القرآن أسلوب حياة
بلّغنا الله -والحمد له- شهر رمضان- شهر القرآن، نجتهد فيه بتلاوة القرآن وقراءته- والبعض يحرص على ختمه مرة أو عدة مرات، ثم ينتهي رمضان ونضع مصاحفنا مرة أخرى على رفها و... (لحظة لا تغلق المقال؛ لأنني سمعت عقلك يقول: لقد عرفت محتوى المقال، ستتحدثين عن ألا نهجر القرآن بعد رمضان وهذا الأمر معروف)!
لا لن أتحدث عن ذلك تحديداً، بل سأتحدث عن علاقتنا بالقرآن كمتسلّين وليس كملتزمين بقراءته.
علاقتنا بالقرآن كمسلمين تكون على فئتين (من تقسيمي)؛ الفئة الأولى تكون علاقتها بالقرآن جميلة في رمضان، ونقرأ، ونرتل، ونختم، ثم ينتهي الشهر الفضيل، ويعود المصحف إلى الرف، ونستعيره وقت الحاجة؛ في واجب مدرسي، مسابقة ما، أو لتنظيف المكتبة فنزيل عنه الغبار ونرجعه للرف.
وهناك من علاقته بالقرآن رائعة، فعلاقته واحدة في رمضان وفي غيره، يحفظ القرآن ويتلوه على مدار السنة.
أنا هنا لست بصدد العتب على الفئة الأولى، والمدح والثناء في الثانية، بل العتاب على الفئتين.
فالفئة الأولى تعتبر أن القرآن يخص الفئة الثانية هم الفئة -ما شاء الله مهتمة وحريصة ونحن ربنا يهدينا- وهذا مفهوم خاطئ، فالقرآن عندما نزل على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- نزل ليكون للناس كافة وليس لأحد دون أحد، القرآن هو كتابنا جميعاً، لا يقتصر على فئة بعينها، لكن القرآن في حياتنا بغض النظر عن حفظه، هل هو حي بيننا، في بيوتنا، في شوارعنا، في تعاملاتنا، في مجتمعاتنا؟ لا أقصد هنا إحياءه بمعنى تشغيله في جهاز التلفاز أو المذياع، أو أن نجعل الجميع يسمع!
هل هو كتاب حياة لنا نحن المسلمين أم كتاب ممات؟!
لو تأملنا حالنا لوجدنا أنه في معظم مجتمعاتنا، القرآن فيها كتاب ليس حياً بيننا، الآيات تعلو في العزاء بعد عمر طويل لكم ولأحبتكم، ونقرأه في العزاء، وفي حياتنا نتذكره في رمضان، أو نقوم بحفظه ونصمه صماً، ويثبت في عقولنا، ولكن معانيه في حياتنا غير موجودة!
نعم فحفظ القرآن أمر مهم وعظيم، ولكن الأهم منه هو معرفة معنى آياته، وإدخال مفهوم القرآن حياً بيننا، في مجتمعاتنا، ومدارسنا، وبيوتنا، ما فائدة الحفظ بدون الفهم والوعي، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- كما وصفته عائشة رضي الله عنها: "كان قرآناً يمشي على الأرض"، والصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا إذا تعلموا من النبي عشر آيات لم يجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل.
لو نظرنا مثلاً الحوار في مجتمعاتنا الكبيرة كبلادنا وإعلامنا ومجتمعاتنا الصغيرة كالمدرسة والبيت كيف هو الحوار؟! إنه مبني على المشادة، وكل طرف لا يريد سماع الطرف الآخر، فتولدت المشاكل في بيوتنا، وفي مجتمعاتنا، ونتج عن ذلك الحروب والتسلط، ثم بعد ذلك نقول: الغرب أفضل منّا يحترمون بعضهم ويتحاورون جيداً! فنحن احترفنا صنع المشكلة، وكيفية تبريرها، ولم نحترف حلها، لو جعلنا القرآن حياً بيننا لوجدنا عشرات الأمثلة فيه عن كيفية الحوار وأدبه، فالله -جلّ في علاه- حاور الملائكة عندما أراد أن يخلق آدم: "إني جاعلٌ في الأرض خليفة"، وهو قادر على إنشاء آدم في غمضة عين وبدون معرفة الملائكة، لكنه -جلّ شأنه- يؤدبنا، بل إنه -جلّ شأنه- حاور إبليس اللعين، رغم أنه ملعون ومغضوب عليه، لكن حاوره الله: "يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي"، ما أعظمك يا الله! يحاوره والله قادر على أن يقذفه في النار، لكن يؤدبنا الله تعالى، وحوار نوح مع ابنه الذي عصى أمره: "يا بني اركب معنا"، وحوار إبراهيم مع أبيه، واحترامه له، رغم اختلافه معه: "يا أبتِ إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن"، وحوار إبراهيم -عليه السلام- أيضاً مع ابنه إسماعيل في أمر إلهي: "يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى"، وحوار موسى مع فرعون وقومه، وقوله تعالى: "وأمرهم شورى بينهم"، وقوله: "وشاورهم في الأمر"، وغيرها من الكثير.
ومثال آخر في القرآن يجعلنا نتخذه أسلوب حياة، عندما يحكي لنا القرآن أسلوب الدعوة إلى الله: "ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"، وقوله تعالى: "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك".
فهل يحثنا كتابنا المقدس القرآن على هذا الرقي ولا نعمل به؟! فلو أحصينا عدد مَن يحفظ هذه الآيات السابقة لوجدناه كثيراً، لكن أين تطبيقها في حياتنا؟!
فالقرآن ليس كتاباً يقتصر على الحفظ فحسب، بل هو أعظم من ذلك بكثير، هو أسلوب حياة، فالقرآن أعظم من كونه حروفاً وتجويداً وحفظاً، ذلك مطلوب ومهم، ولكن جعله أسلوب حياة وحياً بيننا ذلك أهم؛ لتنهض أمتنا وتحتوي على عقول ترفع شأن أمتنا، فعندما يفهم الجيل أن القرآن ليس لمجرد الحفظ، أو أنه لفئة "المتدينين" فقط، فسوف يولد ذلك لنا رفاً جديداً من الرفوف الممتلئة في بيوتنا.
بل ليفهم الجيل أن القرآن أسلوب حياة لكل مسلم ومسلمة، القرآن نفتح به مدارك وحلولاً وقيماً، فهو كتاب ليس مقدساً ودينياً فحسب، بل هو كتاب أخلاقي اجتماعي نفسي معاصر لكل زمان؛ لكي لا تسلم تلك العقول لمن هم أصحاب الفكر المتطرف، فيصدقونهم أو لمن يدعون إلى الإلحاد فيغوونهم، ولا يكون القرآن شيئاً روتينياً في حصص الدين، ولا نجعل القرآن في مدارسنا أو حلقات التحفيظ مجرد نصوص تقرأ وتحفظ، فبذلك احتكرنا الفائدة على أنفسنا، فالمعلم أخذ أجر التعليم والتحفيظ، والدارس أخذ أجر الحفظ والتلاوة، ولكن أمتنا لم تأخذ نصيبها من ذلك، وبذلك لن تنهض.
لا لن أتحدث عن ذلك تحديداً، بل سأتحدث عن علاقتنا بالقرآن كمتسلّين وليس كملتزمين بقراءته.
علاقتنا بالقرآن كمسلمين تكون على فئتين (من تقسيمي)؛ الفئة الأولى تكون علاقتها بالقرآن جميلة في رمضان، ونقرأ، ونرتل، ونختم، ثم ينتهي الشهر الفضيل، ويعود المصحف إلى الرف، ونستعيره وقت الحاجة؛ في واجب مدرسي، مسابقة ما، أو لتنظيف المكتبة فنزيل عنه الغبار ونرجعه للرف.
وهناك من علاقته بالقرآن رائعة، فعلاقته واحدة في رمضان وفي غيره، يحفظ القرآن ويتلوه على مدار السنة.
أنا هنا لست بصدد العتب على الفئة الأولى، والمدح والثناء في الثانية، بل العتاب على الفئتين.
فالفئة الأولى تعتبر أن القرآن يخص الفئة الثانية هم الفئة -ما شاء الله مهتمة وحريصة ونحن ربنا يهدينا- وهذا مفهوم خاطئ، فالقرآن عندما نزل على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- نزل ليكون للناس كافة وليس لأحد دون أحد، القرآن هو كتابنا جميعاً، لا يقتصر على فئة بعينها، لكن القرآن في حياتنا بغض النظر عن حفظه، هل هو حي بيننا، في بيوتنا، في شوارعنا، في تعاملاتنا، في مجتمعاتنا؟ لا أقصد هنا إحياءه بمعنى تشغيله في جهاز التلفاز أو المذياع، أو أن نجعل الجميع يسمع!
هل هو كتاب حياة لنا نحن المسلمين أم كتاب ممات؟!
لو تأملنا حالنا لوجدنا أنه في معظم مجتمعاتنا، القرآن فيها كتاب ليس حياً بيننا، الآيات تعلو في العزاء بعد عمر طويل لكم ولأحبتكم، ونقرأه في العزاء، وفي حياتنا نتذكره في رمضان، أو نقوم بحفظه ونصمه صماً، ويثبت في عقولنا، ولكن معانيه في حياتنا غير موجودة!
نعم فحفظ القرآن أمر مهم وعظيم، ولكن الأهم منه هو معرفة معنى آياته، وإدخال مفهوم القرآن حياً بيننا، في مجتمعاتنا، ومدارسنا، وبيوتنا، ما فائدة الحفظ بدون الفهم والوعي، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- كما وصفته عائشة رضي الله عنها: "كان قرآناً يمشي على الأرض"، والصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا إذا تعلموا من النبي عشر آيات لم يجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل.
لو نظرنا مثلاً الحوار في مجتمعاتنا الكبيرة كبلادنا وإعلامنا ومجتمعاتنا الصغيرة كالمدرسة والبيت كيف هو الحوار؟! إنه مبني على المشادة، وكل طرف لا يريد سماع الطرف الآخر، فتولدت المشاكل في بيوتنا، وفي مجتمعاتنا، ونتج عن ذلك الحروب والتسلط، ثم بعد ذلك نقول: الغرب أفضل منّا يحترمون بعضهم ويتحاورون جيداً! فنحن احترفنا صنع المشكلة، وكيفية تبريرها، ولم نحترف حلها، لو جعلنا القرآن حياً بيننا لوجدنا عشرات الأمثلة فيه عن كيفية الحوار وأدبه، فالله -جلّ في علاه- حاور الملائكة عندما أراد أن يخلق آدم: "إني جاعلٌ في الأرض خليفة"، وهو قادر على إنشاء آدم في غمضة عين وبدون معرفة الملائكة، لكنه -جلّ شأنه- يؤدبنا، بل إنه -جلّ شأنه- حاور إبليس اللعين، رغم أنه ملعون ومغضوب عليه، لكن حاوره الله: "يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي"، ما أعظمك يا الله! يحاوره والله قادر على أن يقذفه في النار، لكن يؤدبنا الله تعالى، وحوار نوح مع ابنه الذي عصى أمره: "يا بني اركب معنا"، وحوار إبراهيم مع أبيه، واحترامه له، رغم اختلافه معه: "يا أبتِ إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن"، وحوار إبراهيم -عليه السلام- أيضاً مع ابنه إسماعيل في أمر إلهي: "يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى"، وحوار موسى مع فرعون وقومه، وقوله تعالى: "وأمرهم شورى بينهم"، وقوله: "وشاورهم في الأمر"، وغيرها من الكثير.
ومثال آخر في القرآن يجعلنا نتخذه أسلوب حياة، عندما يحكي لنا القرآن أسلوب الدعوة إلى الله: "ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"، وقوله تعالى: "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك".
فهل يحثنا كتابنا المقدس القرآن على هذا الرقي ولا نعمل به؟! فلو أحصينا عدد مَن يحفظ هذه الآيات السابقة لوجدناه كثيراً، لكن أين تطبيقها في حياتنا؟!
فالقرآن ليس كتاباً يقتصر على الحفظ فحسب، بل هو أعظم من ذلك بكثير، هو أسلوب حياة، فالقرآن أعظم من كونه حروفاً وتجويداً وحفظاً، ذلك مطلوب ومهم، ولكن جعله أسلوب حياة وحياً بيننا ذلك أهم؛ لتنهض أمتنا وتحتوي على عقول ترفع شأن أمتنا، فعندما يفهم الجيل أن القرآن ليس لمجرد الحفظ، أو أنه لفئة "المتدينين" فقط، فسوف يولد ذلك لنا رفاً جديداً من الرفوف الممتلئة في بيوتنا.
بل ليفهم الجيل أن القرآن أسلوب حياة لكل مسلم ومسلمة، القرآن نفتح به مدارك وحلولاً وقيماً، فهو كتاب ليس مقدساً ودينياً فحسب، بل هو كتاب أخلاقي اجتماعي نفسي معاصر لكل زمان؛ لكي لا تسلم تلك العقول لمن هم أصحاب الفكر المتطرف، فيصدقونهم أو لمن يدعون إلى الإلحاد فيغوونهم، ولا يكون القرآن شيئاً روتينياً في حصص الدين، ولا نجعل القرآن في مدارسنا أو حلقات التحفيظ مجرد نصوص تقرأ وتحفظ، فبذلك احتكرنا الفائدة على أنفسنا، فالمعلم أخذ أجر التعليم والتحفيظ، والدارس أخذ أجر الحفظ والتلاوة، ولكن أمتنا لم تأخذ نصيبها من ذلك، وبذلك لن تنهض.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/leqaa-abbass/story_b_16922178.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات