الأحد، 11 فبراير 2018

بين تهديدات الحكومة وإغراءات فرنسا.. الأطباء الجزائريون يواصلون إضرابهم ويعلنون "سنبقى هنا كي يزول الألم"

بين تهديدات الحكومة وإغراءات فرنسا.. الأطباء الجزائريون يواصلون إضرابهم ويعلنون "سنبقى هنا كي يزول الألم"

يركب الطبيب الجزائري المقيم موفق لهلالي، سيارته البيضاء الصينية الصنع متوجهاً إلى العاصمة، وبرفقته والدته المريضة، وفي أجندته هدفان رئيسيان: مواصلة اعتصام الاحتجاج وعلاج الوالدة.

ويعتبر لهلالي وقفة الإثنين، 12 فبراير/ شباط 2018، هي وقفة الحسم لاسترجاع كرامة ومكانة الطبيب في الجزائر، بعد أكثر من شهرين من الاحتجاجات التي اجتاحت أغلب المستشفيات الجامعية الكبرى عبر البلاد.

وينحدر موفق من قرية معزولة لم يصلها غاز المدينة بعد، وهي قرية تيلماتين جنوب ماوكلان بسطيف شرقي العاصمة الجزائر، قضى جل عمره في الدراسة، منها 7 سنوات كاملة في الطب، وهو اليوم متدرج في تخصص الإنعاش الذي يفرض عليه دراسة 5 سنوات أخرى قضى منها 3 سنوات.

تحدّى لهلالي كل الصعاب، وسهر الليالي الطوال، حتى وصل إلى مبتغاه، لكن هذه الشهادة التي كانت حلمه وحلم كل العائلة والأقارب، اعتبر قيمتها قد سقطت يوم الاعتداء عليه من قبل عناصر الأمن، في 3 يناير/كانون الثاني 2018، لما خرج في مسيرة سلمية مع زملائه بمستشفى مصطفى باشا بقلب العاصمة الجزائر.



التصعيد بوقفة وطنية ضخمة





حيرة الطبيب المقيم لهلالي موفق ابن ولاية سطيف، بلغت ذروتها بعد الصمت الكبير للجنة المعنية في الجزائر، لدراسة مطالب الأطباء والاستجابة لها، رغم أنها حقوق كرّسها الدستور قبل كل شيء في نظره.

واختارت تنسيقية الأطباء المقيمين، يوم 12 فبراير/شباط 2018، موعداً لتنظيم أكبر حركة احتجاجية سلمية ضد القرارات التي وصفتها بالتعسفية من قبل وزارة الصحة والحكومة الجزائرية.


algeria hospital


ويرى لهلالي باعتباره ممثل تخصص الإنعاش الطبي ضمن تنسيقية الأطباء المقيمين، "أن وقفة الإثنين 12 فبراير/ شباط 2018، هي الحركة الاحتجاجية الأضخم منذ بدأ الاحتجاجات قبل شهرين من الآن".

ويصرح لهاف بوست عربي "بأن كل الأطباء المقيمين، وحتى العاملين وطلبة الطب عبر مختلف الكليات والمعاهد والمدارس العليا، قرَّروا الالتحاق بالإضراب بداية من هذا التاريخ".



الحكومة تمنع 15 ألف طبيب من رواتبهم





الأطباء المقيمون ومن بينهم موفق، وككل بداية شهر، توجّهوا إلى مراكز البريد لتسلم رواتبهم الشهرية، مع بداية فبراير/شباط 2018، لكن الأرصدة كانت خاوية على عروشها، فوزارة الصحة الجزائرية قرَّرت خصم أيام الإضراب، ونسقت مع المديريات الجهوية، وإدارات المستشفيات الجامعية لتنفيذ قرار الخصم الذي بلغ شهراً كاملاً.

الأطباء المقيمون اصطدموا بهذا القرار، واعتبروه غاية الإجحاف، خاصة أنهم يؤدون واجبهم الاستعجالي والحد الأدنى من الخدمات وفق ما تمليه القوانين والدساتير.

وفي هذا الشأن يقول لهلالي موفق "نحن نقدم الحد الأدنى، ونؤدي واجب المناوبات الليلية، ونسهم في التدخل في علاج الحالات الطارئة والاستعجالية، ولا نفهم قرار السلطات بحرماننا من المنحة الشهرية".


algeria hospital


واعتبر ممثل أطباء العاصمة في تنسيقية الأطباء المقيمين محمد طايلب في تصريح لـ"هاف بوست عربي"، أن هذه الخطوة هي بمثابة "تهديد صريح من الحكومة الجزائرية لكل الأطباء، وليس فقط الأطباء المقيمين".



التهديد بالأطباء الكوبيين





وزارة الصحة في الجزائر، وأمام تواصل الإضراب، توصلت إلى حلٍّ يمكن من خلاله سد العجز الذي تعاني منه المستشفيات والمراكز الصحية والعيادات، من خلال إبرام اتفاق مع دولة كوبا، ينص على تزويد الجزائر بكادر طبي مقابل شحنات من النفط.

ويأتي هذا القرار بعد انخفاض استيراد كوبا للنفط من فنزويلا، ما دفعها إلى اللجوء إلى الجزائر، إذ اشترت حوالي 2.1 مليون برميل من الذهب الأسود الجزائري سنة 2017، وستلتزم الجزائر بنفس الكمية خلال السنة الجارية.

الاتفاق الجزائري الكوبي نص على زيادة حجم صادرات النفط نحو هافانا خلال السنوات الثلاث المقبلة، وفي المقابل تحصل الجزائر على "تقوية صادرات الخدمات الطبية من كوبا، بما فيها الكادر الطبي".

الأطباء المقيمون اعتبروا الخطوة أيضاً تهديداً لهم، وضغطوا لوقف حركتهم الاحتجاجية، وتوحي بعدم اتباع وزارة الصحة لخطة ممنهجة ومدروسة للقضاء على مشكلات الصحة في البلاد، وراحت تلجأ إلى هذه التهديدات.

ويعتبر الطبيب المقيم لهلال موفق، أن لجوء الجزائر إلى هذا الحل، هي صفعة لمصداقية الوزارة في التحاور مع الأطباء المحتجين، وصورة تعكس هشاشة المنظومة الصحية في الجزائر.

ويضيف في هذا الشأن "حركتنا الاحتجاجية الأخيرة كشفت عن مرض المنظومة الصحية في البلاد، وبدل تحرك الوزارة في إيجاد الحلول ومساندتنا للوصول إلى مستقبل مقبول، راحت تلتوي في اتخاذ القرارات الاعتباطية".



حقيقة الأجور





وقفات الأطباء المتكررة واحتجاجاتهم كانت مناسبة لإثارة الجدل فيما يخص رواتبهم، سواء من المحلييين أو المستوردين من كوبا أو الصين.

فالطبيب العام في الجزائر يتلقى شهرياً ما قيمته 80 ألف دينار جزائري (700 دولار)، فيما يصل راتب الطبيب المتخصص 160 ألف دينار جزائري (ألف دولار) بحسب تقرير سابق للنهار الجزائرية.

لكن هذه الرواتب بحسب الطبيب المقيم لهلالي موفق مغلوطة، فالطبيب العام في الجزائر يبدأ عمله بـ50 ألف دينار جزائري (400 دولار)، أما الطبيب المتخصص فيبدأ راتبه من 60 ألف دينار جزائري (500 دولار)، ويصل في المناطق الصحراوية والهضاب العليا إلى 80 ألف دينار جزائر (700 دولار).

لهلالي يعرف زميلاً له وهو طبيب عام منذ 15 سنة كاملة، اسمه ياسين روابح من منطقة بوقاعة 350 كلم شرقي الجزائر، ورغم الفترة الطويلة التي قضاها خدمة في الصحة العمومية فراتبه لم يصل 60 ألف دينار جزائري (500 دولار).

الطبيب الكوبي العامل في الجزائر حسب المتحدث، وبعد دراسة بسيطة للاتفاقية النفطية المبرمة بين البلدين، اتضح أنه يتقاضى ما يقارب 85 مليون سنتيم بالعملة المحلية شهرياً (6500 دولار)، تضاف إلى 35 مليون سنتيم بالعملة المحلية للمترجم (2500 دولار)، أي بمجموع 120 مليون سنتيم شهرياً للطبيب الواحد (8 آلاف دولار).

نفس العملية تسقط على الأطباء الصينيين العاملين في الجزائر، لكن بتعاملات مالية مباشرة، وليس اتفاقاً نفطياً كسابقه، ويتميز الأطباء الصينيون عن زملائهم من كوبا كونهم يتمتعون بحصانة ولا يتحملون تبيعات الأخطاء الطبية المرتكبة يضيف لهلالي.

وزارة الصحة الجزائرية فنَّدت هذه الأرقام، وقالت إن الأطباء الكوبيين يتلقون نفس أجور الأطباء الجزائريين، أما الصينيون فإن دولتهم هي من تقدم الأجور، والجزائر تكتفي بتقديم أجر المناوبات، بعض المردوديات.



الأطباء اعتبروا أن ما تطرقت إليه الوزارة هي حقوق كانت مهضومة، فالقانون كما قال الطبيب المقيم لهلالي موفق "يكفل هذه النقاط منذ 30 عاماً، إلا أن هناك أسباباً ملتوية جعلت الطبيب لا يستفيد منها".

تنسيقية الأطباء المقيمين اتهمت الوزارة بعدم الجدية، وقال ممثل الأطباء في العاصمة محمد طايلب "كل مفاوضاتنا كانت مع لجنة ترفع يدها عن أي مطلب نقوم بتقديمه، وتقول إن هذا من صلاحيات الوزير، هذا الأخير الذي عجز عن تنظيم لقاء وحوار جاد لإنهاء المشكلات التي يعرفها القطاع قبل الأطباء المقيمين".

وبين التصريحات الرسمية للمسؤولين الجزائريين وتواصل إضرابات الأطباء ومطالبهم، تتواصل معاناة المرضى، خاصة من ذوي الأمراض المزمنة.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2018/02/11/story_n_19213156.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات