لم تكن السلطات الألمانية تصنف منفذ هجوم هامبورغ، الذي أسفر عن مقتل شخص وإصابة 6 آخرين يوم الجمعة، 28 يونيو/حزيران 2017، على أنه يشكل تهديداً، رغم أنه كان معروفاً لدى السلطات بأنه "متطرف إسلامي".
تثير قضية مهاجم هامبورغ، الذي قتل رجلاً باستعمال سكين وجرح آخرين، العديد من الأسئلة حول احتمال ارتكاب السلطات الألمانية لأخطاء فادحة. إذ لم يتم ترحيل هذا المهاجر الفلسطيني، على الرغم من أن طلب اللجوء الذي تقدم به تم رفضه بسبب غياب الوثائق اللازمة.
وقال أندي غروته، وزير الداخلية في المدينة الساحلية في تصريحات صحفية "كان معروفاً بأنه إسلامي وليس جهادياً".
وأشار غروته إلى أنه بينما توجد مؤشرات على أنه ربما كان لهجومه دافع إسلامي، فإن المشتبه به يعاني أيضاً من مشكلات نفسية.
وكانت السلطات تصنِّف هذا الشخص على أنه متطرف، على الرغم من أنها لم تعتبره شخصاً خطيراً. فما الذي يجعل هذه التصنيفات مصيرية؟
تقرير لصحيفة Zeit الألمانية حاول رصد المعايير التي تحدد التصنيف بالمتطرفين، وما تبعاته؟ وما مدى تأثيره على المشتبه بهم؟
1- ما تعريف "التهديد"؟
إن تصنيف شخص على أنه يمثل تهديداً لا يكون له أي تبعات قانونية. ولكن في هذه الحالة، يُسمح للسلطات باتخاذ إجراءات إضافية والتثبت من وضعيته. وعموماً، لا يوجد أي تعريف قانوني دقيق وواضح لهذه العبارة.
وتعتبر السلطات الفيدرالية الألمانية أن شخصاً ما يمثل تهديداً عندما تتوفر حقائق واضحة، تبرر أنه قد يرتكب جريمة خطيرة لدوافع سياسية، وخاصة تلك الجرائم التي تشملها الفقرة "100أ" من القانون الجنائي الألماني. وتتضمن هذه الفقرة لائحةً طويلة من الممارسات، التي يمكن اعتبارها تهديداً جدياً، فضلاً عن الحالات التي يسمح فيها بمراقبة خطوط الهاتف.
وفي ألمانيا، تحدد الشرطة المحلية في الولايات، بالتعاون مع المكتب الفيدرالي لحماية الدستور، الشخص الذي يمكن اعتباره خطيراً. ويتم هنا التفريق بين الأشخاص الخطرين وأولئك الذين على علاقة بأشخاص خطرين، أي معارفهم الذين لا يُنظر إليهم على أنهم يشكلون تهديداً.
ويتم تنسيق هذه المعلومات مع وزارة الخارجية، حيث يتم تبادل المعلومات والتنسيق أمنياً بشكل دوري مع إسبانيا، وإيطاليا، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والنمسا، وبولونيا. كما يتم أيضاً إرسال هذه المعلومات إلى الولايات المتحدة.
في الواقع، يرى المنتقدون أن الضبابية التي تلف هذه المسألة، وعدم وجود تعريف قانوني واضح لهذه التهديدات، يعدّ أمراً غير مقبول. فالشرطة المحلية في الولايات الألمانية لها حرية احتجاز الأشخاص الذين يعتبرون خطيرين أو على علاقة بأشخاص آخرين من هذا الصنف، وهو ما من شأنه أن يفتح الباب لغياب العدالة في ألمانيا، بحسب انتقادات حزب لينكس اليساري الألماني.
2- كم عدد المسلمين المصنفين خطراً في ألمانيا؟
بحسب بيانات المكتب الفيدرالي لحماية الدستور، ارتفع عدد المسلمين المتشددين الذين يعتبرون تهديداً إلى مستوى غير مسبوق، حيث وصل إلى 690 شخصاً. ويشهد العدد ارتفاعاً مطرداً؛ إذ من المنتظر أن تزداد وتيرته بسبب الهزائم التي يتعرض لها تنظيم الدولة في سوريا والعراق، بما أن عناصر التنظيم الذين قاتلوا في صفوفه سيُحاولون العودة إلى ألمانيا.
3- مَن هؤلاء الأشخاص؟
يصعب التعامل مع هؤلاء الإرهابيين الذين يشكلون خطراً بسبب استحالة توقع تصرفاتهم، حيث إن منهم من هم مضطربون عقلياً.
وفي هذا السياق، أشار مالك بجبوج، عالم النفس والمُعالج النفسي وخبير علم الأعصاب في مستشفى شاريتي في برلين، إلى إحدى الدراسات التي أجريت في هذا الشأن، حيث أثبتت أن حوالي ثلثي هؤلاء المتطرفين الذين تم التحقيق معهم عاشوا حياة مليئة بالخوف وانعدام الثقة. أما الثلث المتبقّي، فلديهم شخصية متهورة ومندفعة، إذ إن من بينهم من يمتلكون شخصية نرجسية.
كما أشارت هذه الدراسة إلى أن شخصاً من كل اثنين تم استجوابهما تراوده أفكار حول الانتحار. علاوة على ذلك، يعتبر الأشخاص الذين يعيشون أوضاعاً يائسة وفقدوا الأمل هم الأكثر هشاشة واستعْداداً لتقبل الدعايات المتطرفة وغسيل الدماغ، الذي من شأنه أن يؤدي لتبني حلول راديكالية، على ارتداء الأحزمة الناسفة أو شن هجمات عنصرية.
مِن السلفية الجهادية لليمين المسيحي
وخير مثال على هذه التقلبات ما حدث مع الشاب ساشا من مدينة نورتهايم القريبة من غوتنغن في ولاية ساكسونيا السفلى، الذي تم القبض عليه من قبل الشرطة للاشتباه في كونه يخطط للهجوم على جنود ورجال شرطة ألمان.
وفي الحقيقة، عثر المحقّقون على مواد كيميائية وأجهزة إلكترونية كان هذا الشاب السلفي يعتزم استخدامها لتصنيع مواد متفجرة. وبعد ثلاث سنوات من هذه الواقعة، تغيَّرت توجهات الشاب ساشا، وأصبح من الناشطين المتشددين في التيار اليميني المسيحي المتطرف.
وأشارت صحيفة Zeit الألمانية إلى أن السياقات والظروف ومظاهر التشدد تتنوع من شخص إلى آخر. ولذلك، لا توجد شخصية نموذجية يمكن اعتبارها تهديداً، ما يعني أن ممثلي الشرطة الألمانية وسلطات حماية الدستور، الذين يعملون جنباً إلى جنب في "المركز المشترك للتعاون في مكافحة الإرهاب"، مطالبون في كل مرة بتفحص كل حالة بشكل منفرد".
وفي هذا السياق، صرَّح وزير الداخلية في حكومة ولاية ساكسونيا السفلى، بوريس أستريوس، قائلاً: "لا توجد طريقة ثابتة في التعامل مع المسلمين المتشددين الذين يعتبرون بمثابة خطر".
4- كيف تتم مراقبة الأشخاص الخطرين؟
حالما يتم تصنيف شخص على أنه يشكل تهديداً، تقوم مكاتب المحكمة العليا الألمانية بإعداد ملف شخصي له. وهناك، يتم وضع كل المعلومات التي تم تجميعها حوله، على غرار جنسيته، وحالته المدنية، ومعارفه، وأصدقائه، فضلاً عن الرياضات التي يمارسها، واللغات التي يتقنها، ومهارات الكمبيوتر التي اكتسبها. وعندما يتم جمع ما يكفي من المعلومات من أجل توجيه تهمة جنائية، يتم إعلام المدعي العام بهذه الحالة.
وتقوم مكاتب الشرطة الجنائية الفيدرالية بإعداد قوائم موحدة لمجابهة كل المخاطر المحتملة. ويتم تحديث هذه القوائم بصفة دورية كل أربعة أسابيع. في المقابل، تبقى الولايات الألمانية التي يتواجد فيها هذا الشخص المصنف خطراً مسؤولة هي أيضاً عن التعامل مع هذه الحالة.
وفي الواقع، تقوم كل ولاية بوضع القوانين بنفسها، من أجل تحديد أساليب التعامل الأمني. ففي بافاريا على سبيل المثال، يمكن استباق هذه التهديدات قبل وقوعها، ولكن في برلين وولاية شمال الراين وستفاليا يعد ذلك غير مسموح. كما أن مراقبة الأشخاص عبر الإنترنت مسموح بها فقط في بافاريا وولاية "راينلاند بالاتينات".
تفرض الشرطة رقابة لصيقة ومستمرة على مدار الساعة على بعض الأشخاص الخطرين. في المقابل، لا يعد ذلك ممكناً في جميع الحالات، نظراً لأنه من أجل مراقبة شخص على مدى 24 ساعة في اليوم، فإنه يتم تخصيص حوالي 40 شرطياً لهذه المهمة. وفي ظل وجود حوالي 700 شخص مصنفين خطيرين في الوقت الحالي، تتطلب مراقبتهم حوالي 28 ألف شرطي.
5- ما دور اللاجئين؟
دائماً ما يعبر المكتب الفدرالي للشرطة الجنائية عن مخاوفه من مدى سهولة تجنيد اللاجئين من قبل شبكات متشددة. لكن في أغلب الحالات التي يتم التثبت منها، يتبين أن هذا الادعاء غير صحيح. فالسّلطات غير مخولة بتقديم أرقام محددة، ولكنها تشير إلى أن حوالي نصف من يصنفون خطراً يحملون جواز سفر ألمانياً. أما النصف الآخر، فإما يحملون جوازات أجنبية، أو هم لاجئون، حيث لا يتم تسجيل اللاجئين بشكل منفصل.
6- ما الإجراءات الوقائية المعتمدة؟
اتخذت السلطات إجراءات متنوعة من أجل التوقي من قيام المشتبه بهم بشن هجمات إرهابية حيث يتم فحص نشاط الإرهابيين المفترضين وتحذيرهم من خلال استعمال خطاب حاد اللهجة من قبل مكتب حماية الدستور أو الشرطة الجنائية في الولاية.
وفي هذا الصدد، يقوم عناصر الشرطة بالبحث عن المتطرفين المفترضين، وطرح أسئلة عليهم حول توجهاتهم وأفكارهم. في المقابل، لا يحصل هؤلاء العناصر غالباً على إشارات واضحة بهذه الطريقة حول تطرف هؤلاء الأشخاص من عدمه. كما أن السلطات ملزمة بإبلاغ هؤلاء الأشخاص بأنه تم وضعهم تحت المراقبة.
أما بالنسبة للسلطات المحلية في الولايات المحلية، فهي تقوم بتصنيف الناس إلى خطرين وغير خطرين، بالاستناد إلى التجارب العملية للأجهزة الأمنية. وخلال العامين الماضيين قام المكتب الفدرالي للشرطة الجنائية بتطوير نموذج تقييم، بالتعاون مع علماء نفس من جامعة كونستانز، من أجل توخي الدقة والنجاعة عند التحقيق في شأن هؤلاء المشتبهين.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاستجواب يسمى "رادار آيت" حيث يتكون من جدول يضم حوالي 70 سؤالاً، من بينها أسئلة تتعلق بما إذا كان الشخص عنيفاً وهل يمكنه الحصول على أسلحة؟ وكيف يتعامل مع السلطات؟ وهل هو واقع في أزمة شخصية؟ وتتم الإجابة عن هذه الأسئلة وتجميع الأجوبة بهدف الحصول على نتيجة عددية، ثم يتم تحديد درجة خطورة هذا الشخص بحسب عدد النقاط التي تم تجميعها. وبهذه الطريقة، يقوم المكتب الفدرالي للشرطة الجنائية باعتماد معايير موحدة لتقييم الأخطار المتعلقة بالمسلمين المتشددين.
الأساور الإلكترونية
وقد قرر البرلمان الألماني تشريع استخدام الأساور الإلكترونية التي يتم ربطها حول كعب القدم، من أجل مكافحة خطر الهجمات الإرهابية. ويمكن إقرار استخدام هذه الأساور من قبل المحكمة، في حال كانت هناك أدلة تدعم الافتراض الذي يشير إلى أن الشخص المتهم يخطط لشن هجوم إرهابي، وذلك انطلاقاً من السلوك الذي يقوم به.
وينطبق هذا القانون على كل أولئك الذين يشكلون خطراً، والذين يقعون تحت طائلة المكتب الفدرالي للشرطة الجنائية، وبالتحديد عندما يكون الأمر متعلقاً بالإرهاب الدولي. أما بالنسبة للولايات، فهي مسؤولة من جانبها عن الأخطار الموجودة داخلها. فإذا كانت السلطات المحلية في هذه الولايات تريد استخدام الأساور الإلكترونية، فهي تحتاج لسن قوانين.
الترحيل
بالنسبة للترحيل فيجب توفير أسباب مقنعة لاتخاذ هذا القرار عندما يتعلق الأمر بالأجانب فقط بطبيعة الحال.
وتنص الفقرة "58 أ" من قانون الإقامة في الولايات الألمانية، على أن السلطات يمكنها إصدار قرار بالترحيل الفوري لشخص، في حال كان هناك خوف من شن هجوم إرهابي. وغالباً ما تكون الولايات مسؤولة عن هذا الأمر، إلا أنه يمكن أيضاً للسلطات الفدرالية التكفل بهذه القضايا.
وبداية من شهر أغسطس/آب 2017، أصبح احتجاز الأشخاص الذين يشكلون خطراً لفترات أطول من الماضي ممكناً في ولاية بافاريا. فعوضاً عن 14 يوماً، يمكن الاحتفاظ بالمشتبه بهم لمدة غير محدودة، ودون توجيه تهمة جنائية لهم. ولاحقاً، يجب على القاضي أن يعيد النظر في هذا القرار مرة كل ثلاثة أشهر قبل تمديد فترة الإيقاف. وقد أثارت هذه التغييرات انتقادات المدافعين عن حقوق الإنسان الذين باتوا يتحدثون عن فتح باب أمام "الإيقاف بلا نهاية".
تثير قضية مهاجم هامبورغ، الذي قتل رجلاً باستعمال سكين وجرح آخرين، العديد من الأسئلة حول احتمال ارتكاب السلطات الألمانية لأخطاء فادحة. إذ لم يتم ترحيل هذا المهاجر الفلسطيني، على الرغم من أن طلب اللجوء الذي تقدم به تم رفضه بسبب غياب الوثائق اللازمة.
وقال أندي غروته، وزير الداخلية في المدينة الساحلية في تصريحات صحفية "كان معروفاً بأنه إسلامي وليس جهادياً".
وأشار غروته إلى أنه بينما توجد مؤشرات على أنه ربما كان لهجومه دافع إسلامي، فإن المشتبه به يعاني أيضاً من مشكلات نفسية.
وكانت السلطات تصنِّف هذا الشخص على أنه متطرف، على الرغم من أنها لم تعتبره شخصاً خطيراً. فما الذي يجعل هذه التصنيفات مصيرية؟
تقرير لصحيفة Zeit الألمانية حاول رصد المعايير التي تحدد التصنيف بالمتطرفين، وما تبعاته؟ وما مدى تأثيره على المشتبه بهم؟
1- ما تعريف "التهديد"؟
إن تصنيف شخص على أنه يمثل تهديداً لا يكون له أي تبعات قانونية. ولكن في هذه الحالة، يُسمح للسلطات باتخاذ إجراءات إضافية والتثبت من وضعيته. وعموماً، لا يوجد أي تعريف قانوني دقيق وواضح لهذه العبارة.
وتعتبر السلطات الفيدرالية الألمانية أن شخصاً ما يمثل تهديداً عندما تتوفر حقائق واضحة، تبرر أنه قد يرتكب جريمة خطيرة لدوافع سياسية، وخاصة تلك الجرائم التي تشملها الفقرة "100أ" من القانون الجنائي الألماني. وتتضمن هذه الفقرة لائحةً طويلة من الممارسات، التي يمكن اعتبارها تهديداً جدياً، فضلاً عن الحالات التي يسمح فيها بمراقبة خطوط الهاتف.
وفي ألمانيا، تحدد الشرطة المحلية في الولايات، بالتعاون مع المكتب الفيدرالي لحماية الدستور، الشخص الذي يمكن اعتباره خطيراً. ويتم هنا التفريق بين الأشخاص الخطرين وأولئك الذين على علاقة بأشخاص خطرين، أي معارفهم الذين لا يُنظر إليهم على أنهم يشكلون تهديداً.
ويتم تنسيق هذه المعلومات مع وزارة الخارجية، حيث يتم تبادل المعلومات والتنسيق أمنياً بشكل دوري مع إسبانيا، وإيطاليا، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والنمسا، وبولونيا. كما يتم أيضاً إرسال هذه المعلومات إلى الولايات المتحدة.
في الواقع، يرى المنتقدون أن الضبابية التي تلف هذه المسألة، وعدم وجود تعريف قانوني واضح لهذه التهديدات، يعدّ أمراً غير مقبول. فالشرطة المحلية في الولايات الألمانية لها حرية احتجاز الأشخاص الذين يعتبرون خطيرين أو على علاقة بأشخاص آخرين من هذا الصنف، وهو ما من شأنه أن يفتح الباب لغياب العدالة في ألمانيا، بحسب انتقادات حزب لينكس اليساري الألماني.
2- كم عدد المسلمين المصنفين خطراً في ألمانيا؟
بحسب بيانات المكتب الفيدرالي لحماية الدستور، ارتفع عدد المسلمين المتشددين الذين يعتبرون تهديداً إلى مستوى غير مسبوق، حيث وصل إلى 690 شخصاً. ويشهد العدد ارتفاعاً مطرداً؛ إذ من المنتظر أن تزداد وتيرته بسبب الهزائم التي يتعرض لها تنظيم الدولة في سوريا والعراق، بما أن عناصر التنظيم الذين قاتلوا في صفوفه سيُحاولون العودة إلى ألمانيا.
3- مَن هؤلاء الأشخاص؟
يصعب التعامل مع هؤلاء الإرهابيين الذين يشكلون خطراً بسبب استحالة توقع تصرفاتهم، حيث إن منهم من هم مضطربون عقلياً.
وفي هذا السياق، أشار مالك بجبوج، عالم النفس والمُعالج النفسي وخبير علم الأعصاب في مستشفى شاريتي في برلين، إلى إحدى الدراسات التي أجريت في هذا الشأن، حيث أثبتت أن حوالي ثلثي هؤلاء المتطرفين الذين تم التحقيق معهم عاشوا حياة مليئة بالخوف وانعدام الثقة. أما الثلث المتبقّي، فلديهم شخصية متهورة ومندفعة، إذ إن من بينهم من يمتلكون شخصية نرجسية.
كما أشارت هذه الدراسة إلى أن شخصاً من كل اثنين تم استجوابهما تراوده أفكار حول الانتحار. علاوة على ذلك، يعتبر الأشخاص الذين يعيشون أوضاعاً يائسة وفقدوا الأمل هم الأكثر هشاشة واستعْداداً لتقبل الدعايات المتطرفة وغسيل الدماغ، الذي من شأنه أن يؤدي لتبني حلول راديكالية، على ارتداء الأحزمة الناسفة أو شن هجمات عنصرية.
مِن السلفية الجهادية لليمين المسيحي
وخير مثال على هذه التقلبات ما حدث مع الشاب ساشا من مدينة نورتهايم القريبة من غوتنغن في ولاية ساكسونيا السفلى، الذي تم القبض عليه من قبل الشرطة للاشتباه في كونه يخطط للهجوم على جنود ورجال شرطة ألمان.
وفي الحقيقة، عثر المحقّقون على مواد كيميائية وأجهزة إلكترونية كان هذا الشاب السلفي يعتزم استخدامها لتصنيع مواد متفجرة. وبعد ثلاث سنوات من هذه الواقعة، تغيَّرت توجهات الشاب ساشا، وأصبح من الناشطين المتشددين في التيار اليميني المسيحي المتطرف.
وأشارت صحيفة Zeit الألمانية إلى أن السياقات والظروف ومظاهر التشدد تتنوع من شخص إلى آخر. ولذلك، لا توجد شخصية نموذجية يمكن اعتبارها تهديداً، ما يعني أن ممثلي الشرطة الألمانية وسلطات حماية الدستور، الذين يعملون جنباً إلى جنب في "المركز المشترك للتعاون في مكافحة الإرهاب"، مطالبون في كل مرة بتفحص كل حالة بشكل منفرد".
وفي هذا السياق، صرَّح وزير الداخلية في حكومة ولاية ساكسونيا السفلى، بوريس أستريوس، قائلاً: "لا توجد طريقة ثابتة في التعامل مع المسلمين المتشددين الذين يعتبرون بمثابة خطر".
4- كيف تتم مراقبة الأشخاص الخطرين؟
حالما يتم تصنيف شخص على أنه يشكل تهديداً، تقوم مكاتب المحكمة العليا الألمانية بإعداد ملف شخصي له. وهناك، يتم وضع كل المعلومات التي تم تجميعها حوله، على غرار جنسيته، وحالته المدنية، ومعارفه، وأصدقائه، فضلاً عن الرياضات التي يمارسها، واللغات التي يتقنها، ومهارات الكمبيوتر التي اكتسبها. وعندما يتم جمع ما يكفي من المعلومات من أجل توجيه تهمة جنائية، يتم إعلام المدعي العام بهذه الحالة.
وتقوم مكاتب الشرطة الجنائية الفيدرالية بإعداد قوائم موحدة لمجابهة كل المخاطر المحتملة. ويتم تحديث هذه القوائم بصفة دورية كل أربعة أسابيع. في المقابل، تبقى الولايات الألمانية التي يتواجد فيها هذا الشخص المصنف خطراً مسؤولة هي أيضاً عن التعامل مع هذه الحالة.
وفي الواقع، تقوم كل ولاية بوضع القوانين بنفسها، من أجل تحديد أساليب التعامل الأمني. ففي بافاريا على سبيل المثال، يمكن استباق هذه التهديدات قبل وقوعها، ولكن في برلين وولاية شمال الراين وستفاليا يعد ذلك غير مسموح. كما أن مراقبة الأشخاص عبر الإنترنت مسموح بها فقط في بافاريا وولاية "راينلاند بالاتينات".
تفرض الشرطة رقابة لصيقة ومستمرة على مدار الساعة على بعض الأشخاص الخطرين. في المقابل، لا يعد ذلك ممكناً في جميع الحالات، نظراً لأنه من أجل مراقبة شخص على مدى 24 ساعة في اليوم، فإنه يتم تخصيص حوالي 40 شرطياً لهذه المهمة. وفي ظل وجود حوالي 700 شخص مصنفين خطيرين في الوقت الحالي، تتطلب مراقبتهم حوالي 28 ألف شرطي.
5- ما دور اللاجئين؟
دائماً ما يعبر المكتب الفدرالي للشرطة الجنائية عن مخاوفه من مدى سهولة تجنيد اللاجئين من قبل شبكات متشددة. لكن في أغلب الحالات التي يتم التثبت منها، يتبين أن هذا الادعاء غير صحيح. فالسّلطات غير مخولة بتقديم أرقام محددة، ولكنها تشير إلى أن حوالي نصف من يصنفون خطراً يحملون جواز سفر ألمانياً. أما النصف الآخر، فإما يحملون جوازات أجنبية، أو هم لاجئون، حيث لا يتم تسجيل اللاجئين بشكل منفصل.
6- ما الإجراءات الوقائية المعتمدة؟
اتخذت السلطات إجراءات متنوعة من أجل التوقي من قيام المشتبه بهم بشن هجمات إرهابية حيث يتم فحص نشاط الإرهابيين المفترضين وتحذيرهم من خلال استعمال خطاب حاد اللهجة من قبل مكتب حماية الدستور أو الشرطة الجنائية في الولاية.
وفي هذا الصدد، يقوم عناصر الشرطة بالبحث عن المتطرفين المفترضين، وطرح أسئلة عليهم حول توجهاتهم وأفكارهم. في المقابل، لا يحصل هؤلاء العناصر غالباً على إشارات واضحة بهذه الطريقة حول تطرف هؤلاء الأشخاص من عدمه. كما أن السلطات ملزمة بإبلاغ هؤلاء الأشخاص بأنه تم وضعهم تحت المراقبة.
أما بالنسبة للسلطات المحلية في الولايات المحلية، فهي تقوم بتصنيف الناس إلى خطرين وغير خطرين، بالاستناد إلى التجارب العملية للأجهزة الأمنية. وخلال العامين الماضيين قام المكتب الفدرالي للشرطة الجنائية بتطوير نموذج تقييم، بالتعاون مع علماء نفس من جامعة كونستانز، من أجل توخي الدقة والنجاعة عند التحقيق في شأن هؤلاء المشتبهين.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاستجواب يسمى "رادار آيت" حيث يتكون من جدول يضم حوالي 70 سؤالاً، من بينها أسئلة تتعلق بما إذا كان الشخص عنيفاً وهل يمكنه الحصول على أسلحة؟ وكيف يتعامل مع السلطات؟ وهل هو واقع في أزمة شخصية؟ وتتم الإجابة عن هذه الأسئلة وتجميع الأجوبة بهدف الحصول على نتيجة عددية، ثم يتم تحديد درجة خطورة هذا الشخص بحسب عدد النقاط التي تم تجميعها. وبهذه الطريقة، يقوم المكتب الفدرالي للشرطة الجنائية باعتماد معايير موحدة لتقييم الأخطار المتعلقة بالمسلمين المتشددين.
الأساور الإلكترونية
وقد قرر البرلمان الألماني تشريع استخدام الأساور الإلكترونية التي يتم ربطها حول كعب القدم، من أجل مكافحة خطر الهجمات الإرهابية. ويمكن إقرار استخدام هذه الأساور من قبل المحكمة، في حال كانت هناك أدلة تدعم الافتراض الذي يشير إلى أن الشخص المتهم يخطط لشن هجوم إرهابي، وذلك انطلاقاً من السلوك الذي يقوم به.
وينطبق هذا القانون على كل أولئك الذين يشكلون خطراً، والذين يقعون تحت طائلة المكتب الفدرالي للشرطة الجنائية، وبالتحديد عندما يكون الأمر متعلقاً بالإرهاب الدولي. أما بالنسبة للولايات، فهي مسؤولة من جانبها عن الأخطار الموجودة داخلها. فإذا كانت السلطات المحلية في هذه الولايات تريد استخدام الأساور الإلكترونية، فهي تحتاج لسن قوانين.
الترحيل
بالنسبة للترحيل فيجب توفير أسباب مقنعة لاتخاذ هذا القرار عندما يتعلق الأمر بالأجانب فقط بطبيعة الحال.
وتنص الفقرة "58 أ" من قانون الإقامة في الولايات الألمانية، على أن السلطات يمكنها إصدار قرار بالترحيل الفوري لشخص، في حال كان هناك خوف من شن هجوم إرهابي. وغالباً ما تكون الولايات مسؤولة عن هذا الأمر، إلا أنه يمكن أيضاً للسلطات الفدرالية التكفل بهذه القضايا.
وبداية من شهر أغسطس/آب 2017، أصبح احتجاز الأشخاص الذين يشكلون خطراً لفترات أطول من الماضي ممكناً في ولاية بافاريا. فعوضاً عن 14 يوماً، يمكن الاحتفاظ بالمشتبه بهم لمدة غير محدودة، ودون توجيه تهمة جنائية لهم. ولاحقاً، يجب على القاضي أن يعيد النظر في هذا القرار مرة كل ثلاثة أشهر قبل تمديد فترة الإيقاف. وقد أثارت هذه التغييرات انتقادات المدافعين عن حقوق الإنسان الذين باتوا يتحدثون عن فتح باب أمام "الإيقاف بلا نهاية".
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2017/08/02/story_n_17655274.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات