نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية مقالاً للكاتب ديفيد روزنبرغ، تحدّث فيه عن اتفاقية الغاز الطبيعي التي أعلنت بين تل أبيب والقاهرة.
وقال الكاتب: "بدا الأمر كاحتفاليةٍ صاخبةٍ ضخمة الإثنين 19 فبراير/شباط 2018 حين أعلن الشركاء في حقلي غاز تمار وليفياثان التوصل إلى اتفاقٍ لتصدير الغاز إلى مصر. وسريعاً ارتفعت أسهمهم في بورصة تل أبيب، ولم يُشِد أحدٌ بالاتفاق سوى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
لكن كان على المحتفين النظر إلى الجارة مصر، حيثُ كان الصمت مُطبِقاً لمدة يومين.
إذ رفضت شركة دولفينوس القابضة -الطرف المصري المشتري- التعليق. وتساءل أحد المحللين لِم قد يخاطر الرئيس عبد الفتاح السيسي بالسماح بإعلان مثل هذا الاتفاق المثير للجدل قبيل الانتخابات الرئاسية تماماً، وخلُص بتهكمٍ إلى أنَّ الرئيس واثقٌ من قدرته على التعامل مع أي احتجاجات.
وبدا وزير البترول المصري طارق الملا مُتقزِّزاً من الأمر برُمّته. فقال: "لا نمانع استيراد الغاز من إسرائيل، لكن لدينا شروط"، وذلك قبل أن يأتي السيسي في اليوم التالي، ويكسر هذا الغموض في الموقف.
فقد صرح السيسي بعد يومين من إعلان إسرائيل أن بلاده "أحرزت هدفاً" باتفاق استيراد الغاز من إسرائيل الذي وقعته شركة خاصة هذا الأسبوع مضيفاً أنه بذلك تكون بلاده قد وضعت قدمها على الطريق صوب أن تصبح مركزاً إقليمياً للطاقة في منطقة شرق المتوسط.
وبحسب الكاتب، قد يأذن الاتفاق بعصرٍ جديد كبير من التعاون في مجال الطاقة، مثلما يأمل الجميع في إسرائيل، لكنَّ ذلك يعتمد على أيهما ينتصر؛ الاقتصاد أم السياسة. ولكوننا نتحدث عن الشرق الأوسط، فلن أراهن كثيراً على فرس الاقتصاد.
ويضيف الكاتب: "يُعَد الاقتصاد فرساً أصيلاً، لكن على الورق فقط. فالجزء الشرقي من البحر المتوسط يطفو فوق خزانٍ ضخم من الغاز الطبيعي. وتمتلك إسرائيل حقلي تمار وليفياثان البحريين، وتمتلك قبرص حقل أفروديت، ومصر تمتلك حقل ظهر العملاق، وكلها تُشكِّل معاً نحو 1.89 تريليون متر مكعب من الغاز. ومن شبه المؤكد أنَّ هناك المزيد من الغاز، بما في ذلك في لبنان وغزة".
لا يحتاج الشرق الأوسط كل تلك الطاقة، لكن أوروبا لا تبعد سوى مسافة خط أنابيب فحسب. وإذا ما تعاونت كل قوى الغاز الناشئة تلك، ستبدو اقتصاديات تصدير الغاز جيدة إلى حدٍ معقول.
تريد أوروبا الغاز لأنَّ احتياطياتها في بحر الشمال تتضاءل، ولأنَّها ترغب في تقليص اعتمادها على الطاقة الروسية.
المشكلة الوحيدة تكمن في كيفية توصيل الغاز.
يتمثَّل أحد الخيارات الذي وافقت إسرائيل وبلدان أخرى في شرق المتوسط عليه في ديسمبر/كانون الأول 2017 في بناء خط أنابيب تحت البحر من قبرص إلى اليونان ثُمَّ إلى إيطاليا.
ويتمثَّل خيارٌ آخر في خط أنابيب أقل تكلفة إلى تركيا، التي ستستهلك هي نفسها بعض الغاز وترسل البقية إلى أوروبا. وتُعَد تركيا بحد ذاتها سوقاً كبيرة للغاز، وستحاول هي الأخرى تقليص اعتمادها على روسيا.
والخيار الثالث هو نسيان أمر خطوط الأنابيب تماماً، وتسييل الغاز وإرساله عبر الناقلات إلى أوروبا، أو إلى حيثما يوجد الطلب في العالم.
وللمصادفة، تضم مصر منشأتين للغاز الطبيعي المُسال –كلتاهما مغلقتان الآن- قد تُورَّد إليها إمدادات الغاز من حقل ظهر المصري المُكتَشَف حديثاً، و/أو من إسرائيل وقبرص.
وبحسب الكاتب، فإن كل ما سبق يُوضِّح لِمَ كانت إسرائيل في مثل هذا المزاج الاحتفالي هذا الأسبوع. لم يُخصص الغاز محل النقاش هنا صراحةً للتسييل والتصدير من خلال مصر، ولكن للاستخدام من جانب المستخدمين التجاريين والصناعيين المحليين الكبار في إسرائيل. لكنَّ المتفائلين يمكنهم على الأقل الإشارة إليه باعتباره علامة على استعداد القاهرة لممارسة الأعمال التجارية مع إسرائيل. هل كان أحد المراهنين ليراهن على تلك الفرس الضعيفة؟
دعونا الآن نلقي نظرة على فرس سياسات الشرق الأوسط الضعيف الهرم والمؤسف هذا. إنَّه مخلوقٌ مثير للشفقة، يقول الكاتب، لكن الحقيقة هي أنَّه يهزم فرس اقتصادنا الأصيل، وبفارقٍ كبير، في كل مرةٍ يواجهان فيها بعضهما.
فأي اتفاق يتضمَّن الاعتماد على تركيا كممر لخط أنابيب أو كمستهلك للغاز سيواجه عقبة رفض أنقرة قبول السيادة القبرصية على غازها، على أساس أنَّ دولة قبرص التركية المُنفصِلة تستحق الحصول على حصتها العادلة. ولجأ الأتراك حتى إلى مناورة صغيرة والتهديد باستخدام القوة العسكرية البحرية للتأكد من فهم الآخرين لموقفها.
وتتمتَّع أنقرة كذلك بعلاقاتٍ فاترة مع إسرائيل حالت حتى الآن دون التوصل إلى أي اتفاقٍ ثنائي، وليست على علاقة جيدة بمصر كذلك.
ومن شأن إقامة خط أنابيب إلى أوروبا أن يلتف حرفياً على العائق التركي، لكنَّ المشكلة تكمن في أنَّ التكلفة ستكون ضخمة، إذ تبلغ 6 مليارات يورو (7.4 مليارات دولار تقريباً)، وسيكون على الأنبوب اجتياز مياه عميقة وطريقٍ طويلة. لكنَّ ذلك ربما يكون غير قابل للتطبيق فنياً، وأقل قابلية بكثير للتطبيق مالياً، وفقاً لما يقوله الكاتب.
ويتابع الكاتب أن ذلك يترك لنا خيار منشأتي الغاز الطبيعي المسال المصريتين. من الناحية الفنية، قد يُوفِّر ذلك حلاً جذاباً: فحقول الغاز الإسرائيلية والقبرصية قريبة، وحتى إن وجدت مصر كمية أكبر من الغاز لا تُغطي فقط احتياجاتها الداخلية بل وتكفي للتصدير كذلك، فسيكون من المُربِح لجميع البلدان المعنية تحويل مصر إلى نقطة الخروج المشتركة لغاز كل المنطقة.
لكن يَمثُل أمامنا هنا فرس السياسة الضعيفة الهَرِمة تلك، وفقاً لما يصفها الكاتب، فتركيا تبذل أقصى ما بوسعها لمنع أي اتفاقٍ مع قبرص، والاستقبال البارد الذي حظيت به إسرائيل في مصر هذا الأسبوع لا يُبشِّر بالخير لأي تعاونٍ مستقبلي في الطاقة.
وقال الكاتب: "بدا الأمر كاحتفاليةٍ صاخبةٍ ضخمة الإثنين 19 فبراير/شباط 2018 حين أعلن الشركاء في حقلي غاز تمار وليفياثان التوصل إلى اتفاقٍ لتصدير الغاز إلى مصر. وسريعاً ارتفعت أسهمهم في بورصة تل أبيب، ولم يُشِد أحدٌ بالاتفاق سوى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
لكن كان على المحتفين النظر إلى الجارة مصر، حيثُ كان الصمت مُطبِقاً لمدة يومين.
إذ رفضت شركة دولفينوس القابضة -الطرف المصري المشتري- التعليق. وتساءل أحد المحللين لِم قد يخاطر الرئيس عبد الفتاح السيسي بالسماح بإعلان مثل هذا الاتفاق المثير للجدل قبيل الانتخابات الرئاسية تماماً، وخلُص بتهكمٍ إلى أنَّ الرئيس واثقٌ من قدرته على التعامل مع أي احتجاجات.
وبدا وزير البترول المصري طارق الملا مُتقزِّزاً من الأمر برُمّته. فقال: "لا نمانع استيراد الغاز من إسرائيل، لكن لدينا شروط"، وذلك قبل أن يأتي السيسي في اليوم التالي، ويكسر هذا الغموض في الموقف.
فقد صرح السيسي بعد يومين من إعلان إسرائيل أن بلاده "أحرزت هدفاً" باتفاق استيراد الغاز من إسرائيل الذي وقعته شركة خاصة هذا الأسبوع مضيفاً أنه بذلك تكون بلاده قد وضعت قدمها على الطريق صوب أن تصبح مركزاً إقليمياً للطاقة في منطقة شرق المتوسط.
وبحسب الكاتب، قد يأذن الاتفاق بعصرٍ جديد كبير من التعاون في مجال الطاقة، مثلما يأمل الجميع في إسرائيل، لكنَّ ذلك يعتمد على أيهما ينتصر؛ الاقتصاد أم السياسة. ولكوننا نتحدث عن الشرق الأوسط، فلن أراهن كثيراً على فرس الاقتصاد.
فرسٌ أصيل، لكن على الورق فقط
ويضيف الكاتب: "يُعَد الاقتصاد فرساً أصيلاً، لكن على الورق فقط. فالجزء الشرقي من البحر المتوسط يطفو فوق خزانٍ ضخم من الغاز الطبيعي. وتمتلك إسرائيل حقلي تمار وليفياثان البحريين، وتمتلك قبرص حقل أفروديت، ومصر تمتلك حقل ظهر العملاق، وكلها تُشكِّل معاً نحو 1.89 تريليون متر مكعب من الغاز. ومن شبه المؤكد أنَّ هناك المزيد من الغاز، بما في ذلك في لبنان وغزة".
لا يحتاج الشرق الأوسط كل تلك الطاقة، لكن أوروبا لا تبعد سوى مسافة خط أنابيب فحسب. وإذا ما تعاونت كل قوى الغاز الناشئة تلك، ستبدو اقتصاديات تصدير الغاز جيدة إلى حدٍ معقول.
كيفية توصيل الغاز لأوروبا
تريد أوروبا الغاز لأنَّ احتياطياتها في بحر الشمال تتضاءل، ولأنَّها ترغب في تقليص اعتمادها على الطاقة الروسية.
المشكلة الوحيدة تكمن في كيفية توصيل الغاز.
يتمثَّل أحد الخيارات الذي وافقت إسرائيل وبلدان أخرى في شرق المتوسط عليه في ديسمبر/كانون الأول 2017 في بناء خط أنابيب تحت البحر من قبرص إلى اليونان ثُمَّ إلى إيطاليا.
ويتمثَّل خيارٌ آخر في خط أنابيب أقل تكلفة إلى تركيا، التي ستستهلك هي نفسها بعض الغاز وترسل البقية إلى أوروبا. وتُعَد تركيا بحد ذاتها سوقاً كبيرة للغاز، وستحاول هي الأخرى تقليص اعتمادها على روسيا.
والخيار الثالث هو نسيان أمر خطوط الأنابيب تماماً، وتسييل الغاز وإرساله عبر الناقلات إلى أوروبا، أو إلى حيثما يوجد الطلب في العالم.
وللمصادفة، تضم مصر منشأتين للغاز الطبيعي المُسال –كلتاهما مغلقتان الآن- قد تُورَّد إليها إمدادات الغاز من حقل ظهر المصري المُكتَشَف حديثاً، و/أو من إسرائيل وقبرص.
وبحسب الكاتب، فإن كل ما سبق يُوضِّح لِمَ كانت إسرائيل في مثل هذا المزاج الاحتفالي هذا الأسبوع. لم يُخصص الغاز محل النقاش هنا صراحةً للتسييل والتصدير من خلال مصر، ولكن للاستخدام من جانب المستخدمين التجاريين والصناعيين المحليين الكبار في إسرائيل. لكنَّ المتفائلين يمكنهم على الأقل الإشارة إليه باعتباره علامة على استعداد القاهرة لممارسة الأعمال التجارية مع إسرائيل. هل كان أحد المراهنين ليراهن على تلك الفرس الضعيفة؟
عقبات الاستثمار
دعونا الآن نلقي نظرة على فرس سياسات الشرق الأوسط الضعيف الهرم والمؤسف هذا. إنَّه مخلوقٌ مثير للشفقة، يقول الكاتب، لكن الحقيقة هي أنَّه يهزم فرس اقتصادنا الأصيل، وبفارقٍ كبير، في كل مرةٍ يواجهان فيها بعضهما.
فأي اتفاق يتضمَّن الاعتماد على تركيا كممر لخط أنابيب أو كمستهلك للغاز سيواجه عقبة رفض أنقرة قبول السيادة القبرصية على غازها، على أساس أنَّ دولة قبرص التركية المُنفصِلة تستحق الحصول على حصتها العادلة. ولجأ الأتراك حتى إلى مناورة صغيرة والتهديد باستخدام القوة العسكرية البحرية للتأكد من فهم الآخرين لموقفها.
وتتمتَّع أنقرة كذلك بعلاقاتٍ فاترة مع إسرائيل حالت حتى الآن دون التوصل إلى أي اتفاقٍ ثنائي، وليست على علاقة جيدة بمصر كذلك.
ومن شأن إقامة خط أنابيب إلى أوروبا أن يلتف حرفياً على العائق التركي، لكنَّ المشكلة تكمن في أنَّ التكلفة ستكون ضخمة، إذ تبلغ 6 مليارات يورو (7.4 مليارات دولار تقريباً)، وسيكون على الأنبوب اجتياز مياه عميقة وطريقٍ طويلة. لكنَّ ذلك ربما يكون غير قابل للتطبيق فنياً، وأقل قابلية بكثير للتطبيق مالياً، وفقاً لما يقوله الكاتب.
ويتابع الكاتب أن ذلك يترك لنا خيار منشأتي الغاز الطبيعي المسال المصريتين. من الناحية الفنية، قد يُوفِّر ذلك حلاً جذاباً: فحقول الغاز الإسرائيلية والقبرصية قريبة، وحتى إن وجدت مصر كمية أكبر من الغاز لا تُغطي فقط احتياجاتها الداخلية بل وتكفي للتصدير كذلك، فسيكون من المُربِح لجميع البلدان المعنية تحويل مصر إلى نقطة الخروج المشتركة لغاز كل المنطقة.
لكن يَمثُل أمامنا هنا فرس السياسة الضعيفة الهَرِمة تلك، وفقاً لما يصفها الكاتب، فتركيا تبذل أقصى ما بوسعها لمنع أي اتفاقٍ مع قبرص، والاستقبال البارد الذي حظيت به إسرائيل في مصر هذا الأسبوع لا يُبشِّر بالخير لأي تعاونٍ مستقبلي في الطاقة.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2018/02/21/story_n_19284004.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات