الأحد، 13 أغسطس 2017

رابعة.. جناة الطغاة والأغبياء "1 - 2"

رابعة.. جناة الطغاة والأغبياء "1 - 2"

لا تتكشف أسرار اعتصام "رابعة العدوية" دفعة واحدة، ولا حتى عبر دفعات متتالية، وإنما تبقى كتاباً لا يبلى رغم مرور الأزمان ولا ينتهي رغم كثرة القراء وتعدد اتجاهاتهم ومشاربهم وقناعاتهم، فما حدث صباح الأربعاء 14 من أغسطس/آب 2013م لم يكن وليد اللحظة، ولا حتى الانقلاب العسكري الذي سبق المذبحة بقرابة شهر وعشرة أيام، وإنما تعود جذور المذبحة الأبرز في "رابعة العدوية" في مثل هذا اليوم إلى أسس وموروثات حكم المصريين، وأساليب الطغاة في سياستهم منذ فجر التاريخ.. وتمتد هذه الأسس إلى العصر الحديث إلى الألباني "محمد علي" ومن بعده حفيده من الجيل الثالث من نسله "توفيق بن إسماعيل بن إبراهيم" ومن بعدهما إلى "جمال عبد الناصر".. ولكن كتاب الحياة السياسية المصرية لم يقرأه الإخوان بدقة.. ولو فعلوا لجنّبوا أنفسهم الويلات في رابعة وغيرها.

في أوج انتشار مصطلح "عَلمانية" في القرن الماضي كان المخلصون من أبناء التيار الإسلامي ينطقون الكلمة "عِلمانية" فكتب الراحل "زكي نجيب محمود" مقالاً عنونه بـ"عين فاتحة عَ.. عين كسرة عِ" افتتحها بالقول إن على الإسلاميين أن ينطقوا كلمة علمانية بشكل جيد حتى نستطيع الدفاع عن منطلقاتنا لا عن أخرى!

ومع الفارق فإن خاء خيانة (من العسكر والدولة العميقة والجهات الأجنبية) لم يكن لها أن تنجح مجهوداتها في مصر لولا غين غباء (الخاصة بالإخوان المسلمين الذين قدموا مصر على طبق من ذهب لأعدائها في الداخل والخارج).

في الذكرى الرابعة لمذبحة "رابعة العدوية" لا يراجع طرفان في مصر أنفسهما؛ على المستوى اللائق إنسانياً قبل سياسياً: العسكر بقيادة المجرم الأكبر وريث الفراعنة و"محمد علي" و"توفيق" و"جمال عبد الناصر"، وكثير من قادة الإخوان في خارج السجون، من السادة الباقين بعد الاعتقال والاستشهاد والإصابة.. أولئك الذين هبطت قيادة الجماعة على رؤوسهم مثل "التفاحة قبل نيوتن" فلم يتعبوا فيها، ولم يراعوا الله في الأمانات التي بين أيديهم من المسؤولية عن مئات الآلاف من الشباب في مصر، وأكثرهم، للأسف الشديد لا يراعي إلا مصلحته وسلامة جيبه وأهل بيته، وبالتالي لم يفهموا لماذا هبطت التفاحة لرؤوسهم!

في أبجديات حكم المصريين، التي لم يكلف السادة من الإخوان أنفسهم عناء دراستها أو حتى مجرد التوقف العارض أمامها، من أبجديات حكم المصريين ضرورة المذابح، فعلها الفراعنة بهم مرات، وفهمها "محمد علي" في العصر الحديث في مارس/آذار 1811م، ومن بعده شعر الخديو "توفيق" بأن أركان حكمه للمصريين ومهابة نظامه الظالم تهتز أسفل قدميه فصارع إلى استدعاء الإنكليز ومؤلم الأحداث التي أسالت أنهاراً من دماء الإنكليز بعد سبعين عاماً من مذبحة "محمد علي"، ولم تكن المذبحتان كافيتين لتعليم إخوان مصر بعد محاولة الثورة في 2011م أن الأمور في الكنانة لا تُدار اعتباطاً، وأن الباب الوهمي المفتوح أمامهم لحكم مصر، آنذاك، ما هو إلا خدعة كبرى يتم جرهم إليها لتصفيتهم والعصف بقوتهم كما فعل "محمد علي" مع المماليك والمشايخ الذين ولّوه عرش مصر، وكما فعل الخديو "توفيق" مع الراحل الثائر "أحمد عرابي" وآلاف المخلصين من المصريين.

وإن تغاضى الإخوان عن هذه المجزرة وتلك فكيف يتغاضون عن "أزمة مارس 1954م"، وقد جرت وقائعها معهم أنفسهم، مع آباء وأجداد الجيل الحالي الذي كرر الموقف في 2013م، فبعد 70 عاماً من "مذبحة المماليك" كانت مذابح "ثورة عرابي"، وبعد قرابة 70 عاماً أخرى كانت "مذبحة المنشية" لما اجتمع الإخوان على "جمال عبد الناصر" بعد قبضه على مرشدهم وتنحية "محمد نجيب"، وعوضاً عن الإصرار على موقفهم حتى النهاية استجابوا لوعوده بإجراء انتخابات في خلال أشهر.. وكانت مذابح الإخوان المتتالية والإعدامات هي نتيجة انسحاب عشرات الآلاف من الإخوان من أمام قصر عابدين في 28 من مارس/آذار 1954م.

لا يتعب الإخوان أنفسهم في التفكير خارج الإطار الذي يرسمه أعداؤهم لهم بدقة، وإن وعدوا بذلك، كما في تصريحات المرشد الدكتور "محمد بديع" قبل أسابيع قليلة من الترشح للرئاسة بعدم الترشح، كما لم تردع تفكيرهم مجازر "الحرس الجمهوري 1 و2، والمنصة، ورمسيس، والنهضة" وكلها سبقت مذبحة رابعة بأسابيع، وكانت المقدمات الواضحة تؤكد أن النتيجة واحدة ووحيدة واضحة، وسيناريو تجمعهم في 1954م لم يعقبه انصراف من الميدان في 2013م بل بقاء حتى الاستئصال، وليس لدى السادة سيناريو آخر يمكنهم من البقاء في مصر حفاظاً على أنفسهم ولحمة والتئام المجتمع، وثقل قوى الخير في مقابل الشر محلياً وعالمياً.. ليس لديهم فرصة لتحقيق هذا إلا بالتعجل وعدم الدراسة والقراءة الجيدة للأحداث منذ ترعرعت الجماعة واستوت على سوقها، وعلى خلاف أدبياتهم فالحل الدائم لديهم هو التصدي لحكم مصر دون أدنى دراسة أو رؤية أو روية أو حتى مجرد فهم للشعب الذين يريدون حكمه والعسكر الذين سبقوهم إليه منذ عشرات السنوات..
وللحديث بقية ما دام في العمر بقية.



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/mohamed-thbet/story_b_17742608.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات