أمي أندلس الدنيا وفردوس الآخرة
لا كلمة تصف جمال أمي، فكل الحروف تنحني مهابةً أمامَ ذكرها.. تشكيلها صعب جداً، فالتردد يتملَّكني منذ فترة ليست بالقصيرة، هل لخوفي من عدم إنصافها، أم لأنه مضى وقت طويل لم أكتب فيه شيئاً تعبيراً عن إحساسي، أم لكمية التقصير التي سأُدلي بها...
طالما بحثت في مفهوم الرفيق، وطالما أبديت إعجابي بهذه الكلمة، فخامة الراء، قلقلة القاف، خضوع النقطتين واعتلاؤهما من جديد... أردت بكل جدية تجربة ذلك الشعور، شعور أن تمتلك رفيقاً ترتاح في حضرته، وتخضع له محبة فيه، وتعتلي معه سلم الحياة نحو القمة خطوة خطوة، يقاسمك مأسي الحياة وأفراحها، يأخذ بيدك ويربِّت على كتفك... بحثت عنه بين أرواح الأصدقاء، وحتى وراء الكلمات... كان موجوداً بجانبي دائماً، وكان قرار رحلة البحث ذلك خاطئاً!!
أنا فتاة في العشرينيات من عمري، أعمل ممرضة في قسم الجراحة، وأدرس في الجامعة تخصص حقوق، ومنفطرة القلب أيضاً... معظم وقتي بين العمل والتحضير للبحوث وتقديمها، الذهاب للجامعة والعودة للبيت، ولأن بنيتي ضعيفة جداً دائماً ما أصاب بتعب وإرهاق شديدين، حتى مخارج الحروف لدي تكون منهكة، وكالعادة تقابلني أمي بابتسامة وديعة، وتسألني (أين السلام؟).. أنتِ السلام يا أمي.. تتركني لوسادتي كثيراً علَّها تمتص بعضَ ذلك التعب، تنظف البيت، ترتب أشيائي وتعد لي الطعام.. بمجرد استيقاظي تحضره وتحاول ملاطفتي، وأبدأ بسرد تفاصيل اليوم، بدءاً من مشاكل العمل إلى الدراسة، وهي تنصت بعين تبرق، وقلب يخفق، وروح تتوجع... كنت ألمح تعاطفها من تقوّس حاجبيها وعينيها في كل موقف مؤلم، فتأخذ من غضبي وتعطيني من صبرها، وتأخذ من ضعفي وتعطيني من قوتها... لا أدري كم مرة ابتعت البؤس من هذه الحياة، لكني أذكر جيداً أن أمي كانت تدفع الثمن رغم أنه بضاعة فاسدة.
تستمر أمي بالقيام بكل أشغال البيت، وهي صاحبة 53 عاماً، رغم مرضها المزمن، ورغم ارتياحي لبعض الوقت، لم تعترض يوماً على تقصيري، ولأن الله يحب السعي وضع لي في بداية طريقي من يقدر سعيي، فكانت وما زالت تُقدِّر ما أقوم به من عمل ودراسة، وما أحمل من شغف وطموح... فاختارت أن تتحمل مسؤولية البيت كاملة، بل حتى إنها تتحمل مسؤوليتي، فأنا لم يعد لدي الوقت حتى لأهتم بنفسي، فتختار ملابسي وتمشط شعري وتهتم بالهالات السوداء الموجودة أسفل عينيَّ، وتعالج شحوب وجهي.
هذه العظيمة حملتني تسعة أشهر في رحمها، وما زالت تحملني في قلبها وبعينيها وفكرها، أطعمتني حليبها، وما زالت تطعمني حباً وحناناً ورفقاً، وتُقابل تقصيراً دائماً.
تصحبني يومياً بدعواتها من باب الغرفة إلى باب البيت، تألم لألمي ومرضي، وحين يأتي موعد الامتحانات تقاسمني كل لحظة تعب، توقظني مبكراً، وتحضر القهوة، وتربط على قلبي، وتُهدِّئ من روعي... وتنجح كل مرة في جعلي فتاة تثق في معجزات الله وعطائه، وفي قدرتها على مواصلة المسيرة.
لا أدري ما الذي جعلني أكتب هذا، غير أن الذي لا تعلمه أمي أن كل ليلة أضع فيها رأسي على الوسادة أملأها دمعاً، خوفاً من فقدها، خوفاً من مجابهة الحياة من دونها... أمي أنتِ ركني المتين، وفقدك يبطل الحياة، أنتِ سندي القوي أيتها الحسناء قلباً وقالباً، أنتِ الجمال، والنظر في عينيك عبادة، والعيش تحت فضلك تبرك... فاغفري تقصيري، أمي الرفيق الحق، وأمك هي الرفيق الحق، فاستمتع بأنْدَلُسِكَ قبل أن تفقدها في الدنيا، وحافظ على فِردَوْسِك حتى لا تفقدها في الآخرة.
طالما بحثت في مفهوم الرفيق، وطالما أبديت إعجابي بهذه الكلمة، فخامة الراء، قلقلة القاف، خضوع النقطتين واعتلاؤهما من جديد... أردت بكل جدية تجربة ذلك الشعور، شعور أن تمتلك رفيقاً ترتاح في حضرته، وتخضع له محبة فيه، وتعتلي معه سلم الحياة نحو القمة خطوة خطوة، يقاسمك مأسي الحياة وأفراحها، يأخذ بيدك ويربِّت على كتفك... بحثت عنه بين أرواح الأصدقاء، وحتى وراء الكلمات... كان موجوداً بجانبي دائماً، وكان قرار رحلة البحث ذلك خاطئاً!!
أنا فتاة في العشرينيات من عمري، أعمل ممرضة في قسم الجراحة، وأدرس في الجامعة تخصص حقوق، ومنفطرة القلب أيضاً... معظم وقتي بين العمل والتحضير للبحوث وتقديمها، الذهاب للجامعة والعودة للبيت، ولأن بنيتي ضعيفة جداً دائماً ما أصاب بتعب وإرهاق شديدين، حتى مخارج الحروف لدي تكون منهكة، وكالعادة تقابلني أمي بابتسامة وديعة، وتسألني (أين السلام؟).. أنتِ السلام يا أمي.. تتركني لوسادتي كثيراً علَّها تمتص بعضَ ذلك التعب، تنظف البيت، ترتب أشيائي وتعد لي الطعام.. بمجرد استيقاظي تحضره وتحاول ملاطفتي، وأبدأ بسرد تفاصيل اليوم، بدءاً من مشاكل العمل إلى الدراسة، وهي تنصت بعين تبرق، وقلب يخفق، وروح تتوجع... كنت ألمح تعاطفها من تقوّس حاجبيها وعينيها في كل موقف مؤلم، فتأخذ من غضبي وتعطيني من صبرها، وتأخذ من ضعفي وتعطيني من قوتها... لا أدري كم مرة ابتعت البؤس من هذه الحياة، لكني أذكر جيداً أن أمي كانت تدفع الثمن رغم أنه بضاعة فاسدة.
تستمر أمي بالقيام بكل أشغال البيت، وهي صاحبة 53 عاماً، رغم مرضها المزمن، ورغم ارتياحي لبعض الوقت، لم تعترض يوماً على تقصيري، ولأن الله يحب السعي وضع لي في بداية طريقي من يقدر سعيي، فكانت وما زالت تُقدِّر ما أقوم به من عمل ودراسة، وما أحمل من شغف وطموح... فاختارت أن تتحمل مسؤولية البيت كاملة، بل حتى إنها تتحمل مسؤوليتي، فأنا لم يعد لدي الوقت حتى لأهتم بنفسي، فتختار ملابسي وتمشط شعري وتهتم بالهالات السوداء الموجودة أسفل عينيَّ، وتعالج شحوب وجهي.
هذه العظيمة حملتني تسعة أشهر في رحمها، وما زالت تحملني في قلبها وبعينيها وفكرها، أطعمتني حليبها، وما زالت تطعمني حباً وحناناً ورفقاً، وتُقابل تقصيراً دائماً.
تصحبني يومياً بدعواتها من باب الغرفة إلى باب البيت، تألم لألمي ومرضي، وحين يأتي موعد الامتحانات تقاسمني كل لحظة تعب، توقظني مبكراً، وتحضر القهوة، وتربط على قلبي، وتُهدِّئ من روعي... وتنجح كل مرة في جعلي فتاة تثق في معجزات الله وعطائه، وفي قدرتها على مواصلة المسيرة.
لا أدري ما الذي جعلني أكتب هذا، غير أن الذي لا تعلمه أمي أن كل ليلة أضع فيها رأسي على الوسادة أملأها دمعاً، خوفاً من فقدها، خوفاً من مجابهة الحياة من دونها... أمي أنتِ ركني المتين، وفقدك يبطل الحياة، أنتِ سندي القوي أيتها الحسناء قلباً وقالباً، أنتِ الجمال، والنظر في عينيك عبادة، والعيش تحت فضلك تبرك... فاغفري تقصيري، أمي الرفيق الحق، وأمك هي الرفيق الحق، فاستمتع بأنْدَلُسِكَ قبل أن تفقدها في الدنيا، وحافظ على فِردَوْسِك حتى لا تفقدها في الآخرة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/lkhdary-fatima-al-zahra/post_15122_b_16900218.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات