الاثنين، 26 يونيو 2017

العيد في العالم الموازي!!

العيد في العالم الموازي!!

العيد فرحة وبهجة وسرور!! هكذا كان العيد، حيث لمة الأهل والأحباب، ففي انتظاره كانت الفرحة والبهجة، حيث يرتدي الصغار الملابس الملونة التي تزين أجسادهم النحيفة ويتهافتون على العيدية التي كانت تُدخل البهجة على قلوبهم ونفوسهم!

كانت فرحة العيد حين تمتلئ المساجد والساحات بالمصلين من كل حدب وصوب فيشعرون بدفء المشاعر والقلوب، كما يشعرون بوحدة الأمة، يوم كانت كالجسد الواحد، الذي إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.

كانت فرحة العيد في ساحات الحدائق والمتنزهات، حيث تتزين أيادي الأطفال بالبلالين، ويتباهون بالألعاب التي يتنافسون في شرائها بعد جمع العيدية من الأقارب.

كل ذلك وغيره كان في العالم الطبيعي، قبل أن يغتصب الطغاة البلاد ويتجاوزون في حقوق العباد، فتتحول فرحة العيد إلى هم وغمٍّ.. فكم من أسرة لا تشعر بالعيد، حيث فقدت عائلها أو أحد أفرادها!!

فبعيداً عن هذه الأجواء، وبعيداً عن الأهل والأحباب، وبعيداً عن الحدائق والمتنزهات.. هناك من حُرموا من ذلك كله، حرموا البهجة والفرحة والسرور، رغم أنهم يحاولون تغيير واقعهم بالابتسامة الوقتية التي تزول لاحقاً، بعد أن يتذكروا الواقع بكل مساوئه.

فكم من أُمِّ يأتي عليها العيد فتتذكر قبلة ولدها على جبينها يوم كان يستطيع تقبيلها، وقد حال رصاص القناص بينه وبين جبين أمه وخلّف بكاء ونحيباً لا ينقطع!

كم من فتاة تستعد لليلة العمر، وهي تحلم بأن يربّت أبوها على كتفها قبل أن تنتقل إلى بيت زوجها، ولكن حال بينهما سور السجان الذي أحال الفرحة إلى حزن!

وكم من شاب كان ينتظر العيد، حيث يستطيع أن يصل رحمه وينطلق إلى ساحات الصلاة، حيث البهجة والسرور، ولكنه لا يستطيع هذا العام، لا لشيء إلا لأنه معتقل في سجون الظالمين!

فساكنو الزنازين هم الذين لا ينعمون بأحضان ذويهم إلا دقائق معدودة يحصلون عليها خلسة، بعيداً عن أعين السجان!

نعم حُرموا من كل شيء.. إلا من زنزانة كئيبة يتكدسون فيها كما تتكدس الهموم والآلام على قلوبهم، فلا فرق عندهم بين أيام العيد وغيرها من الأيام، فحياتهم مليئة بالروتين الممل، وقلوبهم معلقة بالأمل والرجاء، وأبصارهم شاخصة إلى الباب المغلق ينتظرون البشرى لأحدهم من حيث لا يحتسب!

ويزداد رتم الحياة تعقيداً في المناسبات والأعياد، حيث يتذكر كل واحد منهم حياته الطبيعية في هذه الأيام.

فالشاب منهم يتذكر حنين الأب والأم، حيث كان يخرج لشراء ملابس العيد قبل قدومه بأيام!

والشيخ منهم يتذكر لمة الأسرة وجمع الأبناء والأحفاد، ويتمنى مشاهدة الفرحة والابتسامة على شفاه الصغار!

والجميع يحلم بالحرية، ويتردد في يقظتهم وأحلامهم مشاهد الخروج من هذا المكان الضيق لينعموا بصحبة أسرهم وعائلاتهم، أو قضاء العيد بين ضحكات أطفالهم وذويهم.

المعتقل السياسي يشعر بالألم والأسى لأنه دائماً ما كان يحلم بالحرية والكرامة في وطنه الذي كان ينشد له الحرية، فكان مصيره الحبس الذي أكل من حياته وضيَّع جزءاً من مستقبله!

فقد حكم عليه الظالمون بحياة بائسة ممنوع فيها اللهو والمرح، كما يمنع فيها من مداعبة الأهل والأحباب، ولا يسمح فيها بالمذاكرة والاطلاع، وإن سمحوا لهم بالامتحانات فيتعاملون وكأنها منة أو هبة يستحقون عليها الشكر!!

يُحرم المعتقل من جميع متطلبات الحياة الطبيعية، من المياه النظيفة، والهواء النقي، والعلاج الشافي، وحتى الكلمة الطيبة!

العيد خلف الأسوار لا يعني إلا الملابس المعتادة (الأبيض، الأزرق، الأحمر) والاستيقاظ لصلاة العيد بين الجدران الأربعة الكئيبة، وسط دعوات تفريج الهم ورفع الكرب والتفكير في أحوال الأسرة، التي ربما لا يستطيع المعتقل رؤيتها في العيد!

العيد عندهم يعني أسئلة لا تنقطع، تدور برؤوسهم دون أن يشعر بها المحيطون.. "إلى متى؟!"، "وماذا بعد؟!"، "كيف تعيش أسرتي؟!"، "كيف حالهم في العيد؟!"، "يا ترى سيكون العيد الأخير في هذا المكان الموحش؟!" هذه الأسئلة وغيرها لم تنقطع منذ ساعات الاعتقال الأولى، لكنها تتزايد في أيام العيد مع لمعان الأعين بالدموع أو البكاء بصوت خافت لا يسمعه الآخرون!

العيد عندهم يعني مزيداً من الوحدة والوحشة، فالفرحة عندهم منقوصة وربما تكون ضائعة!

فالسجن مكان موحش لا يقبل به أصحاب النفوس السوية، وذوو القامات العالية، فمكانهم الطبيعي في أعلى المراتب وأرفع المناصب.

سيصبرون على السجن لأنه قدرهم، ولكن ينبغي أن توضع الأمور في نصابها فسجنهم ليس حرية، وإنما إهدار للجهود، وتضييع للمستقبل!

وأخيراً: إلى كل ساكني الزنازين.. عيدكم القادم بمشيئة الله في بيوتكم بين أُسركم وعائلاتكم لتشعروا بالعيد الحقيقي خارج أسوار السجان.



ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/nader-fattoh/story_b_17295502.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات