السبت، 1 يوليو 2017

السودان بعيون مصرية "5 - 5"

السودان بعيون مصرية "5 - 5"

وأنا على سلّم الطائرة ليلاً مغادراً للأسف أرض السودان كنت أشاور بقلبي لكل شيء في تلك المدينة التي أسرتني وأسرت وجداني إلى الأبد، أقول متأسفاً للأسف أغادر ليلاً؛ لأنني أحببت أن أراها تحت الشمس؛ لأملأ عيني منها قبل الرحيل، فها هو الظلام يطمس الأشياء، ولكن هكذا كانت الإرادة أن أغادرها تحت جنح الظلام عائداً من حيث أتيت، حاولت أن أملأ صدري من هوائها قبل الدخول إلى الطائرة، وكلي أمل أنني سأعود لها مرة أخرى، ولكن في ظروف أحسن، وأوضاع أفضل.

لم أكن أحلم أبداً أن أذهب إليها بعد مكوث عامين كاملين في قطر، ولم يكن في نيتي الذهاب إلى مكان آخر سوى إلى مصر؛ لأرى الأحبة وأسرتي بعد طول غياب، وحين علمت بالمهمة الموكلة لي هناك كدت أرقص طرباً، فكأن الرحلة أتت في وقتها؛ لأعيد شحن بطاريتي التي أوشكت على الانتهاء، وأنا في الطائرة بعد جلوسي على الكرسي، والنظر من النافذة الضيقة، تذكرت عصام السوداني هذا الرجل الذي كان مرافقاً لي ولزميلي المصور أبو جعفر، فيذهب بنا إلى أي مكان نريده، ويعمل على خدمتنا، وتوفير الراحة لنا، وبالفعل كان زول تمام وطيب ولا يتذمر أبداً وبالمناسبة يسكن في مصر!

نعم يسكن في منطقة مصرية في السودان تسمى بشجرة الري المصرية، وهي منطقة جغرافية تابعة للحكومة المصرية، وبها مدرسة تابعة للبعثة المصرية هناك، وتخضع للسيادة المصرية، والبيت الذي يستأجره يدفع إيجاره للحكومة المصرية، وبالتالي فكلانا مصري ولو اختلفت الجغرافيا، وقد مررنا بجوارها، وللأسف لم يسعفني الحظ لمعرفتها جيداً، والمشي فيها، ونسيت أن أخبركم أيضاً أنه قبل مغادرتي للفندق.

وأنا أستعد للخروج لاحظت وجود حفلة زفاف سودانية في بهو الفندق الذي أسكن فيه لعرس سوداني أصيل، مكثت أرقبه بحرص؛ لأعرف عادات الزواج في بلاد النيل هنا، ووقفت بينهم مهنئاً وسعيداً بهذه الأسرة الجديدة التي يعلن ميلادها، فقد لاحظت وجود شخص ملازم للعريس، وكذلك فتاة أيضاً ملازمة للعروسة، فعرفت بعد السؤال أن العريس ينتخب من عنده رجلاً ليكون وزيره والمتحدث الرسمي باسمه في شؤون الفرح، وليكون في الأساس قناة الاتصال، كما يقال في السياسة، إلى أهل العروسة إذا واجهتهم أي مشكلة ما، وكذلك العروسة تنتخب إحدى قريباتها أو صديقاتها؛ لتكون متحدثة رسمية عنها أيضاً، وتجد كلا الوزيرين يرافقان العروسين في كل مكان يتجهان له، ويأخذان موضعاً مجاوراً لهما في الصورة وكأنهما بالفعل وزراء في حكومة، ويلتقطان الصور الرسمية.

وعرفت أن فكرة الاستوديو أصبحت قديمة، وأن عادة عرسان هذه الأيام هي الذهاب إلى الفنادق الفخمة والتقاط صور الزفاف هناك، أما عن الطعام وهذا حديث لم أذكره أيضاً في السلسلة، فلم أتعرض له للوقوف على الأكلات الشعبية السودانية سوى ذكر بعض المشروبات منها، على ما ذكرته في المقال الأول، ولكن يضاف إلى هذه القائمة مشروب لذيذ يسمى "شربوت"، وهو منقوع التمر، وقد حاولت أن أضحك مع أبو جعفر لأقول له إن هذا المشروب لو ترك لفترة فإنه يصبح مسكراً ومذهباً للعقل، فعافه في البداية ثم بعد محاولات إقناع شرب، وبعدها بدأت أتظاهر أمامه بالسكر وبدايات الهذيان فقام سريعاً خوفاً مما شربه، وكان موقفاً مضحكاً جداً، وخاصة أننا كنا في ضيافة شاب إعلامي سوداني رائع وهو ميرغني أبو الحسن.

وهنا يجب أن أتوجه له بالشكر على أكلة السمك على ضفاف النيل في مطعم يسمى "مرسى السمك"، وبالمناسبة هو شاب صاحب طموح، وأعتقد أنه سيكون أحد أبرز الوجوه الإعلامية في السودان الفترة المقبلة، ومضت أيامنا في السودان سريعة، وها أنا أكتب هذا المقال؛ لأضع نقطة النهاية لهذه الرحلة الجميلة التي أكدت لي بوضوح أننا تجمعنا أشياء كثيرة، وأن النيل ليس فقط هو ما يجمعنا، ولكن أيضاً وحدة المصير والتاريخ المشترك، والقدر الواحد، وأننا سنعود يوماً ما دولة واحدة وقطعة واحدة، يوماً ما سيتحقق هذا الحلم ولكن متى؟

لا أعرف، ولا أملك إلا أن أقول في النهاية: إلى اللقاء يا سودان، وعلى أمل اللقاء والعودة مجدداً؛ لأنني شربت من نيلك، ومَن يشرب يعود.





ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/-omar-saker-/story_b_17308356.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات