الأربعاء، 21 فبراير 2018

اليمن.. الكلمة العليا للسلاح

اليمن.. الكلمة العليا للسلاح

اليمن جغرافيا مشتعلة، وحزمة من سلاح الكلاشينكوف، وسراب من مقاتلات إف 16، بفعل الاضطرابات السياسية والأمنية، ومجريات الحرب الأهلية في أرض عرفت بالخير والسعادة والاطمئنان وفق الكتب السماوية المقدسة.

سليل العرق العربي هذا مزّق جراء صراع في شقه أيديولوجي مذهبي فكري، وفي شقه الآخر تنافر وصدى حول الهيمنة الإقليمية والجيوستراتيجية لدول ومنظمات أخطبوطية، لا ترى ذاتها إلا في ركب السلطة والتسلط ومتربعة على عرش الحكم.

إذن لنرجع عقارب التاريخ إلى الوراء؛ لنفهم ولو النزر اليسير مما يقع الآن، وفق (المبدأ السوسيولوجي القائل بأننا لا نعرف أية معرفة كاملة إلا بالرجوع إلى تاريخها).

فاليمن تنهشه مخالب القاعدة وتحركاتها، وتضربه زوابع عدم استقرار الجنوب عن شطره الشمالي.

أما الخطر الحقيقي فهي شطحات حركة الحوثي المسلحة، وهنا بيت القصيد، ففي تاريخ 26 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1962 هبت عاصفة شعبية مسلحة ضد آخر سلاطين الحكم السلالي، وأسدل الستار عن عقود من الظلم القائمة على الرزوح تحت قداسة العرق والدم، أو ما يعرف بـ"الحكم الإمامي"، فبعد هذا الانفراج واستنشاق عبق الحرية أتت سنة 1990 كصيف حار وطويل على اليمن السعيد، وما هو بسعيد.

ببزوغ ضوء المؤسس الفعلي للمذهب العقدي لتيار الحوثي "بدر الدين الحوثي"، والذي نادى عبر حصر الولاية في ذرية الإمامين الحسن والحسين كواجب وضرورة عقدية، أو ما يعرف اصطلاحاً "بولاية البطنين"، كما دعا لرفض الاعتراف بنظام صنعاء الجمهوري، ورفض ولاية "عبد الله صالح" آنذاك على شاكلة رفضهم لولاية أبي بكر وعمر.

وبهذا يكون قد هيأ أمر الولاية لنجله "الحسين الحوثي"، باعتباره منظّراً وقائداً حركياً للحركة الحوثية، واستطاع نقل أدبيات الحركة من الحيز التنظيري إلى الفضاء الميداني، هذا الأخير المتأثر بأفكار الخميني وحزب الله استمر وبكل عزم في نشاطه الثقافي والفكري في عملية الاستقطاب والحشد في بيئة يتفشى فيها الجهل وتؤمن بمقولات السيد بدون أدنى سؤال.

وبذلك تمكن من تكوين نواة لمشروع طائفي يفتقد للمرونة الفكرية، ويؤمن بالخطابات الحدية التي تنتشر انتشار النار في الهشيم ديموغرافياً على الأرض، وشعارتياً في الهتافات والمظاهرات؛ حيث ما يسمونه "صرخة" تعلو في كل مكان، كما يعلو الدخان بساحات الوغى وهي:
(الله أكبر.. الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل.. النصر للإسلام).

فبعد مقتل "الحسين الحوثي" نجحوا في توظيف مقتل الزعيم سياسياً وتنظيمياً وشعبوياً، ليكون بذلك وقوداً لعنفهم وتطرفهم عبر شعارات تتلبس باسم الدين، وتدعو لسيل الدماء وسفكها.

وما أكثر الدماء التي هدرت تحت عباءة الدين! هنا صعد "عبد الملك الحوثي" لقيادة الحركة، الشاب المتأثر كلياً بحزب الله من أجل التغلغل ما بين ظهراني كراسي سياسة اليمنية، وفرض ما يمكن فرضه من جزئيات مشروعهم الطائفي.

فهدف الحوثيين أكثر غموضاً من خلال بنيته الفكرية المتترسة بثقافة السلاح وتنازع السلطة فقد خاضوا مواجهات عدة مع حكومة "عبد الله صالح"، ودخلوا 6 حروب دامية على مدى 10 سنوات، من 18 يونيو/حزيران 2004 حتى فبراير/شباط 2010، وهنا يطغى على الجو سؤال مفاده: هل كان بمقدور حركة ناشئة محدودة السلاح والتدريب أن تكسر شوكة خامس جيش في المنطقة العربية أم أنها مجرد رقصة ثعبانية من رقصات عبد الله صالح على نغمات أيادي خارجية؟!

ففي خضم أحداث ثورة الشباب السلمية التي عمت اليمن والمنطقة العربية في إطار ما يسمى "الوحل العربي" مطلع عام 2011، سيطر الحوثيون بقوة السلاح على محافظة صعدة معقلهم التاريخي ليعلن الذراع العسكرية الأقوى في اليمن اللواء "محسن الأحمر" تأييده ودعمه لثورة شباب سلمية ومطالبها العادلة، لكن أعداء الأمس أصبحوا إخوة في إطار تحالف الحوثيين مع "عبد الله صالح"، من أجل ردع ثوار ثورة الشباب السلمية.

وبعد عام من تسلسل الاحتجاجات السلمية التى اجتاحت جغرافيا اليمن، كما يجتاح الجراد المروج، اضطر "عبد الله صالح" بعد 33 عاماً في سدة الحكم ووفقاً لبنود "المبادرة الخليجية" التي أقدمت عليها دول الجوار في إطار مشروع سياسي لترتيب نظام نقل سلطة في اليمن لـ"عبد ربه هادي" باعتباره نائبه.

هنا إذن تتضح معالم سياسة هذا البلد الذي تعاقبت عليه رياح المكيدة وأيادي الغدر وكيد الأشقاء داخلياً وخارجياً.

أما الجانب الإنساني فحدّث ولا حرج، فمن يطبل باسم الدين والقيم الدينية، يقتل ويسفك الدماء بعباءة الدين وتحت مسماه، وهنا أقصد حركة الحوثي.

ومن يتشدق بالديمقراطية وحفظ الأمن والنظام الداخلي، يقتل ويشرد تحت ذات العبارات! وهنا أقصد نظام "عبد الله صالح" سابقاً و"عبد ربه هادي" حالياً.

أما من يدعي شرعية التدخل في الشؤون الداخلية لدولة سيادية مستقلة ويقصف ويدمر معاقل المدنيين تحت مسمى عاصفة الحزم باعتبارها خدعة القرن، فذلك الشيطان الأكبر! فمن لم تقتله مدافع الحرب لم يتركه شبح الكوليرا..
لك الله يا يمن.

ــــــــــــــــــــــــ

المراجع المعتمدة:
1 - مؤلفات:
الثورة اليمنية، مجموعة مؤلفين، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، 2012.
الحرب الأهلية في اليمن "صراع معقد وآفاق متباينة"، ألكسندر مترسكي، سبتمبر/أيلول، 2015.

2- تقارير:
- اليمن.. الفساد وهروب رأس المال والأسباب العالمية للصراع، تقرير تشاتام هاوس، 2013.
- الاستجابة الإقليمية للأزمة في اليمن، تقرير المنظمة الدولية للهجرة، 18 أكتوبر/تشرين الأول، 2015.

3 - مقالات:
معضلة الأمن اليمني - الخليجي، دراسة في المسببات والانعكاسات والمآلات، أحمد محمد بوزيد.


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست عربي لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/khalid-boufrayoua/-_14961_b_19203630.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات