الأحد، 11 يونيو 2017

ماذا أقول لك في عيدك الثالث ونحن محرومون من الوطن؟!

ماذا أقول لك في عيدك الثالث ونحن محرومون من الوطن؟!


اليوم -يا صغيري- قد بلغت الثالثة من العمر وبدأت تسأل وتتساءل، ولكن ماذا أجيبك حين تسأل عن بيت جدك؟! عن عمك وأخوالك؟ عن خالتك وعماتك؟! ماذا أجيبك حين تسألني عن جدتك التي لم أرها منذ 4 أعوام؟!

3 أعوام مرت عليك يا صغيري، تنقلت فيها بين 3 دول وسكنت فيها 3 منازل، ليس لك ذنب -يا حبيبي- سوى أنك وُلدت لأبٍ متمردٍ على تراتبية الحياة المجحفة، لأبٍ كان تائهاً في وطنه يبحث عن وطن.

سأحدثك عن الطيور المهاجرة التي كانت تأتي إلى قريتك التي لم تطأ قدماك ترابها بعد، تلك الطيور التي لطالما شبهتها بشباب القرية المغترب في دول الخليج، كانوا زوّاراً خفيفي الظل يأتون أياماً، ومن ثم يعودون إلى وطن يلقون فيه ما فقدوه في بلدهم، ساعين لتأمين لقمة عيشهم.

قوانين الصيد -يا صغيري- في وطننا جائرة، لا تقدم للعصافير سوى اشتراك في جريمة اصطيادها، كانت الرصاصات المعبأة في جعبة صيادي الوطن كافيةً لأرحل بك قبل أن تولد مخالفاً كل رحلات الطيور المهاجرة في طريقة الرحيل.

ماذا أخبرك عن رائحة القمح في حقول القرية وعن طعم ملح (الحمص الأخضر) في مساءات شهور الربيع، عن ملمس ترابها البركاني الأحمر الذي زحفنا فوقه منذ نعومة أظفارنا، ماذا أقول لك يا بني؟

الذكرى والدموع في لحظة كتابتي هذه تعقدان صلحاً حتى أستطيع الكتابة، صلابة كفيك الصغيرتين ونعومة ملمسهما تذكرانني بصخور البازلت الأسود المزرق.

كانت قرية أجدادي وأجدادك -يا حبيبي- يحتفي بها الخير في كل سنة، يجتمعون على البيادر يداً بيد وينشدون قصائدَ حماسية ويغنون للوطن، كانت الغلال تخرج من تحت المدارس مترافقة بابتسامة الأمل والنية الطيبة، لم يكن وقتها أحد يعلم أن الوطن سيبتلعه اللصوص وسيغدو الفساد ثقافة تتناقلها الأجيال خوفاً من جلّاد يلسع بسياطه كل توّاق إلى المحبة والعيش بكرامة.

ربما -يا صغيري- حين نرجع للوطن الجريح سأجعلك تدخل كل بيت في قريتنا وتسمع من أهلها حكايات القهر والشوق لمسافر أجبره الجلاد على أن يبحث عن فرصة عيش بكرامة في بلاد أخرى.

سيقول لك الجميع إن هدف شباب الوطن أن يغادروا الوطن ولكن لا تظن أنهم كارهون له، هم مجبرَون؛ لذلك قرروا المغادرة، المسألة بسيطة، لم يترك الذين وضعوا قوانين صيد الطيور المهاجرة فرصاً ليعيش أهل القرية في قريتهم، وإن صادف وبقي أحدٌ فيها فسيكون رفيقَيه (الصمتُ والذكرى).

حتى يوم ولادتك يا رفيق غربتي، كان خارج الوطن وكل ما حصلنا عليه من الوطن أننا قدمنا لسفارته مبلغاً مالياً لقاء ورقة الولادة، تعوّد من يسن القوانين في وطننا أن يسلبك حقك، وأن يكون عليك واجبات دونما حقوق، هل تعرف -يا صغيري- أنهم يتبعوننا إلى بلاد النزوح؛ حتى يأخذوا منّا أجور جواز سفر وقّع عليه الحاكم؟

عندما بلغت من العمر 3 أشهر، أعددناك للرحيل واستخرجنا لك جواز سفر؛ كي تعبر معنا إلى المجهول، كثيرون مثلك -يا ولدي- في وطننا المكلوم.. لا تقلق يا صغيري؛ فالصور والفيديوهات والخرائط الرقمية كلها جاهزة لتعرفك على الوطن حين تصبح جاهزاً، ولكن أريدك أن تعرف أن كل الرقميات حول وطننا في العالم لا تغنينا عن رائحة القمح في الحقول.

دَمُنا يشبه بيئتنا؛ لذلك كان هذا الدم رخيصاً على الأرض، نحن لم نبع ولن نبيع أرضنا، لكننا محتلون منذ زمن طويل، صحيح نحن نملك تراباً في قريتنا ولكنهم يملكون عيوناً في بيوتنا، هم جعلونا نرحل ما قبل زمن الترحيل بالبندقية، هم أنفسهم من وضعوا قوانين الطيور المهاجرة، هل ترى -يا حبيبي الصغير- وجه الشبه بيننا وبين الطيور؟ الجلاد واحد والمصاب واحد.

سأترك لك بعضاً من أمل؛ لأنني أرى الوطن مرسوماً في عينيك، أرى حقول القرية تزهر مع صوت ضحكتك، كن على ثقة -يا رفيق العمر- بأنك ستعود حتماً؛ لأن الجلاد سيموت وستموت معه قوانين صيد الطيور المهاجرة، وإن -يا صغيري- كتب الله لي أن أموت قبل أن أعود فاعلم جيداً أن الوطن محفور في كياني، وتذكر أننا لم نبع ولن نبيع.

فلتكن بخير يا قطعةً من وطن


ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/nawras-aziz/-_12024_b_17037342.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات