الأربعاء، 2 أغسطس 2017

بركان الأقصى.. انتفاضة من وحي الثورة السورية

بركان الأقصى.. انتفاضة من وحي الثورة السورية

مشاهد عظيمة عاشتها مدينة الصلاة في انتفاضتها على المحتلين، أبكت العيون، وأحيت ذكريات ملايين السوريين الذين فجروا انتفاضة الثورة في دمشق وحلب وكافة المناطق السورية، مظاهرات حاشدة واعتصامات كان عَلم الثورة السورية حاضراً فيها إلى جانب المسجد الأقصى؛ ليوجه رسالة شديدة اللهجة إلى كل مَن يخون أو يشكك في صدق إرادة السوريين بإسقاط الاستبداد بكل أشكاله.

لم يقتصر وحي الثورة السورية على الرايات والاعتصامات فحسب، بل كانت الشعارات والهتافات حاضرة وبقوة، لتلامس أياماً جميلة، كانت في عيون السوريين أجمل أيام الحرية.

لكن اللافت للسوريين طريقة قمع الاحتلال لتلك المظاهرات السلمية، ووحشية نظام الأسد ومخابراته في فض المظاهرات بالرصاص الحي والقصف بالمدفعية والرشاشات واستخدام الأسلحة الثقيلة.

هو ليس تلميعاً للاحتلال، أو حجة لجرائمه البشعة تجاه الفلسطينيين، ولكنها مفارقة كبيرة عاشها السوريون للحظات في انتفاضة القدس العظيمة، التي أسقطت كل قلاع المحتل، وأرغمته على التراجع عن خطواته الجنونية.

وكغيرها من أعمال النضال، تكشف هذه الانتفاضة الأقنعة عن وجوه لطالما طبلت وزمرت وتغنت بالمقاومة والممانعة، وعلى رأسها مخابرات النظام السوري وميليشيات حزب الله الحليفة، التي كانت ترتكب الجرائم والانتهاكات بحق المدنيين واللاجئين في عرسال تزامناً مع انتهاكات جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في الأقصى.

وللمتاجرين في قضية فلسطين قصص واسعة مع الشعارات والعنتريات الإعلامية؛ حيث دفع العرب الكثير بسبب الشعارات الكاذبة، حيث انخدعت بعض الجماهير فعلاً، ليفاجأوا بعد ذلك بأنهم كانوا مخدوعين، فمن رفعوا شعار القضاء على إسرائيل ومن خلف إسرائيل قاموا بالتآمر على العرب في العراق والبحرين والسعودية وقطر ووصلت أياديهم إلى لبنان وسوريا.

لم نتحدث بعد عن الميليشيات الإيرانية المدعومة بشكل مباشر من الحرس الثوري والمخابرات الإيرانية، معظمها يحمل اسم القدس، ولكن ليس له من اسمه نصيب، بل كان نصيب السوريين والعراقيين أن يعيشوا تحت نار تلك العصابات ويكتوُوا بجحيم انتهاكاتها وجرائمها المتواصلة.

المختلف في الاستثمار، بيوم القدس، أن عائداته خاسرة في سوق بيعها السوري والفلسطيني والعربي، وجزء من المحتفين بهذا اليوم شعبهم مشرد نتيجة مشاركة عدوان الفرق التي تتبع لطهران، وتقتصر أرباح "يوم القدس الإيراني" على دفاتر مهترئة لدكاكين موجودة بدمشق ليس إسلامية فحسب، بل أصبحت طقوسه موضع منافسة في نسخ الشعارات ولصقها، والطواف بها في الأحياء التي تُسيطر عليها فرق طهران المذهبية، في حزام العاصمة دمشق، وتتزاحم فصائل فلسطينية "علمانية ويسارية" في سوق الحميدية إلى مئذنة الشحم والسيدة زينب، ترفع رايات مذهبية وطائفية.

ولو راجعنا بذهن صاف ما فعله حزب الله في ثلاثين عاماً لوجدنا أنه كان يعمل ككتيبة إيرانية ضمن صراع إيران مع دول المنطقة بما في ذلك ضد اللبنانيين والعرب وإسرائيل، حيث ألغى القوى الوطنية اللبنانية، والفلسطينية، وصار سداً يحمي إسرائيل، باستثناء بضع مواجهات معها، كانت الغلبة فيها للمحتل، ولكن لماذا كان حزب الله دائما يبدو منتصراً وقلعة صامدة في وجه إسرائيل؟ السبب في الدعاية العربية المزورة التي اعتادت على تزوير الحقائق وقلبها.

ومن الخطأ الظن بأن الكذب الفج سببه فقط العجز عن النقاش الموضوعي واستخدام المنطق في الإقناع، بل هو أيضاً جزء من عمل ممنهج لتسويق الأكاذيب وإقناع الناس بأن الأرض مسطحة وبأن الشمس تشرق بالليل وبأن الشمام هو بطيخ لكن مصاب بداء اليرقان، وبأن الكيان الصهيوني يتآمر على السلطة التي تسهر على راحته، وبأن مبارك أفضل ألف مرة من مرسي، وبأن شطحات القذافي هي رحمة، وأن الكون كله تآمر على سوريا الممانعة، وأن فك الحصار عن غزة هو مؤامرة صهيونية بالاتفاق مع حماس.

لم يعد الأمر مقتصراً على المبالغة أو التبهير أو خلط التوقعات بالحقائق أو تفسير المعلومة بما تهواه الأنفس، بل تجاوزه إلى الكذب الفج والصريح وتعمد تكرار الكذبة على أكبر نطاق ممكن، مستغلين حقيقة أنه يمكن انتحال شخصيات وهمية كثيرة في هذا العالم الافتراضي، فلا أحد يستطيع محاسبة الشخص أو مراجعته على كذبه الفج، ولا أحد يستطيع أن يتأكد من أنّ هذا الطوفان الأكاذيبي أو الغوغائي هو فعلاً تعبير نطاق واسع من الناس أم جهد ذكي من شخص أو جهة معينة.

صدعَنا ملالي إيران، وهم يرعدون ويهددون ويتوعدون، صدعونا وهم يؤكدون قدرتهم على محو "إسرائيل" من الوجود في يوم واحد، وبصواريخ الدقائق السبع، فلماذا لا يقومون بالأمر، لو كانوا فعلاً يظنون أنهم قادرون، وأن الصهاينة يقفون وراء المؤامرة الكونية عليهم وعلى النظام السوري؟ وإذا ظن ملالي إيران أنّ عصاباتهم في سورية سترعب الناس وتثنيها عن الانتصار، فهم واهمون أيضاً، ومشروعهم مكشوف تماماً!

تختفي مواقف ملالي طهران، وتلك المحسوبة على محور "الممانعة"؛ لتترجم التردي والهوان العربي لمواجهة الاحتلال وإجراءاته في المسجد الأقصى، ولعل الابتعاد قليلاً عن اجترار تلك المواقف يخفف مأساوية الوضع الذي نعيش، خصوصاً بعد انشغال أصحاب شعار "يا قدس قادمون" في تيه معقد بطريق القدس وآلامها.

خبر في أسفل الشاشة ونقل لخبر إجراءات الاحتلال هو جلّ ما نقله معظم الإعلام العربي.

اللافت في أخبار القدس ليس المذيل من إعلام عربي مرتد نحو انعزالية فاضحة، بل في إعلام "الممانعة" الذي دأب على لوم أنظمة أخرى لتحمّل مسؤوليتها.

إبعاد المسؤولية عن أنظمة الممانعة نفسها التي تخوض حرباً مدمرة وجرائم وحشية ضد مجتمعاتها، هو الشغل الشاغل لها منذ أمد بعيد، حين كان وما زال الأقصى والقدس يرزحان تحت الاحتلال، وتتم مواجهته بتهافت الشعارات المجردة، ودون مشروع سياسي ووطني واضح وتراكم ممارساتي دؤوب يفضي إلى نتائج كنس المحتل.

وحدهم أصحاب الأرض يدركون معادلة المواجهة، ويسقطون زيف الادعاءات العربية الرسمية.

أما عن المسؤولين الروس يملأ هؤلاء الصحافة الروسية بخطابات القومية والوطنية، ويهتمون كثيراً بإظهار أنفسهم أعداءً حقيقيين للغرب، ويطبّل أنصار كذبة الممانعة في العالم العربي للمسؤولين الرّوس، ويصفونهم بالشرفاء والوطنيين، غير أنّ واقع الحال يظهر أنّ هذه النخب التي تتولى أهمّ المناصب في روسيا، تمارس الكذب على شعبها ليلاً ونهاراً، فهي تعادي الغرب إعلامياً، بينما تكدس أموالها ببنوكه، وترسل أبناءها للعيش والدراسة في أميركا وأوروبا.

وكما يقول أنور المالك فإنه ليس من المنطقي أبداً أن الذي يدعي العروبة يخدم مشروعاً فارسياً عنصرياً ضد العرب، ولا يمكن أن نتخيّل أن حاكماً عربياً -كما يدّعي- يدمر بلاده العربية لصالح غزو إيراني فارسي ويرهنها تحت حوافر ميليشيات طائفية من أجل البقاء في الحكم، بل يذهب أبعد من ذلك، حيث شرّد وقتل وسجن ملايين السوريين العرب ودمر بيوتهم وممتلكاتهم، وصار يمارس سياسة توطين الفرس وتجنيسهم في إطار شعاره الآخر أن الجنسية السورية لمن يدافع عنها.

إما أن الأسد لا حول له ولا قوة وهو مجرد بيدق لدى ملالي طهران سواء قبل الثورة أو خلالها، أو أنه كاذب بشعار العروبة المزعوم، أو أن الاثنين معاً، وفي كل الحالات من حق الشعب السوري الثورة عليه وإسقاط نظامه وتحرير بلادهم من نفوذ الملالي فيها.


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/ameen-mera-/-_12758_b_17636460.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات