الاثنين، 31 يوليو 2017

العيب فينا أم في زماننا؟

العيب فينا أم في زماننا؟

نحن أمّة "اقرأ"، ولا نقرأ، فللأسف نحتاج إلى المئات من الأفراد العرب (قرابة ألف عربي) من أجل قراءة كتاب واحد في الشهر!

بينما يقرأ الفرد الأوروبي لوحده بمعدل ثلاثة كتب في الشهر، علاوة على ذلك، تسعة عشر بالمائة من البالغين العرب (الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم خمسة عشر عاماً) يعانون من الأميّة أي تقريباً واحد من كل خمسة عرب بالغين غير قادر أصلاً على القراءة.

نحن أمّة العلم في دينها نور، ولا نحترم العلم ولا المعلم؛ إذ يعاني أغلب العلماء والأكاديميين بالعالم العربي من التهميش، حيث إن المكانة الاجتماعية للمدرسين والعلماء بأغلب الدول العربية لا تليق ولا تتناسب مع دورهم الفعال في تنمية ونهضة المجتمع، مما أجبر العديد من العقول العربية على أن تهجر أوطانها بحثاً عن ظروف معنوية ومادية أحسن.

نحن أمّة يحث دينها على الصبر كمفتاح للفرج، ولا نصبر؛ بل جعلنا اليأس مفتاحاً للغم والهم، نحن أمّة اليسر، ولا نيسر، بل نعسر ونعقد جميع أمورنا وشؤوننا، عكس ما دعا إليه رسول الله محمد صلّى الله عليه وعلى آله وسلم: "يسروا ولا تعسروا".

نحن أمّة في دينها التبذير منبوذ والاعتدال مرغوب، كما يقول سبحانه وتعالى: "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين.

ورغم ذلك نبذر ولا نبالي، فنحن أكثر الشعوب استهلاكاً وأقلهم اعتدالاً؛ حيث اتسمت أغلب أعمالنا بالتقلب بين الإفراط والتفريط.

نحن أمّة ديننا يدعو للتفاؤل والعمل والتوكل على الله سبحانه وتعالى، كما جاء في حديث رسولنا الكريم محمد صلّى الله عليه وعلى آله وسلم: لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح: الكلمة الحسنة (والطيرة هنا تعني التشاؤم)، وفي قوله سبحانه وتعالى: "ومن يتوكل على الله فهو حسبه" أي: كافيه، ولكن التشاؤم والتكاسل وعدم التوكل على الله هو السائد.

نحن أمّة الإسلام دينها، والدين المعاملة كما جاء في حديث رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم: "إنّ من خيركم أحسنكم خلقاً"؛ حيث يدعو ديننا للصدق والتسامح والتناصح والتعاون والتكافل، ولكن هناك شبه غياب لكل ما سبق من الأوصاف وجعلنا التباغض والتلاسن والمجادلة والمعاتبة أساس معاملاتنا، وأصبحت الأمانة والعفة والحياء صفات نادرة في أغلب مجتمعاتنا العربية.

نحن أمّة العربية لغتها، فلم نحسن توظيفها ولا استعمالها؛ حيث تدرس جميع العلوم في جامعاتنا غالباً باللغة الإنكليزية وأحياناً بالفرنسية، في حين نجد أن تقريباً جميع دول العالم تستخدم اللغة الأم في التدريس، وبقيت الدول العربية استثناءً رغم ثراء ودقة وجمال ورقي لغتنا العربية.

فهي لغة القرآن الكريم، وقد اختارها الله سبحانه وتعالى من أجل مخاطبة البشرية عن طريق رسوله الكريم محمد صلّى الله عليه وعلى آله وسلم، ونحن للأسف ما زلنا عاجزين ومترددين عن اختيارها لمخاطبة طلابنا، وبالتالي فإن حجة صعوبة استعمال اللغة العربية في التعليم لا تستقيم وغير صحيحة، بل نحن من عجزنا عن توظيفها وإعطائها المكانة المرموقة التي تليق بها وبنا.

وتجدر الإشارة إلى أن جميع الدراسات الحديثة أثبتت بأن عملية التفكير تكون ناجعة وفاعلة أكثر إذا كانت باللغة الأم، وهذا يساهم في الفهم المعمّق للعلوم والتقنيات، مما يؤدي إلى تطوير صفات الإبداع والمبادرة والابتكار عند الطلاب.

فهل العيب فينا أم في ديننا، أو ربما في زماننا؟ بالتأكيد فالعيب ليس في ديننا الذي يدعو للعلم والعمل والمعاملة الحسنة، وكل هذه الصفات هي أساس تقدم ورقي الشعوب علمياً وأخلاقياً.

وإجابةً على بقية السؤال، أكتفي بما قاله الإمام الشافعي رحمه الله:

نعيب زماننا والعيب فينا ** وما لزماننا عيب سوانا

هذه قراءة واقعية لحالة أمّتنا العربية التي ما زالت تعاني من الجهل والأميّة والتهميش إلى جانب تراجع وتدنّ للأخلاق التي تعتبر سمة المجتمعات الراقية والمتقدمة؛ حيث بقينا نشتكي ونعاتب ونرمي بفشلنا على المجتمعات الأخرى تحت عنوان نظرية المؤامرة، رغم اقتناعنا بوجود كل هذه الفجوة الكبيرة بيننا وبين بقية الدول المتقدمة في أغلب المجالات خاصة بالتعليم والبحث العلمي والثقافة.

وهذا لا يعني عدم وجود تأثير خارجي ساهم في تدني وضعيتنا الحالية، ولكن يجب أن نتحمل المسؤولية الكاملة ونعترف بأننا نحن السبب الرئيسي في هذا الفشل، وعلينا البدء عاجلاً في عملية الإصلاح على غرار دول عديدة مرت تقريباً بنفس الظروف والأوضاع واستطاعت تدارك تخلفها العلمي والاجتماعي، وأخص بالذكر دولتي ماليزيا وكوريا الجنوبية.

في الختام فالخير وكل الأمل في أمّتنا العربية ما زال وسيزال موجوداً، ومن أجل اللحاق بركب الدول المتقدمة، يجب الشروع في أقرب الآجال في عملية تشخيص شاملة ودقيقة لمختلف المشاكل التي تعطل التقدم العلمي والنهضة بمجتمعاتنا في علاقة بالتعليم والبحث العلمي، ثم تحديد وترتيب الأولويات، وعلى رأسها مقاومة الأميّة والعلم والثقافة، وبعد ذلك المرور مباشرة وبكل جدية إلى عملية الإصلاح، وخاصة في مجال التربية والتعليم وأخص بالذكر قضية التعريب، فلم ولن يكون هناك تقدم علمي أو نهضة اقتصادية واجتماعية بدون استعمال اللغة الأم في عملية التدريس والتكوين في جميع مراحل التعليم.





ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/imed-faraj-miraoui/post_15542_b_17632328.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات