السبت، 17 مارس 2018

لماذا يلجأ المطربون الشباب لأغاني سيد درويش مجدداً؟.. عبقرية تتجاوز الزمان أم تشابه في الهموم!

لماذا يلجأ المطربون الشباب لأغاني سيد درويش مجدداً؟.. عبقرية تتجاوز الزمان أم تشابه في الهموم!

كأنها كتبت أمس ولحنت اليوم، تبدو أغاني سيد درويش ( 1892 – 1923) كمياه النيل لا تنضب بل تتجدد دوماً لتروي ظمأ عشاق الفن في كل زمان وتشارك في كل عصر بخلق موضة غنائية مستحدثة أو تحفز موجة ثورية جديدة.

فلماذا بقي إمام تجديد الغناء العربي في بداية القرن العشرين ملهماً لمجددي القرن الحادي والعشرين؟.

رغم الانطباع الموجود لدى قطاع من جمهور مستمعي كلاسيكيات الغناء العربي، بأن الأجيال الجديدة من المطربين لا تأبه بشكل كاف بالتراث الموسيقي المصري العربي الأصيل.

إلا أن الواقع أن هناك عديد المغنيين الشباب وفرق الأندر غراوند (underground) (فرق موسيقية توصف بأنها ثورة ضد الموسيقى المبتذلة وتجمع بين الموسيقى الغربية والشرقية ) عملوا على إعادة إحياء تراث سيد درويش في السنوات الأخيرة بشكل أعاد ربط جمهورهم من الشباب بالتراث المصري الغنائي القديم.

فمطربون شباب مثل محمد محسن وفرق مثل مسار إجباري وبلاك تيما، وهم أصحاب تجارب غنائية غاية في الاختلاف، نهلوا جميعاً من تراث سيد درويش، إذ يبدو أن عبقريته الموسيقية ومضامين أغانيه وروحه المصرية القحة تواصل تقديم الإلهام لشباب يفترض أن فنهم يتمرد على ما هو تقليدي ليثبت درويش أن فنه مازال محتفظاً بعدم تقليديته بعد مرور ما يقرب من 95 عاماً على وفاته.

ليست هذه الموجة الأولى التي تعمل على إحياء وإعادة تقديم أغاني سيد درويش فقد حقق حفيده إيمان البحر درويش نجاحاً كبيراً في بداية حياته عندما قدم العديد من أغاني جده بتوزيعات جديدة في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى كان يحتفظ بالتوزيع واللحن الأصلي.

وأطل علينا إيمان البحر درويش من فيلم حكاية في كلمتين بأغنية جده التي لا تنسى "زوروني كل سنة مرة" والتي ترتبط بحب حياته "جليلة" والتي تعد واحدة من أرق أغانيه على الإطلاق.






من النوبة لفلسطين.. رائعته السودانية تلهب العرب






قدم سيد درويش أغاني معبرة عن الأطياف المختلفة التي كانت تعيش في مصر في عصره. ومن أشهر أغانيه رائعته "هيلي هالله" باللهجة السودانية من تأليف بديع خيري، وقد أعاد فريق"بلاك تيما" المكون من ثلاثة شباب مصريين نوبيين تقديمها ضمن موجة إحياء تراث سيد درويش.



ويمكن تلمس مدى عمق تأثير سيد درويش في الثقافة العربية برمتها في أن هذه الأغنية الرائعة وذات الكلمات الصعبة بالنسبة لأغلب العرب أعادت تقديمها مؤخراً أيضاً فرقة فلسطينية.




نجمة لبنانية شهيرة تقدم يا محلا نورها





فاجأت الفنانة اللبنانية الشابة نانسي عجرم جمهورها في إحدى حفلاتها بغنائها لإحدى مونولوجات أوبريت "طلعت يامحلا نورها" من تلحين الفنان سيد درويش.



وتظهر في هذه الأغنية بالتحديد بصمة سيد درويش في التلحين والتوزيع، حيث تميل إلى اتباع نمط الحوار الغنائي، كونها تتبع نظم المونولوج السائد في عصره من ناحية قصر الجمل الغنائية وسلاستها.




أغنية تحول الفلاحة المصرية إلى أيقونة عربية






"الحلوة دي قامت تعجن في البدرية"، واحدة من روائع سيد درويش التي تركت أثراً كبيراً في التراث المصري، وامتدت شهرتها بطابعها الريفي المصري لأرجاء العالم العربي.



وهي من كلمات بديع خيري، وغنتها الفنانة اللبنانية فيروز حتى ارتبطت باسمها لدى البعض، وقامت الفنانة أميمة الخليل بتقديمها مؤخراً ضمن موجة إحياء تراث سيد درويش.




الشارع يرد جميل الرجل الذي كرمه





أخرج سيد درويش الموسيقى والغناء العربيين من برجهما العاجي المتحفي الطابع، وبث فيهما روح الشارع العفوية، واليوم يرد هذا الشارع الجميل للشيخ السيد فمازال يردد أغانيه التي لم تعد مجرد جزء من الثقافة المصرية بل أصبحت راسخة في العقل الباطن المصري، فيرددها الإنسان العادي أحياناً دون وعي، فإذا استيقظ مبكرا تراه يهمس بأغنية درويش الشهيرة "الحلوة دي قامت تعجن في البدرية"، وإذا طالت غيبة أحبائه أو أقاربه داعبهم بأغنية "زوروني كل سنة مرة".

استمرار أغاني سيد درويش كمستودع دائم للطرب العربي يعد شهادة تاريخية ممهورة بختم الزمان بعبقرية الرجل، ولكنها ظاهرة تدعو أيضاً للتساؤل هل لجوء هؤلاء الشباب لأغاني سيد درويش هو نتيجة فقط لعبقرية الشيخ المتمرد وتعبيره العابر للعصور عن الروح المصرية الشعبية في مواجهة مظالمها ومشكلاتها التي لم تتغير كثيراً، أم أن هذا الاستلهام هو محاولة لتغطية عجز هذا الجيل عن ابتكار أشكال فنية جديدة.

السؤال الأكثر جدلية هل يمكن أن يتحول المطربون الشعبيون حالياً الذي يتهمون اليوم بأن فنهم هابط إلى ملهمين للفن الراقي بعد خمسين أو مائة عام مثلما حدث مع فن سيد درويش!.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2018/03/17/story_n_19372002.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات