كنتُ كمعظم أفراد جيلي، أحلم بغدٍ مليء بالزهور التي يصوّرها لنا المجتمع، ننظر جميعنا من نفس النافذة لنرى أن هذا هو الصحيح ولا يصحّ غيره، وأن الدراسة إن لم تنتج دكتوراً فهي و"قعدة المصطبة" واحد، وأن الاختيار بين الكليات ليس على قدر ميولك لها بل على قدر مالِها ونظرة الناس، (وكلامي لا ينفي العكس تماماً)، فأخذني القلق قليلاً أن يضيع حلم السنين المنتظر.
الطب.. الهوس الذي يصيبنا عندما نقول هذه الكلمة وما تنطوي عليه من معانٍ كان كافياً لأن أكون مغرماً بحلمي الجميل وهو على أعتاب التحقق، وعندما كانت تراودني فكرة أن يحرمني التنسيق مما هو حق لي كنت أصاب بالرعب مما أودى بي إلى خارج البلاد لأخذ الثانوية هناك في البلاد "سهلة التعليم" على الرغم من كونها تدرس منهجاً بريطانياً من أقيم وأفضل المناهج في العالم!
وما لبثت برهة حتى صرتُ من المتفوقين هناك، لا أنكر أن الدراسة هناك أسهل من مصر مئات المرات، ولكن من قال إن الصعوبة هي أساس قوة التعليم، عندها فقط كنت أنام مطمئناً على حلمي الذي سيأتي بسهولة لم أتوقعها يوماً وسأرجعُ يوماً ما لبلادي أكمل دراستي الجامعية هناك.
لم يخطر ببالي وقتها أنني غير مرحبٍ بي في بلادي مرةً أخرى، "الوطن لم يعد يريدنا" هل لأني ذهبت بعيداً يا ترى؟! فاشتاق لنا الوطن وأراد أن يعاقبنا؟! يا ليت الأمر كان كذلك! بعد شهور أتفاجأ بحكمٍ غيابي بتُهم لا أعلم عنها شيئاً، إلا الحكم الصادر بالحبس عشرة أعوام لأجل فقط رفض الظلم! لم يفجعني الحكم كثيراً حينها ما زال هناك الوقت ليجدّ جديد ويتغير الحال أمامي سنة كاملة لدراسة الثانوية العامة هنا وبعدها تكون القضية قد بُرئت منها، ولكن ها هو العام مضى سريعاً ولم يَجِدَّ سوى أنني أنهيت الثانوية، والجامعة على الأبواب.
لعل هذا القدر كتبه الله لي؛ لكي أؤمن وأحصن حلمي أكثر وأكثر من وَحش التنسيق المرعب المُطبق في بلادي، عندما راودني هذا التفكير نسيتُ كل اللجة التي رمانا فيها الوطن.
ولكن التغيرات تحدث بين الثانية وأختها، بعدها فكرت لبرهة في كون الطب هو الاختيار المناسب من عدمه وبعد بحثٍ طويل وشرود أطول توصلت إلى أن الطب مجرد كابوس يطارد الطالب العربي بسنوات دراسته الطوال، ولا بد من الماستر قبل التخصص، أي أنك يا عزيزي ستتخرج بعد الثلاثين وعندما تبدأ في العمل والترتيب للزواج وما إلى ذلك ستكون قد ضيّعت ما يقارب نصف ربيع شبابك في الركض وراء أهداف وهمية اختلقها المجتمع وظروفه ونظرتنا السطحية للأمور المادية.
لا أنكر أن النظر إلى الحياة العملية لا بد منه ولكن ليس لدرجة أن يكون هو حجر الأساس في اختيارك.
لأنك ببساطة لن تعيش عمرك في شخص لا ترغب أن تكونه لأجل مال ستتركه يوماً ما وتموت! لا بد أن نبُث لحياتنا حياة، لم يخلق الإنسان لأجل تجميع مال فقط، الحياة أكبر من ذلك بكثير! بل إن أمعنا النظر فسنرى أن الاختيار الذي تميل له وشغوف به ستبدع فيه وتفتح أمامك أبواباً كثيرة للحياة العملية.
وعلى الرغم من أن مجموع ثانويتي يفوق تنسيق الطب في البلاد التي سأدرس بها فإنني لم أعد أريده!
يبدو أننا كبرنا على أحلامنا القديمة أو تكابرت هي علينا! لا أدري ربما الاثنان معاً ولكن ما أنا واثق منه أنني الآن فقط متأكد يقيناً أنني في الطريق الصحيح بعد البحث والاطلاع وهذا ما يهمني ويطمئن قلبي.
إن أمتنا سئمت من ولادة أناس عاديين يريدون نفس الشيء بلا تفكير فيما يريدون هم أنفسهم بدون النظر إلى المجتمع.
وأعتقد أن هذه نقطة جوهرية وأحد أسباب وجود الفارق بيننا وبين الغرب، يمكننا الجزم بأنه إذا أقلع من ليست لهم ميول مهنية وعقلية ونفسية للطب فسيبدع من يريدون الطب فعلاً، ويتجه هذا الكم الهائل إلى ميولهم الحقيقية ليبتكروا الجديد وندخل سبق الحضارة من جديد، وكذلك التكنولوجيا العلم الذي لم نساهم فيه (نحن العرب) بعد أبداً!
بلادنا تريدُ جيلاً مختلفاً لا يترك هدفه لظروف الحياة، وإن كانت ظروفنا نحن العرب اليوم لا ترضي حبيباً ولا عدواً (منَّا)، وحالنا بات على لسان القاصي والداني، ولكن إن الأمة تفتقر كل الفقر لمثل مَن هم ينيرون كل طريق مشوا فيه لديهم هدف واضح كالشمس ويصغرون كل عائق يقف أمامهم، يمحون عنَّا كل شائبةٍ للحياة ليقولوا للعالم من حولنا الزموا حدَّكم نحن العرب فخرُ التاريخ على مر العصور، كُنَّا كذلك وسنكون بإذن الله، وغداً ينقلب الحال وتعتدل الموازين ويجازى كل ظالم أراد بهذه الأمة سوءاً.
الطب.. الهوس الذي يصيبنا عندما نقول هذه الكلمة وما تنطوي عليه من معانٍ كان كافياً لأن أكون مغرماً بحلمي الجميل وهو على أعتاب التحقق، وعندما كانت تراودني فكرة أن يحرمني التنسيق مما هو حق لي كنت أصاب بالرعب مما أودى بي إلى خارج البلاد لأخذ الثانوية هناك في البلاد "سهلة التعليم" على الرغم من كونها تدرس منهجاً بريطانياً من أقيم وأفضل المناهج في العالم!
وما لبثت برهة حتى صرتُ من المتفوقين هناك، لا أنكر أن الدراسة هناك أسهل من مصر مئات المرات، ولكن من قال إن الصعوبة هي أساس قوة التعليم، عندها فقط كنت أنام مطمئناً على حلمي الذي سيأتي بسهولة لم أتوقعها يوماً وسأرجعُ يوماً ما لبلادي أكمل دراستي الجامعية هناك.
لم يخطر ببالي وقتها أنني غير مرحبٍ بي في بلادي مرةً أخرى، "الوطن لم يعد يريدنا" هل لأني ذهبت بعيداً يا ترى؟! فاشتاق لنا الوطن وأراد أن يعاقبنا؟! يا ليت الأمر كان كذلك! بعد شهور أتفاجأ بحكمٍ غيابي بتُهم لا أعلم عنها شيئاً، إلا الحكم الصادر بالحبس عشرة أعوام لأجل فقط رفض الظلم! لم يفجعني الحكم كثيراً حينها ما زال هناك الوقت ليجدّ جديد ويتغير الحال أمامي سنة كاملة لدراسة الثانوية العامة هنا وبعدها تكون القضية قد بُرئت منها، ولكن ها هو العام مضى سريعاً ولم يَجِدَّ سوى أنني أنهيت الثانوية، والجامعة على الأبواب.
لعل هذا القدر كتبه الله لي؛ لكي أؤمن وأحصن حلمي أكثر وأكثر من وَحش التنسيق المرعب المُطبق في بلادي، عندما راودني هذا التفكير نسيتُ كل اللجة التي رمانا فيها الوطن.
ولكن التغيرات تحدث بين الثانية وأختها، بعدها فكرت لبرهة في كون الطب هو الاختيار المناسب من عدمه وبعد بحثٍ طويل وشرود أطول توصلت إلى أن الطب مجرد كابوس يطارد الطالب العربي بسنوات دراسته الطوال، ولا بد من الماستر قبل التخصص، أي أنك يا عزيزي ستتخرج بعد الثلاثين وعندما تبدأ في العمل والترتيب للزواج وما إلى ذلك ستكون قد ضيّعت ما يقارب نصف ربيع شبابك في الركض وراء أهداف وهمية اختلقها المجتمع وظروفه ونظرتنا السطحية للأمور المادية.
لا أنكر أن النظر إلى الحياة العملية لا بد منه ولكن ليس لدرجة أن يكون هو حجر الأساس في اختيارك.
لأنك ببساطة لن تعيش عمرك في شخص لا ترغب أن تكونه لأجل مال ستتركه يوماً ما وتموت! لا بد أن نبُث لحياتنا حياة، لم يخلق الإنسان لأجل تجميع مال فقط، الحياة أكبر من ذلك بكثير! بل إن أمعنا النظر فسنرى أن الاختيار الذي تميل له وشغوف به ستبدع فيه وتفتح أمامك أبواباً كثيرة للحياة العملية.
وعلى الرغم من أن مجموع ثانويتي يفوق تنسيق الطب في البلاد التي سأدرس بها فإنني لم أعد أريده!
يبدو أننا كبرنا على أحلامنا القديمة أو تكابرت هي علينا! لا أدري ربما الاثنان معاً ولكن ما أنا واثق منه أنني الآن فقط متأكد يقيناً أنني في الطريق الصحيح بعد البحث والاطلاع وهذا ما يهمني ويطمئن قلبي.
إن أمتنا سئمت من ولادة أناس عاديين يريدون نفس الشيء بلا تفكير فيما يريدون هم أنفسهم بدون النظر إلى المجتمع.
وأعتقد أن هذه نقطة جوهرية وأحد أسباب وجود الفارق بيننا وبين الغرب، يمكننا الجزم بأنه إذا أقلع من ليست لهم ميول مهنية وعقلية ونفسية للطب فسيبدع من يريدون الطب فعلاً، ويتجه هذا الكم الهائل إلى ميولهم الحقيقية ليبتكروا الجديد وندخل سبق الحضارة من جديد، وكذلك التكنولوجيا العلم الذي لم نساهم فيه (نحن العرب) بعد أبداً!
بلادنا تريدُ جيلاً مختلفاً لا يترك هدفه لظروف الحياة، وإن كانت ظروفنا نحن العرب اليوم لا ترضي حبيباً ولا عدواً (منَّا)، وحالنا بات على لسان القاصي والداني، ولكن إن الأمة تفتقر كل الفقر لمثل مَن هم ينيرون كل طريق مشوا فيه لديهم هدف واضح كالشمس ويصغرون كل عائق يقف أمامهم، يمحون عنَّا كل شائبةٍ للحياة ليقولوا للعالم من حولنا الزموا حدَّكم نحن العرب فخرُ التاريخ على مر العصور، كُنَّا كذلك وسنكون بإذن الله، وغداً ينقلب الحال وتعتدل الموازين ويجازى كل ظالم أراد بهذه الأمة سوءاً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/ahmed-said-amer/post_15673_b_17786820.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات