على طرف أريكة خضراء غامقة يجلس الطفل جاد الله جمعة، بكنزته الصوفية الوردية وابتسامته البريئة، كان يتطلع فيمن يصوره، ويده ممدودة باتجاه وردة وردية في مثل لون كنزته.
تبدو الصورة عادية لو التُقطت في مكان آخر؛ طفل يلتقط له والداه صورة توثق لأيام طفولته السعيدة، لكن لا شيء في حياة جاد الله وردياً.. فهو من الغوطة الشرقية، التي لا تزال القذائف والصواريخ والبراميل المتفجرة تتساقط عليها، لتُسجل مذابح ضمن الأسوأ في العالم، مع تجاهل وقف إطلاق النار، وحيرة المجتمع الدولي إزاء الأزمة.
حيرة جعلت همة المتعاطفين مع جاد وغيره من أطفال الغوطة الشرقية وضحاياها تفتر، وأصبحت الانتهاكات اليومية التي يعيشونها أمراً عادياً بفعل تواترها على وسائل الإعلام التقليدية وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، مما جعل الناس يعتادونها.
وطوال الأزمة السورية، حاولت وسائل الإعلام الحكومية تشويه سمعة مُصوِّري الفيديو الذين يلتقطون مقاطع لأطفالٍ في معاقل المعارضة، وكذلك تشويه صور مباني الغوطة المُستَهدَفة بالقصف والتي تُظهِر الجثث الغارقة في الدماء، مُدَّعيةً أن المعاناة مُفتَعَلة لإيصال انطباع بعينه والتأثير في الرأي العام الدولي.
التطبيع مع المآسي..
لن يكون غريباً ألا تُذكِّرك الغوطة بشيءٍ ما، فهي مَعقَلٌ مُحاصَرٌ للمعارضة قرب دمشق، يبلغ تعداد سكانه 400 ألف شخص، وهي الموقع الذي استهدفته قوات بشار الأسد بالأسلحة الكيماوية في 2013، منتهكةً بذلك "الخط الأحمر" سيئ الصيت للرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، الذي اتضح أنه ليس موجوداً بالأساس.
وفي تقرير نشرته "نيويورك تايمز"، فإن مثل تلك الهجمات تستمر في فضح اللاإنسانية التي لا تُوصف، لكن التهديد الأكبر على المستوى الأخلاقي حالياً، قد يأتي من "التطبيع وعدم المبالاة بهذه الصور"، فقد كانت سوريا من قبلُ بلداً جميلاً ومُتحضِّراً، والآن صارت مجزرة للبشر، و"كثيرٌ منَّا يديرون ظهورهم له".
قبل بضع سنوات، كان الوضع مختلفاً؛ فقد انتشر مقطع مصور من طائرة من دون طيار لحي في حلب، إذ كانت الشقق والمنازل حيث كان الناس مؤخراً يطهون، ويصلّون، ويعيشون في حب ويذهبون إلى المدرسة، تشبه برلين في عام 1945، أو غروزني في 2000. الأحياء التي احتضنت الأمل، يحاول نظام الأسد محوها.
الآن، تبدو الغوطة مثلها مثل حلب، فالصور الرمادية للمباني المُدمَّرة بعد تعرُّضها للقصف تكاد تتطابق.
وقد استخدم المُصوِّرون الصحفيون، بفاعلية، مجموعةً من الأجهزة الفنية للوصول إلى الصورة البانورامية لمَشاهد الدمار، الذي جاوز كل الحدود: مجازر حيث تظهر الأم الثكلى تهز الطفل المتوفى؛ علَّه يعود للحياة، والجدة الناحبة التي فتحت ذراعيه مثل الصور التي تظهر معاناة المسيح عند المسيحيين، والعجوز البطل الذي يُنقِذ عائلته مثل إينياس بطل طروادة.
التعبير الذاتي..
أنتج المُصوِّرون السوريون صوراً معبرة جداً عن واقع الدمار الذي تعيشه مدنهم. لكنَّ التقاط الصور وسط الغارات الجوية الوحشية ليس أمراً سهلاً، فعلى مدار عدة أسابيع، وجدت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية 4 صور ونشرتها قبل أن يلحظ أحد المُحرِّرين تشابهها.
وكبديلٍ عن ذلك، حاول الكثير من السوريين توصيل أصواتهم بأنفسهم، فنشروا مقاطع فيديو على الشبكات الاجتماعية لأطفالهم المُتوسِّلين، وهم يتحدَّثون مباشرةً للكاميرا ويستغنون عن الوسطاء، شاقِّين طريقهم بالحيلةِ والإبداع.
بانا العابد، طفلة سورية أصبحت مشهورةً بالصدفة بسبب مقاطع الفيديو التي نشرتها والدتها على "تويتر" من حلب الشرقية، حيث كانت الحكومة السورية والقوات الروسية تقصف الأهالي لإرغامهم على مغادرة منازلهم: "من فضلكم، أنقذونا، شكراً لكم".
تبدو الصورة عادية لو التُقطت في مكان آخر؛ طفل يلتقط له والداه صورة توثق لأيام طفولته السعيدة، لكن لا شيء في حياة جاد الله وردياً.. فهو من الغوطة الشرقية، التي لا تزال القذائف والصواريخ والبراميل المتفجرة تتساقط عليها، لتُسجل مذابح ضمن الأسوأ في العالم، مع تجاهل وقف إطلاق النار، وحيرة المجتمع الدولي إزاء الأزمة.
حيرة جعلت همة المتعاطفين مع جاد وغيره من أطفال الغوطة الشرقية وضحاياها تفتر، وأصبحت الانتهاكات اليومية التي يعيشونها أمراً عادياً بفعل تواترها على وسائل الإعلام التقليدية وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، مما جعل الناس يعتادونها.
وطوال الأزمة السورية، حاولت وسائل الإعلام الحكومية تشويه سمعة مُصوِّري الفيديو الذين يلتقطون مقاطع لأطفالٍ في معاقل المعارضة، وكذلك تشويه صور مباني الغوطة المُستَهدَفة بالقصف والتي تُظهِر الجثث الغارقة في الدماء، مُدَّعيةً أن المعاناة مُفتَعَلة لإيصال انطباع بعينه والتأثير في الرأي العام الدولي.
التطبيع مع المآسي..
لن يكون غريباً ألا تُذكِّرك الغوطة بشيءٍ ما، فهي مَعقَلٌ مُحاصَرٌ للمعارضة قرب دمشق، يبلغ تعداد سكانه 400 ألف شخص، وهي الموقع الذي استهدفته قوات بشار الأسد بالأسلحة الكيماوية في 2013، منتهكةً بذلك "الخط الأحمر" سيئ الصيت للرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، الذي اتضح أنه ليس موجوداً بالأساس.
وفي تقرير نشرته "نيويورك تايمز"، فإن مثل تلك الهجمات تستمر في فضح اللاإنسانية التي لا تُوصف، لكن التهديد الأكبر على المستوى الأخلاقي حالياً، قد يأتي من "التطبيع وعدم المبالاة بهذه الصور"، فقد كانت سوريا من قبلُ بلداً جميلاً ومُتحضِّراً، والآن صارت مجزرة للبشر، و"كثيرٌ منَّا يديرون ظهورهم له".
قبل بضع سنوات، كان الوضع مختلفاً؛ فقد انتشر مقطع مصور من طائرة من دون طيار لحي في حلب، إذ كانت الشقق والمنازل حيث كان الناس مؤخراً يطهون، ويصلّون، ويعيشون في حب ويذهبون إلى المدرسة، تشبه برلين في عام 1945، أو غروزني في 2000. الأحياء التي احتضنت الأمل، يحاول نظام الأسد محوها.
الآن، تبدو الغوطة مثلها مثل حلب، فالصور الرمادية للمباني المُدمَّرة بعد تعرُّضها للقصف تكاد تتطابق.
وقد استخدم المُصوِّرون الصحفيون، بفاعلية، مجموعةً من الأجهزة الفنية للوصول إلى الصورة البانورامية لمَشاهد الدمار، الذي جاوز كل الحدود: مجازر حيث تظهر الأم الثكلى تهز الطفل المتوفى؛ علَّه يعود للحياة، والجدة الناحبة التي فتحت ذراعيه مثل الصور التي تظهر معاناة المسيح عند المسيحيين، والعجوز البطل الذي يُنقِذ عائلته مثل إينياس بطل طروادة.
التعبير الذاتي..
أنتج المُصوِّرون السوريون صوراً معبرة جداً عن واقع الدمار الذي تعيشه مدنهم. لكنَّ التقاط الصور وسط الغارات الجوية الوحشية ليس أمراً سهلاً، فعلى مدار عدة أسابيع، وجدت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية 4 صور ونشرتها قبل أن يلحظ أحد المُحرِّرين تشابهها.
وكبديلٍ عن ذلك، حاول الكثير من السوريين توصيل أصواتهم بأنفسهم، فنشروا مقاطع فيديو على الشبكات الاجتماعية لأطفالهم المُتوسِّلين، وهم يتحدَّثون مباشرةً للكاميرا ويستغنون عن الوسطاء، شاقِّين طريقهم بالحيلةِ والإبداع.
بانا العابد، طفلة سورية أصبحت مشهورةً بالصدفة بسبب مقاطع الفيديو التي نشرتها والدتها على "تويتر" من حلب الشرقية، حيث كانت الحكومة السورية والقوات الروسية تقصف الأهالي لإرغامهم على مغادرة منازلهم: "من فضلكم، أنقذونا، شكراً لكم".
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2018/03/05/story_n_19364874.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات