ورفقاً بالبراميل!
تركب الباص متعباً بعد نهار طويل من الكد والتعب، فتلقي بجسدك المنهك على أحد الكراسي المتهالكة، وما إن تستقر عليه وتغمض عينيك للحظات فتشعر بخدر لذيذ؛ إذ بأحدهم يصرخ فيك وينتهرك بغضب قائلاً: قُوم من المَرَة (يقصد المرأة) !.. وعندما تعترض؛ لأنك تعبان جداً ولا تستطيع حمل نفسك، وهناك كراسي أخرى فارغة في مؤخرة الباص، ينتهرك آخر متصنعاً الشهامة والجدعنة، ويقول: رفقاً بالقوارير!
تتقدم لشغل وظيفة أنت في أمَسّ الحاجة إليها عارضاً أمام المعلنين جميع ما حصدته طيلة عمرك من شهادات وتزكيات وخبرات تكفي إحداها لتجلس بها على كرسي الوزارة، ومع ذلك يقابل طلبك بالرفض وتوصد أمامك الأبواب، وتستعصي في وجهك السُبل، وفي أفضل الأحوال يُقال لك: أعطنا رقم هاتفك وسوف نتصل بك في أقرب فرصة.. وطبعاً تعرفون الباقي!
بينما تتقدم إحدى شقائق الرجال للعمل في نفس الوظيفة، وبنفس المكان، فتحصل عليها بكل سهولة وفي زمن قياسي دون أن يعترض على قبولها أحد، رغم أنها لا تملك عُشر ما تملكه من خبرات، فيثور الدم في عروقك وتشعر بالظلم والإجحاف يطال البراميل من أمثالك، فتصيح قائلاً: اتقوا ربكم.. قليلاً من العدل والمساواة، فتسمع الهمسات والعبارات تتناثر من حولك يمنة ويسرة: رفقاً بالقوارير.. رفقاً بالقوارير!
كثيرات هُن (القوارير) اللاتي يتزعمن ويترأسن جمعيات ومنظمات خاصة بجنس (البراميل) فقط، ولا تكاد تخلو جمعية أو منظمة من منظمات المجتمع المدني أياً كان تخصصها من وجود عضو أو اثنين على الأقل في هيئة إدارتها من النساء.. ولكن في المقابل أروني جمعية نسائية واحدة يرأسها برميل واحد، حتى ولو كان برميل بارود.
يكتب أحدهم بعد علقة ساخنة من زوجته - على ما يبدو - فيتجرأ على نقد النساء ببضع كلمات وعبارات يُفرغ بها حنقه وعجزه، فتنبري له الصحف ووسائل الإعلام بمختلف أنواعها وتوجهاتها وتقوم بالدفاع عنهن، وتُكال له التهم والإدانات: ظلامي.. متخلف.. رجعي.. متطرف.. إلخ، بينما تسخر إحدى شقائقنا بجنس الرجال وتنال منهم، وتجعل منهم مسخرة فيقف لها الجميع احتراماً وتتناقل مقالتها المنتديات والملتقيات بل وتحصد الجوائز والحوافز عليها أيضاً!
وعندما تحتج على مثل هذه التصرفات وتستنكر الظلم الواقع على جنس البراميل، يستلقفك أحدهم بابتسامة سمجة وهو يتصنّع اللباقة والانفتاح ويهمس في أذنك قائلاً: رفقاً بالقوارير.
صحيح أن الكثير من إخواننا (البراميل) يُصرون وباستماتة على مزاحمة شقيقاتنا من (القوارير) في بعض الأمور والقضايا التي عادة ما تخصص لهن (العديد من البرامج النسائية على الفضائيات، وخصوصاً الحوارية منها، غالبية جمهورها المشارك عبر الهاتف من الرجال)، إلا أن ذلك ليس قاعدة ثابتة تُعمم على جميع جنس الرجال ولا تعكس رغبتهم في الاستحواذ على مكتسبات النساء والاستيلاء على حقوقهن، كما قد يُظن، وكل ما في الأمر أن هؤلاء الرجال وغيرهم من المتصلين والمشاركين في البرامج النسائية يريدون أن يوصلوا رسالة بسيطة مفادها: نحن هنا، وما زلنا نملك القدرة على البقاء والمشاركة في الحياة مهما حدث.
(القوارير) استولين على كل شيء في الرجل حتى قلبه، وتحكمن في كل ما يخص حياته حتى مفتاح غرفة نومه، فإذا ما نجح الرجل في حياته وصار مشهوراً ومرموقاً في مجتمعه وبين أقرانه لم يُنسب إليه الفضل في ذلك ولا يعترف له به، بل يُرد إلى زوجته ويُقرن بها فيقال: وراء كل رجل عظيم امرأة - طبعاً لا يُقال لك ماذا تعمل وراءه، وأما إذا حدث العكس واشتهرت الزوجة وأصبحت محط الأنظار ومقصد الصحفيين ووسائل الإعلام، فإن ذلك كله يكون في الغالب على حساب الزوج وعلى حساب حقوقه وحياته، ويظل محاصراً في جميع أفعاله وتصرفاته حتى لا يقف عائقاً في وجه أهداف وتطلعات حرمه المصون، ومع ذلك يكون أول سؤال توجهه وسائل الإعلام لزوجته: هل كان لأقاربك - المقصود الزوج - تأثير سلبي على نجاحك وتفوقك؟!
يعقد الرجال الكثير من مؤتمراتهم وندواتهم المختلفة في شتّى بقاع الأرض دون أن يفوتهم أو يغيب عن بالهم الحديث عن دور المرأة في مجتمعاتهم، وتخصيص جانب كبير من وقتهم لمناقشة قضايا النساء والمطالبة بتقديم المزيد من الحقوق والتنازلات لهن، بل ويتسابقون في تعداد ما يقدمونه من أجل المرأة في بلدانهم عن طيب خاطر!
فيما تعقد النساء العديد من المؤتمرات والملتقيات الخاصة بهن للانتقاص من جنس الرجال والتشهير بهم وتحميلهم كل مشاكلهن ومعاناتهن.. وتتنافس المشاركات في المطالبة بالمزيد من حرمان الرجال من حقوقهم ورجولتهم!
تكتب مقالاً وترسله لإحدى الصحف بعد أن بذلت فيه دم قلبك ليخرج بالصورة التي ترضيك، وقبل ذلك ترضي رئيس تحريرها ومحرريها، ثم ترفقه بصورة لشخصك الكريم لم تدّخر جهداً في أن تبدو بهيئة أفضل من الأصل علّ وعسى تُعجب القائمين على هذه الصحيفة فيرفقونها بالمقال، فتفاجأ بنشر مقالك - هذا إن نشر - وطبعاً دون صورة وبعد اختصار شديد، وأين في أحد أركانها التي لا يطلع عليها في الغالب إلا بائعو الطعمية.. بينما ترسل إحدى شقائقنا مقالاً لا يُعرف له أول من آخر ويتداخل مطلعه مع منتهاه، فتتسابق الصحف على نشره ويجتهد محرروها على إبرازه في أفضل مكان في الصحيفة، وكل أملهم أن تتفضل عليهم كاتبة المقال بشِقـفة صورة لحضرتها لنشرها مع المقال حتى ولو كانت هذه الصورة لا يظهر منها إلا عينان سوداوان لا يُعرف لهما صاحب!
الرفق بالقوارير واحترام خصوصيتهن مطلوب شرعاً وقانوناً وعرفاً لا خلاف ولا اعتراض لا ذلك، ولكن ليس على حساب البراميل الذين في الجوار، فهم أيضاً بحاجة إلى الرفق وقليل من الاحترام، وليس كل ما تتعرض له المرأة في عدد من دول العالم الثالث من انتهاك ومصادرة للحقوق ناتج بالضرورة عن كونها أنثى بقدر ما هو ناتج عن كونها مواطنة في هذه الدول وتكتوي بنار الفساد والظلم والاستبداد الذي تعاني منه كغيرها من الخلق في تلك البلاد!
وفي الأول والأخير لا يطمح البراميل من الرجال إلى أكثر من المساواة والمعاملة بالمثل.. فهل هذا كثير؟!
تتقدم لشغل وظيفة أنت في أمَسّ الحاجة إليها عارضاً أمام المعلنين جميع ما حصدته طيلة عمرك من شهادات وتزكيات وخبرات تكفي إحداها لتجلس بها على كرسي الوزارة، ومع ذلك يقابل طلبك بالرفض وتوصد أمامك الأبواب، وتستعصي في وجهك السُبل، وفي أفضل الأحوال يُقال لك: أعطنا رقم هاتفك وسوف نتصل بك في أقرب فرصة.. وطبعاً تعرفون الباقي!
بينما تتقدم إحدى شقائق الرجال للعمل في نفس الوظيفة، وبنفس المكان، فتحصل عليها بكل سهولة وفي زمن قياسي دون أن يعترض على قبولها أحد، رغم أنها لا تملك عُشر ما تملكه من خبرات، فيثور الدم في عروقك وتشعر بالظلم والإجحاف يطال البراميل من أمثالك، فتصيح قائلاً: اتقوا ربكم.. قليلاً من العدل والمساواة، فتسمع الهمسات والعبارات تتناثر من حولك يمنة ويسرة: رفقاً بالقوارير.. رفقاً بالقوارير!
كثيرات هُن (القوارير) اللاتي يتزعمن ويترأسن جمعيات ومنظمات خاصة بجنس (البراميل) فقط، ولا تكاد تخلو جمعية أو منظمة من منظمات المجتمع المدني أياً كان تخصصها من وجود عضو أو اثنين على الأقل في هيئة إدارتها من النساء.. ولكن في المقابل أروني جمعية نسائية واحدة يرأسها برميل واحد، حتى ولو كان برميل بارود.
يكتب أحدهم بعد علقة ساخنة من زوجته - على ما يبدو - فيتجرأ على نقد النساء ببضع كلمات وعبارات يُفرغ بها حنقه وعجزه، فتنبري له الصحف ووسائل الإعلام بمختلف أنواعها وتوجهاتها وتقوم بالدفاع عنهن، وتُكال له التهم والإدانات: ظلامي.. متخلف.. رجعي.. متطرف.. إلخ، بينما تسخر إحدى شقائقنا بجنس الرجال وتنال منهم، وتجعل منهم مسخرة فيقف لها الجميع احتراماً وتتناقل مقالتها المنتديات والملتقيات بل وتحصد الجوائز والحوافز عليها أيضاً!
وعندما تحتج على مثل هذه التصرفات وتستنكر الظلم الواقع على جنس البراميل، يستلقفك أحدهم بابتسامة سمجة وهو يتصنّع اللباقة والانفتاح ويهمس في أذنك قائلاً: رفقاً بالقوارير.
صحيح أن الكثير من إخواننا (البراميل) يُصرون وباستماتة على مزاحمة شقيقاتنا من (القوارير) في بعض الأمور والقضايا التي عادة ما تخصص لهن (العديد من البرامج النسائية على الفضائيات، وخصوصاً الحوارية منها، غالبية جمهورها المشارك عبر الهاتف من الرجال)، إلا أن ذلك ليس قاعدة ثابتة تُعمم على جميع جنس الرجال ولا تعكس رغبتهم في الاستحواذ على مكتسبات النساء والاستيلاء على حقوقهن، كما قد يُظن، وكل ما في الأمر أن هؤلاء الرجال وغيرهم من المتصلين والمشاركين في البرامج النسائية يريدون أن يوصلوا رسالة بسيطة مفادها: نحن هنا، وما زلنا نملك القدرة على البقاء والمشاركة في الحياة مهما حدث.
(القوارير) استولين على كل شيء في الرجل حتى قلبه، وتحكمن في كل ما يخص حياته حتى مفتاح غرفة نومه، فإذا ما نجح الرجل في حياته وصار مشهوراً ومرموقاً في مجتمعه وبين أقرانه لم يُنسب إليه الفضل في ذلك ولا يعترف له به، بل يُرد إلى زوجته ويُقرن بها فيقال: وراء كل رجل عظيم امرأة - طبعاً لا يُقال لك ماذا تعمل وراءه، وأما إذا حدث العكس واشتهرت الزوجة وأصبحت محط الأنظار ومقصد الصحفيين ووسائل الإعلام، فإن ذلك كله يكون في الغالب على حساب الزوج وعلى حساب حقوقه وحياته، ويظل محاصراً في جميع أفعاله وتصرفاته حتى لا يقف عائقاً في وجه أهداف وتطلعات حرمه المصون، ومع ذلك يكون أول سؤال توجهه وسائل الإعلام لزوجته: هل كان لأقاربك - المقصود الزوج - تأثير سلبي على نجاحك وتفوقك؟!
يعقد الرجال الكثير من مؤتمراتهم وندواتهم المختلفة في شتّى بقاع الأرض دون أن يفوتهم أو يغيب عن بالهم الحديث عن دور المرأة في مجتمعاتهم، وتخصيص جانب كبير من وقتهم لمناقشة قضايا النساء والمطالبة بتقديم المزيد من الحقوق والتنازلات لهن، بل ويتسابقون في تعداد ما يقدمونه من أجل المرأة في بلدانهم عن طيب خاطر!
فيما تعقد النساء العديد من المؤتمرات والملتقيات الخاصة بهن للانتقاص من جنس الرجال والتشهير بهم وتحميلهم كل مشاكلهن ومعاناتهن.. وتتنافس المشاركات في المطالبة بالمزيد من حرمان الرجال من حقوقهم ورجولتهم!
تكتب مقالاً وترسله لإحدى الصحف بعد أن بذلت فيه دم قلبك ليخرج بالصورة التي ترضيك، وقبل ذلك ترضي رئيس تحريرها ومحرريها، ثم ترفقه بصورة لشخصك الكريم لم تدّخر جهداً في أن تبدو بهيئة أفضل من الأصل علّ وعسى تُعجب القائمين على هذه الصحيفة فيرفقونها بالمقال، فتفاجأ بنشر مقالك - هذا إن نشر - وطبعاً دون صورة وبعد اختصار شديد، وأين في أحد أركانها التي لا يطلع عليها في الغالب إلا بائعو الطعمية.. بينما ترسل إحدى شقائقنا مقالاً لا يُعرف له أول من آخر ويتداخل مطلعه مع منتهاه، فتتسابق الصحف على نشره ويجتهد محرروها على إبرازه في أفضل مكان في الصحيفة، وكل أملهم أن تتفضل عليهم كاتبة المقال بشِقـفة صورة لحضرتها لنشرها مع المقال حتى ولو كانت هذه الصورة لا يظهر منها إلا عينان سوداوان لا يُعرف لهما صاحب!
الرفق بالقوارير واحترام خصوصيتهن مطلوب شرعاً وقانوناً وعرفاً لا خلاف ولا اعتراض لا ذلك، ولكن ليس على حساب البراميل الذين في الجوار، فهم أيضاً بحاجة إلى الرفق وقليل من الاحترام، وليس كل ما تتعرض له المرأة في عدد من دول العالم الثالث من انتهاك ومصادرة للحقوق ناتج بالضرورة عن كونها أنثى بقدر ما هو ناتج عن كونها مواطنة في هذه الدول وتكتوي بنار الفساد والظلم والاستبداد الذي تعاني منه كغيرها من الخلق في تلك البلاد!
وفي الأول والأخير لا يطمح البراميل من الرجال إلى أكثر من المساواة والمعاملة بالمثل.. فهل هذا كثير؟!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/mohammed-hussain-alrakhami/story_b_16949180.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات