الخميس، 1 يونيو 2017

العَقل الشُّمولي: لا تُصدق شُمولياً! محاولة تفكيك (1)

العَقل الشُّمولي: لا تُصدق شُمولياً! محاولة تفكيك (1)


(1)

العقل الشمولي كان -وسيبقى- مشغولاً ببقائه، وتمجيد ذاته، وادعاء جدارته وانتصاره، وتآمر الكون عليه. حق الحياة والاختيار، والمدنية، والخصوصية، وحرية الأفراد، آخر همه. وهو لا يقصد بالحرية إلا استبدال شمولية بأخرى وتخوين كل آخر!

والشموليُّون أعجز من أن يقرُّوا بحرية الآخر، أو حتى حرية "مُريديهم"، أجبن من قبول المنافسة على قاعدة العمل والإنجاز من غير هِرّاوة "المقدس" و"محاكم التفتيش". فالشمولي يدّعي اهتمامه بالمراجعة، يوجه دعوة لنفسه، يتحدث مع ذاته، يراقب لغة جسده، ويستمع لرجع الصدى.. استهلاك!

الفكر الشمولي؛ يخشى الذاكرة، تشعره كم هو ضحل ومأزوم، ولأن التفاصيل والمكان يفضحانه، يقتلها، إما بنزع القيمة عن التفاصيل وإضفاء القداسة على نفسه وإما بهدم المكان وتحييده!
الفكر الشمولي لا يقدم سوى الاستبداد، الاستبداد يوطن للشمولية وينفي البقية!

في الشّرق، "العقل الاجتماعي" هو مرجع الرؤى، في النهاية لا فرق في الأدوات بين يسار ويمين، من "الحقيقة" المطلقة وصولاً للمؤامرة، رؤى شمولية. والعقل السلفي عميق جداً، أعمق مما يتخيل، هناك إسلامي سلفي، ومسيحي سلفي، علماني جهادي وطفل سلفي. لا مواطنة أو أمان مع كل هذه السلفية!

والشموليون مجبولون على القمع، العسكرة واحتكار الحقيقة. بعدها يهرعون لـ"صلاة" وموعظة عند ولي الأمر والنهي. ومن "تقواهم" يستغفرون لخصومهم وضحاياهم بعد طحنهم. أما المدهشة حقاً، فهي خطابية مريدي الشمولية و"الطاعة في غير معصية"، وهم ينظِّرون ضد "الاستبداد"!
شموليتكم والحرية، انظروا تحت أقدامكم!

(2)

العقل الشمولي يتحرك باعتباره مركزاً للكون، اهتماماته وطرائقه هي مرجع الدنيا! يستثمر في لعن السّباقين، بارع في خلق علاقة عضوية بين عقمه وإنجاز الآخر! متغطرس متصنع، تجتاحه "الشيزوفرينيا"، جيد الحضور بين الأقل كفاءة، على أساس "الضعف" يختار فريقه، وينتفع من حمقى فاقدي الأهلية. "لا أرضاً قطع" ولا عقلاً أبقى، وفي مجتمعات الركود يبقى ويبقى!

نظرية المؤامرة أهم إنجازات العقل الشمولي العملانية، لحْظي، ماضوي، مقدس في ذاته، ويختزل الزمن في أنفاسه!
حنا أرنت (مفكرة سياسية ألمانية): "جذور الشمولية، القمع من أجل البقاء ونزع الإنسانية، حيث يتحول المجتمع إلى حشد معجب ومؤيد للقمع، واغتيال الآخر معنوياً عبر صياغة الذهن الجمعي واحتكار الحقيقة وتبني خطاب خطر المتآمرين".

(3)

تُهَم ازدراء الأديان ورجال الدين، إثارة "الفتنة"، "زعزعة" السلم الأهلي، وهدم "قيم" المجتمع وإهانة رأس الدولة.. كلها مسيسة، خائبة وللخلف در. المجتمعات الراكدة لا قيم لها تُحترم، وإلا فكيف تكون "من ظهرت شوكته وجبت طاعته" قيمة لمجتمع فيه بعض عقل وخلق!
من ظهرت شوكته وجبت طاعته"! ثم يكون خبلانه "شرعية" و"شريعة" راسخة. تاريخ يكتبه ذو "شوكة" لمجتمع لا يذكر سوى محاسن الأموات!

أما دعاوى "الحسبة"، فواحدة من أدوات الأنظمة البوليسية، تُستخدم لترويع الفكر، وهي إرهاب باسم "الأخلاق والديانة"، ومكارثية يمارسها العقل الاجتماعي، وتقنينها تعزيز للشمولية وكياناتها!


(4)

المؤرخون في المجتمعات الراكدة مجرمون يفلتون من العقاب، وأداة شمولية.
التاريخ الذي يُكتب في الركود والاستبداد أفيون بجرعة زائدة، كفيل بإهلاك خلايا الدماغ، قاتل لأي أمل في تشكُّل العقل النقدي. تاريخ سافل كفيل بإدامة أمراض الفرد والمجتمع، أقسى من الكولونيالية والإبادة الجماعية!

المجتمعات الراكدة عليها أن تتوقف تماماً عن كتابة التاريخ؛ بل يجب استبعاده في مراحل التشكُّل الذهني للأجيال الجديدة.

التاريخ "لا" يعيد نفسه، خاصة ذلك التاريخ الذي تستهلكه المجتمعات الراكدة عن نفسها؛ لأنه لم يحصل ولا لمرة واحدة. فالتاريخ المستهلك في الشرق الأوسط مشافهة، وفي الإعلام العمومي وفي "كتب"، أساطير لا سابق لها في العصر الوسيط أو بداءة الأمازون. فإذا كان المنتصرون هم من يكتبون التاريخ، فكيف كُتب هذا التاريخ الأسطوري في الشرق المهزوم؟!

(5)

شموليّو الخطاب الديني أفسدوا عقول وأفهام الشرقيين بحكاية "الإجماع" والوفاق المقدس حتى باتت جزءاً من الذهن الجمعي. من يستطيع اليوم إبطال السحر العميق المدعوم بـ"المقدس"؟! من يُقنع الناس على اختلافهم بأن الوفاق والإجماع ليسا فضيلة!

"الإجماع" علامة وازنة لاستبداد وجهالة، إشارة إلى مجتمع عقيم وإدارة شمولية!
وهو حكاية زائفة لا يقبلها وعي مر بحضارة، أي مدينة مدنية تلك التي تجمع نخبة ناضجة فيها على أمر، ولو الاختيار بين حلو ومر!




ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/khaldoun-saahami-/post_15105_b_16883642.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات