الاثنين، 26 يونيو 2017

كيف نفهم "المناطق الآمنة"؟ ولمَن نريدها؟

كيف نفهم "المناطق الآمنة"؟ ولمَن نريدها؟

لقد كتبت حول (المناطق الآمِنة) في سوريا من جديد للأهمية البالغة لها، ولأنها تعرضت إلى التشويه المتعمد، والشد والجذب بسبب تعارض المصالح بين أنظمة الدول المحيطة ببلادنا والجماعات والفصائل المسلحة في مختلف المناطق، وبينها سلطة الأمر الواقع المتحكمة بمناطقنا، وقد كان دافعي للكتابة حول الموضوع محاولة استخلاص الموقف الوطني العام والكردي الخاص من هذه المسألة التي تتداولها القوى الوطنية والأوساط الإقليمية والدولية، ومن أجل عزلها عن مصالح الأنظمة المعنية بالملف السوري، وكذلك الأحزاب والمجموعات التي ترمي إلى استثمارها على حساب المصالح الحقيقية للسوريين، وضمنهم الشعب الكردي، داعياً الجميع للاحتكام للمنطق السليم والموضوعية وعدم الانسياق إلى العواطف والمشاعر بالرغم من مشروعيتها على الصعيد الإنساني.

بعد الضربة الجوية التركية لمواقع عسكرية لـ"ب ي د" قبل نحو أسبوع في "قراجوخ" بمنطقة ديريك المحاذية لكل من الحدود السورية - التركية والسورية مع حدود إقليم كردستان العراق، ارتفعت من جديد أصوات تنادي بمنطقة حظر طيران، وهذه المرة ليست من جانب أنصار الثورة السورية والمعارضة، بغية حماية المدنيين والمناطق المحررة من سيطرة نظام الاستبداد أو من الحكومة التركية بهدف إقامة ملاذ للاجئين السوريين يفرون من الحرب؛ لكي يتم التخفيف من الضغط والتكاليف عن كاهلها في الشمال السوري والشمال الغربي، ولا من الحكومة الأردنية لمنطقة آمنة في جنوب سوريا لأهداف مشابهة للهدف التركي بل من طرف "ب ي د" لحماية سلطتها الحزبية الأمنية والعسكرية والإدارية، والذي كان ضد مبدأ وتفاصيل المناطق الآمنة في كل سوريا منذ ستة أعوام، وحتى الآن تماماً مثل مواقف النظام وإيران وروسيا.

بعد وصول الخطر إلى باحة داره بدأ "ب ي د" يرفع شعار منطقة "حظر طيران" (طبعاً ليس المقصود طائرات النظام ولا المحتلين الروس والإيرانيين)، مهدداً بوقف العمليات العسكرية لتحرير الرقة من جانب قوات سوريا الديمقراطية، إذا ما استمرت الغارات الجوية التركية، مما دفع ذلك الجانب الأميركي، وهو الراعي الأول والوحيد لحملة تطهير الرقة من إرهابيي داعش، والمراهن أساساً على قوات جماعات "ب ك ك" المدربة الآتية من جبال قنديل، إلى ممارسة الضغط على حكومة أردوغان وتسيير دوريات سيارة مدرعة تحمل العلم الأميركي في بعض المناطق الحدودية بمحافظة الحسكة كإشارة إلى توفير نوع من الحماية والاطمئنان واستمرارية العمل حسب الخطط الموضوعة بشأن الرقة، ومن اللافت وكما توقعنا سابقاً فإن ما بين "ب ي د" وأميركا لا يتعدى موضوع الرقة والخلاف التكتيكي القابل للحل في أية لحظة مع تركيا انطلاقاً من مصالح "ب ك ك"، وليس الشعب الكردي السوري ولا يتناول مستقبل الكرد السوريين وحقوقهم كما تدعي الماكينة الإعلامية الأبوجية الدعائية.

كما أنه ليس مقبولاً أو مرحباً به على الصعيد الوطني السوري أية إجراءات أحادية الجانب وإقامة سلطات أمر واقع في أية منطقة سورية لا تحظى بالإجماع والتوافق الوطني لكل المكونات، فإنه وبالوقت ذاته لا يجوز الاستجابة لا من جانب أميركا وغيرها من (أصدقاء الشعب السوري) لمطالبات حزبية بمعزل عن الإرادة الوطنية للشعب السوري ومصالح ثورته، كما في الحالة الراهنة المتعلقة بطلب "سلطة ب ي د" بحظر طيران لحماية مؤسساتها الحزبية، وليس للدفاع عن أية حقوق قومية كردية مكتسبة معترفة بها كردياً ووطنياً ودولياً تلك السلطة المفروضة كأمر واقع والمقامة أساساً من دون إجماع كردي ولا توافق وطني، بل بدعم نظام الاستبداد وإيران وقيادة قنديل الآبوجية العسكرية.

وبدلاً من الموقف الأميركي الراهن غير المفهوم والإشكالي من سلطة "ب ي د" ونشر قواته لحماية سلطة حزبية ديكتاتورية مقامة ضد إرادة الكرد السوريين كان من الأنسب ممارسة الضغط على حليفه الجديد المزمع استخدامه وقوداً في معارك خارج المناطق الكردية السورية من أجل التجاوب مع إرادة الغالبية الكردية في التفاهم والمصالحة وتحقيق الإجماع الكردي الوطني، وحماية المؤتمر الوطني الكردي المنشود والمطروح كمشروع من جانب "بزاف" منذ أعوام في أية بقعة من أرض الوطن الذي تنادي به الأغلبية الساحقة من شعبنا من الكتلة التاريخية للمستقلين الوطنيين والحراك الشبابي من أجل صياغة البرنامج القومي والوطني المكمل للبرنامج السياسي للثورة والمعارضة لدى شركائنا العرب السوريين وسائر المكونات.

كان وما زال مطلب المناطق الآمنة لكل أو أجزاء من مناطق البلاد شعاراً وطنياً سليماً من أجل حماية الثوار ومعارضي النظام والمدنيين المسالمين ووقف عمليات القصف الجوي والمدفعي والصاروخي ورمي البراميل المتفجرة، إن كان من جانب قوات النظام أو القوات الروسية أو الإيرانية أو التركية، كما أن إقامة المناطق الآمنة حول سوريا وحدودها المشتركة مع تركيا والأردن ولبنان وإقليم كردستان العراق بات من المسائل الملحة التي على أصدقاء الشعب السوري والمجتمع الدولي تحمل مسؤولية تحقيقها.

أما مفهومنا لطبيعة المناطق الآمنة فيختلف عن نظرة الفرقاء الآخرين من دول وجماعات التي تنطلق من مصالحها الخاصة الضيقة وأهداف أمنها الذاتي، فالأمر كما نرى لا يتعلق بحظر الطيران العسكري وتبعاته من الجو فحسب على مناطق تمتد آلاف الكيلومترات طولاً على الحدود الدولية ومئات أو عشرات الكيلومترات عرضاً في العمق السوري بتحقيق الأمن والأمان والحماية على الأرض أيضاً، وذلك بطرد إدارات وأجهزة وقوى نظام الاستبداد والجيوش والميليشيات إن وجدت بتلك المناطق وإبطال كل ما صدر عن سلطات الأمر الواقع من أية جهة حزبية أو فصائلية كانت وعودة النازحين والمهجرين السوريين إلى تلك المناطق من تركيا والأردن ولبنان وكردستان العراق كمرحلة أولى ثم من أوروبا والدول الأخرى بمراحل لاحقة وبصورة طوعية، وانتخاب إدارات شعبية جديدة لإدارة الشؤون الحياتية وتوفير مستلزمات الحياة الكريمة الحرة.

من جهة أخرى، لن تكتمل أمن وسلامة هذه المناطق إلا بحظر السلاح ومنع المسلحين من الظهور وتحديد أماكن ومعسكرات، خاصة لمقاتلين من أجل محاربة داعش، والقوى الإرهابية الأخرى وذلك بالتعاون والتنسيق مع التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، ولا شك أن بيشمركة "روز" من كرد سوريا المتواجدين الآن في إقليم كردستان العراق سيكون لهم دور بارز إلى جانب المقاتلين الكرد السوريين التابعين لـ"ب ي د" في محاربة الإرهاب، وذلك بضمانة وإشراف الطرف الأميركي وتنسيقه مع قيادة بيشمركة كردستان العراق.

إن المناطق الآمنة في سوريا تفرض لحماية فئات ومجموعات لا تستطيع حماية نفسها ويتم فرضها بمقتضى قرار من مجلس الأمن، كما يتم تكليف دولة أو اثنتين بتنفيذ هذا القرار كما تهدف المناطق الآمنة إلى توفير التدخل الإنساني من خلال ممرات آمنة لحماية مدنيين حقوقهم مهدورة، ويتعرضون للمخاطر من خلال قرار يصدر عن مجلس الأمن بناء على توصيات لجنة حقوق الإنسان التابعة لمجلس حقوق الإنسان، وقد تدخلت الأمم المتحدة في عدد من الدول سابقاً.




ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/salah-badradin/-_11409_b_16385590.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات