الغيرة الثقافية والتطور.. التكنولوجيا وسيطاً
* مما يبدو جلياً أن العالم يشهد حراكاً وانقلاباً كبيرَين على مستوى الوعي بالحقوق والمطالبة بها، أياً ما كانت تمثله تلك الحقوق.
وإذا شُبه الأمر بالولادة وما تكتنفها من مراحل، فإننا، أي المجتمع البشري، في مرحلة تشكل الجنين، بعد أن أخذت صفاته الجينية حيّزها من الوجود، لكن بعضها سبق الآخر، فتباينت ماهية الحقوق، لكن تماثلت في تجسيدها أهميةً قصوى للمطالبين بها.
* المجتمعات البشرية، ولعقود طويلة، عاشت في إقطاعيات ثقافية، واقتصادية، واجتماعية مستمدة وجودها واستمرارها على ما وصلته بالتجربة بكل تفاصيلها، وظلت بصورة كبيرة، تعيش فيما يشبه الأراضي المغلقة على ذاتها، لنقل مزرعة، فظل سكان هذه الأرض المعينة مأخوذين بما لديهم من معطيات، ومثلت السلطات المخولة لها بتوفير خدمات تلك الأرض، الكلمة العليا امتثالاً نمّ عن قلَّة وعي وعدم انفتاح على الآخر.
لنقُل إن هذه السلطات تجسد (صاحب المزرعة) الذي يوفر لك المواد الأولية للزراعة وأدواتها، وحصصاً من الطعام ومكاناً مخصصاً للنوم والراحة وخطة حياة مضمونة لأبنائك، وفي أحيان كثيرة يرسم لك كيفية إنفاق ما تبقّى لك من وقت في يومك في قوالب اجتماعية ودينية مختلفة؛ للحرص على انخراطك التام في البيئة، مما يحيد بك عن حتى التفكير خارج هذا الإطار المحكم، وربما السبب الرئيسي هو عدم تجاوز الوعي والخيال لهذه المنطقة وتشابه الأمر في كل المناطق وهكذا دواليك.
* الذي حدث أنه وببلوغ البشرية للمجتمع المعلوماتي، الذي سبقه بقرون المجتمع الزراعي، ومن ثَم مباشرة الصناعي، لنقف هنا قليلاً.
إن أي مجتمع ممثل في نظام عالمي اقتصادي يمس حياة الناس بصورة حتمية ومباشرة، لا بد من أنه يفرز، أو لنقُل يفرض سلوكيات اجتماعية وروتينية محددة في حياة الأفراد اليومية، تترجم إلى جُملة قواعد وبِنى، تسير عليها المجتمعات بشكل نمطي، ابتداءً من ساعات العمل، مروراً بخيارات الإنفاق والترفيه واختيار أنماط الحياة مجملاً.
* أفلح المجتمع الصناعي نسبياً في خلق منطلقات الرغبات التي تشكلت على ضوئها مفاتيح التغيير في المجتمع المعلوماتي الحالي، وهو الرغبة في اختراق جدران الآخر، وإن تبنت تلك الرغبة إلى حد كبير قطاعات سياسية مثلت النخب الحاكمة، وليست رغبة فردية كما هو الحال الآن.
فازدهرت التجارة وتكونت المجتمعات الصناعية بكل أشكالها، وتحركت مع التنقلات المستمرة للأفراد والبضائع والأحداث، ثقافات، ومعتقدات، وأنماط عيش، وخيارات حياة لم تكن معروفة أو مدركة لدى الآخر، فتكونت بوادر التغيير الديناميكي الذي نشهده الآن.
ولأن الأمر -كما أسلفت- كان نسبياً لقيام الحكومات بمعظم هذه الأدوار، لم يحدث التغيير الكامل، فجاء مجتمع المعلومات الحالي محدثاً قولبة في كافة المعايير التي تحيط بحياة الناس بكافة تفاصيلها، وتشكلت خرائط اقتصادية، واجتماعية، جديدة كلياً، لكن موضع الاهتمام هنا، هو تشكل خارطة الوعي الإنساني بالحقوق مستنداً على الآخر الذي جعل التجربة الإنسانية مغايرة عما سبق.
* لنعُد إلى مثال المزرعة المغلقة مرة أخرى، الذي حدث أن مجتمع المعلومات ومنذ بداية تكونه، بدأ في تشكيل خرائط اقتصادية وسياسية ليست هي المهمة هنا، لكن المهم ذكره، تشكيله لأنواع جديدة من الحراك ولديناميكية مغايرة للفعل ورد الفعل، اتسمت بالمفاجأة المفارِقة التي قلبت الأوضاعَ واستقراءها رأساً على عقب.
* ما جرى تحديداً هو تمليك الأفراد مفتاحاً جوهرياً للتغيير وهو معرفة الآخر، الآخر الغائب مسبقاً من مناطق الوعي ومنطلقات الإدراك، وأُتيحت معرفة الآخر بأداة التغيير الأساسية حتى الآن، وهو الإعلام الاجتماعي أو السوشيال ميديا، بالرجوع إلى المزرعة مرة أخرى، لعب اكتشاف الآخر وإزالة طبقات وحجب عن الوعي، الدور الأكبر في إزالة الحدود بين المجتمعات، الحدود الممثلة هنا بفواصل الأراضي، فظلت المجتمعات لفترة من الزمان يراقب بعضها البعض بدهشة بعد تعرفها على الآخر، وطريقة خوضه الحياة وتفاعلها معها، والأهم من ذلك كله، تعرّف المجتمعات على رغبات بعضها وماذا تمثل لهم الحياة خارج هذه الأرض المرسومة، بعدها أصيبت المجتمعات بالمقارنة، وهو أمر طبيعي وعرَض تلقائي يلي مرحلة الاكتشاف، فمثلت المقارنة التي اقترنت بما هو أشبه بالغيرة البشرية، منطلقاً قوياً لتغيير الأحداث في مسار المطالبة بالحقوق ونيلها واكتشاف رغبات لم تكن منظورة نسبة لمحدودية الوعي.
كالذي كان يعيش في المزرعة (أ) ويزرع نوعاً من الحبوب، ويعمل لعدد من الساعات، ويحصل على حصص معينة من الطعام، فوجد جاره في المزرعة (ب) يزرع فاكهة بعناء أقل، وحصصه أكبر، وعدد ساعات عمله أقل، فوجد العامل في المزرعة (ب) أنه مرهق وصاحب المزرعة يقسو عليه مقارنة بعامل المزرعة (ج) الذي لديه وقت أكبر ليقضيه خارج ساعات العمل المضنية، ومحصوله أفضل وعائلته أسعد على ما يبدو.
هذه المقارنة أفضت إلى أمرين في غاية الأهمية يسيران في اتجاهات مختلفة؛ الأمر الأول والأهم المطالبة بالحقوق والسعي وراء نيلها وترجمتها في حراك اجتماعي احتجاجي يأخذ أبعاداً مختلفة، والأمر الآخر هو تشكل مسار ضامن للحقوق، متعاطف مع مطالبيها، محتج، مراقب لأصحاب تلك المزارع بصورة أو بأخرى بصبغة إنسانية لم تتأتّ إلا بعد اكتشاف الآخر وتقريب الصور المختلفة.
* يمكننا إسقاط المثال الأولى في التجربة الليبية في الثورة التي لم تخرج لغلاء أو ضنك معيشة، إنما خرجت لتلبية حق المطالبين بحرية التعبير ورفض الديكتاتورية وإتاحة الاختيار الحر لأنماط الحياة الذي لم يكن متاحاً البتة، وعندها كانت المقارنة قد حدثت بين ليبيا وبين المجتمع التونسي المتقدم بوعيه الجماهيري.
والشاهد في الأمر هنا أن الثورات والاحتجاجات كانت نتاج مقارنات هي مشروعة، وأتت تماماً بعد اكتشاف الآخر في شتى أنحاء العالم، والثورات هنا ليست موضع تحليل؛ لأنها تنضوي تحت تصنيف الأحداث، والمهم في الأمر هو المنطلقات والسوسيولوجيا التي درّجت لحدوثها، والأهم، النواتج الآنية والمستقبلية لهذا التغيير.
* كإسقاط واستقراء للمسار المُؤمِّن للحقوق، والمتعاطف معها، والمنادي بوجوب نيلها، هو مسار حملات الاحتجاجات والتضامن التي تحدث في شتى أنحاء العالم إزاء الأحداث التي تلحق الضرر بالإنسان بصورة مباشرة، وقد يأتي الاحتجاج والتضامن من قِبل مجتمعات مختلفة إثنياً ودينياً وحتى سياسياً؛ ليبقى التعاطف الأكبر مع القضية عندما تأخذ بعدها الإنساني المحض، وهو ما حدث في شجب العدوان الإسرائيلي ضد غزة وحملات المقاطعة التي قادها يهود في مجتمعات مختلفة في العالم، والوقفات الاحتجاجية والمتعاطفة مع الضحايا بصورة خاصة، وكانت أبرزها حملات قادها الشعب البريطاني تحديداً، إلى جانب التعاطف مع مسلمي ميانمار والنكبة السورية والثورات المختلفة في العالم العربي، وكذلك الأمر في الغرب والتضامن الذي أسفرت عنه الوسائط الاجتماعية ضد الحوادث الإرهابية في فرنسا وبريطانيا وأميركا وخلافها، بجانب تمثيل هذه المجتمعات رقيباً لسياسات الدول تجاه محكوميها، حتى في أدق القرارات التي تمس الحياة.
* مثال آخر يعرج على نقطة الاختلاف في الحقوق، والاتفاق على أهميتها لدى المجتمع، هو المطالبة بإتاحة الحريات كما في قضايا اختيار الشريك وقضايا المرأة وقضايا حقوق التعبير، في مجتمعات أكثر ترفاً.
* العالم الآن يشهد نتائج قد تبدو مصادمة وعنيفة لهذا الوعي الجديد، لكنها مبشرة مرحلياً بصورة أو بأخرى، وبالرغم من المخاوف الكبيرة لتبعات وآثار عصر المعلومات على المدى البعيد، فإن البشريات تأتي في إطار التخلص من الديكتاتوريات القديمة، والأنظمة البالية، وكلما لا يلبي حقوق ورغبات الإنسان المشروعة له، لتأتي بعدها مرحلة أكثر حساسية وهي عدم الإفراط في الامتثال للتجربة، وتكوين قواعد جديدة راسخة للحقوق الإنسانية؛ كي لا يقع العالم بين مطرقة التحرر الآني، وسندان المبهم في المستقبل، مما يضيع الجهود بما لا يُرتجع، ولا يريد المطالب به.
وإذا شُبه الأمر بالولادة وما تكتنفها من مراحل، فإننا، أي المجتمع البشري، في مرحلة تشكل الجنين، بعد أن أخذت صفاته الجينية حيّزها من الوجود، لكن بعضها سبق الآخر، فتباينت ماهية الحقوق، لكن تماثلت في تجسيدها أهميةً قصوى للمطالبين بها.
* المجتمعات البشرية، ولعقود طويلة، عاشت في إقطاعيات ثقافية، واقتصادية، واجتماعية مستمدة وجودها واستمرارها على ما وصلته بالتجربة بكل تفاصيلها، وظلت بصورة كبيرة، تعيش فيما يشبه الأراضي المغلقة على ذاتها، لنقل مزرعة، فظل سكان هذه الأرض المعينة مأخوذين بما لديهم من معطيات، ومثلت السلطات المخولة لها بتوفير خدمات تلك الأرض، الكلمة العليا امتثالاً نمّ عن قلَّة وعي وعدم انفتاح على الآخر.
لنقُل إن هذه السلطات تجسد (صاحب المزرعة) الذي يوفر لك المواد الأولية للزراعة وأدواتها، وحصصاً من الطعام ومكاناً مخصصاً للنوم والراحة وخطة حياة مضمونة لأبنائك، وفي أحيان كثيرة يرسم لك كيفية إنفاق ما تبقّى لك من وقت في يومك في قوالب اجتماعية ودينية مختلفة؛ للحرص على انخراطك التام في البيئة، مما يحيد بك عن حتى التفكير خارج هذا الإطار المحكم، وربما السبب الرئيسي هو عدم تجاوز الوعي والخيال لهذه المنطقة وتشابه الأمر في كل المناطق وهكذا دواليك.
* الذي حدث أنه وببلوغ البشرية للمجتمع المعلوماتي، الذي سبقه بقرون المجتمع الزراعي، ومن ثَم مباشرة الصناعي، لنقف هنا قليلاً.
إن أي مجتمع ممثل في نظام عالمي اقتصادي يمس حياة الناس بصورة حتمية ومباشرة، لا بد من أنه يفرز، أو لنقُل يفرض سلوكيات اجتماعية وروتينية محددة في حياة الأفراد اليومية، تترجم إلى جُملة قواعد وبِنى، تسير عليها المجتمعات بشكل نمطي، ابتداءً من ساعات العمل، مروراً بخيارات الإنفاق والترفيه واختيار أنماط الحياة مجملاً.
* أفلح المجتمع الصناعي نسبياً في خلق منطلقات الرغبات التي تشكلت على ضوئها مفاتيح التغيير في المجتمع المعلوماتي الحالي، وهو الرغبة في اختراق جدران الآخر، وإن تبنت تلك الرغبة إلى حد كبير قطاعات سياسية مثلت النخب الحاكمة، وليست رغبة فردية كما هو الحال الآن.
فازدهرت التجارة وتكونت المجتمعات الصناعية بكل أشكالها، وتحركت مع التنقلات المستمرة للأفراد والبضائع والأحداث، ثقافات، ومعتقدات، وأنماط عيش، وخيارات حياة لم تكن معروفة أو مدركة لدى الآخر، فتكونت بوادر التغيير الديناميكي الذي نشهده الآن.
ولأن الأمر -كما أسلفت- كان نسبياً لقيام الحكومات بمعظم هذه الأدوار، لم يحدث التغيير الكامل، فجاء مجتمع المعلومات الحالي محدثاً قولبة في كافة المعايير التي تحيط بحياة الناس بكافة تفاصيلها، وتشكلت خرائط اقتصادية، واجتماعية، جديدة كلياً، لكن موضع الاهتمام هنا، هو تشكل خارطة الوعي الإنساني بالحقوق مستنداً على الآخر الذي جعل التجربة الإنسانية مغايرة عما سبق.
* لنعُد إلى مثال المزرعة المغلقة مرة أخرى، الذي حدث أن مجتمع المعلومات ومنذ بداية تكونه، بدأ في تشكيل خرائط اقتصادية وسياسية ليست هي المهمة هنا، لكن المهم ذكره، تشكيله لأنواع جديدة من الحراك ولديناميكية مغايرة للفعل ورد الفعل، اتسمت بالمفاجأة المفارِقة التي قلبت الأوضاعَ واستقراءها رأساً على عقب.
* ما جرى تحديداً هو تمليك الأفراد مفتاحاً جوهرياً للتغيير وهو معرفة الآخر، الآخر الغائب مسبقاً من مناطق الوعي ومنطلقات الإدراك، وأُتيحت معرفة الآخر بأداة التغيير الأساسية حتى الآن، وهو الإعلام الاجتماعي أو السوشيال ميديا، بالرجوع إلى المزرعة مرة أخرى، لعب اكتشاف الآخر وإزالة طبقات وحجب عن الوعي، الدور الأكبر في إزالة الحدود بين المجتمعات، الحدود الممثلة هنا بفواصل الأراضي، فظلت المجتمعات لفترة من الزمان يراقب بعضها البعض بدهشة بعد تعرفها على الآخر، وطريقة خوضه الحياة وتفاعلها معها، والأهم من ذلك كله، تعرّف المجتمعات على رغبات بعضها وماذا تمثل لهم الحياة خارج هذه الأرض المرسومة، بعدها أصيبت المجتمعات بالمقارنة، وهو أمر طبيعي وعرَض تلقائي يلي مرحلة الاكتشاف، فمثلت المقارنة التي اقترنت بما هو أشبه بالغيرة البشرية، منطلقاً قوياً لتغيير الأحداث في مسار المطالبة بالحقوق ونيلها واكتشاف رغبات لم تكن منظورة نسبة لمحدودية الوعي.
كالذي كان يعيش في المزرعة (أ) ويزرع نوعاً من الحبوب، ويعمل لعدد من الساعات، ويحصل على حصص معينة من الطعام، فوجد جاره في المزرعة (ب) يزرع فاكهة بعناء أقل، وحصصه أكبر، وعدد ساعات عمله أقل، فوجد العامل في المزرعة (ب) أنه مرهق وصاحب المزرعة يقسو عليه مقارنة بعامل المزرعة (ج) الذي لديه وقت أكبر ليقضيه خارج ساعات العمل المضنية، ومحصوله أفضل وعائلته أسعد على ما يبدو.
هذه المقارنة أفضت إلى أمرين في غاية الأهمية يسيران في اتجاهات مختلفة؛ الأمر الأول والأهم المطالبة بالحقوق والسعي وراء نيلها وترجمتها في حراك اجتماعي احتجاجي يأخذ أبعاداً مختلفة، والأمر الآخر هو تشكل مسار ضامن للحقوق، متعاطف مع مطالبيها، محتج، مراقب لأصحاب تلك المزارع بصورة أو بأخرى بصبغة إنسانية لم تتأتّ إلا بعد اكتشاف الآخر وتقريب الصور المختلفة.
* يمكننا إسقاط المثال الأولى في التجربة الليبية في الثورة التي لم تخرج لغلاء أو ضنك معيشة، إنما خرجت لتلبية حق المطالبين بحرية التعبير ورفض الديكتاتورية وإتاحة الاختيار الحر لأنماط الحياة الذي لم يكن متاحاً البتة، وعندها كانت المقارنة قد حدثت بين ليبيا وبين المجتمع التونسي المتقدم بوعيه الجماهيري.
والشاهد في الأمر هنا أن الثورات والاحتجاجات كانت نتاج مقارنات هي مشروعة، وأتت تماماً بعد اكتشاف الآخر في شتى أنحاء العالم، والثورات هنا ليست موضع تحليل؛ لأنها تنضوي تحت تصنيف الأحداث، والمهم في الأمر هو المنطلقات والسوسيولوجيا التي درّجت لحدوثها، والأهم، النواتج الآنية والمستقبلية لهذا التغيير.
* كإسقاط واستقراء للمسار المُؤمِّن للحقوق، والمتعاطف معها، والمنادي بوجوب نيلها، هو مسار حملات الاحتجاجات والتضامن التي تحدث في شتى أنحاء العالم إزاء الأحداث التي تلحق الضرر بالإنسان بصورة مباشرة، وقد يأتي الاحتجاج والتضامن من قِبل مجتمعات مختلفة إثنياً ودينياً وحتى سياسياً؛ ليبقى التعاطف الأكبر مع القضية عندما تأخذ بعدها الإنساني المحض، وهو ما حدث في شجب العدوان الإسرائيلي ضد غزة وحملات المقاطعة التي قادها يهود في مجتمعات مختلفة في العالم، والوقفات الاحتجاجية والمتعاطفة مع الضحايا بصورة خاصة، وكانت أبرزها حملات قادها الشعب البريطاني تحديداً، إلى جانب التعاطف مع مسلمي ميانمار والنكبة السورية والثورات المختلفة في العالم العربي، وكذلك الأمر في الغرب والتضامن الذي أسفرت عنه الوسائط الاجتماعية ضد الحوادث الإرهابية في فرنسا وبريطانيا وأميركا وخلافها، بجانب تمثيل هذه المجتمعات رقيباً لسياسات الدول تجاه محكوميها، حتى في أدق القرارات التي تمس الحياة.
* مثال آخر يعرج على نقطة الاختلاف في الحقوق، والاتفاق على أهميتها لدى المجتمع، هو المطالبة بإتاحة الحريات كما في قضايا اختيار الشريك وقضايا المرأة وقضايا حقوق التعبير، في مجتمعات أكثر ترفاً.
* العالم الآن يشهد نتائج قد تبدو مصادمة وعنيفة لهذا الوعي الجديد، لكنها مبشرة مرحلياً بصورة أو بأخرى، وبالرغم من المخاوف الكبيرة لتبعات وآثار عصر المعلومات على المدى البعيد، فإن البشريات تأتي في إطار التخلص من الديكتاتوريات القديمة، والأنظمة البالية، وكلما لا يلبي حقوق ورغبات الإنسان المشروعة له، لتأتي بعدها مرحلة أكثر حساسية وهي عدم الإفراط في الامتثال للتجربة، وتكوين قواعد جديدة راسخة للحقوق الإنسانية؛ كي لا يقع العالم بين مطرقة التحرر الآني، وسندان المبهم في المستقبل، مما يضيع الجهود بما لا يُرتجع، ولا يريد المطالب به.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/naba-mohiedeen-alfatih/story_b_17011614.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات