الاثنين، 12 فبراير 2018

محمد القصاص.. حينما لا تفيه الكلمات

محمد القصاص.. حينما لا تفيه الكلمات

تجاوز النظام الفاشي مرحلة إرسال رسائل لمعارضيه وبات استهداف السلامة الشخصية هو البديل، خصوصاً إذا كان الشخص من طليعة ثوار يناير، وتأثيره واضحاً فيما تلاها من حراك الشارع، كما هو الحال مع محمد القصاص.

اعتقل محمد القصاص، نائب رئيس حزب مصر القوية، بعد اقتحام قوات أمن الدولة لمنزله، وتم إخفاؤه قسرياً، قبل أن يظهر فى نيابة أمن الدولة العليا مع حبسه 15 يوماً على ذمة التحقيق، ودون حضور محامين.

القصاص ليس بالسياسي العادي كونه عايش نضالات عقد ما قبل الثورة، ومن متصدري مشهدها الأول، مكانه فى مقدمة كل حراك ثوري رافضاً للدم والقمع والظلم، مؤمناً بقيم التسامح والعمل المشترك، الواقف على أرضية التوافق الوطني، الساعي لمدها للجميع، ويمثل الوسطية السياسية التي تستطيع التعاطي مع كل التيارات السياسية وفي كل الظروف، ويمتلك قبولاً قوياً لدى الجميع.

الداعي للحنق والسخرية في آن واحد هو اتهام القصاص بالانضمام للإخوان المسلمين والعمل معهم، رغم أنه فُصل من الإخوان بعد ثورة يناير بشهور قليلة، والجميع يعلم هذا، وأولهم أجهزة الأمن نفسها، خصوصاً أن المفصولين من الجماعة مثل القصاص صاحب خروجهم ضجة في الإخوان والإعلام والوسط السياسي عموماً.

والمقرب من القصاص يعلم تمام العلم أن فراق القصاص للإخوان هو فراق المودع الذي لا عودة له، تاركاً ضيق الجماعة لفضاء الوطن، ومعروف أيضاً أن فصل القصاص من الجماعة جاء بعد رفضه ومخالفته لمسار الجماعة بعد ثورة يناير مباشرة، المسار الذي كان يؤمن بالتوافق مع المجلس العسكري وقتئذ.

والقصاص فى هذا لا ينظر إلى الوراء مطلقاً، بل يتجاوزه ويجعله في طي الماضي الذي حمل له تجارب كثيرة افتقدها أقرناؤه، ولا أزيد إذ قلت إن القصاص يرفض الجماعة والجماعة ترفضه أكثر، أذكر أنه فى ليلة الاحتفال بعيد الثورة الأول فى يناير/كانون الثاني 2012 حدثت بعض المشادات داخل ميدان التحرير بين بعض شباب الإخوان وبعض الشباب المنتمي لتيارات مختلفة عنهم، إثر خلاف على مكان نصب كل تيار لمنصته، حاول القصاص تهدئة الطرفين؛ لكونه معروفاً لدى الجميع؛ إذ انبرى أحد شباب الإخوان موجهاً كلامه للقصاص: "بلاش انت يا قصاص"، فما كان من القصاص إلا أنه انصرف بهدوء ولم يعلق بأي كلام، وهو الحال التي عليها الجماعة من رفض المخالف معها، وخصوصاً المفصولين منها، وأولهم القصاص، والمخالط للقصاص لا يسمع له حديثاً عن الإخوان في غير المجال السياسي العام، ولو مجرد حديث، ولا يذكر حتى طريقة فصله التعسفية منها مثل غيره من الشباب المفصولين، وكأنه يعلن بوضوح في كل تصرفاته أنها قطيعة مع الماضي بحق.

القصاص الذي لم تغرِه مناصب عن سعيه لتحقيق أهداف الثورة، فما لا يعرفه كثيرون أن القصاص رفض التعيين في مجلس الشورى السابق ممثلاً لشباب الثورة، وقت حكم الإخوان، مفضلاً المعارضة من الشارع لكل ما رآه معطلاً لتحقيق أهداف الثورة، وقد كنت شاهداً على ذلك.

القصاص المؤمن بالديمقراطية وقيمها لا يملك سوى أدائه السياسي الذي مارسه على الملأ، ولا يدعو لغيره مطلقاً، وهذا واضح من خلال عمله في حزبين سياسيين من بعد ثورة يناير، شغل رئيس المكتب السياسي وعضو الهيئة العليا في حزب التيار المصري سابقاً، ثم نائباً لرئيس حزب مصر القوية، حيث واصل القصاص أداءه السياسي وفق قناعاته وما اعتقده من آراء سياسية، ولم تنقصه الشجاعة في الاستمرار في العمل السياسي حتى بعد الانقلاب، وعندما كنا ننصحه "خلي بالك يا قصاص" كان يرد ببساطته المعهودة: "حعمل إيه يعني"، مستمراً في نضاله السياسي بحسب ضميره الوطني الحر، إنه القصاص المتوافق مع نفسه وما آمن به وما اعتقده.

اعتقال القصاص ليس بالأمر الهين، وما يحز في نفسي وكثيرين معرفتنا الوثيقة بالقصاص الشخص والإنسان والسياسي، القصاص مَثل لكثيرين بؤرة النور التي يتجمعون عليها، يهتم كثيراً للآخرين ويهتم به آخرون كُثر.

رفقة ثورة وعمل سياسي عايشناها مع القصاص المؤمن بالحرية، المناصر للعدل، كنت من موفوري الحظ الذين عملوا كثيراً مع القصاص داخل حزب التيار المصرى (التجربة التي لم يحالفها الحظ أن تكتمل)، فمنذ معرفتي به في صيف 2011 توثقت صداقتنا سريعاً، جمعتنا كثيراً رحلات بناء حزب التيار المصري في محافظات مصر المختلفة، وفي السفر تتقارب معه لتتبادل وجهات النظر، تلمس بساطته وتسامحه حتى في حقه، تكتشف كتلة النشاط التي لا تهدأ، تتعرف على القصاص الإنسان أكثر، وتعرف القصاص المناضل الذي قدم الثورة والعمل العام دوماً على عمله وأسرته وصحته.

القصاص الشهم الحريص على من حوله، الساعي على الدوام في قضايا المعتقلين، المكثر من زيارتهم وشد أزرهم، يقبع الآن في المعتقل ممنوع عنه الزيارة ولا يعلم أحد كيف حاله.

القصاص ليس رقماً في كشوف المعتقلين ولا هاشتاغ على مواقع التواصل الاجتماعي، القصاص من رواد جيل آمن بالثورة السلمية وبالتغيير والعمل السياسي والحزبي، فأينما حل القصاص كان بمثابة بوصلة ضمير الثورة التي تضبط مسار كثير من الشباب.

خلفك يا قصاص سرنا رحلة نضال ثوري بحثاً عن أهداف الثورة، ومنك تعلمنا الوسطية السياسية التي تقبل الجميع، وبك نسعى لاستكمال ما بدأناه، ردك الله لنا عاجلاً سالماً معافى.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/abdulkarem-mohamed-/story_b_19215804.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات