الجمعة، 2 يونيو 2017

سيناء.. ما بين الولاية والصحوات

سيناء.. ما بين الولاية والصحوات


أصدر تنظيم ولاية سيناء في الثلاثين من رجب الموافق 27 أبريل/نيسان بياناً تم توزيعه جنوب رفح، موجهاً إلى قبيلة الترابين، متوعداً إياهم بالمفخخات غير مكترث بالعصبيات القبلية أو الحدود الطاغوتية (حسب وصفه)، محذراً كل من تسول له نفسه الوقوف في مواجهة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، محاولاً تهريب الدخان، أو من تسول له نفسه أن يكون ظهيراً لهؤلاء (المرتدين) من باقي عائلات القبيلة، فهم من خرجوا عليهم دون مشورة و استهدفوا (جنود الخلافة)، مطالباً إياهم ببيان حالهم من مناصرة الترابين، أو التبرؤ منها، ومطالباً العزل بالابتعاد عن أماكن وجودهم؛ لأنهم صاروا هدفاً له.

بعدها بيوم تصدر قبيلة الترابين بياناً حمل عنوان "بيان عام لعشائر قبيلة الترابين"، منددة فيه بيد الإرهاب الآثمة التي تبطش بأهالي سيناء، والتي ينهى عنها ديننا الحنيف، مشددة على حرمة بيوت سيناء، فتطبيق شرع الله لا يكون بالسيف (حسب قولها)، موضحةً قدرتها على الرد على أي اعتداء، مطالبةً حكماء ووجهاء القبائل بالتواجد في الميادين لإدارة الأزمة، واختتمت البيان بتهديد صريح لولاية سيناء، وتثمين جهود الحكومة المصرية والجيش بدورهم في محاربة الإرهاب.

يعتقد البعض أن التراشق الإعلامي بين ولاية سيناء وقبيلة الترابين والمواجهات هي وليدة اليوم، وهذا أمرٌ غير دقيق، ولكن ثمة عدة أسباب أدت إلى الحديث مؤخراً عن هذا الصراع، خاصة الفيديو الذي يظهر أفراداً بزي الجيش المصري يعدمون شباباً سيناوياً ميدانياً بشكل بشع بعد استجوابهم في ثوينات قليلة، وقد بدا أن المنفذين لعملية الإعدام يعرفون عوائل هؤلاء الشباب!


فولاية سيناء أصدرت عدة بيانات مرئية ومكتوبة تحذر فيها وتتوعد كل من يعين جنود "الردة" (حسب وصفها)؛ ففي الثامن والعشرين من جمادى الآخرة لعام 1436 هجرية (أي ما يزيد على العامين)، أصدرت الولاية بياناً بعنوان "تحذير ووعيد لمن أعان جنود الردة والتنديد"، وأعقبه في عام 2015 عمليات قتل وذبح لبعض (الجواسيس) وإحراق سياراتهم، والاستيلاء على سلاحهم ورمي جثثهم على الطرقات في الشيخ زويد والجورة والفواخرة بالعريش.. وبعدها بعدة شهور في الأول من محرم لعام 1437 هـ الموافق 15 من نوفمبر/تشرين الثاني 2015 تصدر بياناً تؤكد فيه مقتل وإصابة العديد من "مرتدي الصحوات" (حسب قولها) في كمين بالشيخ زويد.

فالشاهد أن الحرب بين الجانبين ليست مستحدثة، ولكنها سجال بين الطرفين، والمثير للاهتمام وصف الولاية للمتعاونين مع الجيش المصري بـ(الصحوات).

ليست هذه المرة الأولى التي يُستخدم فيها هذا المصطلح، فلهذا المصطلح تاريخ عريق، فعندما قدم نابليون إلى مصر أسس ميليشيات مسلحة لخدمة الاحتلال الفرنسي، وقاد هذه الميليشيات (الصحوات) يعقوب المصري، الذي احتقره المصريون، فطلب من نابليون أن يحمله معه إلى فرنسا ولو جثة هامدة، وبالفعل لبّى له نابليون هذه الرغبة، وفي الجزائر شكل الفرنسيون ما أطلق عليه (الحركيون)، وهم جزائريون ساندوا الاحتلال، وكانت نهايتهم الازدراء من الجزائر، فرفضت عودتهم إليها، كما أنهم يعاملون باحتقار من فرنسا، فوصفهم شارل ديغول بأنهم "لعبة التاريخ"، وفي فلسطين أسس شارون ما يسمى بـ(روابط القرى)، وترأسها مصطفى دودين، وكانت نهايتها الفشل، وفي فيتنام شكلت أميركا ما يسمى مشروع "القرى الاستراتيجية"، بين فيتنام الشمالية والجنوبية، ومؤخراً في العراق كان هناك "مجلس الصحوات" الذي أنشأته أميركا من مشايخ ووجهاء قبائل عراقية وفصائل مسلحة محسوبة على أهل السنة لمحاربة (الإرهاب) بعد فشلها في مواجهته وهزيمته.


وهذه التجربة الأخيرة (العراقية) هي التي استاق منها التنظيم مصطلح الصحوات؛ إذ إنها كانت ضد التنظيم الجهادي الأم في مهده، وكانت خنجراً في خاصرة التنظيم، فنجح فيما فشل فيه الاحتلال الأميركي آنذاك.

بعد نشاط المقاومة في الفلوجة، وفشل أميركا في تحقيق نصر عليها، رغم استخدام شتى الأسلحة الفتاكة وتدميرها المدن، وعدم قدرتها على التعاطي مع حرب العصابات في المدن، عمدت إلى تأسيس مجالس إسناد (صحوات) وروجت لها إعلامياً، مضخمةً من الخطر الإيراني (فأطلقت يد الميليشيات الشيعية ضد أهل السنة)؛ لتقنع عموم السنة بضرورة الوقوف خلف مشايخها ووجهائها في مجالس صحواتهم، وبعدها عمدت إلى الترويج للحفاظ على التراب العراقي، وإن تطلب ذلك محاربة المقاومة التي وصفتها بالإرهاب!

واستطاعت اجتذاب أحزاب سياسية بأجنحتها المسلحة، التي وصفتها بالوسطية كالحزب الإسلامي (المحسوب على الإخوان المسلمين)، بقيادة طارق الهاشمي.

قامت الصحوات بعد الانشقاق عن المقاومة بنقل معلومات عن رجال المقاومة وأماكنهم وعوائلهم، وساندوا قوات الاحتلال برياً في عمليات الإنزال الجوية الأميركية على بيوتهم، وتمت تصفية المئات من قادة المقاومة وإعدام واعتقال الآخرين، ودمروا المنازل فوق رؤوس عوائلهم، وبعد أن تحقق لأميركا مرادها بهزيمة المقاومة، بفضل مجالس الصحوات، تركتهم لميليشيات إيران على طريقة "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض"، وبعد ثلاث سنوات اختفت الصحوات من المشهد الميداني والسياسي نهائياً!

الحال في سيناء مشابه إلى حد كبير لما كان عليه العراق، فهناك مناطق لا يستطيع الجيش أن يدخلها بنفسه، وإنما يدخلها بصحبة ملثمين مدججين بالسلاح، يفتخرون بتعاونهم مع الجيش، يطلق عليهم "فرقة الموت"، أو "الكتيبة 103"، ينتشرون في الشيخ زويد ومنطقة الكوثر حي الزهور، وموقف المواصلات وسط المدينة، ويطلقون على أنفسهم كتيبة الموت؛ حيث إنهم معرضون للموت من تنظيم ولاية سيناء في أي وقت، كما يطلق عليهم الكتيبة 103 لتمييزهم، فالجيش هو (الكتيبة 101)، ومسلحو ولاية سيناء هم (الكتيبة 102)، هكذا يعرفون بين سكان سيناء!

ويقسم هؤلاء المسلحون (الصحوات) إلى مجموعات، تضم كل مجموعة 5 أفراد، يقودهم فرد يكون حلقة وصل مع ضابط في معسكر الجيش، ويعطيهم الجيش حق التعامل بالسلاح في أوقات معينة.


وعلى طريقة صحوات العراق، تكمن مهمتهم في عمليات "نوعية سرية صامتة" تتمثل في القبض على أفراد مطلوبين للجيش من منازلهم، وحضور تحقيقات مع محتجزين داخل معسكرات الجيش، وأحياناً يرافقون حملات الجيش أثناء مداهمتهم للمنازل في الشيخ زويد والجورة والماسورة.

ومع الوقت تطور دورهم إلى الانتشار الميداني بسلاحهم في الشوارع بعد صعوبة المواجهات بين مسلحي التنظيم والجيش، وتكبد عناصر الجيش خسائر في العدة والعتاد، وانتشروا أيضاً على أكمنة الجيش للتعرف على المطلوبين، ومن هنا أطلق عليهم لفظ "أبو إصبع"، وأطلق الأهالي عليهم مصطلح "مناديب".

أما وجه الخلاف بين صحوات سيناء وصحوات العراق يمكن في عدة أمور، لعل أبرزها أنها المرة الأولى التي تتشكل فيها صحوات على يد جيش بلد ضد أناس محسوبين على نفس الوطن؛ إذ كانت تتأسس في الغالب على أيدي قوات احتلال، كما أن صحوات العراق كانت تخضع لمشايخ ووجهاء القبائل والعائلات، على عكس صحوات سيناء؛ حيث يرفض الشيخ إبراهيم المنيعي رئيس اتحاد قبائل سيناء فكرة انتشار مسلحين في المدن، فهذا قد يجر العائلات إلى حرب أهلية، كما أن حماية المدن هي إحدى مهام الجيش (حسب قوله).

وتختلف نظرة أهالي الشيخ زويد لهؤلاء المناديب (الصحوات)، فمنهم من يرى وجودهم ضماناً للأمن والأمان، ومنهم من يرى فيهم عصابات وبلطجية يسعون لتصفية حسابات شخصية قبلية تحت غطاء من الجيش؛ فمنهم من تعرض للنساء بالتحرش والتطاول، مستخدماً سلاحه في ترويع العامة، ومن يعترض يكون عرضة للاعتقال، ومنهم من احتكر تجارة الحبوب وتهريبها!

يحصل هؤلاء المناديب (الصحوات) على رواتب شهرية من الجيش ومكافآت مع كل عملية خاصة، يحملون كارنيهات مختومة من الجيش والمخابرات لتسهيل عبورهم من الكمائن، وبعضهم استغل نفوذه في تلقي الأموال للإفراج عن بعض المعتقلين، وفي تهريب السجائر من نوع (رويال) عبر أكمنة الجيش التي لا تنجح أحياناً في إحباط تلك العمليات، بينما يتعرض هؤلاء المناديب إلى التصفية بالرصاص والإعدام قطعاً للرؤوس وإلقاء أجسادهم على قوارع الطرق من مسلحي تنظيم الولاية، وكان التنظيم قد أصدر عدة بيانات بتحذيرهم وتعزيرهم قبل أن ينتهج سياسة التصفيات والمواجهات المباشرة.

ما سبق يأخذنا إلى الفيديو المنتشر مؤخراً لمجموعة مسلحة ترتدي زي الجيش المصري وتستجوب شاباً سيناوياً ميدانياً في ثوانٍ بسيطة قبل أن تقوم بإعدامهم في مشهد بشع؛ فقد بدا أن هؤلاء الأشخاص يعرفون عوائل هؤلاء الشباب، والبعض يظن أن هؤلاء مجندون تابعون للجيش في حين أنهم مناديب متعاونون مع الجيش.


ما سبق يأخذنا أيضاً إلى طبيعة المواجهات الإعلامية الأخيرة بين تنظيم الولاية وقبيلة الترابين، فالتنظيم يتعامل مع الصحوات بغض النظر عن عوائلهم، سواء السواركة أو البياضية أو الترابين، واستطاع أن يكسر العصبية القبلية لينفذ عمليات إعدام بحق أي صحوجي، دون أن يجر القبائل لحرب أهلية، وساعده في ذلك عاملان هما أن التنظيم يشمل عناصر من أغلب قبائل سيناء مجتمعة، وبالتالي يصعب التفكير في الثأر، والعامل الثاني يكمن في سياسة الجيش ضد أهالي سيناء من تهجيرهم، وهدم أكثر من 15 ألف وحدة سكنية، وقصف المدن، والاعتقالات العشوائية، والتصفيات الميدانية على الاشتباه فقط.

هذه السياسة صنعت حالة من الاحتقان بين الأهالي والجيش وسخط واضح على المناديب المتعاونين مع الجيش.

هذان العاملان لم يساعدا فقط التنظيم في حربه على الصحوات، بل الأهم من ذلك أنهما يحفظان مدن سيناء من اندلاع الحرب الأهلية التي تحدثت عنها قبيلة الترابين في بيانها؛ إذ أصبح واضحاً للعيان أن هذا البيان من صياغتها تم على أعين الحكومة، وتحديداً داخل أروقتها الأمنية من خلال مجموعة من المناديب التي ضاق بها زرعاً ما قام به مسلحو تنظيم الولاية من محاصرة عمليات تهريبهم للحبوب وأنواع السجائر، وحاولوا التماهي والتمادي في تأجيج المشاعر، والتضليل بالحديث عن الوطن والحدود والإسلام الوسطي، والشريعة السمحة، والإشادة بدور الجيش والشرطة!



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/sameh-saad/-_11608_b_16595204.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات