60 يوماً من الدروس والخبرات والمهارات الكثيفة والعملية العميقة، يخوضها القطريون بحماسة وتفنن في ظل الحصار المطبق، الذي منه استلهموا مستقبلاً أكثر ازدهاراً لبلدهم.
60 يوماً من النمذجة الملهمة التي يسطرها القطريون لمختلف شعوب وحكومات العالم من الثبات، والحكمة والخُلُق والوعي الجمعي في التعامل مع أزمتهم، ولقّنوا أنظمة القطيعة دروساً مُرَّة في معاني احترام سيادة البلدان وإرادات الشعوب، منوهةً بأن عهد الوصايات والإخضاع القهري قد ولّى دون رجعة، وأن تراب الأوطان مقدسة في عقيدة الشعوب.
حصار الستين يوماً يأخذنا قليلاً إلى أواخر ستينات القرن الماضي في 1967م؛ حيث كان حصار السبعين يوماً في صنعاء، عندما فرضت فلول الكهنوت الإمامي طوقاً عسكرياً على الجمهورية الفتيّة بعد خمس سنوات من عمر ثورة سبتمبر/أيلول المجيدة في 1962م.
وهنا نسختان من الحصار قد تتطابقان إلى حد كبير في مواقف عديدة، على الأقل وجود اللاعبين الرئيسيين الذين كان لهم دورٌ واضح في حصار السبعين يوماً في صنعاء - حيث كانت المملكة العربية السعودية تدعم الجبهة الأمامية لوأد حلم الجمهورية في بواكير عمرها - في حصار الستين يوماً وإن اختلفت الأدوار كما هو الحال مع النظام المصري، ولذلك فإن انسحاب الجيش المصري من اليمن في تلك الفترة تحديداً -بعد اتفاق مع السعودية- قد ساهم في تشجيع الإماميين لمهاجمة الجمهورية ومحاصرتها وتطويق صنعاء من جميع الاتجاهات.
يتكرر المشهد اليوم بصورة أكثر وضوح وبنفس الأنظمة التي تفرض حصاراً على قطر ولكن باختلاف الأدوات، وربما لنفس الأهداف الساعية لإخضاع أي توجهات رامية لبناء ذاتها وتحقيق التنمية والحريّة والرخاء لشعوبها.
انتهى حصار السبعين يوماً التاريخية وانتصرت الجمهورية على السلالية في اليمن، واستفاد الرعيل الأول من الجمهوريين الأحرار من تلك السبعين يوماً، الكثير في تدعيم قوى الثورة وترسيخ بنيانها على نحو أعمق، ليؤهلها لتأسيس وقيادة دولة تعاني من مخلفات الإرث الإمامي الظلامي، ما أدى ذلك لاعتراف السعودية -الداعم الرئيسي للملكية آنذاك- عام 1970م بالجمهورية بعد عامين من انتصار قوى الثورة.
على نحو مشابه فالحصار بالنسبة لقطر يمكن اعتباره بمثابة وعكة صحية ألمّت بالجسد القطري؛ لتطهير ما كان قد علق به من شوائب، وإعادة النظر في المحيط البيئي الذي قد ربما يحتاج لإعادة الترتيب وتوفير مناخ ملائم صحياً للبقاء فيه، دون حدوث مخاطر من شأنها الإضرار بكيانه في المستقبل.
ومن محامد المِحنة القطرية أنها عكست البنية الوطنية المخلصة والجسورة للشعب القطري وقيادته تجاه بلدهم، ومدى الانسجام والتفاهم الذي تحظى العلاقة بينهما على قدر مذهل من الثقة والتقدير، وهذه العلاقة بدورها شكّلت كتلة صلبة متلاحمة داخلياً، عجزت معها كل المحاولات اليائسة لفصل الروح عن الجسد القطري، وإيجاد شرخ في الوسط القطري بين الشعب والقيادة، ليس ذلك فحسب بل عكست حالة الوعي والنضج الفكري والعقلانية والحكمة أيضاً، التي يتمتع بها الشعب القطري.
برغم المحاولات المتكررة التي حاولت استفزاز مشاعرهم والتصرفات غير النبيلة وحملات التشويه والتجريح الذي تعرضت له قطر، إلا أن ردود فعل القطريين على المستوى الرسمي والشعبي كان على مستوى عالٍ جداً من الرقي وحسن التصرف وضبط النفس، أدهشنا هذا الفعل جميعاً، كنا نتابع عن قرب الكثير من الناشطين القطريين وردود الفعل الرسمية والشعبية بشكل عام، نحو الهجمة الممنهجة والمستفزّة -التي كانت تؤلمنا جميعاً- لكنها كانت تتحطم بوعي ورزانة القطريين المذهلة.
سوقت الدبلوماسية القطرية نفسها في المحفل الدولي بقدر مريح من الواقعية والموضوعية والحكمة، بالإضافة إلى الدهاء السياسي الذي خلط أوراق دول القطيعة وأفقدها توازنها، يتضح ذلك من خلال التخبط الأعمى الذي رافق المسيرة الدبلوماسية لوفودهم ولمواقفهم الرسمية، بل أيضاً من خلال التذبذب في المواقف المعبّر عن عدم جدية القضايا الخلافية، من شروط إلى مطالب ثم اختزال المطالَب بستة والتنازل ثم العودة للمطالب الـ13، الذي يعكس عدم وجود مبرر فعلي لقرار المقاطعة، فضلاً عن التقارير التي كشفت كواليس الحصار وضلوع الإمارات وراء اختراق وكالة الأنباء القطرية -التي شكلت انفجار الأزمة- وفقاً لتقارير صحيفة الواشنطن بوست الأميركية.
الهجمة الممنهجة المتصاعدة ضد قطر ليست وليدة اللحظة، بل لها امتداد سابق يجسده تباين وجهات النظر والسياسات الخاصة التي تنتهجها دول الخليج نحو العديد من القضايا، ولذا فقد تعرضت قطر لسلسلة من المضايقات والمؤامرات التي حيكت ضدها، وتلقت سيلاً من التهم الملفقة التي ترمي إلى تشويه صورتها، وإيقاف عجلة النمو المتسارع الذي تحققه دولة قطر.
وبهذا وجدتها قطر فرصة ذهبية لإسقاط كل المؤامرات التي حيكت ضدها، وتعرية التهم والافتراءات الظالمة التي طالتها لسنوات عديدة وليس آخرها تهمة الإرهاب والتعامل مع إيران -التي تتمتع بعلاقات تجارية واقتصادية كبيرة مع بعض الدول الخليجية الأخرى- بل وكشفت الأيادي الخفية التي تقف خلفها، والغايات التي تسعى إليها من خلال تنفيذ أجندات معينة.
وبناءً على ما تقدم في هذا المقال والذي سبقه، من الممكن القول بأن قطر عبرت المضيق وتجاوزت منحنيات خطيرة جداً كادت تدخلها في نفق مظلم.
ويُمثّل هذا المنعطف مرحلة حرجة في التاريخ القطري، وهذا الأمر ساهم في إكساب قطر تضامناً شعبياً واسعاً على المستوى العربي والدولي، وساهم هذا التضامن في خلق كيان شعبوي موازٍ للضغوط التي كانت تواجهها قطر في محنتها من قِبل دول الحصار الرباعي، وشكل عاملاً مسانداً بقوة للموقف القطري.
وكان هذا التعاطف القوي بمثابة طوق منيع لقطر، وساهم في التخفيف من وطأة الحصار بطرق مختلفة، سواءً عن طريق التظاهرات المساندة لموقف قطر والمنددة بالحصار، الأمر الذي عزز من موقف قطر بشكل كبير، وساهم بالمقابل في إضعاف موقف دول الحصار - على الأقل - في رفض الحصار والتنديد وتكذيب التهم والافتراءات الممنهجة وممارسة نوع من الإسفاف الإعلامي الرخيص الذي يغذي روح العداوة والكراهية والتحريض اللاأخلاقي ضد دولة قطر وشعبها.
من غير المنطقي القول بأن الامتحان الصعب الذي خاضته قطر كان برداً وسلاماً عليها، أو الزعم بأنه مر مرور الكرام، مجرد عابر سبيل حطّ رحله لأخذ استراحة مسافر كما يقال.
لكن من المؤكد أن قطر خاضت التجربة المُرّة بقوة وتحدٍّ، واستوعبت الدرس جيداً. واستلهمت من قصتها -التي ستصبح يوماً ما تاريخاً ماجداً في الذاكرة القطرية- الدروس القاسية التي ينبغي أن تكون وقوداً لصناعة مستقبل واعد لدولة قطر.
وهناك الكثير من المحطات التي تتطلب الوقوف عندها ودراستها بتعمق، والتي استفادت منها قطر، قد لا يتسع المقام لحصرها ولكن حاولنا المرور على أبرز النقاط التي كان لها ثقل في خارطة الأزمة.
صناعة التحولات الكبيرة تتطلب تضحيات باهظة الثمن بما يكافئ حجم الإنجاز الناتج عن مخاض التحوّل الصعب، ومن بدايات كهذه مؤلمة تُرسمُ النهايات المذهلة، وعلى ذمة التاريخ الشهادة.
60 يوماً من النمذجة الملهمة التي يسطرها القطريون لمختلف شعوب وحكومات العالم من الثبات، والحكمة والخُلُق والوعي الجمعي في التعامل مع أزمتهم، ولقّنوا أنظمة القطيعة دروساً مُرَّة في معاني احترام سيادة البلدان وإرادات الشعوب، منوهةً بأن عهد الوصايات والإخضاع القهري قد ولّى دون رجعة، وأن تراب الأوطان مقدسة في عقيدة الشعوب.
حصار الستين يوماً يأخذنا قليلاً إلى أواخر ستينات القرن الماضي في 1967م؛ حيث كان حصار السبعين يوماً في صنعاء، عندما فرضت فلول الكهنوت الإمامي طوقاً عسكرياً على الجمهورية الفتيّة بعد خمس سنوات من عمر ثورة سبتمبر/أيلول المجيدة في 1962م.
وهنا نسختان من الحصار قد تتطابقان إلى حد كبير في مواقف عديدة، على الأقل وجود اللاعبين الرئيسيين الذين كان لهم دورٌ واضح في حصار السبعين يوماً في صنعاء - حيث كانت المملكة العربية السعودية تدعم الجبهة الأمامية لوأد حلم الجمهورية في بواكير عمرها - في حصار الستين يوماً وإن اختلفت الأدوار كما هو الحال مع النظام المصري، ولذلك فإن انسحاب الجيش المصري من اليمن في تلك الفترة تحديداً -بعد اتفاق مع السعودية- قد ساهم في تشجيع الإماميين لمهاجمة الجمهورية ومحاصرتها وتطويق صنعاء من جميع الاتجاهات.
يتكرر المشهد اليوم بصورة أكثر وضوح وبنفس الأنظمة التي تفرض حصاراً على قطر ولكن باختلاف الأدوات، وربما لنفس الأهداف الساعية لإخضاع أي توجهات رامية لبناء ذاتها وتحقيق التنمية والحريّة والرخاء لشعوبها.
انتهى حصار السبعين يوماً التاريخية وانتصرت الجمهورية على السلالية في اليمن، واستفاد الرعيل الأول من الجمهوريين الأحرار من تلك السبعين يوماً، الكثير في تدعيم قوى الثورة وترسيخ بنيانها على نحو أعمق، ليؤهلها لتأسيس وقيادة دولة تعاني من مخلفات الإرث الإمامي الظلامي، ما أدى ذلك لاعتراف السعودية -الداعم الرئيسي للملكية آنذاك- عام 1970م بالجمهورية بعد عامين من انتصار قوى الثورة.
على نحو مشابه فالحصار بالنسبة لقطر يمكن اعتباره بمثابة وعكة صحية ألمّت بالجسد القطري؛ لتطهير ما كان قد علق به من شوائب، وإعادة النظر في المحيط البيئي الذي قد ربما يحتاج لإعادة الترتيب وتوفير مناخ ملائم صحياً للبقاء فيه، دون حدوث مخاطر من شأنها الإضرار بكيانه في المستقبل.
ومن محامد المِحنة القطرية أنها عكست البنية الوطنية المخلصة والجسورة للشعب القطري وقيادته تجاه بلدهم، ومدى الانسجام والتفاهم الذي تحظى العلاقة بينهما على قدر مذهل من الثقة والتقدير، وهذه العلاقة بدورها شكّلت كتلة صلبة متلاحمة داخلياً، عجزت معها كل المحاولات اليائسة لفصل الروح عن الجسد القطري، وإيجاد شرخ في الوسط القطري بين الشعب والقيادة، ليس ذلك فحسب بل عكست حالة الوعي والنضج الفكري والعقلانية والحكمة أيضاً، التي يتمتع بها الشعب القطري.
برغم المحاولات المتكررة التي حاولت استفزاز مشاعرهم والتصرفات غير النبيلة وحملات التشويه والتجريح الذي تعرضت له قطر، إلا أن ردود فعل القطريين على المستوى الرسمي والشعبي كان على مستوى عالٍ جداً من الرقي وحسن التصرف وضبط النفس، أدهشنا هذا الفعل جميعاً، كنا نتابع عن قرب الكثير من الناشطين القطريين وردود الفعل الرسمية والشعبية بشكل عام، نحو الهجمة الممنهجة والمستفزّة -التي كانت تؤلمنا جميعاً- لكنها كانت تتحطم بوعي ورزانة القطريين المذهلة.
سوقت الدبلوماسية القطرية نفسها في المحفل الدولي بقدر مريح من الواقعية والموضوعية والحكمة، بالإضافة إلى الدهاء السياسي الذي خلط أوراق دول القطيعة وأفقدها توازنها، يتضح ذلك من خلال التخبط الأعمى الذي رافق المسيرة الدبلوماسية لوفودهم ولمواقفهم الرسمية، بل أيضاً من خلال التذبذب في المواقف المعبّر عن عدم جدية القضايا الخلافية، من شروط إلى مطالب ثم اختزال المطالَب بستة والتنازل ثم العودة للمطالب الـ13، الذي يعكس عدم وجود مبرر فعلي لقرار المقاطعة، فضلاً عن التقارير التي كشفت كواليس الحصار وضلوع الإمارات وراء اختراق وكالة الأنباء القطرية -التي شكلت انفجار الأزمة- وفقاً لتقارير صحيفة الواشنطن بوست الأميركية.
الهجمة الممنهجة المتصاعدة ضد قطر ليست وليدة اللحظة، بل لها امتداد سابق يجسده تباين وجهات النظر والسياسات الخاصة التي تنتهجها دول الخليج نحو العديد من القضايا، ولذا فقد تعرضت قطر لسلسلة من المضايقات والمؤامرات التي حيكت ضدها، وتلقت سيلاً من التهم الملفقة التي ترمي إلى تشويه صورتها، وإيقاف عجلة النمو المتسارع الذي تحققه دولة قطر.
وبهذا وجدتها قطر فرصة ذهبية لإسقاط كل المؤامرات التي حيكت ضدها، وتعرية التهم والافتراءات الظالمة التي طالتها لسنوات عديدة وليس آخرها تهمة الإرهاب والتعامل مع إيران -التي تتمتع بعلاقات تجارية واقتصادية كبيرة مع بعض الدول الخليجية الأخرى- بل وكشفت الأيادي الخفية التي تقف خلفها، والغايات التي تسعى إليها من خلال تنفيذ أجندات معينة.
وبناءً على ما تقدم في هذا المقال والذي سبقه، من الممكن القول بأن قطر عبرت المضيق وتجاوزت منحنيات خطيرة جداً كادت تدخلها في نفق مظلم.
ويُمثّل هذا المنعطف مرحلة حرجة في التاريخ القطري، وهذا الأمر ساهم في إكساب قطر تضامناً شعبياً واسعاً على المستوى العربي والدولي، وساهم هذا التضامن في خلق كيان شعبوي موازٍ للضغوط التي كانت تواجهها قطر في محنتها من قِبل دول الحصار الرباعي، وشكل عاملاً مسانداً بقوة للموقف القطري.
وكان هذا التعاطف القوي بمثابة طوق منيع لقطر، وساهم في التخفيف من وطأة الحصار بطرق مختلفة، سواءً عن طريق التظاهرات المساندة لموقف قطر والمنددة بالحصار، الأمر الذي عزز من موقف قطر بشكل كبير، وساهم بالمقابل في إضعاف موقف دول الحصار - على الأقل - في رفض الحصار والتنديد وتكذيب التهم والافتراءات الممنهجة وممارسة نوع من الإسفاف الإعلامي الرخيص الذي يغذي روح العداوة والكراهية والتحريض اللاأخلاقي ضد دولة قطر وشعبها.
من غير المنطقي القول بأن الامتحان الصعب الذي خاضته قطر كان برداً وسلاماً عليها، أو الزعم بأنه مر مرور الكرام، مجرد عابر سبيل حطّ رحله لأخذ استراحة مسافر كما يقال.
لكن من المؤكد أن قطر خاضت التجربة المُرّة بقوة وتحدٍّ، واستوعبت الدرس جيداً. واستلهمت من قصتها -التي ستصبح يوماً ما تاريخاً ماجداً في الذاكرة القطرية- الدروس القاسية التي ينبغي أن تكون وقوداً لصناعة مستقبل واعد لدولة قطر.
وهناك الكثير من المحطات التي تتطلب الوقوف عندها ودراستها بتعمق، والتي استفادت منها قطر، قد لا يتسع المقام لحصرها ولكن حاولنا المرور على أبرز النقاط التي كان لها ثقل في خارطة الأزمة.
صناعة التحولات الكبيرة تتطلب تضحيات باهظة الثمن بما يكافئ حجم الإنجاز الناتج عن مخاض التحوّل الصعب، ومن بدايات كهذه مؤلمة تُرسمُ النهايات المذهلة، وعلى ذمة التاريخ الشهادة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/abdullatif-qasim-haider-/story_b_17710802.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات