الأحد، 11 يونيو 2017

علم الخرافة "2-2"

علم الخرافة "2-2"


تحدثنا في المقال السابق عن معنى الخرافة، وأسباب انتشارها ولكننا لم نتحدث عن الجزء الأهم والذي بالتأكید تنتظره؛ ألا وهو: كیف نواجه تلك الخرافات، وماذا نفعل كي لا تصیبنا بشكل شخصي؟ فمرحباً بك من جدید أیها القارئ.


دورنا الآن أن نقلل من تلك الخرافات، وبالطبع نطمح -هكذا- إلى إبادتها، ولن يتأتى ذلك إلا بالعلم والتفكير النقدي.

من فضلك، واحدة واحدة: ما هو العلم؟ وما هو التفكير النقدي؟

سعيد جداً بهذا السؤال، للعلم تعريفان؛ الأول (وهو الذي علموه لنا في المدارس): أنه العلوم الدقيقة كالفيزياء والكيمياء والرياضيات، وأما الثاني (والذي أقصده ها هنا): أنه منهجية التفكير ودراسة المسائل التي تحصد نتائج واقعية يمكن التحقق منها بالتحليل النقدي المنطقي (أتتذكر؟).

إذا كنت عالماً في الكيمياء ولا تعرف منهجية التفكير النقدي، فأنت لم تتعلم شيئاً، أيضاً لا تظن أن الخرافات فقط قائمة على العامة والجهلاء والفقراء؛ بل إنها تسربت -أو بدأت أصلاً- من عند العلماء والمفكرين، وللأسف هناك الكثيرون معي في الكلية (كلية الطب) لا يعرفون شيئاً عن التفكير النقدي، لا أعيبكم -وإن كان عليكم أن تقرأوا قليلاً- بل أعيب نظام التعليم الذي أتاح لكم أن تكبروا وتنضجوا دون العلم! نعم، فهذا هو العلم.

أرى بنظرتي أن غياب النظرية النقدية كان بسبب الغيرة المهنية في المقام الأول، كيف؟ اصبر قليلاً، ستعرف كل شيء.

العلماء ينظرون للعلم على أنه بناء ضخم لا يمكن لأي شخص أن يتسلقه؛ ولذلك يمانعون أن يصل البسطاء له، لماذا؟ ذلك لأنهم يعتقدون -وهذا صحيح إلي حدٍ ما- أن أي شخص سيصل ويفكر بطريقة عقلانية متزنة سيسمي نفسه عالماً؛ ومن ثم سيخسر العلم هيبته والعالم ذاته ومكانته.

لطالما عوّدتكم في مقالاتي أن تنتهي بحلٍ أو تصرُّف ما، والحل بسيط جداً هاهنا رغم صعوبة المشكلة وانتشارها.

دعني أقسِّم لك الحل إلى جانبين: أولاً: ماذا تفعل الدولة أو وزارة التعليم إن حق القول؟ ثانياً: ماذا تفعل أنت؟

وأما وزارة التعليم، فيجب عليها تغيير مفهوم العلم لدى الطلاب، وأن تزرع جانب التفكير النقدي لديهم؛ كي يكتسبوا طريقة ومنهجاً في التفكير، بدلاً من الأسلوب المعاصر في التعليم الذي يهدف فقط إلى تكديس كمّ هائل من المعلومات في عقلية الطالب، والتي لا تتحمل بالطبع!

أما عن دورك أنت، فيتمثل في خصائص التفكير العلمي، أعرف أنك قد مللتَ مني الآن، ولكننا قد شارفنا على الانتهاء، من فضلك تحمَّل، كلها دقائق وتتغير تماماً:

إذاً، ما هي خصائص التفكير العلمي؟
يعتبر "الشك" هو أولى خصائص التفكير العلمي، والأهم من الشك هو آلية الشك: فكلما فشلت الاختبارات في إثبات خطأ فرضية ما كانت حجتها أقوى، ولا تشك فقط فيما تسمع، فالخطوة الثانية أن (تشك في صحة معلوماتك)، ثم تتجه إلى (طرح الحلول المعقولة والمألوفة)، وأخيراً تأتي المرحلة الأهم وهي (التأكد).

سأطرح عليك مثالاً؛ كي أبسِّط لك الموضوع:
تخيل أنك جالس ببيتكم في الدور السفلي تشاهد التلفاز، وخُیّل إليك أنك سمعت صوتاً بالأعلى، فظننت -هاها- أنه "عِفريت". ماذا تفعل؟

ظنك أنه "عفريت" هو "مرحلة الشك"، تقول: يمكن أن يكون شيئاً آخر (مرحلة الشك في صحة معلوماتك)، ثم تفكر في أنه يمكن أن يكون أخوك قد استيقظ، أو لص يسرق أو صوت التلفاز بالأعلى (مرحلة تقديم الحلول العقلانية)، ثم تذهب بالأعلى لتتأكد (مرحلة التأكد). إن لم تفعل ذلك فلتذهب إلى الجحيم!

ها قد وصلنا، هلِّل، ولكن أولاً دعني أخبرك بأن كل يومٍ يتجه أحدنا للخرافة بشكل أو بآخر سواء بالفعل أو حتى بالتفكير، فمن الصعب أن تندثر الخرافات والخزعبلات بسهولة في أي عصر ما دام الخوف وغياب الأمان يشوبانه.

لكن على كلٍ، يجب ألا ندع مثل هذه الخرافات تسيطر على عقولنا وتصرفاتنا، وهذا سبب كتابة المقال بجانب أن أضع لك المنهج أو الطريق العلمي النقدي، وما عليك فقط هو أن تطبقه على كل شيء تراه، أو تسمعه، وكل خبر ينتشر، وكل حاكم يستغل جهل الناس!


ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/fouad-yaser-amer/story_b_16855872.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات