العمل السياسي هو بأبسط تعبير وأكثره مباشرة الامتثال المعاصر لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما سُئل عن أي الجهاد أفضل؟ فقال: (كلمة حق عند سلطان جائر) رواه النسائي.
والشهادة في سبيل الله فيه بإخلاص هي أعظم الشهادة، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله) رواه الحاكم.
ولا يُلتفت بعد ذلك لآراء أئمة الانبطاح والجبن والخور، الذين يتحدثون عن الحكام وكأنهم آلهة تُعبَد من بعد الله، أو حتى من قبله.
أصحاب فقه العبودية الذين يتصيدون النصوص ويرمونها ببعضها من أجل أن ينتصروا لفقههم المهزوم الساقط في الخضوع للحاكم والسمع والطاعة له وعدم مناصحته إلا في السر، وعدم الخروج عليه ومنازعته الأمر مهما طغى وبغى.
لقد أدرك الإمام حسن البنا اللحظة التي وُجد فيها، والحاجة التي تحتاجها الأمة حينها، فأعلن عن مهمته ومهمة حركته الأولى، مهمة العمل السياسي بشقيه؛ النصح لأولي الأمر لإصلاح ما يمكن إصلاحه، والعمل الحزبي والنيابي من أجل الوصول لسدة الحكم لتطبيق المشروع الإسلامي كاملاً بكل تفصيلاته وجزئياته.
وقد سارت الحركة الإسلامية على طريق مؤسسها، فما حادت ولا زاغت، وما زالت في طريق نضالها السياسي للإصلاح والتغيير، تكسب في يوم أرضاً، وتخسر في يوم أرضاً، ويستمر السير ويستمر المنهج، حتى يأذن الله بالتمام، فإن لم يأذن فلا ضير، فإنه ليوفي الأجر على العمل، سواء أدى العمل لنتيجة أو لم يؤدّ، وهذا من تمام عفو الله ورحمته بالناس.
وفي النظر للجماعات الإسلامية ومناهجها ووظائفها، نرى كأنما تقاسمت هذه الجماعات وظائف الإسلام فيما بينها، فأخذ بعضها وظيفة الدعوة إلى الإيمان الصافي والتعلق بالله، وأخذ بعضها وظيفة نشر العلم الشرعي ومحاربة البدع، وأخذ بعضها وظيفة العمل الخدمي والاجتماعي، وأخذ بعضها وظيفة الجهاد والعمل النضالي.
وأخذت الحركة الإسلامية التي أسسها حسن البنا على عاتقها كل ذلك، أو حاولته جميعاً قدر طاقتها وجهدها وفتح الله لها.
لكن تبقى السمة الأبرز للحركة الإسلامية، وتبقى الوظيفة الأكبر لها، ويبقى تفرّدها عن بقية الجماعات متمثلاً في العمل السياسي والحزبي والنضال القانوني والدستوري والشعبي من أجل الإصلاح والتغيير.
ودفعت الحركة لأجل ذلك أثماناً باهظة، من دمائها وأعمارها وأموالها، ولقد ظهر إلى حد كبير أن مواجهة العدو الخارجي بالجهاد والنضال المسلح هي أقل كلفة وأقصر زمناً من مواجهة أعداء الأمة من أنظمة طاغوتية عميلة وخانعة لهذا العدو الخارجي.
فطغيان هذه الأنظمة وجرائمها أكبر بكثير مما فعله العدو الخارجي، وزمن معركتها أطول، فها هي السنون والعقود تمر، ولا تزال الشعوب العربية والإسلامية تئن تحت وطأتها، فلا هي انصلحت بالنصح والإرشاد، ولا هي قبلت بالتغيير عندما خرجت عليها جموع الناس في الربيع العربي، بل خططت وحبكت المؤامرات ضد حراك الشعوب، وحولت ربيعهم إلى خريف، لكنه خريف أشد قسوة من كل الخريف الذي عاشوه طوال تاريخهم الحديث، فأحدثت فيهم المجازر التي لم تحدث من قبل، واستعانت عليهم بالعدو الخارجي لقصفهم وتدميرهم، فأنتجت لنا أكبر مجزرة لمعتصمين سلميين في التاريخ الحديث في مصر، وأكبر شعب لاجئ في التاريخ الحديث في سوريا، وأكبر مجاعة وانتشار للأوبئة في العالم في اليمن.
تبعة ثقيلة حملتها الحركة الإسلامية بحملها للعمل السياسي، تبعة ثقيلة لها ثمنها؛ بل أثمانها.
لكن سيبقى للحركة دورها وأجرها لسدها لهذا الثغر الكبير من ثغور الإسلام، وسيبقى دورها دوراً أكبر في العمل الإسلامي كله، وهو كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أعظم الجهاد.
وكما قال أحد أقطاب السلفية لصديق يوماً: (يا بني، إذا عادت الخلافة الإسلامية يوماً، فلن تعود إلا على يد الحركة الإسلامية...الإخوان المسلمين؛ لأن هذا هو العمل الذي نذرت نفسها له، وهو العمل الذي لا ينافسها فيه غيرها، بل ولا ويحمله معها غيرها).
غير أن العمل السياسي له سلبياته كذلك على الحركة الإسلامية، وتتمثل سلبياته في أكثر من مسألة.
فمن ناحية نرى أن العمل السياسي قد شغل الحركة الإسلامية شغلاً كبيراً، بحيث لم يترك مساحة لها لتُشغل بغيره كما ينبغي، فوجدنا أن الحركة التي كانت قد حددت لنفسها نهجاً شاملاً للعمل الإسلامي يجمع بين كل فروعه المختلفة (الدعوية والتربوية والعلمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية) قد تحولت إلى حد كبير إلى حركة سياسية أشبه بالحزب السياسي، وتضاءلت كل وظائفها الأخرى إلى حد يُخشى معه التلاشي لبعضها.
كما أن العمل السياسي يتطلب إلى حد كبير مرونة يُخشى معها في كثير من القضايا التنازل عن الأصول والثوابت، وعدم الوضوح والقطع، من أجل المراوغة السياسية، أو محاولة كسب جديد، أو دفع لعداوة البعض وهجومه وتشويهه.
وقد صنع العمل السياسي انشقاقات كثيرة في جسم الحركة الإسلامية؛ لأن العمل السياسي قرين بالظهور والحضور الإعلامي والشعبي، مما يجعل النفوس تتوق إلى الصدارة فيه، وهذا مما يصنع التنافس بين القيادات، إلى حد التعادي والتآمر، عندما يحبك الشيطان حبكته، وتستسلم النفوس تحت وطأة الرغبة والهوى والشهوة.
وأكثر صور هذه النقطة دمامة، أن ترى في البلد الواحد أكثر من كيان للحركة، وجميعها يعمل بالسياسة، في ظل أجواء من التنافس والتعادي والتشويه، إلى حد أن يكونوا أقرب للتيارات العلمانية واليسارية في العمل والتحالف والتنسيق أكثر من قربهم لبعضهم البعض.
وقد ملأ العمل السياسي ومتابعته على أفراد الحركة الإسلامية حياتهم، وشغلهم عن تربية النفوس وتهذيبها، وعبادة الله والتقرب منه بالفرائض والنوافل، حتى رأينا أجيالاً جديدة في الحركة الإسلامية أقرب ما يكون إلى جماهير الأحزاب السياسية غير الإسلامية، فلا عبادة لهم، ولا خُلق لهم، ولا يعطي مظهرهم ومخبرهم أي إشارة لإسلاميتهم، لا من قريب ولا من بعيد.
وأخيراً صنع العمل السياسي ملحمة من التضحية عاشتها الحركة الإسلامية على مدار تاريخها، ولا تخرج من صفحة لهذه الملحمة إلا دخلت صفحة أخرى، وأكلت هذه الملحمة المستمرة الأعمار والجهود والأموال، وأعادت الأقدام خطوات إلى الوراء كلما خطتها إلى الأمام، فعندما ننظر إلى مستقبل الحركة الإسلامية الآن، نرى كأنها لا تزال في بدايتها في مواقع كثيرة وأماكن كثيرة.
ملحمة دموية عاشتها ولا تزال، حجبت عنها كثيراً من العقول، وأرجفت منها كثيراً من القلوب، وصنعت بينها وبين الكثير من الناس حواجز من الجبن والخوف والخشية.
سيبقى العمل السياسي عملاً كبيراً للحركة الإسلامية، ويبقى سدّاً لثغر عظيم من ثغور الإسلام، وتبقى تبعته وتكلفته باهظة، وتبقى المخاوف والمحاذير فيه كثيرة، ويبقى الأجر والثواب فيه عظيماً، إذا ما خلصت فيه النوايا، واستقام فيه السير.
والشهادة في سبيل الله فيه بإخلاص هي أعظم الشهادة، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله) رواه الحاكم.
ولا يُلتفت بعد ذلك لآراء أئمة الانبطاح والجبن والخور، الذين يتحدثون عن الحكام وكأنهم آلهة تُعبَد من بعد الله، أو حتى من قبله.
أصحاب فقه العبودية الذين يتصيدون النصوص ويرمونها ببعضها من أجل أن ينتصروا لفقههم المهزوم الساقط في الخضوع للحاكم والسمع والطاعة له وعدم مناصحته إلا في السر، وعدم الخروج عليه ومنازعته الأمر مهما طغى وبغى.
لقد أدرك الإمام حسن البنا اللحظة التي وُجد فيها، والحاجة التي تحتاجها الأمة حينها، فأعلن عن مهمته ومهمة حركته الأولى، مهمة العمل السياسي بشقيه؛ النصح لأولي الأمر لإصلاح ما يمكن إصلاحه، والعمل الحزبي والنيابي من أجل الوصول لسدة الحكم لتطبيق المشروع الإسلامي كاملاً بكل تفصيلاته وجزئياته.
وقد سارت الحركة الإسلامية على طريق مؤسسها، فما حادت ولا زاغت، وما زالت في طريق نضالها السياسي للإصلاح والتغيير، تكسب في يوم أرضاً، وتخسر في يوم أرضاً، ويستمر السير ويستمر المنهج، حتى يأذن الله بالتمام، فإن لم يأذن فلا ضير، فإنه ليوفي الأجر على العمل، سواء أدى العمل لنتيجة أو لم يؤدّ، وهذا من تمام عفو الله ورحمته بالناس.
وفي النظر للجماعات الإسلامية ومناهجها ووظائفها، نرى كأنما تقاسمت هذه الجماعات وظائف الإسلام فيما بينها، فأخذ بعضها وظيفة الدعوة إلى الإيمان الصافي والتعلق بالله، وأخذ بعضها وظيفة نشر العلم الشرعي ومحاربة البدع، وأخذ بعضها وظيفة العمل الخدمي والاجتماعي، وأخذ بعضها وظيفة الجهاد والعمل النضالي.
وأخذت الحركة الإسلامية التي أسسها حسن البنا على عاتقها كل ذلك، أو حاولته جميعاً قدر طاقتها وجهدها وفتح الله لها.
لكن تبقى السمة الأبرز للحركة الإسلامية، وتبقى الوظيفة الأكبر لها، ويبقى تفرّدها عن بقية الجماعات متمثلاً في العمل السياسي والحزبي والنضال القانوني والدستوري والشعبي من أجل الإصلاح والتغيير.
ودفعت الحركة لأجل ذلك أثماناً باهظة، من دمائها وأعمارها وأموالها، ولقد ظهر إلى حد كبير أن مواجهة العدو الخارجي بالجهاد والنضال المسلح هي أقل كلفة وأقصر زمناً من مواجهة أعداء الأمة من أنظمة طاغوتية عميلة وخانعة لهذا العدو الخارجي.
فطغيان هذه الأنظمة وجرائمها أكبر بكثير مما فعله العدو الخارجي، وزمن معركتها أطول، فها هي السنون والعقود تمر، ولا تزال الشعوب العربية والإسلامية تئن تحت وطأتها، فلا هي انصلحت بالنصح والإرشاد، ولا هي قبلت بالتغيير عندما خرجت عليها جموع الناس في الربيع العربي، بل خططت وحبكت المؤامرات ضد حراك الشعوب، وحولت ربيعهم إلى خريف، لكنه خريف أشد قسوة من كل الخريف الذي عاشوه طوال تاريخهم الحديث، فأحدثت فيهم المجازر التي لم تحدث من قبل، واستعانت عليهم بالعدو الخارجي لقصفهم وتدميرهم، فأنتجت لنا أكبر مجزرة لمعتصمين سلميين في التاريخ الحديث في مصر، وأكبر شعب لاجئ في التاريخ الحديث في سوريا، وأكبر مجاعة وانتشار للأوبئة في العالم في اليمن.
تبعة ثقيلة حملتها الحركة الإسلامية بحملها للعمل السياسي، تبعة ثقيلة لها ثمنها؛ بل أثمانها.
لكن سيبقى للحركة دورها وأجرها لسدها لهذا الثغر الكبير من ثغور الإسلام، وسيبقى دورها دوراً أكبر في العمل الإسلامي كله، وهو كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أعظم الجهاد.
وكما قال أحد أقطاب السلفية لصديق يوماً: (يا بني، إذا عادت الخلافة الإسلامية يوماً، فلن تعود إلا على يد الحركة الإسلامية...الإخوان المسلمين؛ لأن هذا هو العمل الذي نذرت نفسها له، وهو العمل الذي لا ينافسها فيه غيرها، بل ولا ويحمله معها غيرها).
غير أن العمل السياسي له سلبياته كذلك على الحركة الإسلامية، وتتمثل سلبياته في أكثر من مسألة.
فمن ناحية نرى أن العمل السياسي قد شغل الحركة الإسلامية شغلاً كبيراً، بحيث لم يترك مساحة لها لتُشغل بغيره كما ينبغي، فوجدنا أن الحركة التي كانت قد حددت لنفسها نهجاً شاملاً للعمل الإسلامي يجمع بين كل فروعه المختلفة (الدعوية والتربوية والعلمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية) قد تحولت إلى حد كبير إلى حركة سياسية أشبه بالحزب السياسي، وتضاءلت كل وظائفها الأخرى إلى حد يُخشى معه التلاشي لبعضها.
كما أن العمل السياسي يتطلب إلى حد كبير مرونة يُخشى معها في كثير من القضايا التنازل عن الأصول والثوابت، وعدم الوضوح والقطع، من أجل المراوغة السياسية، أو محاولة كسب جديد، أو دفع لعداوة البعض وهجومه وتشويهه.
وقد صنع العمل السياسي انشقاقات كثيرة في جسم الحركة الإسلامية؛ لأن العمل السياسي قرين بالظهور والحضور الإعلامي والشعبي، مما يجعل النفوس تتوق إلى الصدارة فيه، وهذا مما يصنع التنافس بين القيادات، إلى حد التعادي والتآمر، عندما يحبك الشيطان حبكته، وتستسلم النفوس تحت وطأة الرغبة والهوى والشهوة.
وأكثر صور هذه النقطة دمامة، أن ترى في البلد الواحد أكثر من كيان للحركة، وجميعها يعمل بالسياسة، في ظل أجواء من التنافس والتعادي والتشويه، إلى حد أن يكونوا أقرب للتيارات العلمانية واليسارية في العمل والتحالف والتنسيق أكثر من قربهم لبعضهم البعض.
وقد ملأ العمل السياسي ومتابعته على أفراد الحركة الإسلامية حياتهم، وشغلهم عن تربية النفوس وتهذيبها، وعبادة الله والتقرب منه بالفرائض والنوافل، حتى رأينا أجيالاً جديدة في الحركة الإسلامية أقرب ما يكون إلى جماهير الأحزاب السياسية غير الإسلامية، فلا عبادة لهم، ولا خُلق لهم، ولا يعطي مظهرهم ومخبرهم أي إشارة لإسلاميتهم، لا من قريب ولا من بعيد.
وأخيراً صنع العمل السياسي ملحمة من التضحية عاشتها الحركة الإسلامية على مدار تاريخها، ولا تخرج من صفحة لهذه الملحمة إلا دخلت صفحة أخرى، وأكلت هذه الملحمة المستمرة الأعمار والجهود والأموال، وأعادت الأقدام خطوات إلى الوراء كلما خطتها إلى الأمام، فعندما ننظر إلى مستقبل الحركة الإسلامية الآن، نرى كأنها لا تزال في بدايتها في مواقع كثيرة وأماكن كثيرة.
ملحمة دموية عاشتها ولا تزال، حجبت عنها كثيراً من العقول، وأرجفت منها كثيراً من القلوب، وصنعت بينها وبين الكثير من الناس حواجز من الجبن والخوف والخشية.
سيبقى العمل السياسي عملاً كبيراً للحركة الإسلامية، ويبقى سدّاً لثغر عظيم من ثغور الإسلام، وتبقى تبعته وتكلفته باهظة، وتبقى المخاوف والمحاذير فيه كثيرة، ويبقى الأجر والثواب فيه عظيماً، إذا ما خلصت فيه النوايا، واستقام فيه السير.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/emad-ghanem/story_b_19152322.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات