الثلاثاء، 20 فبراير 2018

الخرافة بين واقع الغرب ودعاة التنوير في الشرق

الخرافة بين واقع الغرب ودعاة التنوير في الشرق

لا يختلف اثنان على أن العالم الغربي يمثل في المخيال الشعبي وبدرجة أكثر عند الأكاديميين التطور والحريات والثورة الصناعية والعلم الابتكار وغزو الفضاء واحترام العقل، هذه الصفات قد دأب على طرحها الكثير من الكتاب والمفكرين، في مقارنات لهم بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب؛ لهذا وجدت من الواقعية بما كان أن نسلط الضوء على جانب مهم من حياة الغربيين في طقوسهم الدينية، ومدى إيمانهم بها، وتزكيتها من طرف السياسيين، بل وحتى الترويج لها، ومحاولة الاستفادة منها اقتصادياً وسياسياً.

من القصص التي تروى عن ظهور العذراء القديسة مريم أنها ظهرت في أماكن عدة ولمرات كثيرة:
* ظهرت العذراء مريم في مدينة فاطمة، في البرتغال، التي تبعد 60 ميلاً شمال لشبونة؛ حيث يقال إنها ظهرت 6 مرات لثلاثة أطفال من رعاة البقر في الفترة الممتدة من 13 مايو/أيار 1917 إلى 13 أكتوبر/تشرين الأول 1917، وكانت تظهر مرة كل شهر في نفس التاريخ، ويقال إنه سبق هذا الظهور رئيس الملائكة في العامين السابقين 1915 و1916 لنفس الأطفال، كان ذلك بمثابة تمهيد لظهور مريم العذراء، وأنها كشفت لهم 3 أسرار، تم الحديث عن 2 منها، والثالث لا يزال حبيس أروقة الفاتيكان إلى يومنا هذا.

وقد أصبحت هذه المدينة مزاراً للحجيج من المسيحيين للتبرك وطلب الشفاء للمقعدين والمرضى، في ذلك المكان الذي يشهد حركة كثيفة من داخل البرتغال وخارجها

* يحكى أيضا ً أن السيدة مريم القديسة العذراء قد ظهرت سنة 1858 في يوم 11 فبراير/شباط هذا اليوم، الذي اعتمد كيوم عالمي للمريض، لفتاة صغيرة عمرها 14 سنة، كان ذلك في قرية لورد التي تقع في الجنوب الفرنسي؛ حيث يقال إن السيدة مريم أوصت الفتاة بالصلاة، وكشفت لها أسراراً كثيرة، فأصبح هذا المكان مقصوداً من عدد كبير من الأوروبيين لطلب الشفاء والتبرك بمياهه العجيبة.

* القصة الثالثة تأتينا من إسبانيا؛ حيث تقول الرواية: إن السيدة العذراء ظهرت في قرية صغيرة في شمال البلاد تسمى سان سيباستيان غرابنديل؛ حيث ظهرت لمرات عديدة في الفترة الممتدة بين 18 يونيو/حزيران 1961 إلى 13نوفمبر/تشرين الثاني 1965 وذلك لأربع فتيات صغيرات تتراوح أعمارهن بين 11 و12 سنة؛ حيث يقال: إن العذراء وجهت لهن توجيهات وأمرتهن بالصلاة وطلب المغفرة من الرب، وبنفس النتيجة أصبح هذا المكان قبلة للوافدين من المسيحيين، طالبين الشفاء والتبرك والعتق من النار.

ويشهد هذا المزار حركة كثيفة أجبرت السلطات على اعتماد تهيئة المكان لزيارات كهذه.

بعد هذا السرد لهذه المناسبات الدينية في دول أوروبية على سبيل المثال لا الحصر، نجد تطابقاً كبيراً بين الروايات الثلاث في مكان الظهور، قرية، ومن حضر عملية الظهور أطفال صغار، وتقريباً نفس الرسالة، كما نلاحظ أن الأماكن الثلاثة تعد من المناطق السياحية في أوروبا، وتشهد كل منطقة حركة كثيفة وترويجاً وتهيئة المكان لاستيعاب الزوار، كل ذلك في تناغم كبير بين القيادات السياسية والدينية في ذلك، دون تصادم.

وقد طالعتنا الأخبار منذ أيام بأن سكان قرية لورد في الجنوب الفرنسي يرفضون بناء مطار في قريتهم، بحجة حماية قدسية المكان، بينما السلطات الفرنسية تفكر في إنشاء مطار لاستيعاب عدد زوار هذا المزار الديني، الذي يزداد سنة بعد أخرى لهذه القرية، وهو تفكير اقتصادي بحت.

المتأمل في النماذج الثلاثة المذكورة سالفاً، التي ليست هي الوحيدة طبعاً، يدرك حجم الخلط وعدم واقعية هذه الأحداث.

لن نغوص في صدقية الأحداث من عدمها؛ لأن ما يهمنا هنا هو قبول العقل الغربي لهذه الأحداث بالرغم ما وصل إليه من تقدم وعلم وتطور في حياة الغرب اليومية، واتفاق رجال الدين والسياسة والفكر على هذه الأحداث.

أما الأمر عندنا في الوطن العربي فمختلف تماماً؛ حيث إن المتعلم عندنا بعدما يقرأ كتباً عديدة لفلاسفة ومفكرين وسياسيين، ويزور بعض البلدان الأوروبية، وعادة ما تكون فرنسا بالنسبة للمغرب العربي وإنكلترا بالنسبة للمشرق العربي يبدأ في التهجم على الدين بحجة النقد، وأن الموروث الثقافي والديني والعادات والتقاليد هي سبب تخلف العالم العربي والإسلامي، ووجب محاربتها وتغيير نظرة الشعوب لقدسيتها، ومن هنا استباح بعضهم الخوض في القرآن والحديث دون علم ولا تخصص، مع أننا في عصر التخصص والاختصاص، فلا يمكن لمن قرأ كتاباً أو اثنين في الطب أن يكون طبيباً، ولا يمكن لمن قرأ كتب القانون أن يكون رجل قانون، ونفس الشيء مع العلوم الشرعية.

وهنا سؤال يطرح نفسه: لماذا دعاة التنوير والحداثة لا يتطرقون إلى قضية إيمان الغربيين بهذه الخرفات بينما تتعالى أصواتهم عندما يتعلق الأمر بالإسلام وعادات المسلمين؟

أظن أنه من الضروري أن نفرق بين العادات والتقاليد وبين الممارسات الدينية، كما أنه علينا ترتيب أولوياتنا وترك المجال للأكاديميين الحقيقيين، والالتفاف حول ما يجمع الأمة من الأمور المتفق عليها، وتذليل العقبات الموجودة بين المختلفين، والسعي إلى محاربة الجهل الذي من أسبابه احتلال دول الشمال لدول الجنوب، ومحاربته تتطلب تعليماً جيداً ومنطقياً ومعاصراً بمقومات ومبادئ الأمة، تحت شعار: لا إفراط ولا تفريط.

كل هذا لمجابهة فشل الحكومات والأنظمة العربية على وضع خطط تنتقل بالشعوب العربية من براثن الجهل والدجل إلى عالم التقنيات وغزو الفضاء.






ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/fatih-bin-hamo/-_14975_b_19218188.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات