الطريق إلى الجمهورية الثانية.. كيف يغيّر أردوغان وجه بلاده السياسي بعد الاستفتاء على الدستور؟
ليس ثمَّة شك في أنَّ الاستفتاء الدستوري التركي كان واحداً من أبرز الموضوعات السياسية وأكثرها وإثارة لفترة طويلة انتهت بأن أدلى الناخبون الأتراك بأصواتهم في 16 أبريل/نيسان 2017. ومع تصويت الناخبين الأتراك فى صالح التعديلات بأغلبية طفيفة، مرت التعديلات الدستورية، لكن الجدل بشأن الاستفتاء لم يصل إلى نهايته بعد. وبصرف النظر عن موقف الجميع من هذه الخلافات، إلا أنهم جميعاً يطرحون السؤال نفسه تقريباً: ما الذي سيقدمه النظام الرئاسي الجديد لتركيا والأتراك؟
لكن الإجابة على هذا السؤال لم تتضح بعد بشكل كامل. ومع ذلك، فإن تقييم الشهر الأول عقب الاستفتاء قد يعطينا بعض الدلائل بشأن اتجاهات السياسة الداخلية والخارجية التركية في المستقبل القريب. ومن هنا، تهدف هذه المقالة إلى إلقاء نظرة على الحقائق المهمة التي وقعت في الشهر الأول، سواء في السياسة الداخلية أو على مستوى علاقات أنقرة الخارجية.
أولاً وقبل كل شيء، هناك حاجة إلى دراسة نتائج الاستفتاء وتحليلها من أجل فهم المشهد والتيارات السياسية في الجمهورية التركية.
باستخدام هذه الطريقة، نحصل على تحليل أفضل للخطوات السياسية التي اتخذتها الحكومة التركية في الشهر الأول الذي أعقب الاستفتاء.
دعونا نبدأ ببعض المقارنات البسيطة والمهمة في آن.
فعندما نراجع الانتخابات العامة الأخيرة، التي عقدت في 1 أكتوبر 2015 كتكرار لسابقتها التي عقدت في 7 يونيو 2015، نجد أن حزب العدالة والتنمية (الحزب الحاكم على مدار 15 عاماً) فاز بنسبة 49.49 من الأصوات (أي أكثر من 23.5 مليون صوت) واستعاد فرصة تشكيل الحكومة بمفرده. في الوقت نفسه، حصل حزب الحركة القومية (الحزب القومي الرئيسي في تركيا الذي تحالف مع حزب العدالة والتنمية للتصويت بنعم على الاستفتاء الدستوري الأخير) على 11.9٪ من الأصوات بأكثر من 5.5 مليون صوت، أي أن مجموع أصوات حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية كان بين 29 و30 مليوناً، أي 61.3٪ من الناخبين.
ومع ذلك، فقد أدى التحالف بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية إلى 51.5٪ فقط من الأصوات، وهي نسبة "نعم" في الاستفتاء الدستوري، وهو ما يعني أن حوالي 10٪ من ناخبي الحزبين لم يدعموا التعديلات الدستورية على الرغم من أنهم قد صوتوا لحزب العدالة والتنمية أو حزب الحركة القومية قبل عامين فقط. بعبارة أخرى، خسر التحالف بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية أكثر من 4 ملايين صوت (انخفضت الأصوات من حوالي 25 مليوناً إلى ما يقرب من 21 مليون صوت) مقارنة بالانتخابات العامة السابقة التي أجريت في تشرين الثاني/نوفمبر 2015.
صورة: خسر التحالف بين أردوغان ودولت بهتشلي أكثر من 4 ملايين صوت خلال ستة أشهر
وثمة حقيقة أخرى هي أنه في 67 مدينة من أصل 81 مدينة في تركيا، كانت النسبة المئوية للناخبين الذين صوتوا بـ "نعم" أقل مقارنة بإجمالي الناخبين الذين صوتوا لصالح حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة الوطنية في الانتخابات العامة الأخيرة.
لم يقتصر الأمر فقط على تصويت أكبر 3 مدن في الأصوات الانتخابية التركية -إسطنبول وأنقرة وأزمير– ضد الاستفتاء، لكن نسبة التصويت المؤيدة للتعديلات الدستورية في عدد من المدن والأحياء التي تعتبر معاقل لحزب العدالة والتنمية، كانت أقل مما كان متوقعاً. فمدينة قونية، المدينة الجارة للعاصمة أنقرة، يمكن أن تكون مثالاً على ذلك لأنها كانت دائماً واحدة من أكبر معاقل حزب العدالة والتنمية على مدار حوالي 14 عاماً، وكانت أيضاً معقلاً للأحزاب السياسية السابقة لحزب العدالة والتنمية مثل حزب الفضيلة وحزب الرفاه، وكلاهما كانا بقيادة نجم الدين أربكان، أول زعيم سياسي بارز في القطاعات الإسلامية بالمجتمع التركي. في مدينة الأناضول، بلغ عدد الأصوات المؤيدة للاستفتاء 928602 صوتاً، أي أقل بكثير من عدد الأصوات التي حصدها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات العامة الأخيرة، والتي قدرت بنحو 957 ألف صوت. هذه التحولات تمثل مشكلة ناشئة من المحتمل أن يأخذها حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان في الاعتبار.
وفقاً لاستطلاعات "إبسوس" (إبسوس هي شركة استطلاعات عامة دولية معروفة)، فإن 90٪ من ناخبي حزب العدالة والتنمية، و5٪ من ناخبي حزب الشعب الجمهوري، و27٪ من ناخبي حزب الحركة القومية، و10٪ من الناخبين في حزب الشعوب الديمقراطي صوتوا لصالح التعديلات الدستورية .
صورة: تصويت مؤيدي الأحزاب المختلفة في الاستفتاء
يمكن التوصل إلى عدة حقائق مهمة استناداً إلى الإحصاءات السابقة.
تقريباً لم يصوت ثلاثة أرباع الناخبين في حزب الحركة القومية لصالح التعديلات الدستورية، بمعنى أن قيادة حزب الحركة القومية لم تتمكن من إقناع قاعدتها الاجتماعية باتباع توصياتها السياسية. بالإضافة إلى ذلك، نظراً للصورة المتصورة لحزب الحركة القومية كحزب سياسي يحافظ على الانضباط الصارم داخل التنظيم الحزبي، لا يمكن أن تكون القرارات السياسية والتوجهات للقاعدة الشعبية نمطية ومكررة ككتلة متجانسة تطيع القيادات مهما يكن الحال. لذا فإن هذه الأغلبية الصارمة من الناخبين في حزب الحركة القومية، الذين اختاروا عدم اتباع قرار قيادتهم في الاستفتاء الأخير قد يكونون عاملاً حاسماً في مسار السياسة والخيارات السياسية في الحقبة الجديدة.
صورة: النائب السابق لرئيس حزب الحركة القومية آتيلا كايا
عندما تحدثت إلى أتيلا كايا، النائب السابق لرئيس حزب الحركة القومية الذي استقال رداً على سياسات زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، ذكر أنه في الوقت الحاضر تدور مناقشة واسعة بين بعض الشخصيات البارزة في حزب الحركة القومية -وقواعده الانتخابية- حول الخطوة التالية. وأضاف أن الجزء الأكبر من القاعدة الشعبية لحزب الحركة القومية يمر بمفترق الطرق، كما أكد الرجل أنهم سوف يواصلون نضالهم إما داخل حزب الحركة القومية أو سيشرعون في تأسيس حزب سياسي جديد.
لقد صوَّت 10 بالمئة من الناخبين المؤيدين لحزب الشعوب الديمقراطي، ومعظمهم من المدن الجنوبية الشرقية في تركيا حيث غالبية السكان من الأكراد، لصالح التعديلات ويمكن الدفع بأن هذا التحول أصبح واحداً من العوامل المحددة للنتيجة الحالية للاستفتاء. هذا المشهد ربما يوضح حقيقتين وعاملين مهمين:
أولاً، من الحقائق المهمة أن عدداً كبيراً من المواطنين الأكراد صوَّتوا لصالح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات العامة في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015 وصوتوا مؤخراً بـ"نعم" في الاستفتاء الدستوري. ويبدو أن السكان الأكراد في المنطقة الجنوبية الشرقية من تركيا يضعون مسافة بينهم وبين حزب العمال الكردستاني، وهي جماعة إرهابية مسلحة يفترض أنها تدافع عن حقوق الأكراد. وهذه الحقيقة تتناقض مع المزاعم القائلة بأن العمليات العسكرية التي قام بها الجيش التركي ضد عناصر حزب العمال الكردستاني في مدنهم في العام الماضي قد نفرت السكان الأكراد في تلك المدن من الدولة. وربما يطالب جزء كبير من المواطنين الأكراد بأن يكونوا ممثلين بطرق سلمية، مع شجبهم للوسائل العنيفة التي يتبعها حزب العمال الكردستاني.
ثانيًا، يُعتقد أن السكان الأكراد يأملون في أن يكون هناك نظام رئاسي قادر على تمهيد السبيل أمام التطور السياسي الأساسي (نظام حكم لا مركزي بشكل أكبر) الذي يودون رؤيته أو يكون بمقدورهم ضمان الحقوق والحريات الثقافية التي اكتسبوها في السنوات الأخيرة. في هذا الصدد، يؤكد غالب دالاي، مدير الأبحاث في منتدى الشرق، أن نسبةً مُعتبرةً من الأكراد في تركيا لا يزالون يعتقدون بأن الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية هما وحدهما القادران على حل المشكلة الكردية في تركيا، وفي رأيهما، تتطلب هذه المشكلة وجود قادة أقوياء بدلاً من وجود نظم سياسية معقدة. يقول دالاي إن الطبقة المسيسة والمتعلمة من الأكراد تشير إلى دور ديغول، الرئيس الفرنسي الأسبق، في حل الأزمة الجزائرية في هذا الصدد. إلا أن دالاي يسلط الضوء على أن التحول بين الناخبين الأكراد لا ينبغي اعتباره موافقة على السياسات الأمنية الحالية للحكومة على الرغم من أن هذا التحول هو بمثابة بطاقة حمراء تظهر لحزب العمال الكردستاني وأفعاله العنيفة. ويضيف أن العلاقة الوثيقة بين الحكومة التركية ومسعود بارزاني زعيم الحكومة الإقليمية الكردية في العراق ربما كان لها تأثير إيجابي على الناخبين الأكراد في تركيا.
لم يصوّت 10% من ناخبي حزب العدالة والتنمية لصالح التعديلات التعديلات الدستورية. وبالنظر إلى أن معظم هذه النسبة من المناطق الحضرية (وخاصة المدن الكبرى مثل إسطنبول)، يمكن القول بأن الطبقة الوسطى الحضرية، التي نمت وازدهرت خلال عهد حزب العدالة والتنمية، على وشك الانكماش، وهذا يمكن استخلاصه من نسبة الناخبين الذين صوتوا ضد التعديلات الدستورية في المدن الكبيرة أو المناطق الحضرية بالمقارنة مع الأحياء الريفية أو الضواحي. بالإضافة إلى ذلك، تظهر إحصاءات أخرى أن نسبة الناخبين الذين صوتوا ضد التعديلات الدستورية تتزايد بالتوازي مع مستوى التعليم. لكننا لسنا متأكدين من هذا الأمر حتى الآن لأن نسبة 10% لم تسحب دعمها لحزب العدالة والتنمية في أي انتخابات عامة أو محلية. ومع ذلك، يمكننا اعتبار هذه الخسارة على الأقل بمثابة رسالة تحذير من الطبقة الوسطى في المناطق الحضرية إلى حزب العدالة والتنمية.
ومن النتائج الملحوظة الأخرى، وفقاً لاستطلاعات "إبسوس"، أن أغلبية الناخبين الذين تقل أعمارهم عن 24 عاماً وبين سن 45 و69 صوتوا ضد التعديلات الدستورية، في حين أن أغلبية الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و44 عاماً وفوق 69 عاماً صوتوا لصالح التعديلات الدستورية. وهذا يدل على أن غالبية قطاع القوى العاملة الرئيسية في المجتمع كان وراء التغيير الدستوري في حين لم يكن الشباب في سن الجامعة أو السن الأقل كذلك (54٪ صوتوا ضد التعديلات الدستورية). هذه الإحصائيات أيضاً تدحض فكرة أن الأغلبية الصارمة من الأجيال الشابة كانت ضد التعديلات الدستورية مثلما حدث في استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي أجري في 23 يونيو 2016. في البريكسيت، كان معدل الأصوات الرافضة للخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بين المواطنين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً 75٪، في حين كانت نسبة الرفض في سن 24 إلى 34 عاماً هي 62%. باختصار، لا ينبغي أن ينظر إلى الاستفتاء الدستوري التركي باعتباره نظيراً للبريكست (استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) أو أي استفتاء آخر عقد في أوروبا في السنوات الأخيرة.
صورة: نسبة الشباب من بين المصوتين في الاستفتاء على التعديلات الدستورية
أخيراً وليس آخراً، تظهر استطلاعات "إبسوس" أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان على ما يبدو الشخصية صاحبة أكبر الأثر في النتيجة. فعندما سُئل الناخبون: "من الشخص صاحب الإجراءات والخطابات الذي أثر على اختيارك على الأكثر؟"، أجاب 85٪ من الناخبين الذين صوتوا لصالح الدستورية و78٪ من الناخبين الذين صوتوا ضد التعديلات الدستورية بالإجابة نفسها: أردوغان.
صورة: أكثر الشخصيات التركية التي أثرت في اختيار المصوتين في الاستفتاء
قبل أن ننتقل إلى القسم التالي سأشارك حقيقة أخيرة لفتت انتباهي مع العديد من المتابعين الأتراك: وفقاً لاستطلاعات "إبسوس" مرة أخرى، يعتقد 88٪ من الناخبين الذين صوتوا لصالح التعديلات الدستورية أن مستقبل تركيا مشرق. هذه ليست الحقيقة المدهشة، لكن المثير للدهشة في رأيي أن هناك فقط 59٪ من الذين صوتوا ضد التعديلات الدستورية يعتقدون أن مستقبل تركيا ليس مشرقاً. كنت شخصيا أتوقع نسبة أعلى، بالنظر إلى حس التشاؤم القوي المنتشر بين مؤيدي التصويت بـ"لا".
صورة: توقعات المصوتين لمستقبل تركيا تبدو مفاجئة
بعد الاستفتاء مباشرة، بدا أن العديد من المحللين وكتاب الأعمدة يوافقون على نقطة واحدة: على الرغم من أن حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان حصلوا على ما يحتاجونه، إلا أن نتائج الاستفتاء لم ينظر إليها باعتبارها انتصاراً واضحاً، إلى جانب ذلك، يبدو أن البلد قد انقسم إلى جزأين. لذا، فإن الانتخابات القادمة التي ستعقد في 2019 لن تكون مضمونة. وبالتالي، وفقاً لكثير من المحللين وكتاب الأعمدة، فإن الرئيس التركي إما سيحاول توسيع قاعدة داعميه باتباع سياسات أكثر شمولاً أو اختيار تعزيز نسبة 51٪ الحالية على حساب بقية المجتمع. وختاماً، سيتشكل كل شيء يتعلق بالسياسة الداخلية لحزب العدالة والتنمية بعد الاستفتاء في هذا السياق.
في الشهر الأول الذي أعقب الاستفتاء، جرت تنحية السياسة الداخلية جانباً، إذ قضى أردوغان معظم جهوده في متابعة قضايا السياسة الخارجية، إلى جانب العديد من الزيارات الخارجية اللاحقة بما في ذلك الزيارات إلى الولايات المتحدة والصين والهند. ويبدو أن أردوغان يعمل على إصلاح الصورة المحطمة للحكومة التركية وإزالة حالة التصعيد بين تركيا وحلفائها الغربيين التي سادت قبل الاستفتاء الدستوري التركي وبعد الانتخابات التي أجريت في بعض الدول الأوروبية. إن الفترة السياسية التي نشهدها الآن تستحضر الفترة التي سبقت تولي حزب العدالة والتنمية الحكومة في انتخابات عام 2002، عندما كان أردوغان مشغولاً في معظم الأحيان بالشؤون الخارجية.
لذلك، هناك أربع قضايا حاسمة يمكن مناقشتها في هذا الإطار:
أولاً وقبل كل شيء، بعد عدم تمكن قيادة حزب الحركة القومية من إقناع عدد كبير من ناخبيها والفشل في تقديم الدعم الكافي للتصويت في صالح التعديلات الدستورية، وفي الوقت نفسه، تأييد المواطنين الأكراد من مدن جنوب شرق تركيا للتصويت في صالح التعديلات الدستورية بقدر ما فعلته قيادة حزب الحركة القومية، كان الجميع يتساءل عما إذا كان أردوغان سيعيد النظر في تحالفه مع قيادة حزب الحركة القومية ويمهد الطريق لأي مبادرة سياسية لإعادة الحوار السياسي مع الجهات الكردية إلى مساره.
وبينما كنا نتلقى رسائل مختلطة من الحكومة بشأن هذه القضية الأخيرة، لم يحدث أي تنقيح للتحالف بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، وقدم أردوغان رسائل واضحة جداً –حتى في ليلة الاستفتاء في خطاب النصر– من أنه سيحافظ على العلاقة الوثيقة مع حزب الحركة القومية وزعيمه دفلت بهجلي. وكانت الرسائل من حزب الحركة القومية وبهجلي في نفس الاتجاه أيضاً.
لذا، فإن السؤال هو هل سيُمنح حزب الحركة القومية بعض المقاعد في الحكومة الجديدة، التي سيشكلها الرئيس أردوغان نفسه، في مقابل الدعم الذي قدمه لصالح التعديلات الدستورية. في الانتخابات الأخيرة للمجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين، كان تحالف حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية يتقدم بشكل واضح. فعلى سبيل المثال، انتُخب محامي زعيم حزب الحركة القومية دفلت بهجلي واحداً من سبعة أعضاء في المجلس.
ثانيا، "مجلس الوزراء الجديد". وفقاً للدستور الجديد، لم يعد رئيس الجمهورية التركية غير حزبي. لذلك عاد أردوغان إلى حزب العدالة والتنمية، الذي كان أحد مؤسسيه و"زعيمه الطبيعي"، في بداية هذا الشهر (فقد كان عليه أن يترك حزبه بعد انتخابه رئيساً لتركيا في عام 2014 وفق الدستور القديم). وكانت هذه خطوة متوقعة. لكن التغييرات المحتملة في مجلس الوزراء تثير فضول الرأي العام. ورغم أنه من المؤكد تقريباً أننا سوف نرى تغييرات ملحوظة، لكن مضمون التغييرات لا يزال غامضاً.
ثالثاً، بعد أن تم التأكد من نتائج الاستفتاء، اندلعت حرب من نوع خاص في عدد من وسائل الإعلام التركية (وخاصة أولئك الذين يعتبرون مؤيدين للحكومة). بدأت الحرب من قبل عدد قليل من المعلقين التلفزيونيين المشهورين حديثاً (وكتاب الأعمدة في صحف مختلفة أيضاً) حيث هاجموا بعض الصحفيين البارزين، ومعظمهم ممن يُطلق عليهم الصحفيون والسياسيون الإسلاميون (بما في ذلك الرئيس السابق عبد الله غول الذي يعد من مؤسسي حزب العدالة والتنمية) وبعض المفكرين الآخرين، متهمين إياهم بعدم الإعراب عن تأييدهم للتعديلات الدستورية الأخيرة، وكذلك الوقوف ضد التعديلات الدستورية من خلال الانتقادات المباشرة أو غير المباشرة.
أحد هؤلاء كان من الذين أهانوا الناس وأثاروا المناقشات عندما اتهم الناشطين في سفينة "مرمرة الزرقاء" (تعرضت السفينة للهجوم من قبل القوات الإسرائيلية أثناء محاولتها كسر الحصار المفروض على غزة في عام 2010) ووصفهم بأنهم "مهووسون". أثار هذا الابتزاز المهين ردود فعل واسعة بين القاعدة الاجتماعية لحزب العدالة والتنمية والعديد من الصحفيين والمفكرين والسياسيين وغيرهم من الشخصيات البارزة الذين أعربوا عن إدانتهم ضد "مرتكبي الإهانات" واتهموهم بأنهم "ضحية" لبعض الجماعات المارقة داخل الحكومة والجماعات المحيطة بأردوغان. كانت هذه الحرب الإعلامية مهمة جداً لأن خطوط الصدع بين المجموعات المختلفة، التي تعتبر جميعها في الدوائر الموالية للحكومة، لم تكن واضحة تماماً مثلما أضحت داخل هذه المعركة.
كما أن تصريحات أردوغان بشأن هذه الحرب كانت ملحوظة أيضاً. فقال في بيانه الأول في منتصف هذه المناقشات الساخنة - باختصار:
"إن الرفقة مهمة. إذا كان لديكم رفاق، فعليكم التمسك بهم. هناك من كان معنا حتى نقطة ما، لكنهم غادروا بعد ذلك. لقد شهدنا في الآونة الأخيرة تعاملات كاذبة ولا تطاق يمكن تسميتها بالانحراف الأخلاقي.. لقد قيل إن الإسلاميين تعرضوا للفصل من حزب العدالة والتنمية واستُبدلوا بغير الإسلاميين. ليس من الدقة تصنيف الناس على أنهم إسلاميون أو غير إسلاميين في إطار حزب سياسي. نحن لا نبحث عن تلاميذ لشيخ إسلامي".
وقد قام العديد من المحللين وكتاب الأعمدة بتفسير هذا البيان في سياق أن أردوغان قرر الوقوف ضد "الإسلاميين" أو الذين يطلق عليهم "معظم قدامى المؤسسة القديمة لحزب العدالة والتنمية". ويعتقد هؤلاء المحللين أيضاً أنه في الحقبة الجديدة يبدو أن أردوغان حريص على بناء هيكل جديد وأكثر جاهزية داخل الحزب ولذلك يطلق العنان لمحرضي هذه الحرب الإعلامية.
لكن بعد فترة وجيزة، أدلى أردوغان ببيان آخر يقول فيه: "لا يمكن لأحد أن يرى نفسه في موقف يمكنه من خلاله التحدث نيابة عني، باستثناء المتحدث باسم الرئاسة التركية".
لقد كانت رسالة واضحة جداً ضد أولئك الذين يهينون العديد من الشخصيات المحترمة والبارزة داخل الدوائر المؤيدة للحكومة أو شرائح المجتمع الإسلامي وذلك من خلال العمل كما لو كانوا يتحدثون باسم أردوغان. ومن ناحية أخرى، يبدو هذا الأمر أيضاً متناقضاً مع بيان أردوغان السابق إذا قبلنا التفسيرات السابقة التي تعتبر البيان بمثابة تبنٍّ للإهانات بشكل غير مباشر. ولعل هذه التفسيرات ينبغي إعادة النظر فيها..
والقضية الرابعة مرتبطة في الواقع بالقضية السابقة. وبما أنه اتضح بعد نتائج الاستفتاء أن هناك اضطرابات متزايدة بين مؤيدي الطبقة المتوسطة في المناطق الحضرية لحزب العدالة والتنمية، وبما أنه من المفترض أن فقدان 10٪ من مؤيدي حزب العدالة والتنمية في الاستفتاء –المقترن بانخفاض دعم حزب العدالة والتنمية في المدن الكبرى التي تشكل أساس الاقتصاد التركي- يؤكد هذا الواقع، فقد ظهرت بعض الشائعات حول إمكانية قيام مبادرة سياسية جديدة من اليمين الوسطي سيشكلها بعض من مؤسسي حزب العدالة والتنمية والشخصيات السياسية البارزة.
وبالنظر إلى الموقف المعارض لحزب السعادة، أسسه نجم الدين أربكان وهو حزب سياسي رئيسي آخر من الجناح الإسلامي على الرغم من أن قاعدته الاجتماعية أضيق بكثير من حزب العدالة والتنمية، وبالنظر أيضاً إلى الشخصيات السياسية البارزة التي استبعدها زعيم حزب الحركة القومية دفلت بهجلي لكنها تحظى بتأييد كبير بين ناخبي حزب الحركة القومية، فإن احتمالية كسب مثل هذه المبادرة السياسية الجديدة التي تنتمي إلى يمين الوسط أو الاتجاه المحافظ للدعم يعد أمراً ممكناً. بالإضافة إلى ذلك، هناك اضطرابات متزايدة بين بعض الجماعات الإسلامية السياسية أيضاً وينبغي أن تؤخذ في الاعتبار.
ولا شك أن مثل هذه المبادرة السياسية لا يجب أن تكون في شكل حزب جديد، بل يمكن أيضاً أن تظهر كائتلاف غير رسمي حول مرشح للرئاسة في الانتخابات المقبلة التي ستعقد في 2019. عندما قال دنيز بايكال زعيم حزب الشعب الجمهوري السابق (حزب المعارضة الرئيسية في تركيا)، وهو أحد أبرز السياسيين في تركيا، على الهواء في برنامج تلفزيوني بعد أسبوعين فقط من الاستفتاء من أنه قد يفكر في دعم الرئيس التركي السابق عبد الله غول حال ترشحه للرئاسة وبالتالي فإن هذه الشائعات عن تحالف غير رسمي لقيت زخماً لبعض الوقت.
ومع ذلك، بعد رد الرئيس أردوغان غير المبالي لبيان بيكال، وبعد انتقاد عبد الله غول لبيكال في وقت لاحق على الرغم من دعمه (عبر التذكير باعتراضات بيكال غير العادلة على ترشيحه للانتخابات الرئاسية في عام 2007)، يبدو أن هذه الشائعات تنحت جانباً. لكنها لا تزال جديرة بالنظر فيها. ولكن نظراً للدعم الاجتماعي الواسع لأردوغان والرؤى المختلفة جوهرياً للمكونات "المستقبلية" لمبادرة سياسية جديدة من اليمين الوسطي، تبدو إمكانية هذا التحالف المضاد ضعيفة. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يؤخذ دائماً بعين الاعتبار، أن رجب طيب أردوغان كان أكثر خبرة من أي زعيم سياسي آخر في يمين الوسط والجناح المحافظ عندما يتعلق الأمر بتقليل إمكانية ظهور أي حركة سياسية منافسة جادة.
كذلك من الأهمية بمكان إلقاء نظرة على الرسائل الواردة في المؤتمر العام لحزب العدالة والتنمية، الذي عقد في 21 أيار/مايو 2017. وأهم حقيقة في هذا المؤتمر هي "عودة أردوغان إلى الحزب". وبما أن رئيس الجمهورية التركية لا يجب أن يكون غير حزبي، عاد الرئيس أردوغان إلى حزبه وأصبح زعيمه بعد غياب 998 يوماً. وعقب عودته، أجرى أردوغان بعض التغييرات الهامة في المجلس التنفيذي لحزب العدالة والتنمية. وقال أتين ماهشوبيان، الذي كان مستشاراً لرئيس وزراء تركيا السابق أحمد داود أوغلو ومؤخراً هو عضو مجلس إدارة مركز دراسات السياسة العامة والدیمقراطیة -مقره في إسطنبول- وكاتب عمود في صحيفة قرار اليومية التركية، في تعليقاته حول عودة أردوغان: إن أردوغان لا يملك أي عذر لتحقيق النجاح السياسي بعد تمتعه بالسلطة الكاملة من الآن فصاعداً. ويضيف ماهكوبيان إن وضع أردوغان ينطوي فعلاً على مخاطر عالية، لأنه من الآن فصاعداً، سيعزى إليه أي فشل سياسي أو خيبة أمل حتى لو لم يكن ذلك خطأه.
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن أردوغان قدم بعض الرسائل الشاملة والبناءة حول العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي. كما قال في كلمته: "في تركيا، لا يجب أن يشعر أي أحد بالنفور". هذه الرسائل قد تكون إشارات للمحاولات المرتقبة للحد من التوتر في الشؤون الداخلية والخارجية. بيد أن أردوغان أعطى أيضاً رسائل تقول إن معركة الحكومة ضد الجماعات الإرهابية سوف تستمر بكامل جهودها ودون أي تنازلات. لكن هذه الدرجة العالية من المعارك ضد الجماعات الإرهابية سوف تقيد محاولات الحد من التوتر في البلاد.
جاءت موضوعات السياسة الخارجية في المقدمة في أعقاب الاستفتاء. وكان التصعيد بين الحكومة التركية وحكومات الاتحاد الأوروبي قد بلغ ذروته قبل الاستفتاء. ونظراً للعلاقات الاقتصادية القوية بين تركيا والاتحاد الأوروبي، كانت هناك تساؤلات عما إذا كان التوتر سينخفض قريباً أم لا. واعتبرت الرسائل التي جاءت من ألمانيا بعد الاستفتاء مباشرة دافئة وبناءة (من المستشارة أنجيلا ميركل ووزير الخارجية سيغمار غابرييل) باعتبارها إشارات لإعادة العلاقات بطريقة إيجابية. غير أن حادثين أخيرين ضربا إسفيناً بين الجانبين مرة أخرى: أولاً، تقرير منظمة الأمن والتعاون في أوروبا الذي انتقد بشدة عملية الاستفتاء وشكك في شرعية النتائج. لكن ردود أردوغان والحكومة بعد ذلك التقرير كانت لاذعة تماماً واتهمت مراقبي منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بعدم العدالة والانحياز. ثانياً، قرار الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا بإعادة فتح عملية مراقبة لتركيا. وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين أن تركيا أدانت هذا القرار الذي كان غير لائق من حيث العدالة والإنصاف. وأضاف أن ذلك الأمر يعد عملية قامت بها بعض الجماعات المعادية لتركيا.
على الرغم من أن الحوادث المذكورة آنفاً قد تسببت مرة أخرى في توتر العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، إلى جانب الرسائل اللاذعة والإدانات من الحكومة التركية، إلا أن كبار المسؤولين في الحكومة التركية قدموا بعض الرسائل البناءة. ففي 27 نيسان/أبريل 2017، قال إبراهيم كالين، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة التركية في خطابه في قمة "المجلس الأطلسي" (معهد بحثي أميركي) التي أقيمت في إسطنبول، "إن تركيا لم تتخل عن سعيها إلى أن تصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي." وفي بداية مايو، ذكر وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكى جملاً مشابهة لما قاله كالين في حديثه لإذاعة دويتشه فيله الألمانية.
صورة: إبراهيم كالين: تركيا لم تتخل عن سعيها للانضمام للاتحاد الأوروبي
الأهم من ذلك أن الرئيس أردوغان قال في 9 مايو/أيار - يوم أوروبا: "يطالب بلدنا بمواصلة عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كهدف استراتيجي في إطار الاحترام المتبادل والمساواة والنهج المربح للجانبين". ويبدو أن كل هذه الأمثلة الثلاثة تثبت أن تركيا لا تحرص على هدم الجسور بينها وبين الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فإن التوتر لا ينخفض بسهولة بسبب الاشتباكات المتعاقبة. في الآونة الأخيرة، اندلعت أزمة جديدة بين تركيا وألمانيا في أعقاب قرار ألمانيا الفاضح بشأن قبول طلبات اللجوء من بعض أعضاء الجيش التركي السابق الذين شاركوا في محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو 2016. ثم جاء حادث إغلاق قاعدة أنجرليك الجوية التركية في وجه القوات الجوية الألمانية ويقال إن الحكومة الألمانية بدأت بالفعل في السعي إلى إقامة قاعدة جوية جديدة في الأردن.
وكان أحد أكثر الموضوعات المثيرة للجدل في السياسة الخارجية التركية بعد الاستفتاء هو المساعدة العسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة إلى قوات سوريا الديمقراطية، وهي تعادل وحدات حماية الشعب الكردية، الجماعة المسلحة التي تنتمي مباشرة إلى حزب العمال الكردستاني وحزب العمال الكردستاني هو جماعة مسلحة من المفترض أنها تدافع عن حقوق الأكراد في جميع أنحاء المنطقة ومصنفة كمنظمة إرهابية من قبل كل من تركيا والولايات المتحدة). على الرغم من أن الحكومة التركية وأردوغان قد قدما دعوات عديدة للحكومة الأميركية لخفض دعمها لوحدات حماية الشعب، إلا أن الحكومة الأميركية لم تغير رأيها بشأن استمرار شراكتها مع قوات وحدات حماية الشعب من أجل استخدامها على الأرض كقوة برية رئيسية خلال عملية الرقة المقبلة ضد داعش. ولهذا الغرض، استمرت الحكومة الأميركية في تقديم أسلحة ومعدات جديدة إلى وحدات حماية الشعب، وواصلت القيادة المركزية للولايات المتحدة إرسال رسائل تأييد واحتضان إلى وحدات حماية الشعب على الرغم من اعتراضات ومخاوف تركيا العضو في حلف الناتو.
صورة: ترامب أكد باستمرار على دعم الولايات المتحدة للأكراد رغم التخوفات التركية
في خضم الجدل حول الدعم العسكري الذي تقدمه الولايات المتحدة إلى قوات سوريا الديمقراطية/وحدات حماية الشعب، وبالتالي تزايد الخطر على تركيا، شنت القوات الجوية التركية حملة جوية ضد مخيمات وحدات حماية الشعب على جبل سنجار في 25 أبريل/نيسان. في هذه الحملة الجوية، زعم أن ما لا يقل عن 70 مقاتلاً من وحدات حماية الشعب قد قتلوا، إلى جانب تدمير كمية كبيرة من الذخائر واللوجستيات في المجموعة. وبعد عملية درع الفرات التي بدأت في أغسطس/آب الماضي، لفتت هذه الحملة الجوية الانتباه باعتبارها تشكل سابقة لاستراتيجية تركيا الاستباقية وقدراتها الهجومية المحتملة ضد الجماعات الإرهابية التي تقع بالقرب من الحدود التركية مع سوريا والعراق.
وفي أعقاب الحملة الجوية على سنجار الهادفة لإقناع الحكومة الأميركية بأنها لن تحتاج إلى الاعتماد على قوات وحدات حماية الشعب خلال عملية الرقة، اقترحت تركيا بإصرار الاستعاضة عن وحدات حماية الشعب بقوات من القوات المسلحة التركية وجماعات مسلحة سورية أخرى مدربة من قبل تركيا. ففي 28 نيسان/أبريل 2017، على سبيل المثال، أعلن الرئيس أردوغان في خطابه في قمة إسطنبول للمجلس الأطلسي هذا الاقتراح.
على الرغم من أنه يبدو من الصعب إقناع الولايات المتحدة بهذا الأمر، كان هناك بعض الأمل المنعقد على اجتماع أردوغان المقبل مع الرئيس الأميركي ترامب خلال زيارته للولايات المتحدة في منتصف مايو/أيار. فقد أرسل أردوغان ثلاثة مسؤولين رفيعي المستوى من تركيا هم المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين ورئيس أركان القوات المسلحة التركية خلوصي آكار ورئيس جهاز الاستخبارات التركية هاكان فيدان إلى الولايات المتحدة لتسهيل المفاوضات قبل اجتماعه مع ترامب.
وفي الوقت نفسه، كان أردوغان يعطي تصريحات حاسمة حول إقناع ترامب بمراجعة دعم الولايات المتحدة لوحدات حماية الشعب. وكان من المتوقع أيضاً أن اجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مدينة سوتشي الروسية في 3 مايو/أيار سيعزز موقفه قبل المفاوضات مع ترامب في هذا الصدد. لكن اثنين من التطورات اللاحقة أديا إلى تراجع هذه التوقعات: أولاً، قبل أسبوع واحد فقط من اجتماعه مع أردوغان، وقع ترامب الأمر التنفيذي الذي يطلق العنان للبنتاغون في تقديم الدعم العسكري لوحدات حماية الشعب.
وحقيقة أن هذا الدعم سوف يشمل الأسلحة الثقيلة هذه المرة كان حقاً تطوراً مقلقاً لأنقرة. ثانياً، قبل يوم واحد من اجتماع أردوغان مع ترامب، أرسل بوتين رسالة مفادها أن أردوغان لن يكون قادراً على استخدام ورقة روسيا في المفاوضات مع ترامب، من خلال التأكيد على أن روسيا ستواصل تعاونها مع وحدات حماية الشعب ضد داعش، وليس هناك ما يدعو لقلق تركيا. وبعد هذه التطورات، أصبح من الواضح أنه سيكون من المستحيل تقريباً على أردوغان والوفد التركي مراجعة الأمر التنفيذي المذكور آنفاً خلال الاجتماع في واشنطن. وقد غادر الوفد التركي وأردوغان الولايات المتحدة بنتيجة فقط هي وعد ترامب بأن وحدات حماية الشعب لن يُسمح لها باستخدام الأسلحة الثقيلة المقدمة لها ضد تركيا في أي حال. وبطبيعة الحال، لم يكن ذلك وعداً مرضياً.
ومع ذلك، يعتقد منصور أكغون، أستاذ العلوم السياسية في جامعة إسطنبول الثقافية (كولتور) ومدير مركز التيارات السياسية العالمية المختص في السياسة الخارجية في جامعة إسطنبول، وهو مركز أبحاث مقره في إسطنبول، أن الحكومة الأميركية ستبذل قصارى جهدها لضمان عدم استخدام وحدات حماية الشعب/ حزب العمال الكردستاني للأسلحة، التي قدمتها الولايات المتحدة لهم، ضد تركيا في أي حال، ولضمان ذلك، ربما يقوم مسؤولون عسكريون وفي الاستخبارات في كل من تركيا والولايات المتحدة بوضع آلية مراقبة مشتركة. ومع ذلك، يضيف أكغون أن اعتراض تركيا ليس لأسباب عسكرية فحسب بل لأسباب سياسية أيضاً. وتشعر تركيا بانزعاج عميق لأن حلف الناتو يدعم جماعة إرهابية تهدد الأمن القومي التركي.
صورة: أردوغان وبوتين في اجتماع تم الشهر الماضي
أما في العلاقات التركية الروسية، فيكاد يكون الاجتماع الذي جمع بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي عقد في سوتشي في 3 أيار/مايو، هو الحدث الأكثر نجاحاً على صعيد السياسة الخارجية التركية منذ الاستفتاء لأنه يبدو أنه يمهد الطريق لإحراز تقدم في مواضيع قليلة مثل رفع بعض القيود على التجارة الثنائية، وإلغاء شرط الحصول على تأشيرة لرجال الأعمال، وبيع نظام الصواريخ S-400 إلى تركيا وخلق مناطق آمنة في سوريا كجزء من محادثات السلام الجارية.
لكن الإجابة على هذا السؤال لم تتضح بعد بشكل كامل. ومع ذلك، فإن تقييم الشهر الأول عقب الاستفتاء قد يعطينا بعض الدلائل بشأن اتجاهات السياسة الداخلية والخارجية التركية في المستقبل القريب. ومن هنا، تهدف هذه المقالة إلى إلقاء نظرة على الحقائق المهمة التي وقعت في الشهر الأول، سواء في السياسة الداخلية أو على مستوى علاقات أنقرة الخارجية.
أولاً وقبل كل شيء، هناك حاجة إلى دراسة نتائج الاستفتاء وتحليلها من أجل فهم المشهد والتيارات السياسية في الجمهورية التركية.
باستخدام هذه الطريقة، نحصل على تحليل أفضل للخطوات السياسية التي اتخذتها الحكومة التركية في الشهر الأول الذي أعقب الاستفتاء.
المشهد السياسي في تركيا
دعونا نبدأ ببعض المقارنات البسيطة والمهمة في آن.
فعندما نراجع الانتخابات العامة الأخيرة، التي عقدت في 1 أكتوبر 2015 كتكرار لسابقتها التي عقدت في 7 يونيو 2015، نجد أن حزب العدالة والتنمية (الحزب الحاكم على مدار 15 عاماً) فاز بنسبة 49.49 من الأصوات (أي أكثر من 23.5 مليون صوت) واستعاد فرصة تشكيل الحكومة بمفرده. في الوقت نفسه، حصل حزب الحركة القومية (الحزب القومي الرئيسي في تركيا الذي تحالف مع حزب العدالة والتنمية للتصويت بنعم على الاستفتاء الدستوري الأخير) على 11.9٪ من الأصوات بأكثر من 5.5 مليون صوت، أي أن مجموع أصوات حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية كان بين 29 و30 مليوناً، أي 61.3٪ من الناخبين.
ومع ذلك، فقد أدى التحالف بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية إلى 51.5٪ فقط من الأصوات، وهي نسبة "نعم" في الاستفتاء الدستوري، وهو ما يعني أن حوالي 10٪ من ناخبي الحزبين لم يدعموا التعديلات الدستورية على الرغم من أنهم قد صوتوا لحزب العدالة والتنمية أو حزب الحركة القومية قبل عامين فقط. بعبارة أخرى، خسر التحالف بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية أكثر من 4 ملايين صوت (انخفضت الأصوات من حوالي 25 مليوناً إلى ما يقرب من 21 مليون صوت) مقارنة بالانتخابات العامة السابقة التي أجريت في تشرين الثاني/نوفمبر 2015.
صورة: خسر التحالف بين أردوغان ودولت بهتشلي أكثر من 4 ملايين صوت خلال ستة أشهر
وثمة حقيقة أخرى هي أنه في 67 مدينة من أصل 81 مدينة في تركيا، كانت النسبة المئوية للناخبين الذين صوتوا بـ "نعم" أقل مقارنة بإجمالي الناخبين الذين صوتوا لصالح حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة الوطنية في الانتخابات العامة الأخيرة.
لم يقتصر الأمر فقط على تصويت أكبر 3 مدن في الأصوات الانتخابية التركية -إسطنبول وأنقرة وأزمير– ضد الاستفتاء، لكن نسبة التصويت المؤيدة للتعديلات الدستورية في عدد من المدن والأحياء التي تعتبر معاقل لحزب العدالة والتنمية، كانت أقل مما كان متوقعاً. فمدينة قونية، المدينة الجارة للعاصمة أنقرة، يمكن أن تكون مثالاً على ذلك لأنها كانت دائماً واحدة من أكبر معاقل حزب العدالة والتنمية على مدار حوالي 14 عاماً، وكانت أيضاً معقلاً للأحزاب السياسية السابقة لحزب العدالة والتنمية مثل حزب الفضيلة وحزب الرفاه، وكلاهما كانا بقيادة نجم الدين أربكان، أول زعيم سياسي بارز في القطاعات الإسلامية بالمجتمع التركي. في مدينة الأناضول، بلغ عدد الأصوات المؤيدة للاستفتاء 928602 صوتاً، أي أقل بكثير من عدد الأصوات التي حصدها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات العامة الأخيرة، والتي قدرت بنحو 957 ألف صوت. هذه التحولات تمثل مشكلة ناشئة من المحتمل أن يأخذها حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان في الاعتبار.
وفقاً لاستطلاعات "إبسوس" (إبسوس هي شركة استطلاعات عامة دولية معروفة)، فإن 90٪ من ناخبي حزب العدالة والتنمية، و5٪ من ناخبي حزب الشعب الجمهوري، و27٪ من ناخبي حزب الحركة القومية، و10٪ من الناخبين في حزب الشعوب الديمقراطي صوتوا لصالح التعديلات الدستورية .
صورة: تصويت مؤيدي الأحزاب المختلفة في الاستفتاء
ما الذي تعنيه أنماط التصويت في الاستفتاء؟
يمكن التوصل إلى عدة حقائق مهمة استناداً إلى الإحصاءات السابقة.
تقريباً لم يصوت ثلاثة أرباع الناخبين في حزب الحركة القومية لصالح التعديلات الدستورية، بمعنى أن قيادة حزب الحركة القومية لم تتمكن من إقناع قاعدتها الاجتماعية باتباع توصياتها السياسية. بالإضافة إلى ذلك، نظراً للصورة المتصورة لحزب الحركة القومية كحزب سياسي يحافظ على الانضباط الصارم داخل التنظيم الحزبي، لا يمكن أن تكون القرارات السياسية والتوجهات للقاعدة الشعبية نمطية ومكررة ككتلة متجانسة تطيع القيادات مهما يكن الحال. لذا فإن هذه الأغلبية الصارمة من الناخبين في حزب الحركة القومية، الذين اختاروا عدم اتباع قرار قيادتهم في الاستفتاء الأخير قد يكونون عاملاً حاسماً في مسار السياسة والخيارات السياسية في الحقبة الجديدة.
صورة: النائب السابق لرئيس حزب الحركة القومية آتيلا كايا
عندما تحدثت إلى أتيلا كايا، النائب السابق لرئيس حزب الحركة القومية الذي استقال رداً على سياسات زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، ذكر أنه في الوقت الحاضر تدور مناقشة واسعة بين بعض الشخصيات البارزة في حزب الحركة القومية -وقواعده الانتخابية- حول الخطوة التالية. وأضاف أن الجزء الأكبر من القاعدة الشعبية لحزب الحركة القومية يمر بمفترق الطرق، كما أكد الرجل أنهم سوف يواصلون نضالهم إما داخل حزب الحركة القومية أو سيشرعون في تأسيس حزب سياسي جديد.
الأكراد لا يدعمون الكردستاني
لقد صوَّت 10 بالمئة من الناخبين المؤيدين لحزب الشعوب الديمقراطي، ومعظمهم من المدن الجنوبية الشرقية في تركيا حيث غالبية السكان من الأكراد، لصالح التعديلات ويمكن الدفع بأن هذا التحول أصبح واحداً من العوامل المحددة للنتيجة الحالية للاستفتاء. هذا المشهد ربما يوضح حقيقتين وعاملين مهمين:
أولاً، من الحقائق المهمة أن عدداً كبيراً من المواطنين الأكراد صوَّتوا لصالح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات العامة في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015 وصوتوا مؤخراً بـ"نعم" في الاستفتاء الدستوري. ويبدو أن السكان الأكراد في المنطقة الجنوبية الشرقية من تركيا يضعون مسافة بينهم وبين حزب العمال الكردستاني، وهي جماعة إرهابية مسلحة يفترض أنها تدافع عن حقوق الأكراد. وهذه الحقيقة تتناقض مع المزاعم القائلة بأن العمليات العسكرية التي قام بها الجيش التركي ضد عناصر حزب العمال الكردستاني في مدنهم في العام الماضي قد نفرت السكان الأكراد في تلك المدن من الدولة. وربما يطالب جزء كبير من المواطنين الأكراد بأن يكونوا ممثلين بطرق سلمية، مع شجبهم للوسائل العنيفة التي يتبعها حزب العمال الكردستاني.
ثانيًا، يُعتقد أن السكان الأكراد يأملون في أن يكون هناك نظام رئاسي قادر على تمهيد السبيل أمام التطور السياسي الأساسي (نظام حكم لا مركزي بشكل أكبر) الذي يودون رؤيته أو يكون بمقدورهم ضمان الحقوق والحريات الثقافية التي اكتسبوها في السنوات الأخيرة. في هذا الصدد، يؤكد غالب دالاي، مدير الأبحاث في منتدى الشرق، أن نسبةً مُعتبرةً من الأكراد في تركيا لا يزالون يعتقدون بأن الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية هما وحدهما القادران على حل المشكلة الكردية في تركيا، وفي رأيهما، تتطلب هذه المشكلة وجود قادة أقوياء بدلاً من وجود نظم سياسية معقدة. يقول دالاي إن الطبقة المسيسة والمتعلمة من الأكراد تشير إلى دور ديغول، الرئيس الفرنسي الأسبق، في حل الأزمة الجزائرية في هذا الصدد. إلا أن دالاي يسلط الضوء على أن التحول بين الناخبين الأكراد لا ينبغي اعتباره موافقة على السياسات الأمنية الحالية للحكومة على الرغم من أن هذا التحول هو بمثابة بطاقة حمراء تظهر لحزب العمال الكردستاني وأفعاله العنيفة. ويضيف أن العلاقة الوثيقة بين الحكومة التركية ومسعود بارزاني زعيم الحكومة الإقليمية الكردية في العراق ربما كان لها تأثير إيجابي على الناخبين الأكراد في تركيا.
لم يصوّت 10% من ناخبي حزب العدالة والتنمية لصالح التعديلات التعديلات الدستورية. وبالنظر إلى أن معظم هذه النسبة من المناطق الحضرية (وخاصة المدن الكبرى مثل إسطنبول)، يمكن القول بأن الطبقة الوسطى الحضرية، التي نمت وازدهرت خلال عهد حزب العدالة والتنمية، على وشك الانكماش، وهذا يمكن استخلاصه من نسبة الناخبين الذين صوتوا ضد التعديلات الدستورية في المدن الكبيرة أو المناطق الحضرية بالمقارنة مع الأحياء الريفية أو الضواحي. بالإضافة إلى ذلك، تظهر إحصاءات أخرى أن نسبة الناخبين الذين صوتوا ضد التعديلات الدستورية تتزايد بالتوازي مع مستوى التعليم. لكننا لسنا متأكدين من هذا الأمر حتى الآن لأن نسبة 10% لم تسحب دعمها لحزب العدالة والتنمية في أي انتخابات عامة أو محلية. ومع ذلك، يمكننا اعتبار هذه الخسارة على الأقل بمثابة رسالة تحذير من الطبقة الوسطى في المناطق الحضرية إلى حزب العدالة والتنمية.
ومن النتائج الملحوظة الأخرى، وفقاً لاستطلاعات "إبسوس"، أن أغلبية الناخبين الذين تقل أعمارهم عن 24 عاماً وبين سن 45 و69 صوتوا ضد التعديلات الدستورية، في حين أن أغلبية الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و44 عاماً وفوق 69 عاماً صوتوا لصالح التعديلات الدستورية. وهذا يدل على أن غالبية قطاع القوى العاملة الرئيسية في المجتمع كان وراء التغيير الدستوري في حين لم يكن الشباب في سن الجامعة أو السن الأقل كذلك (54٪ صوتوا ضد التعديلات الدستورية). هذه الإحصائيات أيضاً تدحض فكرة أن الأغلبية الصارمة من الأجيال الشابة كانت ضد التعديلات الدستورية مثلما حدث في استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي أجري في 23 يونيو 2016. في البريكسيت، كان معدل الأصوات الرافضة للخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بين المواطنين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً 75٪، في حين كانت نسبة الرفض في سن 24 إلى 34 عاماً هي 62%. باختصار، لا ينبغي أن ينظر إلى الاستفتاء الدستوري التركي باعتباره نظيراً للبريكست (استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) أو أي استفتاء آخر عقد في أوروبا في السنوات الأخيرة.
صورة: نسبة الشباب من بين المصوتين في الاستفتاء على التعديلات الدستورية
أخيراً وليس آخراً، تظهر استطلاعات "إبسوس" أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان على ما يبدو الشخصية صاحبة أكبر الأثر في النتيجة. فعندما سُئل الناخبون: "من الشخص صاحب الإجراءات والخطابات الذي أثر على اختيارك على الأكثر؟"، أجاب 85٪ من الناخبين الذين صوتوا لصالح الدستورية و78٪ من الناخبين الذين صوتوا ضد التعديلات الدستورية بالإجابة نفسها: أردوغان.
صورة: أكثر الشخصيات التركية التي أثرت في اختيار المصوتين في الاستفتاء
قبل أن ننتقل إلى القسم التالي سأشارك حقيقة أخيرة لفتت انتباهي مع العديد من المتابعين الأتراك: وفقاً لاستطلاعات "إبسوس" مرة أخرى، يعتقد 88٪ من الناخبين الذين صوتوا لصالح التعديلات الدستورية أن مستقبل تركيا مشرق. هذه ليست الحقيقة المدهشة، لكن المثير للدهشة في رأيي أن هناك فقط 59٪ من الذين صوتوا ضد التعديلات الدستورية يعتقدون أن مستقبل تركيا ليس مشرقاً. كنت شخصيا أتوقع نسبة أعلى، بالنظر إلى حس التشاؤم القوي المنتشر بين مؤيدي التصويت بـ"لا".
صورة: توقعات المصوتين لمستقبل تركيا تبدو مفاجئة
انتصار أو لا انتصار.. هذا هو السؤال
بعد الاستفتاء مباشرة، بدا أن العديد من المحللين وكتاب الأعمدة يوافقون على نقطة واحدة: على الرغم من أن حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان حصلوا على ما يحتاجونه، إلا أن نتائج الاستفتاء لم ينظر إليها باعتبارها انتصاراً واضحاً، إلى جانب ذلك، يبدو أن البلد قد انقسم إلى جزأين. لذا، فإن الانتخابات القادمة التي ستعقد في 2019 لن تكون مضمونة. وبالتالي، وفقاً لكثير من المحللين وكتاب الأعمدة، فإن الرئيس التركي إما سيحاول توسيع قاعدة داعميه باتباع سياسات أكثر شمولاً أو اختيار تعزيز نسبة 51٪ الحالية على حساب بقية المجتمع. وختاماً، سيتشكل كل شيء يتعلق بالسياسة الداخلية لحزب العدالة والتنمية بعد الاستفتاء في هذا السياق.
في الشهر الأول الذي أعقب الاستفتاء، جرت تنحية السياسة الداخلية جانباً، إذ قضى أردوغان معظم جهوده في متابعة قضايا السياسة الخارجية، إلى جانب العديد من الزيارات الخارجية اللاحقة بما في ذلك الزيارات إلى الولايات المتحدة والصين والهند. ويبدو أن أردوغان يعمل على إصلاح الصورة المحطمة للحكومة التركية وإزالة حالة التصعيد بين تركيا وحلفائها الغربيين التي سادت قبل الاستفتاء الدستوري التركي وبعد الانتخابات التي أجريت في بعض الدول الأوروبية. إن الفترة السياسية التي نشهدها الآن تستحضر الفترة التي سبقت تولي حزب العدالة والتنمية الحكومة في انتخابات عام 2002، عندما كان أردوغان مشغولاً في معظم الأحيان بالشؤون الخارجية.
لذلك، هناك أربع قضايا حاسمة يمكن مناقشتها في هذا الإطار:
1- التحالف مع القوميين
أولاً وقبل كل شيء، بعد عدم تمكن قيادة حزب الحركة القومية من إقناع عدد كبير من ناخبيها والفشل في تقديم الدعم الكافي للتصويت في صالح التعديلات الدستورية، وفي الوقت نفسه، تأييد المواطنين الأكراد من مدن جنوب شرق تركيا للتصويت في صالح التعديلات الدستورية بقدر ما فعلته قيادة حزب الحركة القومية، كان الجميع يتساءل عما إذا كان أردوغان سيعيد النظر في تحالفه مع قيادة حزب الحركة القومية ويمهد الطريق لأي مبادرة سياسية لإعادة الحوار السياسي مع الجهات الكردية إلى مساره.
وبينما كنا نتلقى رسائل مختلطة من الحكومة بشأن هذه القضية الأخيرة، لم يحدث أي تنقيح للتحالف بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، وقدم أردوغان رسائل واضحة جداً –حتى في ليلة الاستفتاء في خطاب النصر– من أنه سيحافظ على العلاقة الوثيقة مع حزب الحركة القومية وزعيمه دفلت بهجلي. وكانت الرسائل من حزب الحركة القومية وبهجلي في نفس الاتجاه أيضاً.
لذا، فإن السؤال هو هل سيُمنح حزب الحركة القومية بعض المقاعد في الحكومة الجديدة، التي سيشكلها الرئيس أردوغان نفسه، في مقابل الدعم الذي قدمه لصالح التعديلات الدستورية. في الانتخابات الأخيرة للمجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين، كان تحالف حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية يتقدم بشكل واضح. فعلى سبيل المثال، انتُخب محامي زعيم حزب الحركة القومية دفلت بهجلي واحداً من سبعة أعضاء في المجلس.
2- الحكومة القادمة
ثانيا، "مجلس الوزراء الجديد". وفقاً للدستور الجديد، لم يعد رئيس الجمهورية التركية غير حزبي. لذلك عاد أردوغان إلى حزب العدالة والتنمية، الذي كان أحد مؤسسيه و"زعيمه الطبيعي"، في بداية هذا الشهر (فقد كان عليه أن يترك حزبه بعد انتخابه رئيساً لتركيا في عام 2014 وفق الدستور القديم). وكانت هذه خطوة متوقعة. لكن التغييرات المحتملة في مجلس الوزراء تثير فضول الرأي العام. ورغم أنه من المؤكد تقريباً أننا سوف نرى تغييرات ملحوظة، لكن مضمون التغييرات لا يزال غامضاً.
3- حرب داخل الحزب
ثالثاً، بعد أن تم التأكد من نتائج الاستفتاء، اندلعت حرب من نوع خاص في عدد من وسائل الإعلام التركية (وخاصة أولئك الذين يعتبرون مؤيدين للحكومة). بدأت الحرب من قبل عدد قليل من المعلقين التلفزيونيين المشهورين حديثاً (وكتاب الأعمدة في صحف مختلفة أيضاً) حيث هاجموا بعض الصحفيين البارزين، ومعظمهم ممن يُطلق عليهم الصحفيون والسياسيون الإسلاميون (بما في ذلك الرئيس السابق عبد الله غول الذي يعد من مؤسسي حزب العدالة والتنمية) وبعض المفكرين الآخرين، متهمين إياهم بعدم الإعراب عن تأييدهم للتعديلات الدستورية الأخيرة، وكذلك الوقوف ضد التعديلات الدستورية من خلال الانتقادات المباشرة أو غير المباشرة.
أحد هؤلاء كان من الذين أهانوا الناس وأثاروا المناقشات عندما اتهم الناشطين في سفينة "مرمرة الزرقاء" (تعرضت السفينة للهجوم من قبل القوات الإسرائيلية أثناء محاولتها كسر الحصار المفروض على غزة في عام 2010) ووصفهم بأنهم "مهووسون". أثار هذا الابتزاز المهين ردود فعل واسعة بين القاعدة الاجتماعية لحزب العدالة والتنمية والعديد من الصحفيين والمفكرين والسياسيين وغيرهم من الشخصيات البارزة الذين أعربوا عن إدانتهم ضد "مرتكبي الإهانات" واتهموهم بأنهم "ضحية" لبعض الجماعات المارقة داخل الحكومة والجماعات المحيطة بأردوغان. كانت هذه الحرب الإعلامية مهمة جداً لأن خطوط الصدع بين المجموعات المختلفة، التي تعتبر جميعها في الدوائر الموالية للحكومة، لم تكن واضحة تماماً مثلما أضحت داخل هذه المعركة.
كما أن تصريحات أردوغان بشأن هذه الحرب كانت ملحوظة أيضاً. فقال في بيانه الأول في منتصف هذه المناقشات الساخنة - باختصار:
"إن الرفقة مهمة. إذا كان لديكم رفاق، فعليكم التمسك بهم. هناك من كان معنا حتى نقطة ما، لكنهم غادروا بعد ذلك. لقد شهدنا في الآونة الأخيرة تعاملات كاذبة ولا تطاق يمكن تسميتها بالانحراف الأخلاقي.. لقد قيل إن الإسلاميين تعرضوا للفصل من حزب العدالة والتنمية واستُبدلوا بغير الإسلاميين. ليس من الدقة تصنيف الناس على أنهم إسلاميون أو غير إسلاميين في إطار حزب سياسي. نحن لا نبحث عن تلاميذ لشيخ إسلامي".
وقد قام العديد من المحللين وكتاب الأعمدة بتفسير هذا البيان في سياق أن أردوغان قرر الوقوف ضد "الإسلاميين" أو الذين يطلق عليهم "معظم قدامى المؤسسة القديمة لحزب العدالة والتنمية". ويعتقد هؤلاء المحللين أيضاً أنه في الحقبة الجديدة يبدو أن أردوغان حريص على بناء هيكل جديد وأكثر جاهزية داخل الحزب ولذلك يطلق العنان لمحرضي هذه الحرب الإعلامية.
لكن بعد فترة وجيزة، أدلى أردوغان ببيان آخر يقول فيه: "لا يمكن لأحد أن يرى نفسه في موقف يمكنه من خلاله التحدث نيابة عني، باستثناء المتحدث باسم الرئاسة التركية".
لقد كانت رسالة واضحة جداً ضد أولئك الذين يهينون العديد من الشخصيات المحترمة والبارزة داخل الدوائر المؤيدة للحكومة أو شرائح المجتمع الإسلامي وذلك من خلال العمل كما لو كانوا يتحدثون باسم أردوغان. ومن ناحية أخرى، يبدو هذا الأمر أيضاً متناقضاً مع بيان أردوغان السابق إذا قبلنا التفسيرات السابقة التي تعتبر البيان بمثابة تبنٍّ للإهانات بشكل غير مباشر. ولعل هذه التفسيرات ينبغي إعادة النظر فيها..
4- مبادرة الساسة الإسلاميين
والقضية الرابعة مرتبطة في الواقع بالقضية السابقة. وبما أنه اتضح بعد نتائج الاستفتاء أن هناك اضطرابات متزايدة بين مؤيدي الطبقة المتوسطة في المناطق الحضرية لحزب العدالة والتنمية، وبما أنه من المفترض أن فقدان 10٪ من مؤيدي حزب العدالة والتنمية في الاستفتاء –المقترن بانخفاض دعم حزب العدالة والتنمية في المدن الكبرى التي تشكل أساس الاقتصاد التركي- يؤكد هذا الواقع، فقد ظهرت بعض الشائعات حول إمكانية قيام مبادرة سياسية جديدة من اليمين الوسطي سيشكلها بعض من مؤسسي حزب العدالة والتنمية والشخصيات السياسية البارزة.
وبالنظر إلى الموقف المعارض لحزب السعادة، أسسه نجم الدين أربكان وهو حزب سياسي رئيسي آخر من الجناح الإسلامي على الرغم من أن قاعدته الاجتماعية أضيق بكثير من حزب العدالة والتنمية، وبالنظر أيضاً إلى الشخصيات السياسية البارزة التي استبعدها زعيم حزب الحركة القومية دفلت بهجلي لكنها تحظى بتأييد كبير بين ناخبي حزب الحركة القومية، فإن احتمالية كسب مثل هذه المبادرة السياسية الجديدة التي تنتمي إلى يمين الوسط أو الاتجاه المحافظ للدعم يعد أمراً ممكناً. بالإضافة إلى ذلك، هناك اضطرابات متزايدة بين بعض الجماعات الإسلامية السياسية أيضاً وينبغي أن تؤخذ في الاعتبار.
ولا شك أن مثل هذه المبادرة السياسية لا يجب أن تكون في شكل حزب جديد، بل يمكن أيضاً أن تظهر كائتلاف غير رسمي حول مرشح للرئاسة في الانتخابات المقبلة التي ستعقد في 2019. عندما قال دنيز بايكال زعيم حزب الشعب الجمهوري السابق (حزب المعارضة الرئيسية في تركيا)، وهو أحد أبرز السياسيين في تركيا، على الهواء في برنامج تلفزيوني بعد أسبوعين فقط من الاستفتاء من أنه قد يفكر في دعم الرئيس التركي السابق عبد الله غول حال ترشحه للرئاسة وبالتالي فإن هذه الشائعات عن تحالف غير رسمي لقيت زخماً لبعض الوقت.
ومع ذلك، بعد رد الرئيس أردوغان غير المبالي لبيان بيكال، وبعد انتقاد عبد الله غول لبيكال في وقت لاحق على الرغم من دعمه (عبر التذكير باعتراضات بيكال غير العادلة على ترشيحه للانتخابات الرئاسية في عام 2007)، يبدو أن هذه الشائعات تنحت جانباً. لكنها لا تزال جديرة بالنظر فيها. ولكن نظراً للدعم الاجتماعي الواسع لأردوغان والرؤى المختلفة جوهرياً للمكونات "المستقبلية" لمبادرة سياسية جديدة من اليمين الوسطي، تبدو إمكانية هذا التحالف المضاد ضعيفة. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يؤخذ دائماً بعين الاعتبار، أن رجب طيب أردوغان كان أكثر خبرة من أي زعيم سياسي آخر في يمين الوسط والجناح المحافظ عندما يتعلق الأمر بتقليل إمكانية ظهور أي حركة سياسية منافسة جادة.
طمأنة أردوغان
كذلك من الأهمية بمكان إلقاء نظرة على الرسائل الواردة في المؤتمر العام لحزب العدالة والتنمية، الذي عقد في 21 أيار/مايو 2017. وأهم حقيقة في هذا المؤتمر هي "عودة أردوغان إلى الحزب". وبما أن رئيس الجمهورية التركية لا يجب أن يكون غير حزبي، عاد الرئيس أردوغان إلى حزبه وأصبح زعيمه بعد غياب 998 يوماً. وعقب عودته، أجرى أردوغان بعض التغييرات الهامة في المجلس التنفيذي لحزب العدالة والتنمية. وقال أتين ماهشوبيان، الذي كان مستشاراً لرئيس وزراء تركيا السابق أحمد داود أوغلو ومؤخراً هو عضو مجلس إدارة مركز دراسات السياسة العامة والدیمقراطیة -مقره في إسطنبول- وكاتب عمود في صحيفة قرار اليومية التركية، في تعليقاته حول عودة أردوغان: إن أردوغان لا يملك أي عذر لتحقيق النجاح السياسي بعد تمتعه بالسلطة الكاملة من الآن فصاعداً. ويضيف ماهكوبيان إن وضع أردوغان ينطوي فعلاً على مخاطر عالية، لأنه من الآن فصاعداً، سيعزى إليه أي فشل سياسي أو خيبة أمل حتى لو لم يكن ذلك خطأه.
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن أردوغان قدم بعض الرسائل الشاملة والبناءة حول العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي. كما قال في كلمته: "في تركيا، لا يجب أن يشعر أي أحد بالنفور". هذه الرسائل قد تكون إشارات للمحاولات المرتقبة للحد من التوتر في الشؤون الداخلية والخارجية. بيد أن أردوغان أعطى أيضاً رسائل تقول إن معركة الحكومة ضد الجماعات الإرهابية سوف تستمر بكامل جهودها ودون أي تنازلات. لكن هذه الدرجة العالية من المعارك ضد الجماعات الإرهابية سوف تقيد محاولات الحد من التوتر في البلاد.
السياسة الخارجية
جاءت موضوعات السياسة الخارجية في المقدمة في أعقاب الاستفتاء. وكان التصعيد بين الحكومة التركية وحكومات الاتحاد الأوروبي قد بلغ ذروته قبل الاستفتاء. ونظراً للعلاقات الاقتصادية القوية بين تركيا والاتحاد الأوروبي، كانت هناك تساؤلات عما إذا كان التوتر سينخفض قريباً أم لا. واعتبرت الرسائل التي جاءت من ألمانيا بعد الاستفتاء مباشرة دافئة وبناءة (من المستشارة أنجيلا ميركل ووزير الخارجية سيغمار غابرييل) باعتبارها إشارات لإعادة العلاقات بطريقة إيجابية. غير أن حادثين أخيرين ضربا إسفيناً بين الجانبين مرة أخرى: أولاً، تقرير منظمة الأمن والتعاون في أوروبا الذي انتقد بشدة عملية الاستفتاء وشكك في شرعية النتائج. لكن ردود أردوغان والحكومة بعد ذلك التقرير كانت لاذعة تماماً واتهمت مراقبي منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بعدم العدالة والانحياز. ثانياً، قرار الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا بإعادة فتح عملية مراقبة لتركيا. وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين أن تركيا أدانت هذا القرار الذي كان غير لائق من حيث العدالة والإنصاف. وأضاف أن ذلك الأمر يعد عملية قامت بها بعض الجماعات المعادية لتركيا.
تركيا وأوروبا: عهد جديد
على الرغم من أن الحوادث المذكورة آنفاً قد تسببت مرة أخرى في توتر العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، إلى جانب الرسائل اللاذعة والإدانات من الحكومة التركية، إلا أن كبار المسؤولين في الحكومة التركية قدموا بعض الرسائل البناءة. ففي 27 نيسان/أبريل 2017، قال إبراهيم كالين، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة التركية في خطابه في قمة "المجلس الأطلسي" (معهد بحثي أميركي) التي أقيمت في إسطنبول، "إن تركيا لم تتخل عن سعيها إلى أن تصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي." وفي بداية مايو، ذكر وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكى جملاً مشابهة لما قاله كالين في حديثه لإذاعة دويتشه فيله الألمانية.
صورة: إبراهيم كالين: تركيا لم تتخل عن سعيها للانضمام للاتحاد الأوروبي
الأهم من ذلك أن الرئيس أردوغان قال في 9 مايو/أيار - يوم أوروبا: "يطالب بلدنا بمواصلة عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كهدف استراتيجي في إطار الاحترام المتبادل والمساواة والنهج المربح للجانبين". ويبدو أن كل هذه الأمثلة الثلاثة تثبت أن تركيا لا تحرص على هدم الجسور بينها وبين الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فإن التوتر لا ينخفض بسهولة بسبب الاشتباكات المتعاقبة. في الآونة الأخيرة، اندلعت أزمة جديدة بين تركيا وألمانيا في أعقاب قرار ألمانيا الفاضح بشأن قبول طلبات اللجوء من بعض أعضاء الجيش التركي السابق الذين شاركوا في محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو 2016. ثم جاء حادث إغلاق قاعدة أنجرليك الجوية التركية في وجه القوات الجوية الألمانية ويقال إن الحكومة الألمانية بدأت بالفعل في السعي إلى إقامة قاعدة جوية جديدة في الأردن.
الأكراد والعالم: القضية الأهمّ
وكان أحد أكثر الموضوعات المثيرة للجدل في السياسة الخارجية التركية بعد الاستفتاء هو المساعدة العسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة إلى قوات سوريا الديمقراطية، وهي تعادل وحدات حماية الشعب الكردية، الجماعة المسلحة التي تنتمي مباشرة إلى حزب العمال الكردستاني وحزب العمال الكردستاني هو جماعة مسلحة من المفترض أنها تدافع عن حقوق الأكراد في جميع أنحاء المنطقة ومصنفة كمنظمة إرهابية من قبل كل من تركيا والولايات المتحدة). على الرغم من أن الحكومة التركية وأردوغان قد قدما دعوات عديدة للحكومة الأميركية لخفض دعمها لوحدات حماية الشعب، إلا أن الحكومة الأميركية لم تغير رأيها بشأن استمرار شراكتها مع قوات وحدات حماية الشعب من أجل استخدامها على الأرض كقوة برية رئيسية خلال عملية الرقة المقبلة ضد داعش. ولهذا الغرض، استمرت الحكومة الأميركية في تقديم أسلحة ومعدات جديدة إلى وحدات حماية الشعب، وواصلت القيادة المركزية للولايات المتحدة إرسال رسائل تأييد واحتضان إلى وحدات حماية الشعب على الرغم من اعتراضات ومخاوف تركيا العضو في حلف الناتو.
صورة: ترامب أكد باستمرار على دعم الولايات المتحدة للأكراد رغم التخوفات التركية
في خضم الجدل حول الدعم العسكري الذي تقدمه الولايات المتحدة إلى قوات سوريا الديمقراطية/وحدات حماية الشعب، وبالتالي تزايد الخطر على تركيا، شنت القوات الجوية التركية حملة جوية ضد مخيمات وحدات حماية الشعب على جبل سنجار في 25 أبريل/نيسان. في هذه الحملة الجوية، زعم أن ما لا يقل عن 70 مقاتلاً من وحدات حماية الشعب قد قتلوا، إلى جانب تدمير كمية كبيرة من الذخائر واللوجستيات في المجموعة. وبعد عملية درع الفرات التي بدأت في أغسطس/آب الماضي، لفتت هذه الحملة الجوية الانتباه باعتبارها تشكل سابقة لاستراتيجية تركيا الاستباقية وقدراتها الهجومية المحتملة ضد الجماعات الإرهابية التي تقع بالقرب من الحدود التركية مع سوريا والعراق.
وفي أعقاب الحملة الجوية على سنجار الهادفة لإقناع الحكومة الأميركية بأنها لن تحتاج إلى الاعتماد على قوات وحدات حماية الشعب خلال عملية الرقة، اقترحت تركيا بإصرار الاستعاضة عن وحدات حماية الشعب بقوات من القوات المسلحة التركية وجماعات مسلحة سورية أخرى مدربة من قبل تركيا. ففي 28 نيسان/أبريل 2017، على سبيل المثال، أعلن الرئيس أردوغان في خطابه في قمة إسطنبول للمجلس الأطلسي هذا الاقتراح.
على الرغم من أنه يبدو من الصعب إقناع الولايات المتحدة بهذا الأمر، كان هناك بعض الأمل المنعقد على اجتماع أردوغان المقبل مع الرئيس الأميركي ترامب خلال زيارته للولايات المتحدة في منتصف مايو/أيار. فقد أرسل أردوغان ثلاثة مسؤولين رفيعي المستوى من تركيا هم المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين ورئيس أركان القوات المسلحة التركية خلوصي آكار ورئيس جهاز الاستخبارات التركية هاكان فيدان إلى الولايات المتحدة لتسهيل المفاوضات قبل اجتماعه مع ترامب.
وفي الوقت نفسه، كان أردوغان يعطي تصريحات حاسمة حول إقناع ترامب بمراجعة دعم الولايات المتحدة لوحدات حماية الشعب. وكان من المتوقع أيضاً أن اجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مدينة سوتشي الروسية في 3 مايو/أيار سيعزز موقفه قبل المفاوضات مع ترامب في هذا الصدد. لكن اثنين من التطورات اللاحقة أديا إلى تراجع هذه التوقعات: أولاً، قبل أسبوع واحد فقط من اجتماعه مع أردوغان، وقع ترامب الأمر التنفيذي الذي يطلق العنان للبنتاغون في تقديم الدعم العسكري لوحدات حماية الشعب.
وحقيقة أن هذا الدعم سوف يشمل الأسلحة الثقيلة هذه المرة كان حقاً تطوراً مقلقاً لأنقرة. ثانياً، قبل يوم واحد من اجتماع أردوغان مع ترامب، أرسل بوتين رسالة مفادها أن أردوغان لن يكون قادراً على استخدام ورقة روسيا في المفاوضات مع ترامب، من خلال التأكيد على أن روسيا ستواصل تعاونها مع وحدات حماية الشعب ضد داعش، وليس هناك ما يدعو لقلق تركيا. وبعد هذه التطورات، أصبح من الواضح أنه سيكون من المستحيل تقريباً على أردوغان والوفد التركي مراجعة الأمر التنفيذي المذكور آنفاً خلال الاجتماع في واشنطن. وقد غادر الوفد التركي وأردوغان الولايات المتحدة بنتيجة فقط هي وعد ترامب بأن وحدات حماية الشعب لن يُسمح لها باستخدام الأسلحة الثقيلة المقدمة لها ضد تركيا في أي حال. وبطبيعة الحال، لم يكن ذلك وعداً مرضياً.
ومع ذلك، يعتقد منصور أكغون، أستاذ العلوم السياسية في جامعة إسطنبول الثقافية (كولتور) ومدير مركز التيارات السياسية العالمية المختص في السياسة الخارجية في جامعة إسطنبول، وهو مركز أبحاث مقره في إسطنبول، أن الحكومة الأميركية ستبذل قصارى جهدها لضمان عدم استخدام وحدات حماية الشعب/ حزب العمال الكردستاني للأسلحة، التي قدمتها الولايات المتحدة لهم، ضد تركيا في أي حال، ولضمان ذلك، ربما يقوم مسؤولون عسكريون وفي الاستخبارات في كل من تركيا والولايات المتحدة بوضع آلية مراقبة مشتركة. ومع ذلك، يضيف أكغون أن اعتراض تركيا ليس لأسباب عسكرية فحسب بل لأسباب سياسية أيضاً. وتشعر تركيا بانزعاج عميق لأن حلف الناتو يدعم جماعة إرهابية تهدد الأمن القومي التركي.
صورة: أردوغان وبوتين في اجتماع تم الشهر الماضي
أما في العلاقات التركية الروسية، فيكاد يكون الاجتماع الذي جمع بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي عقد في سوتشي في 3 أيار/مايو، هو الحدث الأكثر نجاحاً على صعيد السياسة الخارجية التركية منذ الاستفتاء لأنه يبدو أنه يمهد الطريق لإحراز تقدم في مواضيع قليلة مثل رفع بعض القيود على التجارة الثنائية، وإلغاء شرط الحصول على تأشيرة لرجال الأعمال، وبيع نظام الصواريخ S-400 إلى تركيا وخلق مناطق آمنة في سوريا كجزء من محادثات السلام الجارية.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2017/06/02/story_n_16919918.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات