الجمعة، 9 يونيو 2017

غذاء الروح

غذاء الروح


للأسف الشديد معظمنا يهتم بطعامه ويتفنَّن في جميع أنواع المأكل والمشرب للحفاظ على بدنه صحيحاً معافى، ولكنه لا يدري أن الصحة والمعافاة الحقيقية مع صحة البدن، وبالتوازي معها، ويمكن أهمها من الناحية النفسية والعقلية، وهي غذاء الروح تتمثل في علاقة البشر برب العالمين، الخالق والمعين والمدبر، ليجعلك تعيش سعيداً مستقراً نفسياً، وهذه هي السعادة الحقيقية الآمنة.

فَلَو نظرنا إلى العالم الغربي المتقدم، رغم الحضارة والتقدم والرقي الذي يعيشه سترى البشرية هناك غير سعيدة، ولا مطمئنة، سبحان الله، رغم العيش في مستوى من الغنى والمال والثراء والرقي، ولكن تجد الإحصاءات تشير إلى نسب عالية من الانتحار والاكتئاب، لأنهم بعيدون كل البعد عن تواصلهم مع خالقهم دينياً إلا من رحم ربي، لأن معظمهم لا يدين بدين الإسلام من ناحية، ومفهوم الحرية المنفتح الخاطئ من ناحية أخرى، فعندهم كما نعلم حرية في كل شيء، سواء الاختلاط أو العلاقات دون زواج وشرب المنكرات إلخ.

وأيضاً للأسف بعالمنا العربي المسلم معظمنا مسلمون فقط بالهوية، فمثلاً على سبيل المثال كثير من الشباب لا يصلي الفروض التي فرضها علينا إسلامنا، ومنهم من يصلي وكأنه لم يصل، ينقر صلاته نقراً كي ينتهي منها، وبعضهم يدخل المسجد يقضي الفريضة ويجري خارج المسجد، وكأنه كان يجلس على قطعة من الجمر والعياذ بالله، ومن يصلي أثناء شهر رمضان فقط، وكأنَّ رب رمضان ليس رب باقي شهور السنة، فكلنا نرى ونشاهد المساجد مملوءة بالشهر الكريم، وفي باقي الشهور، خصوصاً صلاة الفجر والعشاء، نجد صفين أو ثلاثة على الأكثر، بل ليس ذلك فحسب، فتجد معظمنا لا يمسك كتاب الله ويتدارسه ويتلو آياته إلا من رحم ربي، ويهجر المصحف الشريف طوال السنة ولا يمسه إطلاقاً، والله المستعان.


نحن لدينا كنز بين أيدينا لا نعرف قيمته إلا بعد فوات الأوان للأسف الشديد، قرب بلوغ الأجل، والتقدم بالعمر، ونندم شديد الندم على ما فاتنا، من أيام وشهور وسنوات، وجرى بنا شباب العمر دون أن نستفيد من هذا الكنز الذي بين أيدينا، فضلاً عن التكنولوجيا المتقدمة التي نعيشها هذه الأيام وهذه الحقبة من الزمن، أليس في زمننا هذا بضربة زِر كما يقولون نحصل على كافة المعلومات؟ أليس بضربة زر وبرابط بسيط يكون لدينا تفسير كامل لكتاب الله العظيم، بل وسماع عدة قرَّاء لآياته، فضلاً عن رابط بسيط يبين لنا الأحاديث الصحيحة وشرحها بكل سهولة ويسر.

نحن نعيش في عصر مزدهر يضع لنا كتاب الله وسنة رسوله صَلى الله عليه وسلم وتعاليم الدين الحنيف على طبق من فضة، إن لم يكن من ذهب، فعلينا أن نحمد الله ونشكره أنْ سخَّر لنا هذه التكنولوجيا وهذا العلم الحديث، وجعل كل شيء في متناول اليد وبكل بساطة، إذا أردت أن تتفقه في دينك وتتعرف على كلام خالقك وتفسير كتابه المنزل لنا، لنتعرف على هذه الدنيا وحقيقة الخلق والحكمة من العيش بها وفيها، من أجل عبادة الخالق حق العبادة والتفكر في هذا الكون البديع.


لأن العبادة ليست صوماً وصلاة وزكاة وفرائض وفقط، ولكن كي نتعلم سر هذه الدنيا وهذا الخلق البديع، والحكمة من خلقه، وأن الهدف من العيش بهذه الحياة كي يحب بعضنا بعضاً، ونتعامل بأخلاق القرآن مع بعضنا البعض، وننشر السلام مع أنفسنا وضمائرنا أولاً، ثم مع أهلنا وجيراننا ثانياً، وينتشر السلام والمحبة بالتالي بين مجتمعنا، ثم بين جميع أرجاء الأرض، هذا ما يأمرنا به هذا الدين الإسلامي الحنيف، يحثنا على التعامل بالأخلاق الفاضلة مع جميع البشر، والتعايش السلمي معهم جميعاً، دون تفرقة بين جنس أو لون أو دين، طالما هذا الآخر لا يعتدي علينا ولا يحاربنا ولا يغتصب أرضنا ونساءنا، فعلينا التعايش معه من باب الإنسانية، ودعوته إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، وعليه الاختيار بحرية، فلكم دينكم ولنا دين، وبالتأكيد طالما يجد أخلاقاً إسلامية في المعاملة، أي معاملة حسنة راقية كما أمرنا الله ورسوله، فسوف يدخل الإسلام طواعية دون إكراه، ونعيش جميعاً في مودة وحب ورحمة وسلام.

هذا هو ديننا، وهذا ما يفترض أن تكون عليه أخلاقنا، نحن المسلمين أمة محمد صَلى الله عليه وسلم، التي قيل عنها خير أمة أخرجت للناس، ولكن لا بد ألا يكون شعاراً نتغنى به دون عمل، علينا أن نعمل بجد وإخلاص في تعلُّم ديننا الإسلامي على أكمل وجه، نصلي بخشوع واطمئنان، ونعلم أننا بين يدي خالقنا، ونحافظ على الصلوات بأوقاتها مع الجماعة، وعلى نساءنا الالتزام بالزي الإسلامي المشروع، وليس الزي والحجاب الأمريكاني، فترى البنت والسيدة ترتدي غطاء للرأس فقط، وباقي بدنها إما "بنطلون محذق" يصف جسمها، أو ملابس ضيقة واصفة وكاشفة لجسدها، وكأن الحجاب هو غطاء للشعر فقط، وباقي الجسم لا يهم.

مما جعل انتشار التحرش والإجرام ينتشر بمجتمعاتنا، وهذه التصرفات تكون السبب الرئيسي لها، بعدما انهارت الأخلاق والقيم لابتعادنا عن تعاليم ديننا الحنيف، فعلينا أحبائي في الله العودة إلى كتاب الله، العودة إلى سنة نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم، علينا العودة إلى غذاء الروح كي نعيش بحق سعداء مستقرين مطمئنين عابدين ذاكرين متفكرين في خلق رب العالمين، لأنه والله سوف يحاسبنا الله جل في علاه على هذه النعم من التقدم والتكنولوجيا التي نعيشها الآن، ولم نستغلها حق الاستغلال في التعرف والتفقُّه في هذا الدين، فمَن قبلنا كانوا ليسوا عندهم 1% مما نحن فيه الآن، ولكن كانوا يعيشون بأخلاق عالية ودين مستقيم، بل وقدموا لنا ثروة كبيرة وكنوزاً من المراجع والكتب التي نلتهم منها حتى الآن من علم وثقافة وتفقه، فلم يكن لديهم أي نوع من أنواع هذا التقدم الذي نحن فيه، بل وقتها لا يوجد تلفاز ولا إنترنت ولا حتى كهرباء، ورغم كل هذه المعاناة قدموا لنا بحوراً من العلم والفقه والتفاسير ما ليس له حدود.


ونحن للأسف الشديد رغم كل هذا التطور العلمي والتكنولوجي لم نقدم سوى الأفلام الهابطة، وانعدام الأخلاق من برامج ومسلسلات تهدم ولا تبني، تروج للعنف والانحلال بين الشباب، مما أدى بنا إلى ما نحن فيه الآن من تخلف وتراجع أخلاقي ليس له مثيل، فلن تزدهر هذه الأمة ولن تتقدم وتسترجع حضارتها مرة أخرى وتعود كما أراد لها الخالق خير أمة أخرجت للناس، إلا بالعودة لغذاء الروح الذي سوف يوصلنا إن شاء الله إلى مصاف الأمم، بل وزعامة العالم أجمع وقيادته إلى العيش بحب وسلام.

أتمنى من الله أن تصل كلمات مقالي هذا إلى قلوبكم، لأنه حديث من القلب إلى القلب، طالباً من الله عز وجل أن تدخل قلوبكم قبل عقولكم، ونعمل بها معاً، من أجل التعايش السلمي بمودة وحب ورحمة وسلام، ونعبده سبحانه حق عبادته كي نلتقي جميعاً بإذنه ورحمته بجناته، جنات النعيم.. آمين.



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/abd-alhakeem-almoghrabi/story_b_17011960.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات