الأحد، 11 فبراير 2018

إلى المواجهة: مذكرات الدكتور مسودي عن تأسيس حماس

إلى المواجهة: مذكرات الدكتور مسودي عن تأسيس حماس

لا شك أنك لا تستطيع أن تخرج من هذه الذكريات المبتسرة إلا بالإعجاب بالدكتور عدنان، الرجل الذي عاش ونذر حياته لأجل الفكرة التي ملأت عليه كيانه، ورغم كونه طبيباً كان يتيح له أن يعيش حياة راضية ناعمة، لكن هذه سمة كبار النفوس، وقليل ما هم، رغم ذلك تبقى الذكريات قصيرة جداً قياساً إلى حياة الرجل الشديدة الثراء الحافلة بالعمل التنظيمي والطبي والجهادي، وأهمية الصفحات القليلة للمذكرات أنها تملأ فراغات فيما يعرفه الناس عن نشأة حماس، وأكثر ما يُعرف عنها يقتصر على التنظيم الغزي، وذلك لأسباب لا داعي هنا لاستقصائها، ولكن يظهر لنا هنا أن المجموعة التي أخذت قراراً بتأسيس حماس والمواجهة الصريحة مع الصهاينة كانت تضم إلى جانب الدكتور عدنان اثنين من الضفة، هما سعيد القيق وناجي صبحة، إضافة إلى الشيخ عبد الفتاح دخان والشيخ حمّاد الحسنات والدكتور إبراهيم اليازوري من غزة، وأهم من ذلك دور الدكتور عدنان في تحميل حركة الإخوان في فلسطين مسؤولية مباشرة العمل ضد الصهاينة وعدم الاكتفاء بالعمل التربوي والخيري، فالمعروف أن الإخوان الذين جاهدوا في حرب 48 بشكل متميز دفعوا ثمناً كبيراً له، إلا أنهم في الفترة التي تلت ذلك، ونظراً لظروفهم في مصر وصراعهم مع نظام عبد الناصر لم يتوجهوا إلى عمل جهادي واضح في فلسطين، رغم أنهم في الأردن والضفة الغربية لم يكونوا مضطهدين كما كانوا في مصر، وتبعاً لذلك في غزه، وعندما انبعثت حركات التحرير الفلسطينية بعد هزيمة 1967، فإن الإخوان اكتفوا بالعمل في معسكرات الشيوخ التي كان تأثيرها محدوداً وانفضت إثر الصراع العسكري الذي دار بين المنظمات الفلسطينية والحكومة الأردنية عام 1970.

واستمر الإخوان يتوجسون خيفة من الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل حتى نشأة حماس، وتلخص حالة الفلسطينيين العبارة شديدة الذكاء المنسوبة للدكتور فتحي الشقاقي الذي قال إنهم بدأوا وعيهم بإدراك أن هناك حركات وطنية بدون إسلام وحركات إسلامية بدون فلسطين، وهي نفس المسألة التي فجرها بين إخوان الضفة الدكتور مسودي الذي دخل في مناظرات كثيرة مع قيادات الحركة في الضفة، ولكن عمل الدكتور مسودي كان من داخل حركة الإخوان، بينما قام الدكتور فتحي الشقاقي بالانفصال وتأسيس جماعة الجهاد، نشاط الدكتور مسودي أرعب الإخوان ولعله كبح الدكتور مسودي أيضاً، وخاصة لتأثره الواضح بمن سُموا بالقطبيين (نسبة إلى سيد قطب رحمه الله).

وعلي أي الأحوال فإن الظروف الموضوعية فرضت نفسها و استولدت حماس من رحم الإخوان ، وكان هذا أمراً مهماً لاستنقاذ فلسطين من وهم السلام الذي لا يعني عند من يريدون فرضه إلا التمكين لإسرائيل وإضاعة ما تبقى من فلسطين وشكلاً هزيلاً من أشكال الحكم....

وفي صفحات قليلة يذكر الدكتور الأيام الأولى لهذا التحول المبشر آنذاك، والبيانات الأولى للحركة ودخوله السجن للمرة الأولى، وما تعرض له من تعذيب، وصموده أمام وسائل التحقيق الصهيونية... الصمود العجيب الذي يبدي كم كانت شخصية الرجل صلبة وقوية... سمات القادة الذين يصنعون التحولات المحورية في الحياة.

نفس الأمر الذي نستشفه من ذكرياته في محنة الأبعاد في مرج الزهور والفعاليات التي قادها والعمل الذي اضطلع به مع زملائه، تجربة مثيرة للإعجاب، وللأسف لم تتعرض المذكرات للعقد الأخير من حياة الرجل الذي كان مؤثراً وعاملاً رغم مرضه، ويتجلى ذلك في اعتقاله من قبل إسرائيل، ومن قبل السلطة، وفي أنه كان من الذين تزعموا الاتجاه الذي انتهى إلى ضرورة دخول حماس انتخابات المجلس التشريعي، وما انتهت إليه الأمور بعدها.

ورغم أن المحرر بذل جهداً طيباً كما تدل على ذلك هوامشه التي عرفت بكل الأسماء التي وردت في المذكرات تعريفاً وافياً، بل ومن الواضح أنه استفاد من كثير من المذكرات التي نُشرت لسياسيين تقاطعت فترات نشاطهم بشكل ما مع ذكريات الدكتور مسودي، إلا أنني تمنيت أن يكون عمله متكاملاً بأن يسعى إلى إتمام المذكرات التي لم يستطع الحصول عليها من الرجل بالتواصل مع مجايليه ورفاقه.

وأخشى ما أخشاه أن تسبق يد المنون إلى المتبقين من هذه الفئة القيادية التي سيمتد تأثيرها لأجيال دونما إكمال التاريخ المهم لهذه المرحلة من تاريخنا؛ تاريخنا الذي أخشى أن يضيع كما تضيع أراضينا في فلسطين كل يوم.

إلى ذلك فهناك كثير مما يلفت النظر، فقد دأب الإخوان على تبرئة الشهيد سيد قطب من محاولة الانقلاب على عبد الناصر، ولكن الصفحة التي جاءت في ذكريات المؤلف عن تأثره ورفاقه في دمشق بما سماه بالقطبيين ربما قالت عكس ذلك.

فقد أخذ الدكتور ورفاقه في دمشق المنهج التربوي المنسوب لسيد قطب، والذي انتقل إليهم عن طريق أحد السوريين ممن سُجنوا مع المرحوم سيد قطب، والمنهج يعتمد على بعض ما جاء في الظلال وكتاب المعالم للشهيد قطب وكتاب جاهلية القرن العشرين للأستاذ محمد قطب، وقد وجد الدكتور معارضة لهذه الأفكار من قبل الإخوان أنفسهم في الشام وفي الضفة.

يقول المؤلف حرفياً بعد أن يذكر كيف وصل إليهم هذا المنهج من داخل السجن حيث الأستاذ سيد قطب... (حيث كان يهيئ الإخوة للالتزام وتنفيذ ما في المنهاج تنفيذاً عملياً بعد أن يسقط النظام الجاهلي، كما كان يُطلق على النظام المصري والأنظمة العربية المختلفة فليقيموا النظام الإسلامي والمجتمع الإسلامي والحكومة الإسلامية جزء منه، وكان هذا الكلام ينشئ عند الأخ شعوراً بالعزلة، أو شعوراً بالابتعاد عما حوله من المسلمين، وإن كانوا يصلون ويزكون ويصومون، وإذا لم يكونوا منتظمين فهم ليسوا معنا، ومن ليس معنا فهو ضدنا إلى أن يلتزم معنا)، وهذا الكلام هو ما يُتهم به فكر الشهيد سيد قطب، وهو أن التكفيريين قد خرجوا من عباءته، وأنا أقول إن إنتاج الأستاذ سيد الفكري البديع يدل على قامة عالية في الفكر الإسلامي، لكن كتاب المعالم لمن أخذ منه فكرة العزلة الشعورية، وفرض عليه المجتمع عزلة فكرية قد ينتهي به إلى مأزق التكفير، وفي عالم الطب يؤخذ الدواء فيكفي من مرض وعند كثرة تعاطيه قد ينشأ عنه مرض آخر.

إلى ذلك فالكتاب في نصفه الأول يحوي مذكرات لطيفة عن حياة الدكتور مسودي في بيئة جمعت بين الوعي الإخواني والروحانية الصوفية، وله شهادة إيجابية بحق الشيخ كفتارو لا يمكن أن تجد مثلها عند إخواني آخر، وهذا من إنصاف الرجل، رغم أن البيئة الحزبية قلما تقبل إنصافاً بحق مناوئيها.

ملحق الوثائق والصور جيد للغاية، ومن طرائفه الخلاف الشديد الذي حصل عند الهيئة الإدارية للإخوان المسلمين في الخليل بين سنتي 1949 و1955 (ارتأت الهيئة الرياضية أن تصنع طاولة تنس بثمن سبعة دنانير أو ثمانية وقد قامت الهيئة الإدارية ولم تقعد، وكان الإخوة بين مؤيد ومعارض، وكان على رأس من عارض... وتمت أخيراً الموافقة على وجود الطاولة، وكان الإقبال عليها كبيراً، وأخيراً حل ريع الطاولة مشكلة تأمين أجرة دار الإخوان).


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/saleh-alshahri/-_14935_b_19176776.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات