الأحد، 4 مارس 2018

هل السعودية مسلمة؟ تدويل الحج كنموذج

هل السعودية مسلمة؟ تدويل الحج كنموذج

أن تدعي أنك مسلم حقّ لا ينازعك فيه أحد، ولكنّ ادعاءك ذلك يعتمد على تنفيذك لتعاليم الإسلام، كما لك الحق أن تدعي بأنك نباتي، ولكن إن كان نظامك الغذائي يعتمد على اللحوم بشكل أساسي، فإما أنك تكذب، أو أنك لا تفهم معنى كلمة نباتي.

بينما نجد أن السعودية تعتمد دعوى تطبيق الشريعة؛ لتكون في حل من التزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان.

ولكي تخرج من الدفاع عن سجلها في حقوق الإنسان بالحجج العقلية، يكتفي ممثلو النظام السعودي بإخراج كارت تطبيق الشريعة للهروب من أي حوار جاد في موضوع حقوق الإنسان.

ولكن هل فعلاً الدولة السعودية دولة مسلمة أم أنها تستخدم من الدين ما يبرر قمعها وتهمل الجوانب في الدين التي تطالبها بأن تعدل؟

لنأخذ ثلاثة أمثلة: تدويل الحج، التعامل مع المعارضة السعودية، ومكافحة الفساد.

صرح عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، بأن طلب تدويل المشاعر المقدسة عدواني وإعلان حرب ضد المملكة.

لنأخذ بعض النصوص التي توضح ما موقف الإسلام من التعامل مع المشاعر المقدسة:
﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.

فقد ورد في الحديث، عن عبد الله بن عمرو، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم) رواه الترمذي، وهو حديث صحيح، كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي.

بينما نجد أن النصوص الشرعية واضحة في أن دم مسلم واحد أكثر حرمة من أن يزول المسجد الحرام، بل من أن تزول الدنيا كلها، بينما نجد أن الجبير يصرح بأن السعودية مستعدة لبدء حرب ضد أي دولة تطالب بتدويل المشاعر، متجاهلاً أن الحرب لا محالة لها ضحايا من المدنيين، ومن المفروغ منه أن هذا الخطاب موجه للدول الإسلامية؛ حيث لا يتوقع أن تطلب دولة غير مسلمة هذا الطلب، أو يكون لها علاقة بكيفية إدارة المسلمين أماكنهم المقدسة.

لننظر للآية التالية ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِى جَعَلْنَـهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَـكِفُ فِيهِ والْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادِ بِظُلْم نُّذِقْهُ مِنْ عَذَاب أَلِيم﴾.

في الآية الآنفة نص واضح يشير إلى عظم ذنب من يصد عن المسجد الحرام، بينما تشتكي إيران وقطر من تسييس الحج، ويدّعون أن الحكومة السعودية تصعب على حجاجهم زيارة المسجد الحرام، وتنفي السعودية ذلك، فلا مجال للإنكار أن معارضي الحكومة السعودية في الخارج، مثل المسعري وفقيه والآخرين لا مجال لهم لزيارة المسجد الحرام، وأن خلافهم السياسي مع الحكومة هو بنظر الحكومة سبب كافٍ لصدهم عن المسجد الحرام.

فبينما نجد أنه في صدر الإسلام علي بن أبي طالب يقرر حقوق الخوارج بالنص التالي "لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نبدأكم بقتال".

فحتى إن رأت الحكومة في المعارضة أنهم خوارج، فمن المنظور الإسلامي أن لا يحرم القوم من زيارة المسجد الحرام، ولو خرجنا قليلاً من المنظور الإسلامي، وتكلمنا عن الحقوق كما في الدول العلمانية، لوجدنا أن المعارضة في من منظور عقلي هي فضيلة أو حق ولا مجال لمعاقبة من كان له رأي مخالف، بل تستفيد الدول من معارضيها في تطوير أنظمتها واكتشاف عيوبها.

أنَّ امرأةً سَرقَت في عَهْدِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ زمَنَ الفتحِ، فأمرَ بِها رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أن تقطعَ. فَكَلَّمَهُ فيها أسامةُ بنُ زيدٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ، فتلوَّنَ وجهُ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فقالَ: أتَشفعُ في حدٍّ مِن حدودِ اللَّهِ؟ فقالَ لَهُ أسامةُ: استَغفِر لي يا رسولَ اللَّهِ . فلمَّا كانَ العَشيُّ قامَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فأثنَى علَى اللَّهِ ما هُوَ أَهْلُهُ، ثمَّ قالَ: أمَّا بعدُ، فإنَّما أَهْلَكَ النَّاسَ قبلَكُم أنَّهم كانوا إذا سَرقَ فيهمِ الشَّريفُ ترَكوهُ، وإذا سَرقَ فيهمُ الضَّعيفُ أقاموا عليهِ الحدَّ، والَّذي نَفسي بيدِهِ لو أنَّ فاطمةَ بنتَ محمَّدٍ سَرَقت لقَطعتُ يدَها.

لننظر إلى حادثة الريتز كارلتون وحملة مكافحة الفساد؛ حيث تم إجراء تسويات مع من لا ينكر النظام أنهم سرقوا المال العام، فلو نظرنا إليه في ضوء الحديث الصحيح أعلاه، لوجدنا أن الشرع لا يعتبر ما حدث هو خروجاً عن النظام الإسلامي فقط، بل يجعله سبباً في هلاك الوطن.

بينما يبرر محمد بن سلمان ما حدث بأنه علاج بالصدمة، وهنا يجب طرح التساؤل عن إن كانت محاكمة الفاسدين وسارقي المال العام ضمن المحاكم ألن تكون الصدمة أكبر؟

ما حدث هو ضد الإسلام، وإن نظر له من ناحية عقلية بعيدة عن الشرع، نجد أنه لا مجال لتبرير إعطاء الفاسدين كارت خروج من السجن ثمنه مشاركة غنائم الفساد مع الدولة، وهو ما لا يقبله أي نظام يحترم القانون والمساواة بين الأفراد. ونظرية علاج الصدمة هي أحدث اختراعات النظام السعودي لتبرير فساده بما يخالف العقل والنقل.

لو أن أبا جهل عاد للحياة فلن يجد أفضل من النظام السعودي ليعيش فيه، بل سيكون سعيداً جداً بما يمثله هذا النظام، وليس من المستغرب أن يصبح مسؤولاً كبيراً في الدولة.

بينما لو أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- عاد للحياة في عصرنا على الأغلب أن يختار دولة مثل نيوزيلندا التي حسب دراسة قام بها أكاديمي في جامعة جورج واشنطن هي الدولة الأكثر تطبيقاً لمبادئ الإسلام في عصرنا الحالي، بينما لو كتب عليه أن يعيش في السعودية التي تحتل المركز 64 حسب الدراسة لسجن أو قتل، فلو حاول الانضمام لحلف الفضول، كما فعل قبل البعثة لسجن، ولو أعلن رفضه للنظام القائم كما فعل بعد البعثة لتم إعدامه كإرهابي.

وهنا تأتي المشكلة هي أنه بالرغم من أن الدراسة المحايدة تثبت أن النظام السعودي بعيد عن تطبيق الشرع، يستخدم النظام الإسلام كحجة لتبرير سوء عمله، مسيئاً بذلك للإسلام كدين، وهو تلاعب لا يقبله صاحب ضمير حي.

بينما نيوزيلندا التي تصرح بأنها دولة علمانية هي أفضل تطبيق حي لمبادئ الشريعة في الوقت الحالي.

هنا نؤكد أن النظام السعودي بالتأكيد ليس إسلامياً، بل استخدامه للإسلام هو أسلوب رخيص للتهرب من التزاماته الحقوقية التي يقرها العقل والشرع معاً.

ونختم المقال بالتساؤل التالي في الحديث عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن نقول الحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم)، ونتساءل: لو بايع الرسول اليوم في السعودية هل يبايعه أحد على أن يقول الحق أينما كان؟

ونقول للنظام: أبعدوا المصطفى ودينه عن سياستكم وتبرير ظلمكم؛ لأنه لو قام حقاً بينكم فسوف تعدمونه!


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/abdulaziz-abdulelah-almoayyad/-_15117_b_19361092.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات