الخميس، 31 أغسطس 2017

الحلم الأميركي

الحلم الأميركي

لم تعد الحياة تحمل في ثنايا ملامحها طابع البساطة، ولم تعد النفوس البشرية اليوم تكتفي بنصف ما كان يكتفي به الآباء والأجداد، أضحت المتطلبات اليومية للفرد في الأسرة المتوسطة بالغة الإرهاق.

ثماني ساعات عمل في اليوم، نص مدرج في عقد العمل الذي وقّعت عليه، ولكن هل هذه الساعات تكفي لتحيا حياة كريمة!

ولو أن للإنسان وادياً من ذهب لتمنّى الآخر.. نفس تواقة للمزيد من الماديات، رحلة مرهقة تنفق خلالها سنوات عمرك تفقد خلالها روحك؛ لتحصل المادة الجالبة للسعادة على حد مفهومنا!

ولو أننا فعلنا ما نوعظ به لكان خيراً لنا، ولو أننا تعلمنا الرضا لكان أشد تثبيتاً، لو أننا سلكنا الطريق الذي سلكه السابقون الأولون في فهم الحياة ومعالجة قضاياها معالجة غير مادية، لكان خيراً لنا.

ولكن كتبت علينا الذلة في رحلة اللهث وراء المادة.. المادة وفقط!

إن تقديس المادة اليوم أورث القلوب قسوة غير معهودة.. وأورث النفوس وحشة غير مسبوقة، وأفقد الروح بريقها الفطري، القصد من هذا هو أننا لا نتراجع عن ذلك النزيف الذي بالطبع يؤدي إلى الهلاك، فقد أصبح لا تراجع ولا استسلام، فهو حقاً جُحر ضب دخلناه بفعل فاعل.

دعني أحدثك عن مصطلح من أقوى المصطلحات البراقة في شكلها، المؤذية في مضمونها، المدمرة لنفس الإنسان وروحه في تكوينها وآلياتها وأتباعها!
هيّا بنا نتعرف إلى ما يسمى بالحلم الأميركي!

فى عام 1931 أطلق جيمس تراسلو أدامز المؤرخ والكاتب مصطلحاً جديداً من نوعه على آذان العالم السياسي، يحمل في ظاهره ما يجعل من نفس الإنسان أكثر سعادة واطمئناناً على المستقبل!

فقد عرف ما يسمى بالحلم الأميركي الذي اعتبر أنه الروح الوطنية للشعب الأميركي، ويرى أن هذا الحلم هو الوعد بتحقيق الازدهار والرخاء المادي، ويشعر المواطنون من كل الطبقات الاجتماعية في الحلم الأميركي بقدرتهم على تحقيق "حياة أفضل وأكثر ثراء وسعادة"، وجاءت فكرة الحلم الأميركي مرسخةً في الجملة الثانية من إعلان الاستقلال، والتي تنص على أن "كل الناس قد خلقوا متساوين بما يضمن حق الحياة والحرية والسعي وراء تحقيق السعادة"!

قد يبدو الإعلان عادياً والحلم مشروعاً، وهو كذلك في ظاهره، لكن أورث المجتمع طبقية غير مسبوقة على هذا الكوكب، وسعياً غاشماً وراء الثروة الطائلة لا الحياة الكريمة، ولكن الحياة شديدة البذخ.

أسمعت من قبل عن بذخ ملوك الفرس والروم؟ أسمعت من قبل عن كسرى وفارس.. إنه الحلم الأميركي الآن!

ومنذ مطلع القرن التاسع عشر، تعتبر الولايات المتحدة نفسها منارةً الحرية والازدهار الذي يتحقق من خلال مجموعة من المبادئ الأخلاقية والفلسفية المطروحة من قِبل مؤسسيها، والتي تم تنفيذها بشكل مثالي، بالإضافة إلى الثروة الطبيعية ومكافأة العالم الجديد.

وورد معنى "الحلم الأميركي" مرات عديدة على مدار التاريخ، بينما نجد أثره في سحر العالم الجديد، وروح الشعب اليوم تدل ببساطة على القدرة على تحقيق الرفاهية لنفسه من خلال المشاركة في المجتمع الصاخب وثقافة الولايات المتحدة.

يعتقد أن أميركا هي الأرض التي تعتمد فيها فرص الإنسان في الحياة على الموهبة والطاقة، وليس على العائلة، أو الثروة، أو الاعتقادات السياسي.

ووفقاً لذلك، يشمل الحلم فرصة الأطفال في الحصول على التعليم الأمريكي، وبالتالي فرص العمل المناسبة، إنها الفرصة لاتخاذ القرارات الفردية دون الاعتبار للقيود الطبقية، أو الطائفية، أو الدينية، أو العرقية.

ولكن صاغ المؤرخ والكاتب جيمس تراسلو أدامز في كتابة الملحمة الأميركية، الحلم الأميركي هو الحلم الخاص بالأرض التي يجب أن تكون بها الحياة أفضل وأكثر ثراء لكل الناس؛ حيث تتيح لكل فرد الفرصة المناسبة طبقاً لقدراته وإنجازاته.

إنه حلم صعب التفسير بشكل مناسب من قِبل الأوروبيون من الطبقة العليا، كما سِئم منه العديد منا وأصبحوا لا يصدقونه، إنه ليس مجرد حلم للحصول على سيارة أو مرتب مرتفع، ولكنه يسعى إلى تحقيق عدالة اجتماعية لكل رجل وامرأة، وبذلك يصلون إلى أفضل المستويات ويصبح لديهم القدرة الفطرية على الإنتاج.

ومن ثَم، ينظر الآخرون إلى هويتهم دون أي اعتبار لمولدهم أو مركزهم..



وبعد ذلك كتب الآتي:

لم يصبح الحلم الأميركي، الذي جذب عشرات الملايين من الأمم إلى سواحلنا خلال القرن الماضي، حلم تحقيق الرخاء المادي، على الرغم من أن ذلك كان من في الاعتبار من دون شك.

لقد أصبح حلم القدرة على وصول الرجل والمرأة إلى أعلى درجة من التطور دون التقيد بالعوائق التي أقامتها الحضارات القديمة أو الأوساط الاجتماعية التي ظهرت لصالح الطبقات بدلاً من أن تكون لصالح الإنسان البسيط الذي ينتمي لأي وكل الطبقات.


إن الحلم الأميركي أصبح اليوم ليس حلماً أميركياً فقط، بل هو حلم جميع الشباب من الأميركان وغير الأميركان.

الحلم الأميركي أعلى قيمة المادة على قيمة الروح وأثرى المادة على الأخلاق والقيم، فأصبحت الحياة كما نرى الآن، بلا قيم، بلا روح، بلا اجتماعيات.. مادة وفقط!

انتحر مغنّ مشهور، وانتحرت فتاة جميلة، وانتحر رجل أعمال ناجح!
ما السبب؟
ماذا تريد من الحياة يا عزيزي؟
أنت غني ومشهور وصاحب سلطة ونفوذ!
وأنت جميلة ومشهورة وغنية ويتمناكِ الجميع!
ولكنها الروح التي فقدت قيمتها.
فالمادة تشبع حاجة الجوارح.. والرضا يشبع حاجة الروح.

قامت مجموعة من المنظمات المختلفة خلال السنوات الأخيرة بدراسة مصطلح الحلم الأميركي باعتباره هدفاً قومياً.

وتشير نتائج هذه الدراسات إلى أنه خلال فترة التسعينات وحتى بداية الألفينات، وهي فترة تتسم بازدهار ثروة الولايات المتحدة، اعترف عدد متزايد من الناس بفقدانهم الثقة في الحلم الأميركي.

اللهث وراء المادة أم السعي وراء الهدف والارتقاء بالروح.. هذان خطان لن يتقاطعا.

بالطبع المادة لها أهمية الوقود للسيارة، ولكن الإنسان ليس مكينة يعمل ويقطع طرقاً فقط!
بل هو صاحب هدف ورسالة، وروح وعقيدة، وحلم وأمل.

لن تشعر بالراحة أبداً يا صديقي إلا إذا كانت تلك الأحلام في يديك لا في قلبك، تلك المعادلة هي التي تميز بها أهل الرسائل وأصحاب العقائد، مَن فهموا تلك الحياة على حقيقتها، مَن سعوا وراء الحقيقة لا السراب، من باتت قلوبهم مطمئنة منصرفة عن هموم الدنيا وتفاصيلها المجهدة، ولمَ لا فهي في أيديهم لا في قلوبهم.

أسأله سبحانه وتعالى أن يجعلها في أيدينا لا في قلوبنا!

أما عن الحلم العربى فهو أوبريت غنائي صدر في سبتمبر|أيلول 1998.





ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/mahmoud-ahmed-abd-elwahed/-_12899_b_17827460.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات