الثلاثاء، 27 مارس 2018

طمس الركيزة الأخلاقية من خلال التحكّم في منصّات التواصل الاجتماعي

طمس الركيزة الأخلاقية من خلال التحكّم في منصّات التواصل الاجتماعي

إذا كنت متابعاً جيداً لمنصّات التواصل الاجتماعي في العشر سنوات الأخيرة، فأنت على الأغلب تلاحظ جيداً الانحدار الأخلاقي الذي يتزايد عاماً تلو آخر، بدءاً من تقنين المفاهيم الدينيّة والأخلاقيّة والمجتمعيّة الأساسية، وصولاً إلى استهجان متّبعي المبادئ الأخلاقية والدينية المعتدلة، والترويج للانحلال الديني وقيادة الفكر التحرري من خلال مصطلح دعم الحرّيات الشخصيّة، والتعامل مع المتمردين على الأخلاق العامة كضحايا؛ حيث كانت بدايات مواقع التواصل الاجتماعي، كما أُشيع وقتها بأنها مشاريع شبابية تحثّ الشباب على الإبداع والتفكير خارج الصندوق، وعلى الأغلب أن الغاية الحقيقية من هذه المنصات هي صُنع أداة للتّصنيف البشري أخلاقيّاً ودينياً وعلميّاً وإعلاميّاً وثقافيّاً وسياسيّاً، وهو ما تمّ إثباته مؤخراً عبر منصة فيسبوك من خلال انتهاك خصوصية 50 مليون مستخدم، والتي من وجهة نظري الشخصية هو الاستخدام الخطأ لموقع فيسبوك من قِبَل المستخدمين عبر الإفصاح عن المعلومات من خلال الإعجابات والتعليقات والنشر وعدم التفكير أو الأخذ بعين الاعتبار، بأن هذه المعلومات قد يتم استغلالها، ولذا كان قراري منذ 3 سنوات التخلّي عن هذا الموقع نهائيّاً، واستخدام المواقع الأخرى للتسلية فقط.

إنّ ما يجري من استباحة الحياة اليومية للفرد بملء إرادته عبر تطبيقات البثّ الفوري ونشر المقاطع المصوّرة، ما هو إلّا تجربة تمهيدية لما سيحدث في السنوات المقبلة، والذي ستحمل فيه تكنولوجيا "إنترنت الأشياء" -التي تشمل بعض أدوات الذكاء الاصطناعي التي حذّر منها العالم الراحل ستيفن هوكينغ- التتبّع الحقيقي لحياة كل إنسان مرغماً مما يعني كمّاً هائلاً من المعلومات التي سيكون من السهل الوصول إليها، والتي رغم إيجابياتها الجمة في المجالات الصناعيّة والصحيّة والعلميّة، إلا أنها ستحمل تأثيراً سلبيّاً على الأخلاق المجتمعية كسابقاتها من التقنيات التي تتم إساءة استخدامها من قِبل المجتمع العربي بشكل خاص.

ما يثير الاستغراب حقاً أنّ هذه التصرفات والأخلاقيات التي يتم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي كانت في مطلعها تصرفات هجينة، وتتم محاربتها بشدة إعلاميّاً ومجتمعيّاً، ومن ثَم تم تقبلها مع مرور الوقت بذريعة أنها تصرفات فرديّة لأيقونات منصّات التواصل الاجتماعي، وكان هناك أقليات يقومون بالتقليد الأعمى، ولكن دون إشهار.

لذا نجد الجيل الجديد الذي نشأ متابعاً لهذه الأخلاقيات مصرّاً على مواكبتها وممارستها على أرض الواقع والمجاهرة بها حتى باتت عادات مستحدثة، وهذا الوضع لم ينشأ بين ليلة وضحاها، بل هو مخطّط حقيقي لتدمير الركيزة الأخلاقية، وقد تم رسمه بإتقان من قِبَل أشخاص مهتمّين بقمع غريزة الأخلاق وعدم احترام البيئة المحيطة، علاوةً على إباحة المحظورات من خلال خلق التبريرات لمن يتمرّد أخلاقياً ودعمه بشتّى الوسائل، انطلاقاً من مبدأ الخصوصية، على خلاف ذلك تتمّ محاربة واضطهاد من يعمل على ترميم الركيزة الأخلاقية وحماية الآخرين من تسرّب العفن الأخلاقي، بل ويتمّ تعمّد إنشاء بيئة خالية من الفكر الأخلاقي والديني، وانتهاك حرمة الآخرين عند عدم تقبّلهم للأخلاقيات الهجينة، مما يثير المخاوف في توسّع هذه البيئة مستقبلاً وممارسة الهمجيّة مع مَن يرفض تقبّل هذا الانفلات.

قوة هؤلاء وما يديرونه من منصّات في مختلف المجالات مخيفة؛ لأنهم يملكون سُلطة تغييب الأفراد والتحكم في هيجانهم وتهدئتهم، مما يعني تشويه الآلية الفكرية، إن كان المتلقّي غير مؤهّل دينيّاً وفكريّاً؛ لذا المعالجة الحقيقية لهذا الطمس هي قراءة ما بين سطور التكنولوجيا واستغلالها جيداً والفهم الحقيقي للأدوات التي نملكها دون تعطيل الدماغ البشري، أو الاعتماد الكلي عليها، إلى جانب القراءة المتمعّنة للكتب السماوية ومواكبة الفكر العام وإهمال السلبيّة لتحقيق معادلة مجتمع ذي عقيدة، وعلى خلُق وذي علم، كما ورد في القرآن الكريم من سورة الأعراف: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)، وكما ورد في العهد القديم من أمثال سليمان -3 من: "انتبه دائماً لنفسك ولتعليمك.‏ اعكف على ذلك،‏ فإنك بفعلك هذا تخلِّص نفسك والذين يسمعونك أيضاً"، وكما ورد في الإنجيل (متى 12:7): "كل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضاً بهم؛ لأن هذا هو الناموس والأنبياء".





ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست عربي لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.



المصدر : http://www.huffpostarabi.com/rula-shadid/story_b_19407700.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات