكر للأستاذ الفلاحات إكسابه حركة الإخوان في الأردن هذه السنة الحسنة.
وهذا لعمري أفضل كثيراً مما يفعله معظم الآخرين بالاستمرار في صراع ضارٍ على السلطة داخل الحركة، واستخدام تقنية الكولسات الشهيرة عند الحركات الإسلامية.
و أخيراً:
زامن الانتقال إلى الحزب الجديد صدور كتاب الأستاذ الفلاحات الجديد -الذي تلا المذكرات- المعنون إضاءات ومراجعات لمسيرة حركة الإخوان في الأردن.
وهو كتاب مهم للعاملين في الحقل الإسلامي، فهو يؤصل للمراجعة والتجديد شرعياً وواقعياً، ويعرض تجارب التجديد الإسلامية المختلفة، وخاصة في الحركات التي امتثلت للفصل ما بين العمل الدعوي والعمل السياسي، مثلما هو الحال في تركيا وتونس والمغرب.
كتاب مهم أرجو أن يتدارسه الإخوان في الأردن مدارسة طالب الصواب، لا مدارسة الباحث عن الأخطاء المتهم للنوايا.
غفر الله للأستاذ الفلاحات ولنا ولهم ولكل من يستحق المغفرة بكرم الله وسعة مغفرته.
عدت إلى مذكرات الأستاذ سالم الفلاحات بعد سنة من قراءتي الأولى لها، وكنت قد تمنيت في تعليقي الأول عليها أن يستفيد منها الإسلاميون الحركيون، وخاصة الإخوان في الأردن وفلسطين.
كما تمنيت على الدارسين المعنيين بتقدم الحركات الإسلامية قراءتها مرات عديدة، والعكوف عليها للاستفادة من هذه التجربة التي بدأت بالإخوان المسلمين، وانتهت إلي شيء أقرب إلى الإخوة الأعداء، وهنا أثني على ما فعله أبو هشام الذي لم نعتد من جماعته كتابة تاريخهم، رغم أن هذه أمانة مطلوب أن تستفيد منها الأجيال.
على أنني أرجح أن يكون أبو هشام قد كتب إبراء لذمته في وقت ناله الكثير من التشويه الذي يؤسف له، ومن أشد الأسف أن تكون قضية فلسطين التي اتخذتها أنظمة عربية ستاراً لاستمرار حالة الطوارئ وتكميم الأفواه أصبحت عند الإخوان أيضا ستاراً للصراع على السلطة في الجماعة، والحقيقة أن الكتاب مع ميله لتفهم الاتجاهات المتعارضة داخل حركة الإخوان في الأردن، إلا أنه ذكر ما لأي أحد وما عليه في ظني بحياد مقبول.
وقبل أن أعلن أنني سمعت مقتطفات من هنا وهناك عما كان يجري وراء الكواليس وجدت أنني بعد قراءة كتاب الأستاذ سالم مطمئن إلى روايته هو للأحداث، رغم أنني أقر أنني لا أعرف عن هذه الشئوون الكثير، التقيت الأستاذ سالم في مناسبات عدد أصابع اليد وحظيت في معظمها بحوار ثري مع الرجل، وانطباعي الذي بقي أن الرجل شديد الدماثة والتواضع، ورغم أن ذلك شيء قد يشترك فيه مع معظم من هم في موقعه، إلا أنك تحس أن هذه الصفات أصيلة في الرجل لا يدخلها أي تكلف، ولكن أبو هشام يتميز عن الآخرين بجاذبية آسرة تجعلك تحبه، وترتاح لحديثه، ولا يعني هنا أنني إذ أطمئن إلى روايته أن لي رأياً سلبياً بالضرورة في التيار الآخر، فقد التقيت مثلاً الأستاذ زكي بني رشيد في مناسبات شبيهة، ولفت نظري بأنه يملك رؤية واضحة للسياسة الإقليمية والمحلية يفتقر لمثلها كثير من المشايخ الذين يتصدرون للحديث باسم الحركة الإسلامية في الأردن.
وبالطبع حين تحاور الأستاذ سالم الفلاحات، فإنك تجد أنه رغم تأهيله الشرعي المشيخي، إلا أنه يتميز بوعيه السياسي وثقافته التي تنعكس إيجاباً على تفكيره السياسي والمجتمعي مع وعي لأهمية التخطيط ووضوح الرؤية وضرورتها للحركات الإسلامية.
يبدأ الكتاب بمقدمة ليست طويلة عن حركة الإخوان في الأردن، ثم يفصل ما قام به في الفترة القصيرة التي كان فيها مراقباً عاماً، وألحظ توجهه للانفتاح على تيارات المجتمع ونشاطه الكبير فيه، ما أظن أن نشاطه وتوجهه في موضوع توسيع دور جماعته في المجتمع كان متميزاً عن كل من سبقه ومن تلاه من قادة، ويبدو في الخطابات التي نقلها ومراسلاته أنه يمتلك أسلوباً أدبياً راقياً يطعمه بالآيات والأحاديث والأشعار، من غير أن يحيد عن وضوح فكرته، وللأسف فقد انتهت فترته كما انتهت فترات المراقبين قبله بما يشبه الانقلاب، ولكن الرجل لم يقض في موقعه إلا سنتين ولم يأخذ فرصته، وأجزم أنه لو كان أحد في غير تواضعه ونكرانه لذاته لما أمكن إخراجه من موقعه بمثل السهولة التي تخلى فيها الرجل عن موقعه، فغيره قضى عقوداً من الزمن، وفي عهد أبو هشام حدثت تطورات إيجابية في التشريعات الداخلية التنظيمية عند الإخوان، مثل فصل رئاسة مجلس الشوري عن المراقب، وكذلك تعزيز استقلالية القضاء داخل الحركة، وللأسف فإن جهد الرجل الذي تفانى فيه بعد تركه موقع المراقب، والذي كان غزيراً وحكيماً واصلاحياً وملحاحاً فسره على أن الرجل يدرك ثأره ممن أخرجه من موقع المراقب، وما رحموا الرجل الذي كان يتقطع ألماً على الإخوان الذين تحولوا من إخوان مسلمين إلى الإخوة الأعداء، جاء الكتاب هذا ليقول الرجل كلمته للتاريخ.
الذين قرأوا كثيراً في تاريخ حركة الإخوان يلحظون أنهم عبر تاريخهم لم يحلوا أي صراع على السلطة أو على غيرها بينهم بطريقة حميدة، وأنت تستغرب من حركة تنسب نفسها للإسلام وتقول إنها جماعة تربوية وتراثها التربوي حافل بالتزهيد في السلطة، والحث على الابتعاد عن الهوى المتبع، وعن إعجاب كل برأيه، وأنت هنا ترى وفي غير هذا الموضع أيضاً أن الصراعات بينهم لم تكن إلا محتقنة بالهوى والحرص على السلطة، وباستخدام النفوذ الذي تعطيه مواقع البعض في المؤسسات التي يقيمونها، مما يتيح للبعض مقايضة المال والنفوذ، وتستغرب ما يحدث لهم، فعندما يدخل أحد إلى تنظيمهم يمتلئ قلبه بقراءة القرآن والمأثورات والحرص على الطاعات، وهؤلاء يبقون من أفضل الناس في المجتمع، لكن بعضهم تدخل عليه طفرات تجعله قادراً على فنون المعاريض، وتأويل الكلام المقدس في القرآن والحديث والتورية.
وكم عجبت من أساليب هؤلاء -وقد أشار الكتاب إليها- فهو عند المواجهة يأتيك بنصف الحقيقة، أما النصف الآخر فهو تعاريض وتورية وتأويل، وأنت تعجب فلا تستطيع أن تقول إن ذلك كذب ولكنه بعيد عن الحقيقة، فإذا استنتجت ما هو واضح من مجافاة للحقيقة، كنت الملوم... وجاءك الكلام المعلب الذي لا يراد به أحياناً إلا إعاقة الإصلاح مثلاً.....
الصحابة اقتتلوا في صفين، وكيف تدخل إلى النوايا وترتكب ظن السوء؟! وفيما عرضه أبو هشام الكثير، والغريب أن هذا ليس جديداً.. فما نُقل في الكتاب عن عبد الله عزام الذي لقي ربه شهيداً من ربع قرآن شهادة تدين هذه الفئة المتنفذة في إخوان الأردن حتى لكأنك ترى أن عزام لم يترك الأردن -وكان سهلاً عليه أن ينطلق نحو فلسطين- إلا هرباً من هؤلاء الإخوان لا هرباً من النظام ولا من الجاهلية.
هل وصلنا إلى النهاية؟
تمنيت يوم قرأت المذكرات على أبو هشام أن يتابع الجهد المميز والأدبيات التي نتجت عن جهده في اللجنة المركزية للإصلاح، التي هدفت إلى أن تخرج ربيعاً أردنياً لا عنف فيه ولا دماء، بل تنتج دستوراً وبناءً ومجتمعاً متماسكاً، بل قلت إن متابعة هذا الهدف أمانة في عنق الأستاذ سالم لا بد أن يكملها، وعقبت يومها بأن الميكانيكيات القديمة التي أخطأت الهدف أولاً لا يمكن الاعتماد عليها؛ إذ لا بد من التحرر من كهنة التنظيم، لكي لا تتعثر ثانية.
وإنني أرى اليوم الأستاذ الفلاحات بين المؤسسين لحزب الشراكة والإنقاذ، ولن أستغرب أن يكون هو العقل المفكر وهذا فعل طيب؛ إذ يبدو لي أنه وكالعادة لم تقم حركة الإخوان بالاستفادة من مراجعات الأستاذ الفلاحات، فضلاً عن الاستجابة لها، وهنا كان لا بد للفكر النير والجهد أن ينطلق ليحقق ما يؤمل منه، ولا يمكن أن أفسر تباعد الرجل عن أن يكون في المقعد الأول للحزب إلا دفعاً لتهمة سيلقيها القاعدون عليه؛ ليقولوا إنه يتطلع لرئاسة، ويعلمون في قرارة أنفسهم أنه ليس ذلك الرجل الباحث عن الأضواء.
ولعل هذا الحزب يسير إلى نفس النجاح الذي حققته كل الأحزاب الإسلامية التي خرجت من رحم حركاتها الأصلية، كما حدث في تركيا، استفادت هذه الأحزاب من تجربة الحركة الأم، وتخففت مما أثقل الحركات الأصلية من أخطاء، وما احتشد عليها من أعداء، واستفادت من مساحة الاجتهاد التي تتيحها لها الموازنات الشرعية الصحيحة وفقه المقاصد الشرعية، تلك المقاصد التي استفاد منها المغاربة في اجتهاداتهم السياسية.
إن الديناميكية الاجتهادية التي أدت إلى توالد تجارب حزبية ناجحة من تجارب حزبية لم تحقق أهدافها رغم ما كان كان لها من فضل التأسيس، لكنها افتقرت إلى الدراية في التعامل مع الواقع.
هذه الديناميكية هي ما حرمت حركة الإخوان المسلمين نفسها منه، وقد نشأ هذا للأسف عن فهم مغلوط أُسبغ فيها على الحزب -وهو وسيلة- قداسة الفكرة الأصلية الممتدة من الإسلام، ولعل التاريخ يذكر للأستاذ الفلاحات إكسابه حركة الإخوان في الأردن هذه السنة الحسنة.
وهذا لعمري أفضل كثيراً مما يفعله معظم الآخرين بالاستمرار في صراع ضارٍ على السلطة داخل الحركة، واستخدام تقنية الكولسات الشهيرة عند الحركات الإسلامية.
و أخيراً:
زامن الانتقال إلى الحزب الجديد صدور كتاب الأستاذ الفلاحات الجديد -الذي تلا المذكرات- المعنون إضاءات ومراجعات لمسيرة حركة الإخوان في الأردن.
وهو كتاب مهم للعاملين في الحقل الإسلامي، فهو يؤصل للمراجعة والتجديد شرعياً وواقعياً، ويعرض تجارب التجديد الإسلامية المختلفة، وخاصة في الحركات التي امتثلت للفصل ما بين العمل الدعوي والعمل السياسي، مثلما هو الحال في تركيا وتونس والمغرب.
كتاب مهم أرجو أن يتدارسه الإخوان في الأردن مدارسة طالب الصواب، لا مدارسة الباحث عن الأخطاء المتهم للنوايا.
غفر الله للأستاذ الفلاحات ولنا ولهم ولكل من يستحق المغفرة بكرم الله وسعة مغفرته.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/saleh-alshahri/-_14974_b_19217748.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات