الأربعاء، 21 فبراير 2018

الشعر وعلاقته بالموسيقى

الشعر وعلاقته بالموسيقى

الشعر: حجة الأدب، وديوان العرب، هو محفل من محافل الثقافة والأدب والتاريخ، فضلاً عن أنه مجلى من مجالي الفن والجمال والموسيقى، لدى أولي الذائقة النقدية والجمالية، فلا غرو أن يعجب به النبي -عليه السلام- ويقول: (إن من البيان لسحراً، وإن من الشعر لحكمة).

لقد أبدع عرب الجاهلية فيه بعد أن تذوقوا عناصر الإبداع، ولا سيما عنصري الإيقاع والوزن وتغنّوا به على السليقة الصافية والبديهة الحاضرة، أي نظّموه سماعياً، حتى جاء الخليل بن أحمد الفراهيدي عبقري العرب، عام 175 هجري، فضبط الأوزان الشعرية الموروثة، واستنبط أحكامها وصورها وأنواعها، وسمى تلك الأوزان بحوراً، وقد ذكر الأستاذ أحمد الخوص وزوجته هناء برهان في كتابهما الرائع {قصة العروض، أسلوب متطور في علم العروض والقافية}، الذي دققه وراجعه وأضاف إليه الأستاذ الحموي -رحمه الله- محمود فاخوري، حيث قالوا: إن من أوائل مَن شجعهم على دراسة علم العروض الأستاذ الموسيقي فؤاد بركات، الذي عرض عليهم هذا العلم بطريقته الموسيقية الرائعة، فكانت أساساً قوياً لهم.

ونعود لعبقري العرب الخليل حيث لازم سوق الصفارين {النحاسين} يسمع رنات مطارقهم على النحاس، فيميز بين هذه الرنات، ثم ذهب إلى أبي رافع شيخ المغنّين في عصره، يسأله عن قواعد علم الموسيقى، ثم بعد فترة أخرج كتاباً في الموسيقى أسماه "تراكيب الأصوات" واتصل بالمغنين، وصار يعلمهم أصول موسيقاهم وتفرعاتها، ويهديهم سبيل إيجاد نغمات جديدة، ويتعلم منهم فنونهم، ويتتبع صناعتهم.

وهكذا وضع مقاييس للشعر، من خلال الأنغام والتواقيع؛ لأن الشعر كالموسيقى، حركة وسكون، وفي قصته وسيرة حياته طرائف وحكم خاصة بردّه على ابنه الذي شاهده وهو يلحن وينشد، فاتهمه بالجنون أمام جموع من الناس، فرد عليه الخليل وقال:"لو كنت تعلم ما أقول عذرتني.. أو كنت تعلم ما تقول عذلتكا.... لكن جهلت مقالتي فعذلتني.. وعلمت أنك جاهل فعذرتكا".

ثم رد على الشعوبيين من الفرس الذين نظروا للشعر العربي بازدراء وفوقية وعنجهية، وسوء فهم وتقدير وغبن، فرد رداً قوياً داعماً قوله بالحجج والبراهين... وبهذا الرد فقد أنصف العرب..رحمه الله ورحم تلميذه الأصمعي.

وفي تطور الشعر العربي، وفي ظل الفتوحات الإسلامية، وظلال الحياة المترفة، نجد أن الشعر الأموي يختلف عن الجاهلي من حيث الوصف والمفردات والموسيقى، ثم تطور أكثر في عهد العباسيين فنجد شعر أبي نواس موسيقياً تماماً، ثم اختلف وتطور في ظلال الأندلس فنجد أن بحر الرمل والموشحات الأندلسية الرائعة في الوصف والمعاني البديعة، قد انتشرت وحظيت باحترام واعتراف وإعجاب، وتقبلتها وتناقلتها محافل دور الأوبرا في الغرب.

وأقف هنا عند الموشحات الرائعة لأضع مقطعاً من فنون إحدى دور الأوبرا الغربية عن:

لما بدا يتثنّى...
هو موشح عربي تراثي شهير ينتمي إلى مقام نهاوند، ويعتبره بعض النقاد أشهر موشح عربى، حيث شكَّل الموشح ثورة على الشكل التقليدي للقصيدة العربية من حيث البناء النظمي والفني، ويجمع الموشح بين الفصحى وتحرير الوزن والقافية.

وقد اختلف المؤرخون في تحديد اسم صاحبه الأصلي، فمنهم مَن نسب النص إلى الوشاح الأندلسي لسان الدين بن الخطيب (عاش بين 1313 - 1374 م) ومنهم مَن نسبه إلى المغني المصري محمد عبد الرحيم المسلوب (عاش بين 1793 و1928 م) ونسب اللحن له أيضاً.

تغنّى به الكثير من المغنين المشهورين والفرق الموسيقية عبر العالم، ولكن كان أول التسجيلات عام 1910م لها مع المغني المصري سيد الصفتي ثم مع المغنى محيي الدين بعيون عام 1920، ثم بعد ذلك مع المغنية الشامية ماري جبران، ثم المغنية المصرية نادرة أمين في بدايات القرن العشرين، ثم تغنت به فيروز والشيخ إمام، وفي العصر الحديث تغنّت به لينا شاماميان وسعاد وغيرهم.

كلمات الموشح:

"لما بدا يتثنى لما بدا يتثنى
حبي جماله فتنا أمر ما بلحظة أسرنا غصن ثنى حين مال

وعدي ويا حيرتي وعدي ويا حيرتي من لي رحيم شكوتي في الحب من لوعتي
إلا مليك الجمال إلا مليك الجمال إلا مليك الجمال إلا مليك الجمال

وعدي ويا حيرتي وعدي ويا حيرتي من لي رحيم شكوتي في الحب من لوعتي
إلا مليك الجمال إلا مليك الجمال إلا مليك الجمال
آمان آمان آمان آمان"

وهذا الرابط الغنائي:

بالإضافة لمقطع من غناء أجمل القصائد الرائعة لأمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدته التي غناها محمد عبدالوهاب "مضناك جفاه مرقده" وكلماتها:

مضناك جفاه مرقده.. وبكاه ورحم عوده

حيران القلب معذبه.. مقروح الجفن مسهده

يستهوي الورق تأوهه.. ويذيب الصخر تنهده

ويناجي النجم ويتعبه.. ويقيم الليل ويقعده

الحسن حلفت بيوسفه.. والسورة أنك مفرده

وتمنت كل مقطعة.. يدها لو تبعث تشهده

جحدت عيناك زكي دمي.. أكذلك خدك يجحده

قد عز شهودي إذ رمتا.. فأشرت لخدك أشهده

بيني في الحب وبينك ما.. لا يقدر واش يفسده

ما بال العاذل يفتح لي.. باب السلوان وأوصده

ويقول تكاد تجن به.. فأقول وأوشك أعبده

مولاي وروحي في يده.. قد ضيعها، سلمت يده

ناقوس القلب يدق له.. وحنايا الأضلع معبده

قسماً بثنايا لؤلؤه.. قسم الياقوت منضده

ما خنت هواك ولا خطرت.. سلوى بالقلب تبرده

وأفضل رابط لأغنيتها بصوت الموسيقار محمد عبدالوهاب:


وأختم مقالي هذا بمعلومة طبية، والتي هي تذكير بنعم الله التي لا تُعد ولا تحصى علينا..

وهي وظيفة السمع في الأذن والدماغ، فالأذن لها عدة وظائف منها السمع ومنها التوازن، ومنها وهو الأهم أن السمع سيشهد يوم القيامة عند خالقنا يوم الحساب.

وتقسم إلى خارجية ووسطى وداخلية، فالخارجية من خلال الصيوان الذي هو بمثابة الرادار وتركيبة من الجلد والغضروف واللحم أو ما يسمى شحمة الأذن، والذي يلتقط الأصوات ويضخمها بطريقة عجيبة ويوجهها؛ حيث تنتقل إلى غشاء الطبلة، حيث يهتز الغشاء وينقل الصوت باتجاه الأذن الوسطى في عظام المطرقة والسندان، حيث تنتقل الأصوات لتعبر إلى الأذن الداخلية، حيث تتبرمج الأصوات بشكل إيقاعات متميزة ومختلفة فتنتقل للدماغ بشكل تيار كهربي عبر عصب السمع؛ ليقوم موقع مخصص في المخ، ويقوم الجهاز العصبي بتحليل الصوت وحفظ ذاكرته بوظيفة لا يعلمها إلا الله ثم العارفون بالعلم..سبحان الله!

وفي الختام أدعو للاهتمام بالشعر، وبألحانه ومعرفة بحوره، فلكل بحر لحن وإيقاع يختلف عن آخر، ويوجد في الإنترنت مقاطع غنائية لكل بحر، فلنهتم بالشعر سماعياً وكتابياً، ودُمتم أحبّتي بكل خير.


المراجع:
1 -كتاب "قصة العروض" للمؤلفين أحمد الخوص وهناء برهان، بتدقيق وتحقيق وإضافة من المرحوم الأستاذ الجامعي في جامعة حلب، كلية الآداب، قسم اللغة العربية، محمود فاخوري.
2-موسوعة الويكيبيديا بالإنترنت.
3- صفحة اليوتيوب.
الدكتور الشاعر مفدى زهور عدي


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/mofadda-zohor-adi/post_16971_b_19283888.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات