الاثنين، 14 أغسطس 2017

جنائز المدن

جنائز المدن

هل كُتب علينا أن نشيّع جنائز مُدننا إلى قبور الخراب والدمار واحدةً تلو الأخرى، هل كُتب على هذا الجيل أن يشهد نهايات المدن التي نشأ وتربّى فيها هو وآباؤه وأجداد أجداده، هل خطر ببال أحد من أبناء الموصل أو غيرها من حواضرنا المدمرة وهو عائد من نزهة مع أصدقائه في ليلة ما يسير آمناً مطمئناً في شوارعها الصاخبة، أن يحيق بها ما حاق من دمار وخراب.

كنا نقرأ عن تدمير المغول لمدن المسلمين ونتخيل صور الدمار والخراب التي سجلتها كتب التاريخ، ولكن خيالنا لم يتجرأ على الوصول بالدمار للمستوى الذي نشاهده في مدننا الآن، مع أن الواقع هو مَن يقصر دوماً دون الخيال.

الدمار يحيط بنا إحاطة السوار بالمعصم، وحكامنا يأبون إلا أن يصوروا هدم المدن على ساكنيها في صورة الفتوح العظيمة، تسمع عبارات رنانة وفرحة هيستيرية تزخر بها الشاشات.

يطلبون منا أن نفرح بتدمير مدننا وأن نعتبر هذا الدمار فتحاً من فتوح التاريخ، وكل حجتهم في فرحتهم المزعومة، أنهم طهروا مدننا من الإرهاب الذي دخل تحت أسماعهم وأبصارهم، وإذا لمحوا في عيونك دمع الحزن على مدينتك التي أجهزوا عليها وحولوها إلى أطلال رمادية اللون، قد يتهمونك بتهمة التعاطف مع الإرهاب.

المطلوب من كل مواطن شريف من وجهة نظرهم أن يرقص فرحاً على أطلال مدينته، وذلك لأن الأشاوس الجالسين على كراسي الحكم نجحوا في القضاء على الإرهاب.

وإذا تجرأت وسألت عمن سمح لهذا الإرهاب أن يحتل مدننا ويسيطر على مقدراتنا، أليسوا هم المسؤولين عن دخول هذا الإرهاب إلى عمق مدننا؟ ألم تكونوا أنتم المسؤولين عن حماية أوطاننا؟ تهربوا من أسئلتك بالمبالغة في الصراخ تعبيراً عن الفرحة، وإذا أردت أن تلفت أنظارهم إلى أن هذه الأطلال التي يرقصون عليها تحولت لمقابر للمدنيين الذين كانوا من ساكنيها، وشاء حظهم العاثر أن يحتجزوا في مدينتهم وحيل بينهم وبين الفرار كما فررتم أنتم من الإرهاب، قالوا لك: إن هذا ثمن التحرر من الإرهاب.

يتحدثون عن انتصار على داعش في الموصل، انتصار كان ثمنه تدمير مدينة من درر عالمنا الإسلامي كمدينة الموصل، تلك المدينة التي يعلم قيمتها كل مَن فتح كتاباً للتاريخ في يوم من الأيام، انتصار ذهب ضحيته الآلاف من الضحايا الأبرياء الذين قضوا نحبهم تحت أنقاض بيوتهم التي بنوها بأيديهم، وأنقاض معالم مدينتهم التي توارثوها كابراً عن كابر ونحن لا يفصلنا عن تفجير المئذنة الحدباء "شعار مدينة الموصل" إلا أيام معدودات.

تدمرت الموصل تاركةً في القلب جرحاً لا يندمل، ولكن السؤال الذي سألناه لأنفسنا عندما رأينا دمار حلب من قبل: هل ستكون الموصل هي المدينة الأخيرة التي نراها أنقاضاً خربةً خاويةً على عروشها؟ أم أن مسلسل الدمار هذا ما زال مستمراً وسيشمل مدناً وعواصم أخرى من عالمنا الإسلامي والعربي؟



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/ali-khairy/story_b_17571728.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات