عندما يتحتم على الإخوان أن يتنازلوا عن شرعية الرئيس مرسي
يثور الحديث حول وثيقة للتوافق تصدر قريباً عن أطياف المعارضة المصرية، ومن ضمنها جماعة الإخوان المسلمين، وفي هذه الوثيقة تنازلٌ عن شرعية الرئيس مرسي.
وتتعالى الأصوات من داخل جماعة الإخوان المسلمين ومن مناصريها بالاستهجان الشديد، ورمي قيادة الإخوان، وعلى رأسها القائم بأعمال المرشد الدكتور محمود عزت وفريقه بالخور والهزيمة بل وبالخيانة.
وثار الحديث حول تسريبات لخطابات موجهة من هذه القيادة لصفوف وأفراد الجماعة، تحدّثهم هذه الخطابات عن توافق مع الأطياف المعارضة الأخرى على تكثيف الحراك ضد الدولة العسكرية القائمة، مع تجاوز شرعية الرئيس مرسي، وذلك لأن بقية القوى المعارضة تصرّ على هذا، ويبدو أنه لا طريقة للاصطفاف إلا بذلك.
تحضرني في ذلك القصة التي تقول: إن أحد علماء العروض جاءه يوماً رجل؛ ليتعلم العروض على يديه، ومرت الأيام في تعليم هذا الرجل، ولكنه لم يتقدم مطلقاً ناحية تحقيق هدفه، فلما يئس منه المعلم، طلب منه ذات يوم أن يُقطّع عروضياً البيت الذي يقول:
إذا لم تستطع شيئاً فدعه ** وجاوزه إلى ما تستطيع
فعلم الرجل بمراد أستاذه، ووقف عند حقيقة نفسه، إذ أيقن أنه لن يصل إلى بغيته في تعلم هذا العلم أبدا، ولا بد له من أن يغير وجهته لغاية أخرى.
هذا هو حال الإخوان المسلمين الآن، فمنذ الانقلاب العسكري في 2013م وهم على حالهم في محاولة كسر هذا الانقلاب وإعادة الرئيس مرسي بشرعيته الكاملة.ولم يثنهم عن ذلك كونهم في الميدان وحدهم أمام آلة البطش العسكرية الطاغية.
وحاول الإخوان مع ذلك أن يتوافقوا مع بقية الطيف المعارض للدولة العسكرية، ولكنهم حاولوا ذلك على أرضية شرعية الرئيس مرسي، في حين أن بقية الطيف المعارض بدا منه أنه لا يقبل بهذه الشرعية، وليس مستعداً أن يُقْدم على أي حراك مشترك هدفه إعادة هذه الشرعية.
دعونا في البداية نؤكد على أن هذا من القوى السياسية المعارضة -بكل وضوح- هو من المضي في الغي والسفه.
هذه القوى هي التي ساعدت آلة الانقلاب العسكري في إتمام خطتها ومرادها، وقد ساعدت هذه القوى في ذلك بكل بلاهة وغباء، عندما وضعت يدها في يد أعدائها ضد رفقائها من الإخوان، والذين لم تكن ثورة يناير/كانون الثاني إلا بهم جميعاً.
وإذا كان الحديث يكثر من هنا وهناك حول أخطاء الإخوان التي أدت بالحالة المصرية لما هي عليه، فإن أخطاء هذه القوى الثورية المعارضة هي أضعاف أخطاء الإخوان، وإذا قيل إن الإخوان كانوا بلهاء في تعاملهم مع العسكر ومؤسساتهم، فإن هؤلاء من المعارضين الآخرين كانوا بلهاء سفهاء أغبياء.
وإن من أكبر السفاهة ألا يعتذر هؤلاء اعتذاراً رسمياً عن مواقفهم المخزية مع الرئيس مرسي ودولته.
وإن ذروة هذه السفاهة أن يصر هؤلاء على تجاوز شرعية هذا الرئيس المظلوم، من أجل إتمام أي اصطفاف ثوري للعمل والحراك من أجل إسقاط هذه الديكتاتورية العسكرية القائمة.
أقل ما يقال عن ذلك إنه سفاهة، لكن بعد تجاوز توصيف هذا والحكم عليه، لم يعد أمام الإخوان أي خيار آخر.
لقد جاءت القوى المعارضة بشروطها وهي في موضع القويّ المُشْترِط، ليس لأنها قوية حقاً، فلم يبقِ العسكر أحداً وبه رمق من قوة، ولكن قد ظهرت قوتهم أمام الإخوان؛ لأن الإخوان في أضعف حالاتهم، فحراكهم قد انتهى بالكلية، وتنظيمهم تشتّت، وقيادتهم مختلفة تتصارع وتتعادى.
الإخوان في حاجة كبيرة لهذا الاصطفاف، وهو الآن القشة التي عليهم أن يتعلقوا بها، فهم غرقى حقاً، وليس أمامهم إلا أن يوافقوا على شرط القوى المعارضة، وهو التخلي عن شرعية الرئيس مرسي.
ليس من الخيانة أن يقبل الإخوان الآن التنازل عن شرعية الرئيس، بل من العقل والحكمة ذلك، فلم تبق هناك شرعية للرئيس، فكل الحراك لإرجاع شرعيته قد توقف تماماً، وقد توثقت شرعية الدولة العسكرية القائمة محلياً وإقليمياً ودولياً.
إننا أمام وضع استثنائي محلي وإقليمي وعالمي، هذا الوضع مجملاً أصبح يؤكد أنه لا عودة لدولة الإخوان ولا للرئيس مرسي.
لا بد أن يتيقن الإخوان الآن أن أكبر أخطائهم كان الدفع بمرشح للرئاسة من بينهم، وهو خطأ منهم غير أنهم لا يحاسبون عليه؛ لأنهم دُفعوا إليه دفعاً. وعليهم أن يدركوا الآن أنه لا عودة لدولتهم ولا لرئيسهم في القريب، وليس أمامهم إلا طريق الاصطفاف والعمل الثوري العام مع بقية القوى المعارضة من أجل إعادة الثورة وإنقاذ البلاد من المصير المظلم الذي تسير فيه على أيدي هذا النظام القائم.
بين الجبن والحكمة شعرة، وإن أخشى ما يُخشى أن يظل قادة الإخوان خائفين وَجِلين من اتخاذ القرار الصحيح، خشية سهام النقد والتجريح من داخلهم وخارجهم، وخشية الرمي بالخيانة وغيرها من فريق القيادة الأخرى الذي ينافسهم على زمام الأمور، فإن لم يتخذوا القرار الصواب فسيضيّعوا منهم فرصة تضاف إلى فرص ضائعة أخرى سابقة.
وإن أكبر الشجاعة أن تُقدم القيادة على القرار الصائب مُقدّمة في ذلك مصلحة البلاد والجماعة على السواء غير مترددة ولا خائفة من قول هؤلاء ومزايدات أولئك، على أن يكون القرار في النهاية قراراً تقوم عليه المؤسسات لا الأفراد، وأن يأخذ حقه من النقاشات والشورى، وأن يعتمدوا في ذلك على الخبراء أهل الرأي، لا على أهل الثقة الذين لا يقولون إلا آمين إن أشار إليهم السادة داعين.
وتتعالى الأصوات من داخل جماعة الإخوان المسلمين ومن مناصريها بالاستهجان الشديد، ورمي قيادة الإخوان، وعلى رأسها القائم بأعمال المرشد الدكتور محمود عزت وفريقه بالخور والهزيمة بل وبالخيانة.
وثار الحديث حول تسريبات لخطابات موجهة من هذه القيادة لصفوف وأفراد الجماعة، تحدّثهم هذه الخطابات عن توافق مع الأطياف المعارضة الأخرى على تكثيف الحراك ضد الدولة العسكرية القائمة، مع تجاوز شرعية الرئيس مرسي، وذلك لأن بقية القوى المعارضة تصرّ على هذا، ويبدو أنه لا طريقة للاصطفاف إلا بذلك.
تحضرني في ذلك القصة التي تقول: إن أحد علماء العروض جاءه يوماً رجل؛ ليتعلم العروض على يديه، ومرت الأيام في تعليم هذا الرجل، ولكنه لم يتقدم مطلقاً ناحية تحقيق هدفه، فلما يئس منه المعلم، طلب منه ذات يوم أن يُقطّع عروضياً البيت الذي يقول:
إذا لم تستطع شيئاً فدعه ** وجاوزه إلى ما تستطيع
فعلم الرجل بمراد أستاذه، ووقف عند حقيقة نفسه، إذ أيقن أنه لن يصل إلى بغيته في تعلم هذا العلم أبدا، ولا بد له من أن يغير وجهته لغاية أخرى.
هذا هو حال الإخوان المسلمين الآن، فمنذ الانقلاب العسكري في 2013م وهم على حالهم في محاولة كسر هذا الانقلاب وإعادة الرئيس مرسي بشرعيته الكاملة.ولم يثنهم عن ذلك كونهم في الميدان وحدهم أمام آلة البطش العسكرية الطاغية.
وحاول الإخوان مع ذلك أن يتوافقوا مع بقية الطيف المعارض للدولة العسكرية، ولكنهم حاولوا ذلك على أرضية شرعية الرئيس مرسي، في حين أن بقية الطيف المعارض بدا منه أنه لا يقبل بهذه الشرعية، وليس مستعداً أن يُقْدم على أي حراك مشترك هدفه إعادة هذه الشرعية.
دعونا في البداية نؤكد على أن هذا من القوى السياسية المعارضة -بكل وضوح- هو من المضي في الغي والسفه.
هذه القوى هي التي ساعدت آلة الانقلاب العسكري في إتمام خطتها ومرادها، وقد ساعدت هذه القوى في ذلك بكل بلاهة وغباء، عندما وضعت يدها في يد أعدائها ضد رفقائها من الإخوان، والذين لم تكن ثورة يناير/كانون الثاني إلا بهم جميعاً.
وإذا كان الحديث يكثر من هنا وهناك حول أخطاء الإخوان التي أدت بالحالة المصرية لما هي عليه، فإن أخطاء هذه القوى الثورية المعارضة هي أضعاف أخطاء الإخوان، وإذا قيل إن الإخوان كانوا بلهاء في تعاملهم مع العسكر ومؤسساتهم، فإن هؤلاء من المعارضين الآخرين كانوا بلهاء سفهاء أغبياء.
وإن من أكبر السفاهة ألا يعتذر هؤلاء اعتذاراً رسمياً عن مواقفهم المخزية مع الرئيس مرسي ودولته.
وإن ذروة هذه السفاهة أن يصر هؤلاء على تجاوز شرعية هذا الرئيس المظلوم، من أجل إتمام أي اصطفاف ثوري للعمل والحراك من أجل إسقاط هذه الديكتاتورية العسكرية القائمة.
أقل ما يقال عن ذلك إنه سفاهة، لكن بعد تجاوز توصيف هذا والحكم عليه، لم يعد أمام الإخوان أي خيار آخر.
لقد جاءت القوى المعارضة بشروطها وهي في موضع القويّ المُشْترِط، ليس لأنها قوية حقاً، فلم يبقِ العسكر أحداً وبه رمق من قوة، ولكن قد ظهرت قوتهم أمام الإخوان؛ لأن الإخوان في أضعف حالاتهم، فحراكهم قد انتهى بالكلية، وتنظيمهم تشتّت، وقيادتهم مختلفة تتصارع وتتعادى.
الإخوان في حاجة كبيرة لهذا الاصطفاف، وهو الآن القشة التي عليهم أن يتعلقوا بها، فهم غرقى حقاً، وليس أمامهم إلا أن يوافقوا على شرط القوى المعارضة، وهو التخلي عن شرعية الرئيس مرسي.
ليس من الخيانة أن يقبل الإخوان الآن التنازل عن شرعية الرئيس، بل من العقل والحكمة ذلك، فلم تبق هناك شرعية للرئيس، فكل الحراك لإرجاع شرعيته قد توقف تماماً، وقد توثقت شرعية الدولة العسكرية القائمة محلياً وإقليمياً ودولياً.
إننا أمام وضع استثنائي محلي وإقليمي وعالمي، هذا الوضع مجملاً أصبح يؤكد أنه لا عودة لدولة الإخوان ولا للرئيس مرسي.
لا بد أن يتيقن الإخوان الآن أن أكبر أخطائهم كان الدفع بمرشح للرئاسة من بينهم، وهو خطأ منهم غير أنهم لا يحاسبون عليه؛ لأنهم دُفعوا إليه دفعاً. وعليهم أن يدركوا الآن أنه لا عودة لدولتهم ولا لرئيسهم في القريب، وليس أمامهم إلا طريق الاصطفاف والعمل الثوري العام مع بقية القوى المعارضة من أجل إعادة الثورة وإنقاذ البلاد من المصير المظلم الذي تسير فيه على أيدي هذا النظام القائم.
بين الجبن والحكمة شعرة، وإن أخشى ما يُخشى أن يظل قادة الإخوان خائفين وَجِلين من اتخاذ القرار الصحيح، خشية سهام النقد والتجريح من داخلهم وخارجهم، وخشية الرمي بالخيانة وغيرها من فريق القيادة الأخرى الذي ينافسهم على زمام الأمور، فإن لم يتخذوا القرار الصواب فسيضيّعوا منهم فرصة تضاف إلى فرص ضائعة أخرى سابقة.
وإن أكبر الشجاعة أن تُقدم القيادة على القرار الصائب مُقدّمة في ذلك مصلحة البلاد والجماعة على السواء غير مترددة ولا خائفة من قول هؤلاء ومزايدات أولئك، على أن يكون القرار في النهاية قراراً تقوم عليه المؤسسات لا الأفراد، وأن يأخذ حقه من النقاشات والشورى، وأن يعتمدوا في ذلك على الخبراء أهل الرأي، لا على أهل الثقة الذين لا يقولون إلا آمين إن أشار إليهم السادة داعين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/emad-ghanem/-_11576_b_16564546.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات