الخميس، 31 أغسطس 2017

الإذاعة المصرية تحتفل بميلاد صاحب بيانات "سنُلقي إسرائيل في البحر".. هل كان الأب الروحي لـ"صوت العرب" مُضلِّلاً إعلامياً؟

الإذاعة المصرية تحتفل بميلاد صاحب بيانات "سنُلقي إسرائيل في البحر".. هل كان الأب الروحي لـ"صوت العرب" مُضلِّلاً إعلامياً؟

"أسقطنا 30 طائرة"، هكذا جاء صوت المذيع المصري أحمد سعيد في البيان الأول لمعركة 5 يونيو/حزيران 1967، من خلف ميكروفون بسيط، وفي شقة عبارة عن حجرتين واستديو واحد بمبنى الإذاعة (القديم) في شارع الشريفين وسط القاهرة، وتلته بيانات أخرى تزيد في عدد الطائرات الإسرائيلية التي أسقطها الجيش المصري، والتقدم الذي حققه على الأرض واقترابه من تل أبيب ليلقى بها في البحر.

قبل هذا التاريخ بسنوات، وتحديداً في 4 يوليو/تموز 1953، انطلق صوت الإذاعي حسنى الحديدي، قائلاً: "هذا صوت العرب، يأتيكم من قلب الأمة العربية، القاهرة"، ليعلن بدء إذاعة "صوت العرب".

في هذه الفترة، كان رئيس الإذاعة الحديثة هو المذيع صالح جودت، إلا أنه لم يبقَ في منصبه إلا شهوراً، وأقيل دون أسباب، وعُيِّن المذيع أحمد سعيد بدلاً منه، ليُكتب لأحمد سعيد و"صوت العرب" تاريخ حتى بعد أكثر من 60 عاماً، بعدما أصبح نموذجاً للإعلام "التحريضي والتضليلي"؛ لإلقائه بيانات حرب يونيو/حزيران 1967.

في الثلاثاء 29 أغسطس/آب 2017، أتمَّ أحمد سعيد 92 عاماً، واحتفلت الإذاعة المصرية بالرجل، فيما لم يحضر أحمد سعيد احتفال الإذاعة به الثلاثاء، وحاول "هاف بوست عربي" الاتصال به، إلا أن أحد المقربين نقل رفضه الحديث لظروفه الصحية.

ويقول أحد المعدِّين في إذاعة صوت العرب: "الأستاذ أحمد سعيد قيمة كبيرة، وهو الأب الروحي لإذاعة صوت العرب، والاحتفال بعيد ميلاده تقليد سنوي؛ احتراماً لما قدمه الرجل". ويضيف المُعدُّ، الذي رفض ذكر اسمه: "عندنا نحتفل بالأستاذ أحمد سعيد، فنحن نحترم أنفسنا؛ فهو من صنع (صوت العرب) و(صوت العرب) هي من صنعتنا".





لماذا تحتفل الإذاعة المصرية بأحمد سعيد؟





"كثيرون لا يتذكرون أحمد سعيد إلا بموقفه من هزيمة يونيو/حزيران 1967، والحقيقة أن الرجل له تاريخ طويل بدأ قبل هذا بسنوات"، هكذا تقول نادية حلمي النائبة السابقة لرئيس الإذاعة المصرية، وتضيف: "الرجل كان له بصماته التاريخية على المستوى المهني، وكان صاحب تأثير كبير في الجماهير؛ بسبب صوته الإذاعي الجميل".

تقول نادية: "عدد كبير من مستمعي الوطن العربي كانوا يطلقون على الراديو (علبة أحمد سعيد)، وهذا يكشف ارتباطهم الوجداني به".

وتتابع: "أضف إلى ذلك، ما طلبته الحكومة البريطانية من الرئيس جمال عبد الناصر عام 1965، برفع اسم أحمد سعيد من قائمة الوفد المصري المسافر إلى لندن؛ لاعتراض مجلس العموم البريطاني عليه، بتهمة تحريضه على قتل الجنود البريطانيين في عدن"، وتشير كذلك إلى استهداف محطات إرسال "صوت القاهرة" بمنطقة أبو زعبل في أثناء العدوان الثلاثي على مصر في 1956.









فيما يقول الإعلامي والكاتب الصحفي محمد الخولي، الذي عمل معدّاً بـ"صوت العرب" في فترة رئاسة أحمد سعيد لها، لـ"هاف بوست عربي": "هذا الرجل (أحمد سعيد) تعرَّض لظلم تاريخي كبير، رغم أنه واحد من أهم المذيعين في الوطن العربي، وصاحب مدرسة حقيقية في الإعلام العربي".

ويضيف الخولي أنه، "لم يكن للعرب قبل (صوت العرب)، التي أسسها أحمد سعيد، صوتٌ في الإذاعة؛ لذلك كانت (صوت العرب) هي صوت لكل العرب، الصوت القومي العروبي الوحيد في هذا الوقت، الذي يساند الحركات التحررية ويساعد الثوار في الجزائر واليمن وغيرها".










ويرى "الغضبان"، في حديثه مع "هاف بوست عربي"، أنه ربما لُصقت هذه التهمة بأحمد سعيد؛ لأنه كان الأشهر في الإذاعة وقتها، بصوته الذي كان يُسمع في كل الدول العربية.

أما الكاتب الصحفي ياسر ثابت، صاحب كتاب "المتلاعبون بالعقول"، فيختلف عن الرأيين السابقين ويقول لـ"هاف بوست عربي": "صحيح من الظلم تحميل أحمد سعيد المسؤولية كاملة عما حدث في 1967، ولكن من الظلم أيضاً تبرئة ساحته مما حدث".

ويضيف ثابت: "سعيد استغل مهنيته وشهرته في تضليل الجماهير، ليس في مصر فقط، وإنما بالوطن العربي كله، ورفَعَ الجماهير إلى السماء فرحاً بانتصار محقَّق، وعندما جاءت الهزيمة وقع هؤلاء جميعاً إلى سابع أرض؛ ومن ثم كانت الصدمة كبيرة!".

ويوضح ثابت أن الأزمة الحقيقية أن سعيد لم يحدث له تضليل كما حدث لغيره من المصريين وقتها؛ فهو كان يعرف، بحكم عمله واطلاعه، أن ما يذيعه على الجماهير كذب حقيقي ولا يمت بصلة إلى الوقع، وأن الإذاعات العالمية كانت تقول أرقاماً وأخباراً مفزعة عما يحدث في سيناء وقتها، ورغم ذلك أصرَّ سعيد على أن يكمل في تضليله وكذبه على الجماهير، حسبما يرى الكاتب الصحفي.

فيما يشير إلى الشاعر صلاح جاهين، الذي أحسَّ بعد هزيمة يونيو/حزيران بأنه كان مشاركاً في تضليل الناس، فتوقف فوراً عن كتابة الأغاني الوطنية، رغم أن جاهين نفسه كان مضلَّلاً ولا يعرف ما يعرفه أحمد سعيد، مضيفاً: "أما سعيد، فتم إجباره على الاستقالة من رئاسة إذاعة صوت العرب بعد 1967، في إطار تغييرات كبيرة حدثت في الكثير من المؤسسات بعد الهزيمة".




هل كان عبد الناصر في حاجة لإعلام أحمد سعيد؟





يؤكد سيد الغضبان أنه يجب تقييم كل مرحلة بظروفها التاريخية؛ فالبلاد العربية كانت محتلة في الستينيات، ودور إذاعة صوت العرب أن تقول لشعوب الدول العربية إن هذا المستعمر يجب أن يرحل؛ ومن ثم كان من الضروري أن يتبع الإعلام وقتها هذا الأسلوب التحريضي والثوري والإثاري؛ ليحرض الجماهير على المستعمر.

ويتابع الغضبان: "وبالفعل، كانت (صوت العرب) في هذا الوقت صوت الثورة بكل قطر عربي؛ ولذلك كان هذا الأسلوب وقتها هو الأسلوب المناسب؛ بل وصفه بالأسلوب الأمثل، فالإعلام كان يقوم بدور وطني بالغ الأهمية في ظل دول مستعمرة، وهو بالطبع ما لا يصلح في الدول المستقرة".











بينما يرى ياسر ثابت، الذي عمل مسؤولاً بتحرير نشرات عدد من القنوات (سكاي نيوز عربية والحرة والعربية والجزيرة)، أن الإعلام المصري، بشكل عام، يدور في فلك السلطة منذ قرارات تأميم الصحف في ستينيات القرن الماضي، وأصبح الإعلام من وقتها متحدثاً بلسان السلطة ومنفذاً لأوامرها.

واستشهد على قوله بإحدى خطب الرئيس جمال عبد الناصر الذي قال موجهاً حديثه للإعلام نريد إعلاماً يتحدث عن الناس في كفر البطيخ (إحدى قرى محافظة دمياط)؛ فما كان من الصحف والإذاعات وقتها إلا أنها ذهبت إلى كفر البطيخ وأعدت لقاءات مع المواطنين هناك، وتابع: "نفَّذوا الأمر بالكلمة ولم يفهموا أن ناصر يقصد إعلاماً يتحدث عن كل الناس، وليس ناس كفر البطيخ فقط".

ويتابع مؤكداً أن هناك فارقاً كبيراً بين أن يقوم عدد من الدول بحجب بعض المعلومات فترات معينة؛ لظروف تتعلق بالأمن القومي، وتضليل الناس والكذب عليهم، واعتبر ما حدث في 1967 كان كذباً على الناس وتضليلاً لهم، وليس إخفاء لمعلومات محددة لفترة محددة؛ لذلك كانت الصدمة كبيرة، ويرى أن أحمد سعيد كان بطل هذه الصدمة.




هل إعلام السيسي هو وريث إعلام أحمد سعيد؟





تحدث الرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي في أكثر من مناسبة عن الإعلام، ولعل أشهرها قوله "يا بخت عبد الناصر بإعلامه"، بينما يرى آخرون أن الإعلام في مصر حالياً هو إعلام ستينياتي (نسبة إلى الستينيات) بامتياز، وهو ما يرفضه الإذاعي سيد الغضبان؛ بل ويعتبر نسبة ما يحدث في الإعلام حالياً إلى إعلام الستينيات، "خطأ كبيراً".

وأشار إلى أنه في الستينيات ورغم التضييق والتقييد، فإنه كان هناك إعلام محترم يقدم ثقافة وفكراً وعلماً، وهو ما لا يحدث حالياً؛ ويقول: "إعلام 2017 إعلام غير محترم ويمكن وصفه بالإعلام المنحط"، حسب قوله، مضيفاً: "حالياً، العالم أصبح بالفعل مفتوحاً بعضه على بعض، ويمكن أن يتابع أي شخص ما يحدث في أي دولة أخرى، ونشر معلومات مغلوطة وكاذبة ينفضح فوراً؛ لأن هناك آلاف الوسائل الإعلامية التي ستنقل الصورة الحقيقية".









ويتفق مع هذا الرأي ياسر ثابت؛ إذ يقول إن الإعلام حالياً جنين مشوَّه لإعلام أحمد سعيد وفترة الستينيات بشكل عام، ويشير إلى أنه "مع الملاحظات الكثيرة على إعلام الستينيات فإنه كان به الكثير من الكفاءات المهنية، وهو غير موجود الآن؛ ومن ثم نرى وضع الإعلام حالياً سيئاً؛ بل مادة غنية للسخرية على الشبكات الاجتماعية".

ويضيف: "يتميز الإعلام المصري حالياً بالضعف الشديد، وعدم المهنية، وأيضاً تضليل الجماهير".

ويتساءل ثابت: "كيف نتحدث عن إعلام مهني في ظل عدم وجود قانون لإتاحة المعلومات وإلزام المؤسسات بالشفافية؟، وكيف يكون لدينا إعلام والوثائق المهمة في الأحداث الكبيرة لا تزال محجوبة عن الجماهير والباحثين حتى الآن؟ نحن لم نرَ وثيقة واحدة تتحدث عن حقيقة ما حدث في 1967 حتى الآن، للأسف وقت الأزمات والحروب تكون الحقيقة هي الضحية الأولى".


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2017/08/31/story_n_17867746.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات